رام الله- "لو أن هناك نية لتحقيق العدالة لنزار لباتَ القتلة الآن في السجون. لا يمكن للقاتل أن يكون قاضيا". هكذا علّلت جيهان زوجة المعارض السياسي الفلسطيني نزار بنات سعي العائلة لتدويل قضيته بعد عامين من مقتله أثناء اعتقاله على يد أجهزة أمن السلطة في 24 يونيو/حزيران 2021.

وحسب الزوجة، التي تحدثت للجزيرة نت خلال انشغالها بتحضير وقفة أمام منزلها بمدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) للمطالبة بتحقيق العدالة لزوجها ومحاكمة قتلته، فهي لا تثق في المحكمة الفلسطينية، وهو ما دفعها والعائلة للتوجه إلى مكتب حقوقي خاص في لندن لتولي إجراءات فتح تحقيق دولي.

وأظهرت نتائج التحقيقات الرسمية وتشريح الجثة -في حينه- تعرّض نزار للضرب العنيف خلال اعتقاله بعد مطاردته من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية على خلفية انتقاده الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم ثبوت القتل العمد وتحوّل ملفه إلى قضية رأي عام محليا ودوليا، فإن جلسات المحكمة -التي يتابع مجرياتها ممثلو مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية وممثلون عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- كان يشوبها كثير من المماطلة، حسب العائلة ومحامي الادعاء المكلف من قبلها غاندي أمين.

وجاء إطلاق سراح المتهمين الـ14 في قتل نزار بنات قبل عام بحجة "انتشار فيروس كورونا" على أن يتم استكمال محاكمتهم وهم طلقاء من دون علم العائلة أو هيئة الدفاع؛ ليثير كثيرا من الشكوك حول جدّية محاكمتهم.

مخالفة قانونية صريحة

يقول المحامي أمين للجزيرة نت إن كل المؤشرات تدلّ على عدم الجدية في تحقيق العدالة لنزار بنات، وحتى الآن الحقيقة مغيبة رغم وضوحها. وأشار إلى أنه تقدّم بشكوى مدنية للاحتجاج على إطلاق سراح المتهمين الذي كان من دون علم رئيس المحكمة نفسه، وهو الذي أمر بتوقيفهم في "مخالفة صريحة للقانون"، كما وصف المحامي.

ورغم كل التحقيقات والكشف عن تفاصيل ما جرى مع نزار أثناء اعتقاله، سواء بما وثقته كاميرات المراقبة أو شهادات الشهود أو التحقيقات الصحافية الاستقصائية، وكان أحدها لقناة الجزيرة؛ فإن المحكمة لم تصدر حكمها بإدانة القتلة حتى الآن.

هذا إلى جانب عدم توجيه التهم إلى أي من قادة الأجهزة الأمنية أو المستوى السياسي الرسمي بكونه مسؤولا عن هذه الأجهزة ومن أعطى الأوامر لاعتقال نزار.

وحسب المحامي غاندي أمين، فإن المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية اطلع على ملف القضية وتم قبولها لمتابعتها، ولكنها بحاجة -كما يقول- إلى وقت طويل. وطالب المحامي بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحقيق العدالة لنزار فلسطينيا قبل الذهاب لتدويلها.

والدة المعارض نزار بنات خلال مظاهرة احتجاجا على اغتياله (الجزيرة) دور تكميلي

ولكن، هل يمكن لمحكمة الجنايات الدولية النظر في هذه القضية والبت فيها، وبالتالي نجاح مساعي العائلة بتحقيق العدالة له خارج حدود المحاكم الفلسطينية؟

يقول شعوان جبارين مدير عام مؤسسة "الحق" الفلسطينية -التي تقوم بمراقبة سير إجراءات محاكمة قتلة نزار بنات- إنه رغم أن محكمة الجنايات الدولية يقع ضمن اختصاصها قضايا التعذيب والقتل العمد، فإن هناك إجراءات تأخذها بعين الاعتبار يمكن أن تعطّل هذا المسعى.

من هذه الإجراءات مراقبة نتائج المحكمة المحلية، فحسب القانون الناظم لعمل المحكمة الدولية أنه "إذا اتخذت الدولة إجراءات بحق ضباطها القائمين على هذه الجرائم، يكون دورها تكميليا وليس أساسيا. أي أنه رغم قبول المحكمة الدولية القضية فإنها لن تنظر فيها حتى يتم البت في القضية محليا".

ورغم أن مؤسسته لم تصدر ملاحظتها بعد بشأن سير إجراءات المحاكمة، فإنه يقول "من غير المقبول بكل المعايير القانونية والقضائية أن يتم إطلاق سراح المتهمين في القضية". وتابع جبارين للجزيرة نت "سنخضع هذه الإجراءات للتقييم من قبلنا قريبا".

ومع تعطل التوجه القانوني الدولي في هذه المرحلة -حسب ما أوضحه جبارين- يبدو أن الخيار المتاح لعائلة نزار بنات هو ما ذهبت إليه زوجته التي قالت إن "تدويل القضية سيكون أحد عوامل تحقيق العدالة لزوجها المغدور، لكن التحرك الشعبي في الشارع الفلسطيني هو الطريق الأقصر". وتابعت "ننتظر من الشارع الفلسطيني الذي تحدث نزار بلسانه أن يقول كلمته".


تحرك خجول

لكن يبدو الشارع الفلسطيني بعد عامين من مقتل نزار وما تلاه من قمع وتنكيل واعتقالات طالت المحتجين على قتله -أو "اغتياله" كما سُمّي جماهيريا- خجولا في المطالبة بالعدالة له.

وخلال وقفة نظمها طلبة جامعة بيرزيت في رام الله أمس السبت ضد الاعتقالات السياسية التي تقوم بها أجهزة السلطة الفلسطينية، وجد بعض النشطاء السياسيين مناسبة لإعلاء صوت نزار بنات وحملوا صوره.

وكان الناشط السياسي عمر عساف أحدهم، وهو الذي اعتُقل وضُرب في مسيرات أعقبت مقتل نزار بنات في صيف 2021. وقال عساف للجزيرة نت إن "السلطة الفلسطينية تحاول التنصّل من الجريمة، بعد رفضها تشكيل لجنة مستقلة، وأوقفت إجراءاتها عند المتهمين الـ14، ورفضت رفع الاتهامات لمستويات أعلى". وأضاف أن "تدويل القضية هو المخرج لكل هذا التنصل ومحاولات حل القضية عشائريا وليس قانونيا".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

شذى الفلسطينية وشذى التونسية

لا علاقة البتة بين الصحافية الفلسطينية شذى الصباغ، التي قتلت قبل أيام قليلة أمام منزلها في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة، وبين الصحافية التونسية شذى الحاج مبارك القابعة في السجن منذ أكثر من عام ونصف.

لا علاقة بين شذى الشابة الفلسطينية ذات الواحد وعشرين ربيعا وبين شذى التونسية الشابة التي تكبرها بقليل لكن كلتيهما تعرّضتا إلى مظلمة أودت بحياة الأولى ورمت بالثانية وراء القضبان.
لا علاقة بين الشابتين لكن عائلة كل واحدة منهما تتهم سلطات بلاده بما لحق بابنتيهما اللتين كانتا تتقدان حيوية وعطاء في عملهما الصحافي المضني، الأولى تحت الاحتلال واقتحاماته المتكررة للمخيم بين فترة وأخرى، والثانية تحت قوانين زجرية لا ترحم خلقت مناخا من التضييق على الحريات يزداد سوءا كل يوم خاصة ضد الصحافة والصحافيين.

تبادل حاد للاتهامات حاليا بين عائلة الصحافية شذى الصباغ وأجهزة الأمن الفلسطينية، الأولى تتهم الثانية بقتلها عمدا في المخيم الملتهب منذ ثلاثة أسابيع بسبب الاشتباكات بين عناصر أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والمقاومين المتحصّنين داخله، والذين تصفهم بـ»الخارجين عن القانون». لا يتردد كل أفراد هذه العائلة في توجيه أصبع الاتهام إلى هذه السلطة فقد قال أخو شذى إن عناصر أمن السلطة تتواجد في الحارة التي يسكنون بها منذ نحو أسبوعين بشكل يومي، ويتخذون المنازل العالية موضعا للتمركز، وتنتشر قناصاتهم هناك.

«كان الوقت كافيا للقناص لرؤية شذى وتمييز أنها فتاة من لباسها ومعها طفلان، كما أن الشارع مضاء بشكل كامل، هو كان يعرف أنها فتاة. هدف السلطة إخافة الناس وإسكاتهم بالقتل. هذا هو هدف الحملة الحقيقي»، هكذا قال الأخ بينما تقول أمها المكلومة إنها على ثقة «بتعمد» أجهزة السلطة قتل ابنتها. أما السلطة فترفض هذا الاتهام بقوة وتؤكد أن قوات أمنها لم تكن موجودة في المنطقة أصلا وقت الحادثة، معتبرة أن شذى إنما «قُتلت برصاص الخارجين عن القانون»، فيما طالبت نقابة الصحافيين الفلسطينيين بتشكيل لجنة حقوقية مستقلة للتحقيق في مقتلها.

أما مع شذى التونسية فالقصة لم تصل الأمور إلى القتل ولله الحمد، لكنها الشابة تمر حاليا بظروف سيئة للغاية في محبسها. هي تعاني أصلا مشكلا في السمع مع ظروف صحية أخرى عديدة يجعلها في نوع من الموت البطيء في سجنها.

اعتقلت قوات الأمن التونسية، شذى الحاج مبارك في يوليو/ تموز من العام الماضي في قضية عرفت إعلاميا بـ «إنستالينجو» وهو اسم الشركة التي كانت تعمل بها وهي متخصصة في إنتاج مواد إعلامية عبر شبكة الإنترنت.

«نحن مقهورون»، تقول والدتها التي كانت تمني النفس في كل مرة بالافراج عن ابنتها في انتظار المحاكمة لأن لا شيء يبرر الاحتفاظ بها في حالة إيقاف في حين كان بالمكان الإبقاء عليها في حالة سراح في انتظار أن يقول القضاء كلمته.

وفي السجن تعاني شذى الأمرّين فقد قال أخوها قبل شهرين تقريبا إنها تخوض إضرابًا عن الطعام بسبب عدم توفير مسكّنات الألم منذ قرابة الشهر، وعدم تمكينها من مقابلة الطبيب، وإنها تقتسم نفس الفراش مع 4 سجينات أخريات. وأضاف وقتها أنه زار أخته فوجد «جسدها هزيلًا متهاويًا أنهكه المرض والظلم والجحود لا تقوى لا على الوقوف ولا على الكلام» على حد تعبيره.

ودعا الأخ إلى «التنديد بهذا الظلم والتنكيل الذي تتعرض له شقيقته» قائلا «لم تعد شذى تنشد الحرية فهذا أصبح أشبه بالحلم بعيد المنال.. بل باتت تنشد تمكينها من بعض المسكّنات ومن حقها في العلاج ومن فراش يأوي ما تبقى من جسدها..» وفق توصيفه.

لا ندري ما إذا كانت هذه الظروف قد تغيّرت الآن أم لا، كما أننا لسنا هنا في وارد مقارنة متعسّفة بين صحافية فلسطينية شابة تحت الاحتلال الإسرائيلي وفي كنف سلطة دون سلطة، لم توفق أبدا في حملتها الحالية على مخيم جنين التي تنذر بكل المخاطر على تلاحم المجتمع الفلسطيني الواحد، وبين صحافية شابة تونسية قادها حظها العاثر أن تحشر في قضية تبدو ذات صبغة إعلامية لكن خلفيتها السياسية لا تخفى على أحد إذ أنها تدخل في إطار سعي السلطات إلى ملاحقة معارضيها بلا هوادة، بغض النظر عن أية وجاهة في الاتهامات أو سلامة في الإجراءات أو أي ثقة في استقلالية القضاء ونزاهته.

كان يفترض أن تكبر شذى الفلسطينية وتواصل دراستها وتتخرّج من قسم الإعلام الرقمي في جامعة القدس المفتوحة، بالتوازي مع عملها صحافية حُرة مع عدد من وكالات الأنباء المحلية توثّق وتصوّر اقتحامات قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين، وكان يفترض كذلك أن تواصل شذى التونسية، خريجة معهد الصحافة وعلوم الإخبار بالجامعة التونسية تمتعها بشبابها وبعملها، رغم بؤس ظروف المهنيين هناك ورغم إعاقتها التي تحتاج إلى العلاج والمتابعة، لكنها الأقدار وغطرسة القوة في التجربتين حين تدوسان على وردتين يانعتين واعدتين.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • مندوب مصر بمجلس الأمن: إسرائيل تحاول تصفية القضية الفلسطينية عبر سياسة التهجير القسري
  • إب .. فعالية ثقافية بمناسبة جمعة رجب تؤكد على الهوية الإيمانية ودعم القضية الفلسطينية
  • بينيت يتحضر للعودة للمشهد الإسرائيلي وسؤال القضية الفلسطينية يلازمه
  • السيد عبدالملك الحوثي: الرهان على مجلس الأمن من أجل القضية الفلسطينية غير مثمر ولا جدوى منه
  • من غزوة بدر إلى معركة الفتح الموعود.. جذور الموقف اليمني وأسبابه في نصرة القضية الفلسطينية
  • كاريكاتير| السلطة الفلسطينية
  • سام مرسي يواصل دعم القضية الفلسطينية
  • إيطاليا: رجل يطعن أشخاصاً أثناء الاحتفال برأس السنة قبل مقتله
  • شذى الفلسطينية وشذى التونسية
  • الجزائر تتولى رئاسة مجلس الأمن الأممي لشهر يناير وتضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها