التلغراف وصل مصر.. حكاية تطور التلغراف من الألف للياء
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
كثيرا منا اليوم لا يعرف التلغراف أو البرقية إلا من خلال بعض المشاهد التلفزيونية المميزة فكل من تابع المسلسلات المخابرتيه لا بد أنه شاهد لقطات وصول البرقيات المهمة بين العميل السري وطاقم العمل لقطات مسجلة احتفظنا بها في ذاكرتنا وارتبط صوت إشارتها بإشارة جاسوس، أما اليوم فنحن لا نتعامل مع البرقية إلا فيما ندر ولم ندرك أهميتها في ظل عصر ال SMS والإنترنت والهواتف المحمولة.
أما محمد علي باشا فقد أدرك أهمية مواكبة التكنولوجيا العصرية وقرر أن تتمتع مصر بها ليستفيد منها المصريون فقد اهتم محمد علي كثيرا بالتلغراف على اعتبار أنه أحدث وسائل الإتصالات الأمر الذي دفعه الى إصدار أمر الى عموم مأموري الأقاليم المصرية يطلب فيه جمع 150 فردا لتعليمهم فن الإشارة في أقرب وقت وقرر صرف مبلغ 30 قرشا شهريا لكل نفر من الأنفار الجدد بعد تعليمهم على أن يصرف لهم بعد ذلك ماهية شهرية كبقية زملائهم في العمل.
وبالفعل شيدت أبراج الإشارة بين القاهرة والإسكندرية وتولى "المسيو كوست" هذا العمل وبلغ عدد الأبراج 19 برجا تتراوح أقطارها بين 5 و7 أقطار وارتفاعها بين 9 و22 مترا.
كانت طريقة "شارب" هي الطريقة المتبعة في نقل الإشارات وهي تعتمد على عدد كبير من المحطات نتنقل الرسائل البرقية فيما بينها بطريقة الإشارات وكانت الرسالة تصل من الإسكندرية إلى القاهره بهذه الطريقه في 40 دقيقة.
وظلت هذة الطريقة حتى عهد محمد سعيد باشا الذي اصدر أوامره عام 1854م باستخدام التلغراف الهوائي وهو يعد من أقدم الإختراعات الحديثة المعمول بها في مصر والتلغراف الهوائي البسيط كان يعمل في بدايه ظهوره عن طريق البطاريات المشحونة حيث كان بكل مركز من مراكز التلغرافات مجموعة من البطاريات يتم استبدالها بغيرها اذا تعرضت للتلف أو ضعفت شحنتها حتى لا تؤثر على البرقيات ولم يقتصر إهتمام سعيد باشا على استخدام التلغراف الهوائي بل جعل له مدرسة خاصة سميت بمدرسة التلغراف وطلب من رفاعة الطهطاوي أن يعد له بعض الطلبة لدراسة فنون التلغراف وظلت المدرسة تعمل لتخريج عمال وفنيين مهرة في هذا المجال كما تم تعيين مجموعة من العمال تجيد اللغات الأجنبية بهدف ترجمة وبيان التلغرافات الواردة من الخارج وظلت المدرسة قائمة تعمل حتى أواخر القرن التاسع عشر.
استمر تحديث التلغراف والاهتمام به لا سيما مع تولي الخديوي اسماعيل حكم مصر حيث تعاقد مع قومبانيه تلغراف الإنجليز والهند من أجل توسيع دائرة تلغراف مصر ومد خط تلغرافي من مصر الى بومباي ومنه الى الصين وأستراليا وفي عام 1868 تم وضع خط تلغراف بين مصر وإنجلترا وفي نفس العام تم وضع خط بين الآن بين الإسكندرية ومالطة كما اعمل الخديوي على مد الخطوط التلغرافية في بلاد السودان لسهولة الإتصال.
ومع مر العصور تطور التلغراف إلى تم تأسيس شركة والتي أصبحت لاحقا "المصرية للاتصالات" وفي عام 1881م تم تثبيت أول خط هاتف بين القاهرة والإسكندرية وتم مد خطوط الهاتف إلى محافظات مصرية أخرى مثل الإسماعيلية وبورسعيد والسويس.
الجدير بالذكر أن "صمويل فينلي بريز مورس" هو من اخترع التلغراف بأمريكا عام 1835 وعمل على أحداث ثورة في مجال الاتصالات.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التلغراف محمد علي باشا التكنولوجيا
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي يكتب: حكاية من دفتر الأزهري
تظل المواقف الصغيرة والكلمات للزعماء واصحاب الرئاسات هي المفاتيح الأساسية للتوثيق لحياتهم وتجاربهم وللاستفادة من أيامهم في الحكم والسيادة، بما فيها من انجازات وأخطاء ومواقف بين بين.
وللأسف أن الذاكرة الصحفية في التأليف والنشر فشلت فشلا ذريعا في توثيق هذه المفاتيح المعرفية عن شخصياتنا العامة، فاختلطت الحقائق بالأكاذيب، وهوى النفس وشحها في تعريف القيادات وتسويقها.
فمن في كل الاجيال التي تعاقبت يعرف السيرة الحقيقية للامام المهدي وللخليفة عبدالله ود تورشين، من منا يعرف السيرة الحقيقية للامام عبد الرحمن والسيد علي الميرغني والزعيم اسماعيل الأزهري والفريق عبود والمحجوب وعبدالله خليل وسر الختم الخليفة وجعفر نميري وسوار الدهب والصادق المهدي والفريق البشير وعبد الخالق محجوب وحسن الترابي وبابكر كرار والشريف حسين الهندي والشريف زين العابدين الهندي ومحمود محمد طه والرشيد الطاهر ومحمد ابراهيم نقد وكبيدة وبابكر النور وحسن حسين وبقية الأسماء التي حكمت أو حاولت أن تحكم السودان، عن سيرتهم الحقيقية أو الوجة الآخر.
إن كل الذي ورثناه عن هؤلاء مجرد تصريحات باردة كانت تردُ في الصحف اليومية والإذاعات ومجالس المديح الحزبي، تلك المجالس التي كان كل همها أن تكذب بصدق.
خطرت لي هذه الخاطرة وقد تركت ورائي كراسة قديمة سجلت فيها الكثير من الاقوال والاحداث الصغيرة والكبيرة للزعماء السودانيين من أفواه من عاصروا هؤلاء الكبار وجالسوهم، ونحن جيل محظوظ فقد شاهدنا أغلب هؤلاء واستمعنا لاصدقائهم واحبابهم ومنتقديهم وأعدائهم، نعم التقيناهم عيانا وكفاحا.
هذه الكراسة الثمينة ما زالت بعيدة، ولكن ما زال في الذاكرة شي من الحضور والالتماع النسبي الذي يضيئ كل ما ذكرنا عن تلك الشخصيات وتلك المواقف ويشحذ الذاكرة ببريقه.
ومن مئات الحكايات تذكرت هذه عن الزعيم الوطني الراحل اسماعيل الأزهري الذي جاء من زنزانته في كوبر إلى مقابر البكري وكانت مساحة الزمن ما بين السجن والمقابر عدة ساعات. وقد كرمني الله وأنا صبي أن اكون في قلب المظاهرة التي ودعت الشهيد الأزهري رافع علم الاستقلال وقد قادتها بجرأة وشجاعة الراحلة الدكتورة سعاد الفاتح متحدية مع الالاف سلطة مايو الماركسية انذاك، والتي فجعتنا في الرجل الكبير مرتين، الأولى بسجنه واغتياله والثانية ببيان محجوب عثمان وزير الاعلام يومها وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، فقد اذاعت ابواقه الخبر بالعبارة الوضيعة الشهيرة (توفي صباح اليوم اسماعيل سيد احمد الأزهري المعلم بالمعارف السودانية)
قال الشاهد إن مجموعة من الاتحاديين المساهمين في الحزب بأموالهم ودعمهم في الدوائر جاءوا يوما للزعيم الأزهري وكان يومها رئيسا لمجلس السيادة ملتمسين منه الغاء أمر عسكري بارسال ابنهم الضابط إلى جنوب السودان ليخوض مع رفاقه معارك الشرف ضد المتمردين. استمع لهم الأزهري في صبرٍ وجلد رغم ما كان يعتصر قلبه من حزن وغضب من الطلب الغريب.
فامسك بمسرة الهاتف واتصل بالسيد وزير الدفاع وهم ينظرون وقال بلهجة ساخرة: ( يا سعادته ما عندكم ياخي ضابط هامل اهله ما حريصين على حياته ومارقنو للربا والتلاف يمشي الجنوب مقاتلا بديلا لضابط من اولاد المصارين البيض؟ واغلق السماعة.
وحدق فيهم في غضب مُلهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة. وطالت دقائق الصمت والتحديق بطيئة كأنها دهرٌ، وحينها أدرك الوفد الرسالة فانسحبوا في هدوءٍ ولم يعودوا.
اتمنى من كل قلبي عزيزي القارئ أن تكون هذه الحكاية محفزة لك ومحرضة لكي تجند نفسك من الآن لتجميع هذه الحكايات الصغيرة، فتلك الحكايات هي اللبنات الصلبة التي يمكن أن نبني بها ما تبقى من صرح دولة ٥٦.
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب