كانت ليلة طويلة سبقها يوم عمل أطول وأكثر إجهادا من الأيام العادية، تخللته نقاشات لا تنتهي تتشابك فيها الآراء وتتقاطع، ما يوصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يتمنى ما كانت لتفتح، بعد أكثر من ساعة وصلت المنزل متعطشا لسريري، كمن انقطع عنه الإنترنت في الصحراء فتعطل جهاز التوجيه الملاحي وبلا ماء ولا طعام، فارتميت على السرير لأروي ذلك العطش الذي كدت أن أهلك دونه.
أثناء سيري في شوارع وسط القاهرة التقيت جارنا الذي خرج يتلمس حاجياته لبدء حياة جديدة بعد أن ترك بغداد، إثر القصف المتواصل من قوات التحالف الغربي الذي تشكل لإسقاط صدام حسين بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، بعد أن تبادلنا التحايا سألني عن بعض الحاجيات وأفضل المحلات لشرائها فأرشدته، عارضا عليه مصاحبته فرفض بأدب متمنيا لي قضاء ليلة سعيدة مع صحبتي. تركته لالتحق بأصدقائي الذين اتخذوا من مكان مميز في مقهى ريش على طاولة تسعنا نحن الخمسة.
وإذ نحن جلوس، دخل علينا خافيير سولانا، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، والذي أصبح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بعد ذلك، ألقينا عليه التحية ودعوناه لاحتساء القهوة معنا بعد أن عرفناه بأنفسنا، فكان الرجل متحمسا كعادته ليسمع أكثر، لكن وجد نفسه على العكس محاطا بالأسئلة، فانقلبت الطاولة عليه وصار هو من يتكلم ونحن نسمع، حتى استطعنا انتزاع تصريح خطير في جلسة خاصة لا مساحة للنشر فيها، إذ اعترف الرجل بأن حصيلة الضحايا في الحرب على العراق كانت مريرة. وأضاف: لم نكن نتوقع أن تكون المهمة على النحو الذي ذهبت إليه، قال لنا الأمريكيون أنها عملية محدودة وستنتهي سريعا والتكلفة فيها قليلة، وأن الهدف تخليص العراق من الإرهاب، وإعادة بناء البلاد وزيادة الأمن على المستوى العالمي والداخلي على السواء، لم نكن نعلم أن الأدلة التي ساقها بوش ملفقة وأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل.
لكن النتيجة حالة لا نهائية للقتل بعد 20 عاما، بعد أن أطلقت السفن الأمريكية أول 40 صاروخا على بغداد لتبدأ سردية الدم بكذبة، ألقيت بعدها، بحسب دراسة عسكرية أمريكية، 29166 قنبلة وصاروخا، وفقد أكثر من 7000 مدني عراقي أرواحهم، ولتستمر المعارك وتخلف ما يقارب المليون قتيل حسب تقديرات المجلة الطبية الموثوقة "لانسيت"؛ جلهم قضوا على يد ذلك التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة.
استيقظت من النوم، على هذه الأرقام والاعترافات التي أدلى بها المسئول الأوروبي الكبير، لأتابع حصية شهداء الحرب على غزة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي والمدعوم سياسيا وعسكريا ولوجستيا من الغرب، لأجد أن العدد وصل إلى 7000 شهيد بعد القصف الوحشي الذي طال شمال قطاع غزة ووسطها، مع تصريح لرئيس المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، سلامة معروف، بأن حجم المتفجرات التي ألقيت على قطاع غزة يساوي قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.
وعلى الرغم من أن العدد قابل للزيادة سواء في مستوى حجم المتفجرات أو الضحايا الذين يقضون بسببها، إلا أن ذلك لا يرضي غرور الوحش الكامن في روح أعضاء الكنيست والحكومة المُشكلة بمباركته والتي تتغذى على الدم لتبقى على قيد الحياة، إرضاء للناخب اليميني الذي أوصلهم لسدة الحكم في الكيان المحتل، كما أنه لا يرضي حلفاء وداعمي الاحتلال، الآتين من خلفية استعمارية يرون في حركات التحرر إرهابا، فيرغبون في تشكيل تحالف لتدمير المقاومة، على غرار ذلك الذي كان على العراق وأفغانستان، ولأن مثل هذه التحالفات ليست بريئة، كما اعترف خافيير سولانا في الحلم، فإنها لكي تشكل يجب أن تبنى على كذبة.
كانت الكذبة التي بني عليها التحالف الذي أسقط النظام من أجل عراقا ديمقراطيا، كان أصعب من الأفكار الساذجة التي تبناها صاحب فكرة إسقاط العراق، والآن ولأن العالم بين يد خمسة، ثلاثة منهم على الأقل متحالفون والآخران يستفيدان في النهاية، فإن فكرة تدمير المقاومة في غزة هي أكثر سذاجة من تحالف الحرب على الإنسان، الذي تتبناه أمريكا وتريد توسيع أهدافه فرنسا، وينبئ بها ماكرون نفسه في جولته الأخيرة للمنطقة
ولحدوث ذلك فقد أطلقت الأكاذيب من أول يوم بأن المقاومين في علمية طوفان الأقصى قطعوا رؤوس الأطفال؛ أطلقها رئيس وزراء الكيان المحتل، ثم كررها كبيرهم في البيت الأبيض، وبفرية حرق الأطفال خرج يروج نتنياهو، قبل أن يكشف كذبه مرة أخرى، ليستمر في أكاذيبه بوصف المقاومة بأنها فرع داعش في غزة، وهو مناف للحقيقية لما شهدناه من موقف المقاومة ككل في غزة من أي مجموعة متشددة، لمعرفة المقاومة من يزرع هذا الفكر ولمصلحة من، ولعل حديث ترامب بأن داعش هي صناعة أوباما هو خلاف العصابة الذي يكشف الحقيقة، لذا فإن محاولة شيطنة المقاومة وصفها بأنها فرع داعش فهي كذبة تستحق السخرية، لاختلاف المقاومة أيديولوجيا عن الجماعة المذكورة.
لقد كانت الكذبة التي بني عليها التحالف الذي أسقط النظام من أجل عراقا ديمقراطيا، كان أصعب من الأفكار الساذجة التي تبناها صاحب فكرة إسقاط العراق، والآن ولأن العالم بين يد خمسة، ثلاثة منهم على الأقل متحالفون والآخران يستفيدان في النهاية، فإن فكرة تدمير المقاومة في غزة هي أكثر سذاجة من تحالف الحرب على الإنسان، الذي تتبناه أمريكا وتريد توسيع أهدافه فرنسا، وينبئ بها ماكرون نفسه في جولته الأخيرة للمنطقة. ولأن المناخ يسمح من وجهة نظرهم، فإن ما تحمله السُحب أكبر بكثير من الأمطار، وسابقة خرق القانون الدولي في حرب العراق، كشفت عن النموذج الحقيقي للقوى العظمى، مدفوعة بخراب السلطة المعيارية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما نراه جليا في انحيازها اللا متناهي مع الوحشية "الإسرائيلية".
لكن ومع ذلك فإن عملية طوفان الأقصى، والصمود الأسطوري لحاضنتها الشعبية كتب فصلا جديدا في كتاب تاريخ هذه المنطقة المؤمنة بنفسها وحضارتها والرافضة منذ اللحظة الأولى أن تكون تابعة، أو راضخة، ما يعني أن الجيل القادم سيحارب من أجل الإنسانية من غير شعارات المواثيق الدولية، وسيعلم العالم أجمع المعني الحقيقي للكرامة الإنسانية والمفاهيم المطلقة للعدالة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني التحالفات امريكا فلسطين غزة جرائم تحالفات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب على بعد أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
نعم شركاء- في الحرب وفي الحكم!!
*لم تمض ساعات على مخاطبة الرئيس البرهان لبعض القوى السياسية في بورتسودان والتى أعلن فيها العفو عن القحاتة متى عدلوا عن موقفهم الداعم للجنجويد وانتقد الحاضنة السياسية للمقاتلين مع الجيش لم تمض ساعات على هذه المخاطبة والتى علقت عليها بمنشورين (البرهان والحاضنة السياسية للمقاتلين)و(الفترة القادمة-لمن الحكم؟!)حتى عاد البرهان اليوم ليؤكد أن شركاء الحرب هم شركاء المشروع السياسي القادم وهذه قسمة عادلة –*
*نعم -من حارب عليه أن يشارك في الحكم ليس من باب المكافأة ولكن من باب حراسة ما قاتل لأجله*
*قلت واعيد ليس من حق أحد بإسم المقاومة الشعبية بمختلف أطيافها الإعلان عن زهدها في الحكم والمشاركة السياسية اليوم وغدا*
*المقاومة الشعبية بمختلف قواتها تمثل أكبر حاضنة سياسية واجتماعية في البلد ومن حقها أن تشارك في المشروع القائم حربا والقادم حكما ومن حق حاضنتها السياسية والإجتماعية العريضة أن تمثل من خلالها*
*بشكل واضح وصريح ومباشر ومحدد /المقاومة الشعبية المسلحة شريكة الجيش والحركات المسلحة في الحرب ستكون لهم شريكة ايضا في الحكم -انتهى٠*
*الحكم القادم لن تشكله قوى سياسية ليس لها مقاتلين في الميدان ولن تشارك فيه قوى سياسية شاركت الجنجويد ولو ساعة واحدة*
*الكلمة الأخيرة للقوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية والحاضنة السياسية والاجتماعية العريضة والممتدة لهذه القوات جميعها*
*هذا عدلا كما أعلن الرئيس البرهان اليوم وهذا إن أردنا نصرا واستقرارا لهذا البلد غدا*
*بكرى المدنى*
إنضم لقناة النيلين على واتساب