عامان على مقتله أثناء اعتقاله من أمن السلطة.. هل يحقق تدويل اغتيال نزار بنات العدالة له؟
تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT
رام الله- "لو أن هناك نية لتحقيق العدالة لنزار لباتَ القتلة الآن في السجون. لا يمكن للقاتل أن يكون قاضيا". هكذا علّلت جيهان زوجة المعارض السياسي الفلسطيني نزار بنات سعي العائلة لتدويل قضيته بعد عامين من مقتله أثناء اعتقاله على يد أجهزة أمن السلطة في 24 يونيو/حزيران 2021.
وحسب الزوجة، التي تحدثت للجزيرة نت خلال انشغالها بتحضير وقفة أمام منزلها بمدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) للمطالبة بتحقيق العدالة لزوجها ومحاكمة قتلته، فهي لا تثق في المحكمة الفلسطينية، وهو ما دفعها والعائلة للتوجه إلى مكتب حقوقي خاص في لندن لتولي إجراءات فتح تحقيق دولي.
وأظهرت نتائج التحقيقات الرسمية وتشريح الجثة -في حينه- تعرّض نزار للضرب العنيف خلال اعتقاله بعد مطاردته من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية على خلفية انتقاده الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم ثبوت القتل العمد وتحوّل ملفه إلى قضية رأي عام محليا ودوليا، فإن جلسات المحكمة -التي يتابع مجرياتها ممثلو مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية وممثلون عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- كان يشوبها كثير من المماطلة، حسب العائلة ومحامي الادعاء المكلف من قبلها غاندي أمين.
وجاء إطلاق سراح المتهمين الـ14 في قتل نزار بنات قبل عام بحجة "انتشار فيروس كورونا" على أن يتم استكمال محاكمتهم وهم طلقاء من دون علم العائلة أو هيئة الدفاع؛ ليثير كثيرا من الشكوك حول جدّية محاكمتهم.
مخالفة قانونية صريحةيقول المحامي أمين للجزيرة نت إن كل المؤشرات تدلّ على عدم الجدية في تحقيق العدالة لنزار بنات، وحتى الآن الحقيقة مغيبة رغم وضوحها. وأشار إلى أنه تقدّم بشكوى مدنية للاحتجاج على إطلاق سراح المتهمين الذي كان من دون علم رئيس المحكمة نفسه، وهو الذي أمر بتوقيفهم في "مخالفة صريحة للقانون"، كما وصف المحامي.
ورغم كل التحقيقات والكشف عن تفاصيل ما جرى مع نزار أثناء اعتقاله، سواء بما وثقته كاميرات المراقبة أو شهادات الشهود أو التحقيقات الصحافية الاستقصائية، وكان أحدها لقناة الجزيرة؛ فإن المحكمة لم تصدر حكمها بإدانة القتلة حتى الآن.
هذا إلى جانب عدم توجيه التهم إلى أي من قادة الأجهزة الأمنية أو المستوى السياسي الرسمي بكونه مسؤولا عن هذه الأجهزة ومن أعطى الأوامر لاعتقال نزار.
وحسب المحامي غاندي أمين، فإن المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية اطلع على ملف القضية وتم قبولها لمتابعتها، ولكنها بحاجة -كما يقول- إلى وقت طويل. وطالب المحامي بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحقيق العدالة لنزار فلسطينيا قبل الذهاب لتدويلها.
ولكن، هل يمكن لمحكمة الجنايات الدولية النظر في هذه القضية والبت فيها، وبالتالي نجاح مساعي العائلة بتحقيق العدالة له خارج حدود المحاكم الفلسطينية؟
يقول شعوان جبارين مدير عام مؤسسة "الحق" الفلسطينية -التي تقوم بمراقبة سير إجراءات محاكمة قتلة نزار بنات- إنه رغم أن محكمة الجنايات الدولية يقع ضمن اختصاصها قضايا التعذيب والقتل العمد، فإن هناك إجراءات تأخذها بعين الاعتبار يمكن أن تعطّل هذا المسعى.
من هذه الإجراءات مراقبة نتائج المحكمة المحلية، فحسب القانون الناظم لعمل المحكمة الدولية أنه "إذا اتخذت الدولة إجراءات بحق ضباطها القائمين على هذه الجرائم، يكون دورها تكميليا وليس أساسيا. أي أنه رغم قبول المحكمة الدولية القضية فإنها لن تنظر فيها حتى يتم البت في القضية محليا".
ورغم أن مؤسسته لم تصدر ملاحظتها بعد بشأن سير إجراءات المحاكمة، فإنه يقول "من غير المقبول بكل المعايير القانونية والقضائية أن يتم إطلاق سراح المتهمين في القضية". وتابع جبارين للجزيرة نت "سنخضع هذه الإجراءات للتقييم من قبلنا قريبا".
ومع تعطل التوجه القانوني الدولي في هذه المرحلة -حسب ما أوضحه جبارين- يبدو أن الخيار المتاح لعائلة نزار بنات هو ما ذهبت إليه زوجته التي قالت إن "تدويل القضية سيكون أحد عوامل تحقيق العدالة لزوجها المغدور، لكن التحرك الشعبي في الشارع الفلسطيني هو الطريق الأقصر". وتابعت "ننتظر من الشارع الفلسطيني الذي تحدث نزار بلسانه أن يقول كلمته".
تحرك خجول
لكن يبدو الشارع الفلسطيني بعد عامين من مقتل نزار وما تلاه من قمع وتنكيل واعتقالات طالت المحتجين على قتله -أو "اغتياله" كما سُمّي جماهيريا- خجولا في المطالبة بالعدالة له.
وخلال وقفة نظمها طلبة جامعة بيرزيت في رام الله أمس السبت ضد الاعتقالات السياسية التي تقوم بها أجهزة السلطة الفلسطينية، وجد بعض النشطاء السياسيين مناسبة لإعلاء صوت نزار بنات وحملوا صوره.
وكان الناشط السياسي عمر عساف أحدهم، وهو الذي اعتُقل وضُرب في مسيرات أعقبت مقتل نزار بنات في صيف 2021. وقال عساف للجزيرة نت إن "السلطة الفلسطينية تحاول التنصّل من الجريمة، بعد رفضها تشكيل لجنة مستقلة، وأوقفت إجراءاتها عند المتهمين الـ14، ورفضت رفع الاتهامات لمستويات أعلى". وأضاف أن "تدويل القضية هو المخرج لكل هذا التنصل ومحاولات حل القضية عشائريا وليس قانونيا".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
منذ البداية لم يجعل الشاعر محمد أبو زيد عنوان كتابه هذا لغزاً مؤرّقاً للقرّاء، فأجاب بأن كل ما فهمناه كان بعد «فوات الأوان»، غير أن حالة الفهم هذه جاءت بعد عِراك مع أسئلة طرحها الشاعر في فصل من ديوانه عنوانه «بعد» فيقول: لا أفهم لماذا يكتب الشعراء قصائدهم.. بهذه الطريقة العروضية المتكلّفة، فالتفاصيل التي لا تتوقف عن اللجلجة لا يمكن سبكها في المقاطع العروضية ومحسناتها البديعية، لذلك جاءت كتابته مُنداحة لا تقف عند أي إطار تقييدي صلب بما في ذلك الأيديولوجيا، التي تكلّف الشاعر -أي شاعر- الكثير من أجل حراسة المبدأ بالشعر، فالتفاصيل شائكة، والحل عنده جاء في تَضخيمها بمِجهَر الشعر، فتجدها تطفو في كل الحيوات والطبقات، التي يشغلها فكر شاعر سؤاله الوجودي مازال متاحاً.
يقول الشاعر: «فالنيزك سيضرب الأرض بعد قليل»، وهنا من الجنون أن نطلب من شاعر أن يبرهن ما يقوله، فهو قادر على منح حتى الملاعق والسكاكين والحشرات والحيوانات حيزاً للتحدّث في نصوصه عن البشر الذين لم يُطِق الشاعر الحديثَ معهم قبلاً، في هذا الديوان عودة لترميم العلاقة بين الشاعر وفضاء المقهى، فالشعراء يجدون في المقهى معبراً جديداً لمحاورة الإنسانية عبر اعتزال قيمتها المادية، لذا جاءت المواضيع غير تقليدية في الديوان، وهي مفارقات يجب ألّا يتألم القارئ لها: كالموت والحياة، وشأو الكتابة وجديتها، والحديث مع الجمادات حولنا، ومواجهة الحداثة غير المجدية.
سوريالية المضمون الشعري هنا فَرضت شكلاً كتابياً عند أبي زيد، فمزجَه بالقليل من السخرية والكثير من الفلسفة الميتافيزيقية والعجيبة، كل ذلك جاء بشكل جَبري، فالشاعر يكشف بأنه لم يكن يحب الكلام كما أحبّ الصمت، لكن ثمة لجلجة قوية تحاصره بالكثير من الماورائيات المُتعِبة التي يمكن أن تكشف عنها في نصوص متعددة الأشكال لكنّها مؤرقة، فالنّص ذاته هائم بين أشكال القصيدة المعهودة وبين مضمونها غير المتعقل، يقول: «أستيقظ كل يوم على مجانين يمرون أمام السرير، على صاعقة تضرب رأسي لتضيء الطريق لأعدائي»، في الديوان تكثر الإشارات التي تحيل إلى خارج النص لكنها تلتقي مجدداً حين تعود لنقطة البدء في العنوان دون تشبيه أو مجاز تزويقي، لكن ما مصير الشعراء بعد فوات الأوان، كل هذا لا يقلق النصوص في هذا الديوان الشعري، إذ المقلق هو من سيجمع البَعثرة التي نظّمها هؤلاء الشعراء في فوضى العالم.
أبو زيد شاعر مسؤول، يحاول في هذا الديوان المتسع بالرؤى المديدة أن يُخيط دوائره بالمكاشفة تارةً وتارةً في اللّهاث مع الشهب التي تتقافز من حوله. يقول: «لأفهم نفسي، لأعرف ماذا تغيّر فيّ مع السنين التي ترتفع كجدران بئر حولي» هذه الحيرة ظلّت تحاصره حتى وصلت إلى نهاية غير متوقعة لهذا الديوان حين طغت الأسئلة في العناوين التي التهمت كل محاولات الإجابة في نص يعترف بأن الأوان فاته، وأن الأسئلة لم تنقذ الإجابات بعد، لأنها كما قال في قفلة ديوانه: «وأنا بلا يدين أمدهما إليك كي تنقذني».. هذا تحليق شاهق، يُنجزه أبو زيد ببصيرة مختلفة ولغة تجيد المناورة لكنها لا تخاف المصير.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية