الجزيرة:
2024-07-08@09:35:26 GMT

جورج أورويل.. صحفي وروائي وناقد سياسي بريطاني

تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT

جورج أورويل.. صحفي وروائي وناقد سياسي بريطاني

جورج أورويل، كاتب بريطاني ولد بالهند وترعرع في بريطانيا، لم تتوفر له فرص دراسية جيدة فانضم للشرطة الإمبراطورية، وخدم ضابطا فيها لمدة 5 أعوام، لكنه خرج منها ناقما على الاستعمار والحكم الشمولي ومناصرا للديموقراطية الاشتراكية.

كان صحفيا وناقدا وروائيا، كتب اثنتين من أشهر الروايات السياسية في العالم، هما "مزرعة الحيوان" و"1984″، وعاش آخر أيامه في مزرعة نائية مع ابنه بالتبني وشقيقته، ومات بالسل في الـ46 من عمره عام 1950.

المولد والنشأة

ولد جورج أورويل يوم 25 يونيو/حزيران 1903 بمدينة موتيهاري في إقليم البنغال الهندي آنذاك، واسمه الحقيقي إريك آرثر بلير.

انتمت أسرته إلى الطبقة المتوسطة، فوالده ريتشارد والم سلي بلير كان مسؤولا ثانويا لبريطانيا في الخدمة الوطنية الهندية، إذ تولى الإشراف على إنتاج الأفيون وتصديره إلى الصين آنذاك.

وكانت والدته إيدا مابل ليموزين ابنة تاجر خشب فرنسي له مزارع عدة في جامايكا، ونشأت في بورما (ميانمار)، كما كان جده توماس آرثر بلير رجل دين.

وقبل إتمام عامه الأول، نقلته والدته مع شقيقته الكبرى مارغوري إلى بريطانيا، فترعرع في هونلي أون تيمز عاصمة مقاطعة أكسفورد شاير، وكان أورويل يصف طبقة عائلته بأنها "الطبقة الوسطى العليا الدنيا".

وكان يشرح ذلك بقوله إنهم من الطبقة الوسطى لأنهم بالفعل كذلك، ومن الطبقة العليا لأنهم يطمحون لذلك، ومن الطبقة الدنيا لأنهم لا يملكون المال.

لم يكن أورويل مهتما بدراسته، لكنه أحب الكتابة منذ صغره، فكان يكتب في مجلة الكلية، كما شارك في لعبة "حائط إيتون"، وهي لعبة شبيهة بكرة القدم.

وكانت علامات الذكاء والنبوغ ظاهرة على أورويل منذ صغره، لكنه كان انطوائيا وحساسا، مما جعل البعض يعتبره غريب أطوار.

التكوين العلمي

في سن الثامنة ذهب أورويل إلى مدرسة سانت سيبيريان الداخلية على ساحل مقاطعة ساسكس في جنوب شرق إنجلترا، ودرس فيها سنوات الإعدادية حتى أصبح عمره 13 عاما.

وكتب أورويل عن الوقت الذي قضاه في تلك الإعدادية فصلا ساخرا عنونه "هكذا كانت الأفراح"، وكان منذ تلك المرحلة المبكرة صاحب وعي طبقي، وتجلى ذلك في كتاباته، لكنه لم يكن محبا للدراسة.

بدأ أورويل الكتابة في مرحلة مبكرة جدا، فكتب قصيدتين نُشرتا في الصحيفة المحلية، وحصل على المرتبة الثانية وأشاد بقصيدتيه مفتش المدرسة الخارجي.

وحصل لجدارته على منحتين دراسيتين بمدرستي ويليغنتون وإيتون، وكانت إيتون مدرسة إنجليزية مرموقة وعريقة، فدرس أولا في ويليغنتون لفترة وجيزة. ثم التحق بإيتون في سن الـ13 عاما وبقي فيها حتى بلغ الـ18 من عمره، لكنه لم يتخرج منها بتميز، ومن ثم لم يكمل دراسته الجامعية، ولم تستطع أسرته التكفل بنفقات تعليمه.

ولم يكن ذلك غريبا، لأن جورج أولى القراءة اهتماما أكبر مما أولاه لمذاكرة المواد الدراسية، فقرأ لعدد من المفكرين والأدباء مثل جورج برنارد شو وصموئيل بتلر.

وكان متأثرا بشكل خاص بالروائي الإنجليزي ليونارد هكسلي، وكان هكسلي ينشر كتاباته في دوريات المدرسة وأستاذا فيها.

من التجنيد إلى الصحافة

بعد فشله في الحصول على منحة دراسية لإتمام تعليمه العالي، ترك التعليم عام 1921، وقررت أسرته أن يلتحق بالشرطة الإمبراطورية البريطانية، فخضع لامتحانات قبول الخدمة الوطنية في الهند، واجتازها فانتقل إلى بورما.

وعمل في بورما مساعدا لمشرف الشرطة الإمبراطورية الهندية، وأثرت تلك الفترة في أفكاره، لأنه كان مناهضا للاستعمار البريطاني، وخجلا من انتمائه إلى صفوفه.

وأمضى الفترة من عام 1922 إلى 1927 مع الشرطة الإمبراطورية في بورما، ولم تكن تلك السنوات الخمس سعيدة بالنسبة له، فغادر عائدا إلى إنجلترا.

وفي يناير/كانون الثاني عام 1928، قرر الاستقالة من منصبه في الشرطة الإمبراطورية، إذ كانت الحواجز العرقية والطبقية تحول بينه وبين الاختلاط بالبورميين.

ومحاولة للتخفيف من الشعور بالذنب، انتقل للعيش في الجهة الشرقية من لندن، حيث الأحياء متواضعة والسكان فقراء أو متسولون، وقرر أن يمتهن الكتابة.

لم ينجح أورويل في الاعتماد على الكتابة في تلك الفترة، فانتقل إلى فرنسا، حيث عمل في وظائف بسيطة، منها غاسل أطباق في المطاعم، وكتب قصصا وروايات لكنها لم تنشر.

ثم نشر كتابه الأول "متشرد في باريس ولندن" عام 1933، وكانت تلك بداية استخدامه لاسمه المستعار الذي عرف به، والمستوحى من نهر أورويل في مدينة سوفولك البريطانية، إذ لم يرد أن يلحق ضررا بأسرته.

ثم نشر روايته الأولى "أيام في بورما" عام 1934، وأظهرت تلك الرواية شخصية جورج أورويل الروائي الناقد لأسلوب المستعمر. وكان أورويل في تلك الفترة يعد نفسه اشتراكيا، ومؤمنا بالديموقراطية الاشتراكية.

وعام 1936، كُلّف بكتابة تقرير عن الفقر بين عمال المناجم العاطلين في شمال إنجلترا، مما أسفر عن كتابه "الطريق إلى رصيف ويغان" المنشور في مارس/آذار 1936.

وفي ذلك الكتاب، وصف الأحوال المزرية التي يعيشها عمال المناجم العاطلين في لانكشر ويوركشاير، التي كانت مناطق الشمال الصناعية قبل الحرب العالمية الثانية، ووجه انتقادات لاذعة للحركات الاشتراكية القائمة آنذاك.

وأواخر عام 1936 سافر إلى إسبانيا، راغبا في القتال مع قوات المعارضة الجمهورية ضد القوميين، في الحرب الأهلية في أثناء الثورة على فرانكو.

وأصيب في تلك التجربة بجروح خطرة وقاتل ضد الشيوعيين في برشلونة، وفرّ خوفا على حياته من الشيوعيين، الذين قمعوا ثوار الاشتراكية، فحوّلته تلك التجربة إلى مناهض للستالينية مدى الحياة.

وعام 1938 وبعد تجربة مشاركته التطوعية في الحرب الأهلية الإسبانية، ترسخ عنده خوف وبغض للشيوعية، فألف كتاب "الحنين إلى كتالونيا" أو "تحيا كتالونيا"، الذي اعتبره النقاد من أفضل أعماله الأدبية.

ورغب أورويل في الخدمة بالجيش في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن ظروفه الصحية منعته من ذلك، فعمل بين عامي 1941 و1943 في الدعاية بهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC).

وعام 1943، عمل محررا أدبيا لمجلة "ذا تريبيون" التابعة لحزب العمل الاشتراكي اليساري، وكان يكتب بانتظام في عمود بعنوان "كما أريد".

وكان صحفيا غزير الإنتاج، إذ يكتب المقالات والمراجعات والكتب، وكتب في عدة صحف عن تشارلز ديكينز.

جورج أورويل أوصى زوجته بألا تكتب سيرته الذاتية فقاومت زوجته سونيا محاولات المهتمين (غيتي) تجربة الزواج

لم يكن جورج أورويل لبقا مع النساء، ولم تكن علاقاته تستمر طويلا، إلا أن طالبة الدكتوراه والباحثة إيلين أوشونيسي قبلته كما هو، وكانت امرأة ذكية ومضحية.

وفي التاسع من يونيو/حزيران 1936، تزوج أورويل من إيلين مود أوشونيسي، وعاشت معه حياته المتقشفة والصارمة، وتبنيا الرضيع ريتشارد هوراشيو عام 1944.

وبقيا معا حتى وفاتها -عن عمر ناهز 39 عاما- في أثناء عملية جراحية يوم 29 مارس/آذار 1945، إثر توقف قلبها تحت التخدير، وكان جورج وقت وفاتها في باريس.

أثرت وفاة إيلين تأثيرا كبيرا عليه، وعاش محبطا وحزينا، لكنه شرع في البحث عن زوجة أخرى لتساعده في العناية بطفله الرضيع، وفشلت محاولاته للزواج عدة مرات.

وأخيرا، تزوج قبل وفاته بوقت قصير من سونيا براونيل، العاملة في مجلة "هورايزونز" الأدبية، والتي اهتمت بالترويج لأعمال أورويل حتى بعد رحيله.

وكان جورج قد أوصى بألا تكتب له أي سيرة ذاتية، فطبقت أرملته سونيا تلك الوصية، وحاولت جاهدة أن تصد محاولات المهتمين بسيرته الذاتية.

وأنشأت سونيا أرشيفا في كلية لندن الجامعية لأعماله، شاركها في تحريره إيان أنجوس، ونشرت مجموعة من 4 مجلدات ضمت مقالات ورسائل أورويل الصحفية عام 1968.

وبعد نشر تلك المجموعة فوضت سونيا أستاذ العلوم لسياسة اليساري برنارد كرك، لإكمال سيرة أورويل، وحثت أصدقاء الراحل على التعاون لإنجاز هذا العمل.

رواية "مزرعة الحيوان"

في أغسطس/آب 1945، نشر جورج أورويل كتابه "مزرعة الحيوان"، وهي رواية رمزية مناهضة للشيوعية، مما جعله يواجه صعوبات في الحصول على ناشر لها، نظرا لكون بريطانيا آنذاك كانت متحالفة مع الاتحاد السوفياتي.

وتناولت الرواية رفض أورويل للظلم بكافة أشكاله، كما أورد فيها فكرة قلقه من الحرية الفردية المطلقة، التي من شأنها أن تكون سلاحا ذا حدين.

حققت رواية "مزرعة الحيوان" عائدات مادية كبيرة لجورج، كما أحرزت نجاحا تجاريا باهرا، ومنحت أورويل شهرة أدبية وثروة كبيرة.

وانتقل مع طفله ريتشارد وأخته الصغرى أفريل إلى جزيرة جورا الأسكتلندية، للتفرغ للكتابة وتوفير بيئة مناسبة لتربية ريتشارد.

وكان في تلك الأثناء يعاني تدهورا في صحته، ويكتب عمله الشهير رواية "1984"، الذي توفي بعد إتمامها بفترة وجيزة.

ما كشفته رسائله مع إيلينا

نشرت باحثة كندية تدعى سيلفيا توب كتابا عن سيرة إيلين أوشونيسي زوجة جورج أورويل تحت عنوان "إلين، صانعة جورج أورويل"، واستعرضت فيه حياة الزوجين معا في كوخ رطب، عاشا فيه على حليب الماعز وبيض الدجاج.

وعثرت سيلفيا توب على قصيدة بعنوان "نهاية القرن 1984″، كانت قد كتبتها إيلين عام 1934 في مجلة مدرسة "سندرلاند تشيرش"، وتنبأت فيها بمستقبل مظلم.

وكانت إيلين قد التقت جورج في حفلة لأحد الأحزاب السياسية بلندن، بعد عام من كتابة القصيدة التي لم تُكتشف حتى عام 2001، فطلب منها الزواج ووافقت.

وأشارت الكاتبة إلى أن "قصيدة إيلين زرعت بذور رواية (1984) في ذهن أورويل"، وتضيف أنها "كانت على وشك إحراز درجة الماجستير في علم النفس من كلية لندن الجامعية، حتى التقت جورج فتركت دراستها وسخّرت حياتها لمساعدته في كتاباته".

ولم يكن الزوجان يتمتعان بصحة جيدة، إذ كان جورج يقضي شهورا في المصحة إثر سعال الدم، وكانت إيلين توثق يومياته وتتابع أحداثه كلها، وتسير لمسافة 3 أميال لتزوره في المصحة، إضافة إلى رعايتها الدجاج والحيوانات بمفردها.

وتبعت إيلين زوجها إلى إسبانيا وقت مشاركته في الحرب هناك، حيث أصيب برصاصة اخترقت حنجرته، وتسببت له ببحة في صوته لبقية حياته، فقال للأميركي الذي كان إلى جواره "أخبر إيلين أنني أحبها"، وتولت هي رعايته حتى استطاعا الفرار معا.

لكن علاقتهما شهدت فتورا، فكانت إيلين على علاقة برجل آخر، كما طارد جورج صديقة إيلين المقربة ليديا جاكسون.

وقبل وفاتها، أرسلت إيلين لجورج في باريس تريد توقيعه لدفع أجر العملية البالغ 40 جنيها إسترلينيا، وقالت في رسالتها "ما يقلقني هو أنني لا أعتقد حقا أنني أستحق المال".

وكتب دي جي تايلور ناشر سيرة جورج أورويل الأحدث "أورويل: الحياة الجديدة" عام 2023 متسائلا، "ما الذي أوصل الشابة الباحثة وطالبة الدكتوراه إلى هذا الحد من تحقير الذات؟ وكيف استطاع أورويل أن يجندها لصالحه؟".

وأورد في تلك السيرة رسائل تفضح علاقات جورج المتعددة مع قائمة طويلة من النساء.

أقوال جورج أورويل

لجورج أورويل أقوال شهيرة وأفكار أصبحت تستخدم في السياقات الفكرية والسياسية، ومن أبرز العبارات التي أرستها كتاباته "ازدواجية التفكير" و"الأخ الأكبر يراقبك".

وله أقوال شهيرة أبرزها:

"لأول مرة أدرك أنه إذا كنت تريد الاحتفاظ بسر يجب عليك أيضا أن تحفظه من نفسك".

" الطريقة الأكثر فعالية لتدمير الناس هي إنكار وطمس فهمهم لتاريخهم".

"من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي".

رواية "1984" لأورويل تعد إنتاجا ديستوبيًا وواحدة من أشهر كلاسيكيات الأدب السياسي في العالم (غيتي) كتب جورج أورويل

لم يكن إنتاج جورج أورويل عن تأسيس أكاديمي في الفلسفة أو علم الاجتماع أو السياسة، لكن كتاباته ناقشت تلك المواضيع، وناقشت القومية والاشتراكية والشمولية والإمبريالية والدعاية الإعلامية والأوضاع الاجتماعية، والتاريخ والأدب وغيرها.

ورسمت مؤلفاته خريطة لرحلته الفكرية، إذ كانت مؤلفاته في البداية مسلطة الضوء على الفقر والعمل والعمال، ثم بلورت تجاربه اللاحقة فكره الفلسفي والسياسي.

وكان معظم عمله الصحفي كتابة المقالات في أعمدة الصحف والمجلات، ومن أبرز كتبه ورواياته:

رواية "الصعود إلى الهواء" رواية "هدنة لالتقاط الأنفاس" كتاب "لماذا أكتب" رواية "إطلاق النار على الفيل" كتاب "السياسة واللغة الإنجليزية" رواية "دع الدريقة تطير" رواية "ابنة القس" رواية "1984"

تعد "1984" رواية ديستوبية وواحدة من أشهر كلاسيكيات الأدب السياسي في العالم، نشرت عام 1949، ودارت أحداثها في عالم يعاني حربا مستمرة، وتحكمه مجموعة من المتلاعبين بالحقائق والجماهير. وديستوبيا كلمة يونانية تعني "أدب العالم الفاسد"، وهي نقيض كلمة "يوتوبيا" (Utopia) التي تعني المدينة الفاضلة.

وكان جورج يكتب هذه الرواية في أثناء إقامته في جزيرة جورا، "مستلقيا على سريره يسعل ويدخن بشراهة، والآلة الكاتبة على بطنه"، وعند نشرها لاقت انتشارا كبيرا.

تناولت فكرة الرواية المركزية الاستبداد والحكم الشمولي، ومثلت عبارة "الأخ الأكبر" شخصية حاكمين هما أدولف هتلر وجوزيف ستالين، فكانت للرواية إسقاطات مباشرة على دولة ستالين.

ومُنع نشر الرواية في عدد من دول العالم، من ضمنها الولايات المتحدة التي اعتبرت علاقة البطل مع حبيبته غير شرعية، ولا تتوافق مع قيم وأخلاقيات المجتمع الأميركي وقتها.

وعُدّ اقتناء الرواية أو السؤال عنها في الاتحاد السوفياتي جريمة، ويسجن من يسأل عن الكتاب أو ينشره.

التكريمات

جاء جورج أورويل عام 2008 في المرتبة الثانية بقائمة أعظم 50 كاتبا بريطانيا منذ عام 1945.

وفاته

كان جورج أورويل كثير التدخين، بالإضافة إلى مشاكله الصحية الأخرى، وهو ما أثر على رئتيه وسبب له مشاكل في الشعب الهوائية.

وانتقل في الأعوام الأخيرة من حياته للعيش في مزرعة نائية في جزيرة جورا الأسكتلندية، وصب تركيزه على الكتابة.

في ديسمبر/كانون الأول 1947، شُخّص أورويل بمرض السل، وتزوج سونيا في المستشفى الجامعي بلندن بعد مرضه.

وتوفي إثر مرضه بالسل يوم 21 يناير/كانون الثاني 1950، عن عمر ناهز الـ46 عاما، ودفنه صديقه ديفيد أستور في فناء كنيسة بأكسفورد شاير.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

 

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

السر السيد

الرواية من تأليف الكاتب السوداني محمدأحمد الفيلابي، الذي يعد واحدا من الكتاب الذين فتحوا نفاجا بين التنمية المجتمعية واسئلتها وبين الفن والادب دون ما تغوٌل على أي من الحقلين، كما في نصوصه للراديو ونصوصه المسرحية ونصوصه القصصية. من كتبه المنشورة نذكر “مدنياااو”/ “استدراك- نحكى ويتساءلون” والمجموعة القصصية “الموت أكثر من مرة”.

صدرت الرواية التى صمم غلاف الجزء الثانى منها أشرف الأزهرى ولوحة الغلافين للتشكيلي عصام عبد الحفيظ وكتب مقدمتها الناقد أبوطالب محمد، صدرت في طبعتها الأولى في العام 2024.. (الجزء الاول)، صدر عن خطوط وظلال للنشر والتوزيع بالاردن والجزء الثاني، صدر عن مكتبة الطليعة العلمية بالاردن.

تتكون الرواية من جزأين، الاول بعنوان: (سبعون يوما من العبث) وعدد صفحاته 142 صفحة من القطع المتوسط والثاني بعنوان: (هستيريا الخوف) وعدد صفحاته 169 صفحة من القطع المتوسط.

على المستوى الهيكلي أو المعماري الذي قامت عليه الرواية بجزأيها، قام الجزء الاول على تقنية “العناوين” وعددها ثمانية، نذكر منها (الشلة/ أشلاء ومخاوف/ الجنرال في نقاهته/ الخروج من العتمة)، بينما قام الجزء الثاني على تقنية الفصول وعددها عشرة وعبر تآزر التقنيتين الهيكليتين تدفٌق السرد الذى تنوعت فيه التقنيات ونهض على اسلوب زاوج بين اللغة كثيفة الجمال حتى حدود الشاعرية واللغة التقريرية مستخدما تقنيات الصوت المفرد “صوت الراوي” والأصوات المتعددة “أصوات شخصيات الرواية”، كأن تحكي شخصية ما ذكرياتها ويومياتها، أو المونتاج كاستدعاء نص من النصوص، لكاتب ما نشره في صحيفة أو في أو في كتاب أو في راديو أو في فضائية أو في وسائط التواصل الاجتماعي، كان هذا النص مقالا أو قصيدة أو تقريرا اخباريا أو تحليلا سياسيا أو مقولة فلسقية او فكرية.

في موضعة النص وتنسيبه:

جاء في الرواية ص 25/26 الجزء الاول: (… بين الصراخ والعويل تبين ان جسما ناريا سقط على غرفة الضيوف، فدكها دكا.. ووقعت عينها على زوجها الساقط ارضا والدم يغطى كامل جسده..غامت الدنيا في وجهها ولم تعد ترى سوى الظلام ولا تسمع شيئا، وهوت ارضا). وجاء في الجزء الثانى من اوراق الشابة وصال،ص 148: ( نوقن ان حالنا أفضل ممن قتلن او اغتصبن او وقعن في ايدى من يتاجرون بنا.فالحرب في كل الاحوال شر بلا حدود.تسحق من يقف امامها.تطحن حيوات الجميع، والنساء بشكل اخص تصبح اجسادهن ساحة حرب..فى الحروب يرتفع سلاح الاذلال والمهانة لهن ولمن لا يسمح بالمساس بهن..).انتهى.

قد لا أختلف كثيرا مع النقاد والقراء الذين يصنفون هذا النص بأنه (رواية)، ولهم الحق في ذلك بالطبع، لكني وبالنظر لموضوع “النص” والذي هو حرب الخامس عشر من ابريل 2023 بين القوات المسلحة والدعم السريع والكيفية التى اشتغل عليها النص فيها،أجدنى لا انفى عنها بشكل مطلق وصف انها “رواية” لكني أميل أكثر إلى تصنيفها بأنها كتابة مغايرة “جسد ابداعي ماكر” يكر على تخوم الكتابة الروائية ولا يبقى فيها ويفر عن تخومها ولا يغادرها لهذا وصفته بالكتابة المغايرة وبما انه يسعى لانتاج صورة أو صورا عن هذه الحرب وما نتج عنها من تقتيل ونهب للمتلكات الخاصة والعامة ومن تدمير للبنى التحتية ومن نزوح ولجوء ومن نشر وتكريس للعنصرية والجهوية، في مدى زمني ومكاني يبدأ من اليوم الاول للحرب 15 أبريل 2023 وينتهى في اليوم ال 200 للحرب نوفمبر 2023 ” وفي مدى مكاني يبدأ من الخرطوم والقرية التي نزحت لها شلة الاصدقاء مرورا بقوز يعقوب واشارات لاماكن اخرى وليس انتهاء بمراكز الايواء. تكمن مغايرتها أى هذه الكتابة او هذا النص في انها تأسست على نزوع بحثى واضح يجمع بينما هو ثقافى واخبارى وسياسي وحقوقى تتجلى فيه خبرة الفاعل المدني الذى يتوفر على معرفة بالقوانين الدولية والوطنية ذات الصلة بالحرب وبمعرفة على ثقافة المناصرة والرصد بل على معرفة بكل ما يرتبط بقاموس الحرب من اقتصاديات ومن نزوح ولجوء ونوعية الانتهاكات وتكيفيها من اغتصاب وتقتيل وتشريد وتدمير وتفاوض وغيره، لذلك فهى كتابة ذات طابع سياسي تنهل من كل تلك الحقول التى اشرت لها وهى اذ تفعل هذا تكون قد مارست (مكرها)، الذى (يبدعن) هذا الطابع السياسي_من ابداع_ ويمنحه “انحرافا ومفارقة” عن اليومى ويضعه على تخوم الكتابة الادبية والفنية كرا وفرا ويمنحه رصيدا من الاخيلة والجمال لذلك لا غرابة ان يوصف هذا النص او هذه الكتابة بأنها رواية،سيما انه يتوسل بعضا من تقنيات السرد وينهض على اسلوب مشحون بالجمال والاخيلة ومن ذلك مثلا تبادل الادوار او التناوب في الحكى بين الراوى شخصيات الرواية أو في التداعى الحر لبعض الشخصيات أو في الحوار أو في قطع تسلسل الحكى من حين لآخر عبر تدخلات الراوى وكل هذه المستويات للحكي كما هو معروف تعد من تقنيات السرد وللتأكيد على ما ذهبت اليه في ما يخص تبادل الادوار اشير إلى ما كتبَته شخصيات شلة القرية من يوميات ووقائع كلها على صلة بالحرب بصورة مباشرة أو غير مباشر وهى شخصية المهندس سعيد وشخصية نورى ضابط الجيش الذى أحيل للمعاش وشخصية المثقف والفاعل السياسي عبدو وشخصية الشابة وصال التى نزحت مع اختيها وامها وسكنت في مركز الايواء بالقرية وفيما يخص قطع تسلسل الحكي وتواصل الاحداث أشير إلى النصوص المأخوذة من سياقات اخرى واقحامها في متن النص كبعض المقالات او التصريحات المنشورة لكتاب وصحافيين معروفين أو إيراد معلومة أو مقولة لمؤرخ او مفكر أو مسئول حكومى أو بيان لفاعل مدنى كأيراد بعضا مما ذكره ابراهيم فوزى باشا في مذكراته عما فعله الانصار عند تحرير الخرطوم في العام 1885 ابان الثورة المهدية أو الخطاب الذى وجه لمدير الغابات بشأن ما يحدث في “غابة امبارونا بولاية الجزيرة من عمل متعمد لازالتها او ذلك التقرير عن النهب والسرقة لصحافى بريطانى، اضافة للاستشهادات الكثيرة بمقولات وافكار لمفكرين وسياسيين وفلاسفة، فقد احتشد هذا النص او هذه الكتابة المغايرة الماكرة بأسماء كثيرة من هؤلاء كالشيخ بابكر بدري وابن خلدون وغوستاف وعبدالمجيد عابدين وآل غور وغيرهم،اما فيما يخص الحوار فأشير إلى الحوار الذى كان مكانه بورتسودان ودار بين عبدو الذى غادر القرية إلى هناك لتنفيذ دورة تدريبية وزميل دراسته التاجر الجشع، فمن بعض ما يكشفه هذا الحوار نظرة بعض الناس للحرب من خلال اوضاعهم الخاصة.

اخيرا اشير إلى ان هذه “الرواية” أو هذ النص أو هذه “الكتابة المغايرة الماكرة”، التي اعتبرها المبادرة الأولى الجامعة لتوثيق حرب الخامس عشر من أبريل، مما يعني وبلا حذر وضعها ضمن ما يعرف (بروايات الحرب) كما اشار الناقد ابوطالب محمد في مقدمته.. أشير إلى أنها قد جسدت وبجدارة طقسا “حداثيا” لاشتباك الناس والامكنة والنصوص والذاكرة والتاريخ والماضي والحاضر مع الحرب في مدى زمني محدد وهى لما تنتهى بعد ، بأمل عريض ومقاومة خلاقة،

فبينما تسعى الحرب ليحوز أحد طرفيها او أطرافها كل “السلطة” بمفهومها الأشمل،عملت هذه الكتابة المغايرة الماكرة وهى تجسد طقسها الحداثى هذا على تفتيت السلطة أو بالحرى (توزيعها)، فهناك تعدد في الاصوات فالكل يحكى، فقد سمعنا صوت الراوى وصوت الكاتب نفسه وسمعنا أصوات شلة القرية وأصوات النازحين في مراكز الايواء وسمعنا صوت “حارنة” وصوت “نعمة” وصوت “سكينة بت يعقوب” وسمعنا أصوات المتحاربين، وسمعنا أصوات الفاعلين المدنيين والمفكرين والمؤرخين، وهناك تعدد وتنوع في النصوص فقد وقفنا على سوق من النصوص نهضت عليه هذه الكتابة…إعادة التوزيع للسلطه هذه تجعلنى أستطيع أن أضع هذه الكتابة في قلب المجرى الأساس للمقاومة الثقافية ليس فقط فيما قدمته من شهادة فصيحة لبشاعة الحرب وقبحها ومن شهادة عن صمود ومقاومة المتضررين منها وانما أيضا على مستوى علاقات بنائها “شكلها”، الذى يصدٌر ولو بشكل خفى حالة شعورية يحس عبرها القارئ والقارئة بجمال التنوع والتعدد والاختلاف والذى بسبب غيابه أو تغييبه في حياتنا السياسية واليومية شكل البنية التحتية لهذه الحرب وما سبقها من حروب في السودان.

ان كان من خاتمة لهذه التأملات العابرة فهي هذه المقولة التى جاءت في الحزء الثاني ص18:

(الحكي هو الشفاء الوحيد من حالة الانتظار الممل.. تنغسل بفضله الاوجاع وتندمل الجراح أو تنفتح بعد التئامها).

وكيف لا وقد استطاعت هذه الكتابة المغايرة أو هذا النص أو هذه الرواية ان تجعل من الحكي قوة كما يذهب إلى ذلك ادوارد سعيد.

 

الوسومادب الحرب الرواية السودانية الفايلابي رواية

مقالات مشابهة

  • فصل من رواية العاشق البدوي: ليس لذوي القلوب الضعيفة
  • تيك توك تجمع توأما تفرّقا قبل 19 عاما.. إحداهما من ضحايا مافيات بيع الأطفال
  • تيك توك تجمع توأما تفرّقا قبل 19 عاما.. واحدة من ضحايا مافيات بيع الأطفال
  • الحقيبة.. رواية تفاعلية مغربية على تطبيق تيك توك
  • الحقيبة.. أول رواية تفاعلية مغربية على تطبيق تيك توك
  • مراهقة تصادف توأمها على «تيك توك»
  • عبد الله جورج : احمد سليمان خضع لقسطرة استكشافية وفحوصات جديدة اليوم
  • جورج راسل اول المنطلقين في جائزة بريطانيا الكبرى
  • حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة
  • المطران جورج خضر المعلم الكثير النقاء