بعد بلاك ميرور.. هل ينجح الذكاء الاصطناعي في كتابة الدراما التلفزيونية؟
تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT
في صيف العام 2001، قدّم المخرج الأميركي الشهير ستيفن سبيلبرغ تحفته السينمائية "ذكاء اصطناعي" (A.I. Artificial Intelligence)؛ الفليم الذي تدور قصته في القرن الـ22 حول الطفل ديفيد الذي صممته التكنولوجيا الحديثة ليكون صالحا للتبني لأبوين أميركيين، لكن الأم ترفضه لأنه ببساطة يبدو مصطنعا ومثاليا أكثر من اللازم، وقد يشكل خطرا كبيرا على أسرتها.
بعد 22 عاما، يبدو خطر الذكاء الاصطناعي أقرب مما تخيل سبيلبرغ، بل إن الخطر اليوم يداهم كتاب السيناريو في هوليود أنفسهم، حيث يواصل أكثر من 11 ألفا من كتاب السيناريو في هوليود الإضراب لأول مرة منذ 15 عاما، بعد فشل محادثاتهم مع أستوديوهات هوليود الكبرى حول أجورهم، ورفضهم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكتابة.
تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون ردّ برفض حظر استخدام هذه التقنيات في الكتابة أو إعادة الكتابة، وعرض عقد اجتماعات سنوية لمناقشة تطورات هذه التقنية.
وبينما يتزايد القلق من مخاطرها، حاول البعض من كتاب السيناريو اختبار تقنية الذكاء الاصطناعي فعلا في الكتابة، ومن أشهر هذه المحاولات ما أعلنه مؤلف ومنتج مسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror) تشارلي بروكر قبل إطلاق الموسم السادس مع على منصة "نتفليكس" (Netflix) الأسبوع الماضي.
وكان الموسم الخامس من المسلسل الشهير قد أطلق في يونيو/حزيران 2019، وبعدها قرر المؤلف تشارلي بروكر كتابة الموسم الجديد.
تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون رفض حظر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكتابة أو إعادة الكتابة (غيتي) كسر القواعديقول تشارلي بروكر، في حديث لمجلة "إمباير" (Empire) البريطانية، إنه حاول اللعب بالذكاء الاصطناعي مستخدما تقنية "شات جي بي تي" (ChatGPT)، حيث أمرها بكتابة حلقة جديدة من مسلسل "المرآة السوداء"، وكانت "النتيجة معقولة عند قراءتها للمرة الأولى، لكن عند قراءتها ثانية كانت مجرد هراء".
ويضيف بروكر أن تطبيق الذكاء الاصطناعي بحث عن ملخص حلقات المسلسل، ومزجها معا، ولم يقدم أي فكرة أصلية على الإطلاق.
يرى بروكر أن المسلسل نفسه لا يضع التكنولوجيا كمشكلة في حد ذاتها، لكن كيف يستخدم البشر هذه التكنولوجيا، ولكي يكتب بروكر الحلقات الجديدة من المسلسل كان لا بد أن يعود لجميع حلقات المواسم الخمسة ليدرسها بعناية، ولكي يضع حبكات جديدة من الموسم السادس، وكي يضع اعتقاده الخاص بما يمكن أن يكون حلقة جديدة من المسلسل، وكان حريصا على أن يكسر القواعد الخاصة بالحلقات السابقة ليقدم شيئا جديدا يصفه بـ"كوب من الماء البارد في الوجه".
على سبيل المثال، تدور أحداث حلقة "تحت الماء" من الموسم الجديد حول مهمة مستحيلة في العام 1969، هي مزيج من ماض بائس مع الحاضر والمستقبل، حيث ولدت لديه فكرة الحلقة في البداية، ثم فكر أن يجعلها تدور في 1969، "سيكون ذلك مزعجا ورائعا".
الموسم السادسوكانت منصة "نتفليكس" أطلقت الموسم السادس من مسلسل "المرآة السوداء" من 5 حلقات، يحافظ فيها على نمطه العام في تقديم حلقات منفصلة، تدور في أغلبها في عالم المستقبل القريب أو البعيد، يختلف الأبطال وأماكن التصوير في كل حلقة، لكنها كلها تتناول تأثير التكنولوجيا على حياة البشر بطريقة سوداوية أو مأساوية غالبا، وتبلغ مدة كل حلقة نحو الساعة.
وتناول المسلسل في مواسمه السابقة ثيمات (مواضيع) مختلفة من عالم الخيال العلمي والفانتازيا، من الرجال الآليين وأنظمة المراقبة والتطبيقات الشريرة وألعاب الفيديو، وترفع كل حلقة علامات تحذير عما يمكن أن تسببه التكنولوجيا الحديثة في إفساد حياة البشر وتدمير العلاقات الإنسانية.
كما قدم حلقة تفاعلية خاصة بعنوان "باندرسناتش" (Bandersnatch) جعلت المشاهد يتحكم في مصير الشخصية الرئيسية، ويلعب دورا في اختيار أبسط الأشياء في حياته وحتى قراراته المصيرية، في حلقة أثارت اهتمام الجمهور رغم الجدل حول إتقانها في تقديم هذا النوع الجديد من الدراما التلفزيونية التفاعلية.
نقطة بداية وليست نهايةيرى الكاتب فابيو مونتاناري -صاحب أعمال على منصات نتفليكس و"أمازون" (Amazon) و"إتش بي أو" (HBO)- أن التقنيات الجديدة طالما قدمت أشكالا إبداعية جديدة، مثلا عندما تم اختراع التصوير الفوتوغرافي أثر ذلك على شكل وأسلوب الرسم، والذكاء الاصطناعي هو أحدث ما تقدمه التكنولوجيا، معتبرا إياه جزءا من واقعنا الحالي، بالإضافة إلى اعتباره تهديدًا، يمكن أن نراه أداة ليس للقيام بالكتابة نيابة عنا -كما نسمع أحيانًا- ولكن كمساعد، يمكن أن يساعد في تسجيل الاجتماعات، وتوفير الوقت في عمل البحث اللازم، وتلخيص المعلومات وقصص الأفلام.
ويؤكد فابيو أنه حاول شخصيا تبادل الدردشة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وجاءت النتائج محبطة للغاية، رغم أن كتابا آخرين قد تكون لديهم تجارب مختلفة، مضيفا "لقد وجدت أن أدوات الذكاء الاصطناعي مفيدة كنقطة بداية وليس كخط نهاية".
كل شيء قد يتغير قريباوعن التحديات التي تواجه كتابة القصص باستخدام هذه التقنية، يرى فابيو أنه من الضروري أن نكون على دراية بجميع المميزات التي قد يقدمها الذكاء الاصطناعي، "ففي النهاية، يجمع المعلومات من البيانات التي تم إدخالها عبر الإنترنت، كما أنه يشكل خطرا عندما يتعلق الأمر بتعكير صفو ظروف العمل الهشة بالفعل للكتاب"، هذا هو أحد المطالب المشروعة التي يدعو إليها إضراب كتاب السيناريو في هوليود.
ويضيف أن الأمر قد يدخل مرحلة يتم فيها التفكير في تعويض مبتكري الأفكار ماليا التي تغذي نظام الذكاء الاصطناعي، بعد أن تكون كل هذه المواد المبتكرة هي مفتاح عمل الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك إذا كانت الصناعة ستعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج أفلام جديدة، يعتقد أنها ستؤدي إلى أفكار جيدة التنفيذ للغاية ولكنها غير أصلية. "مرة أخرى، قد يتغير كل هذا بعد 6 شهور من الآن، خاصة أننا نتحدث عن تقنية دائمة التطور".
معنى وشعور بالهويةويضيف فابيو -الذي يعمل أستاذا جامعيا لمادة كتابة السيناريو في جامعة يورك الكندية- أنه يؤمن بالقدرة الذاتية للفنانين على قراءة ما نعيشه وترجمته إلى فن، والتي تنتج حركات إبداعية وتمد الفنانين بمعنى وشعور بالهوية، وهذه أمور لا يُعرف ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على فعلها، مؤكدا "مع ذلك، بالنسبة لطلابي في مادة كتابة السيناريو، كنت أحاول تحفيزهم على كتابة قصص لن يكررها الذكاء الاصطناعي على الأرجح، من حيث النوع والمحتوى".
تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست لديها خبرات إنسانية خاصة (شترستوك) لم يقع في الحبوقد حاول أحد كتاب هوليود المشهورين المشاركين في إضراب كتاب هوليود استخدام تقنية "شات جبي بي تي" لكتابة لافتات ساخرة للإضراب، فجاءت النتيجة سيئة للغاية.
ويرى الكاتب -الذي رفض ذكر اسمه خلال اليوميات المنشورة- في حديث مع "هوليود ريبورتر" (Hollywood Reporter)، أنه من الواضح أن تقنية الذكاء الاصطناعي ستتحسن، ستكون قادرة في النهاية على فهم الفروق الدقيقة والسياق، وستكون أكثر قدرة على ضبط واتباع التوجيهات واتخاذ خيارات إبداعية، لكنها ستبقى في نهاية الأمر كأنها نابعة ممن شاهد مجموعة من الأفلام وبرامج التلفزيون، وفهم فكرتها العامة وهيكلها، لكن ليس لديه ما يقوله مطلقا، لا تهتم بشيء، ولا توجد لديها هواجس وأفكار خاصة.
ويضيف الكاتب أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست لديها خبرات إنسانية خاصة، لم تقع في الحب، لم ينكسر قلبها، لا قصص شخصية لديها، لم تعان من الغيرة، لم تختبر المشاعر الإنسانية.
ومن واقع تجربته مع التقنية في محاولة كتابة مزحة ساخرة حول إضراب كتاب السيناريو، عندما طلب منها أن تكون "قاسية"، ردت التقنية "من المهم التعامل مع أي إضراب أو احتجاج باحترام ومهنية وتركيز على التغيير الإيجابي"، وإذا لم تكن هذه التقنية قادرة على أن تكون قاسية أو ساخرة، فستبقى تلتزم فقط بالقوانين والقواعد.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
د. محمد عسكر يكتب: سباق الذكاء الاصطناعي وتحذير أخير
الذكاء الإصطناعي هو حديث العالم، خصوصا تطبيقات الدردشة القادرة على التجاوب معك. لكن ألا يمثل هذا خطرا كبيرا؟
الدردشة مع تطبيقات الذكاء الإصطناعي هي الترند حالياً في عالم التكنولوجيا والتقنية، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالنسخة المطورة من "شات جي بي تي- 4" التي تم إطلاقها حديثاً، والتي توفر خصائص جديدة تتعدى بكثير النسخة السابقة. هذا وإن كان التطوّر الكبير في الذكاء الإصطناعي يجذب الإهتمام حاليا لما يتمتع به من مقومات وقدرات فائقه ، وخصوصاً قدرته على تقديم أجوبة فيها نسب عالية من الدقة، كذلك قدرته على القيام بعدد من المهام البشرية في العديد من المهن، ومن ذلك على سبيا المثال لا الحصر مهام الكتابة والترجمة والمحاسبة وجمع المعلومات والتحليل المالي وغير ذلك، ولكنه على الجانب الآخر يثير مخاوف كبيرة تهدّد الكثير من الناس ليس فقط بفقدان وظائفهم ولكن شتى جوانب حياتهم اليومية وقد وصل الأمر لفقدان شخص حياته بالانتحار من أثر تعامله مع أحد هذه البرامج.
خلال العقود الماضية كانت المخاطر التي دأب الكثيرون على التحذير منها هي الانفجار السكاني، التلوث البيئي ونقص الموارد الطبيعية. أما اليوم ومع التطور التكنولوجى الهائل في شتى المجالات ومع تعدد تطبيقاته، فقد تحول الأمر إلى أخطار أخرى تمثل تهديداً وجودياً؛ روبوتات سيصل ذكاؤها إلى درجة تسمح لها بالتفوق على البشر، خاصة مع قدرات الذكاء الإصطناعي اللامحدوده، أو فيروسات حاسوبية مدمرة قد توقف الإنترنت عن العمل. الذكاء الإصطناعي هو الموضة الجديدة التي يدور الحديث حولها الأن في كل المجالات، في أجهزة الهواتف الذكية، في الأجهزة المنزلية، في التلفزيونات، في الأسلحة، وأيضاً في السيارت الذكية، التي يفترض أن تنتشر قريباً في مدن العالم. القلق الحقيقي، وفق بعض الخبراء، هو أنه وبحلول العام 2075، سـتصل آلات مزودة بقدرات خاصة إلى مستويات ذكاء تفوق مستوى الإنسان بكثير مما يمكنها من اتخاذ قرارات بشكل ذاتي، من دون العودة إلى أي مرجعية بشرية.
لذلك وجب التحذير من أن هذا التطور المتسارع بهذه الوتيرة والإفرط فى تطوير برامج وتقنيات الذكاء الإصطناعى دون ضوابط حقيقية أو أنظمة حماية سيؤثر سلبًا على الجنس البشري وسيؤدي في لحظة ما إلى أضرار جسيمة في عدة جوانب حساسة في حياته. فقدرة الأجهزة التقنية على اتخاذ آلاف القرارات المعقدة في الثانية الواحدة يمكن استخدامها إما فى منفعة أو إيذاء الناس، ويعتمد ذلك على الشخص نفسة الذي يقوم بتصميم النظام.
كان مثيراً للإهتمام وجود أسماء مهتمة كثيرة بالتطور التكنولوجي، كـ إيلون ماسك يدعو إلى التوقف لمدة ستة أشهر عن تطوير أنظمة أقوى من روبوت الدردشة (شات جي.بي.تي-4) الذي أطلقته شركة أوبن إيه.آي في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى المخاطر المحتملة لمثل هذه التطبيقات على المجتمع. وفى نفس الوقت فقد طالب كثير من الخبراء فى المجال بوقف موقّت لعمليات تطوير برامج الذكاء الإصطناعي إلى حين إعتماد أنظمة حماية، تتيح تنظيم هذه العمليات ومراقبتها وتحليل المعلومات الواردة إليها، وكذلك معالجة ما قد ينجم عن إستخدامها من إختلالات.
ونحن هنا وإن كنا ندرك أهمية التطور التكنولوجى فإننا فى ذات الوقت نتسأل عن جدوى تطوير "عقول غير بشرية قد تفوقنا عدداً وتتفوق علينا في النهاية وتحل محلنا "؟ وعن خطر المجازفة بفقدان السيطرة على الحضارة البشرية.
هل يجب أن نسمح للآلات بذلك؟