بغداد اليوم- متابعة

عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة خلال في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي، كان رجال المال والأعمال متشائمين بشأن تداعيات هذا النزاع على الاقتصاد العالمي، إلا أن الأمر تطور الآن، ليصل إلى حد تحذير بعضهم من "ركود عالمي".

ومنذ عام 2020، يشهد العالم أزمات متتالية تؤثر في الاقتصاد العالمي، من جائحة الفيروس التاجي "كورونا" التي شلت الكوكب، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وأخيرا هجمات حماس التي تسببت في حرب يبدو أنها ستستمر طويلا.

وقال أستاذ الاقتصاد بمعهد العلوم السياسية في باريس، ألكسندر كاتب، إن الاقتصاد العالمي "يتجه نحو الركود".

وقال كاتب إن "الحرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى مخاطر أكبر (على الاقتصاد العالمي) وتخلق حالة من عدم اليقين بالنسبة للمستثمرين، وهذا ما نراه اليوم في الأسواق التي تعيش وضعا متوترا".

ويحدث الركود الاقتصادي حال انكماش الناتج المحلي الإجمالي في ربعين متتاليين (6 أشهر)، بحسب أحد أبرز تعريفات هذا المصطلح الفضفاض نسبيا.

وهناك تعريف أكثر قبولا على نطاق واسع حدده المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية بالولايات المتحدة، والذي يقول إن الركود هو "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي، ينتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر لأكثر من بضعة أشهر".

"سيناريو الركود الكبير"

وكان الرئيس التنفيذي لأكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، "بلاك روك"، لاري فينك، قد صرح لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، قائلا إن "حرب إسرائيل وغزة، والغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، دفعت العالم تقريبا إلى مستقبل جديد كليا".

وأضاف: "إن المخاطر الجيوسياسية هي عنصر رئيسي في تشكيل حياتنا كلها. إننا نواجه خوفا متزايدا في جميع أنحاء العالم، وأملا أقل. يؤدي تزايد الخوف إلى تراجع الاستهلاك، وبالتالي فإن الخوف يخلق حالات ركود في الأمد البعيد".

وفي هذا الصدد، أوضح كاتب أن "الاقتصاد العالمي كان يعاني من تباطؤ حتى من قبل اندلاع الحرب الحالية، بسبب تراجع النمو في الصين بعد كوفيد-19".

ومن ثم "جاء غزو روسيا لأوكرانيا، الذي أدخل الاقتصاد الأوروبي في صدمة، وجعل الاقتصاد الألماني – القوة الصناعية الكبرى في القارة – يدخل في ركود رسميا"، حسبما ذكر كاتب.

وأضاف أنه تم أيضا تسجيل "تباطؤ في النمو بالولايات المتحدة، مما قد يجدد مخاوف من ركود محتمل، حتى وإن كان متواضعا".

واعتبر أن "كل تلك العوامل تؤدي إلى سيناريو الركود الكبير" في الاقتصاد العالمي، مع استمرار حرب إسرائيل وحماس.

شبح الركود يهدد العالم

ويأتي النزاع بين إسرائيل وحماس فيما تضغط الحرب الروسية الأوكرانية على الأسواق، إذ أحدثت "أكبر صدمة على أسواق السلع الأساسية منذ السبعينيات"، بحسب ما قال كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي، إندرميت غيل.

وأفاد في بيان الأسبوع الماضي، أنه "كان لذلك تداعيات تتسبب باضطرابات في الاقتصاد العالمي، ما زالت قائمة حتى اليوم".

ومع ذلك، يرى محللون أن "سيناريو الركود الكبير" يعتمد على تطور الوضع في حرب الشرق الأوسط الجديدة.

وفي هذا الإطار، حذر خبير الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مستشار المركز العربي للدراسات، أبوبكر الديب، من أن احتمال تحول الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، إلى صراع إقليمي، "سيلقي بظلاله حتما على الاقتصاد العالمي، ويهدد بإضعاف النمو الاقتصادي، وإعادة إشعال أسعار الطاقة والغذاء".

وقال الديب إن "قطاع الطاقة دائما ما يتأثر بشكل سلبي بالحروب والتوترات الدولية، التي ترفع من أسعار النفط والوقود، وتؤثر في الاقتصاد الخاص بكل دولة".

3 سيناريوهات

ومنذ اندلاع الحرب، بحسب الديب، فإن هناك "مؤشرات متباينة تتعلق بالمعروض وهناك حالة من عدم اليقين تسيطر على أسواق النفط"، التي تسهم في رفع أسعار منتجات الطاقة وبالتالي ارتفاع أسعار أغلب السلع.

وفي هذا الصدد، تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بوتيرة أسرع من التضخم في حوالى 80 بالمئة من دول العالم، حسبما أفاد البنك الدولي في تقريره الشهري عن الأمن الغذائي الصادر نهاية الشهر الماضي.

وتتجلى هذه الزيادة في الدول الأكثر فقرا أو النامية، حيث تشهد 60 إلى 80 بالمئة منها ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية بأكثر من 5 بالمئة، بل إن هذه الزيادة تتجاوز 10 بالمئة في العديد منها.

ويمكن للحرب بين إسرائيل وحماس أن "تحدث صدمة في أسعار المواد الخام، مثل النفط والمنتجات الزراعية، في حال تصاعد النزاع واتساع رقعته في الشرق الأوسط"، وفق تحذير جاء في تقرير للبنك الدولي الأسبوع الماضي.

وقال البنك الدولي إنه يتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط العالمية 90 دولارا للبرميل في الربع الأخير من 2023، وأن يهبط إلى 81 دولارا في المتوسط خلال عام 2024، إذ يؤدي تباطؤ النمو إلى تراجع الطلب، غير أنه حذر من أن يدفع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط الأسعار إلى ارتفاع كبير.

وبحسب التقرير، فإن توقعات أسواق السلع الأولية تشير إلى أن "أسعار النفط لم ترتفع سوى 6 بالمئة فقط منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماسفي حين أن أسعار السلع الزراعية وأغلب المعادن وغيرها من السلع "لم تتحرك إلا قليلا".

ويشير التقرير إلى "3 سيناريوهات للمخاطر، استنادا إلى صراعات في المنطقة منذ السبعينيات، مع التدرج في زيادة المخاطر وعواقبها".

وقال البنك الدولي إن من شأن سيناريو "الاضطراب البسيط"، الذي يعادل تأثيره انخفاض إنتاج النفط الذي حدث خلال الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، بما يتراوح بين 500 ألف ومليوني برميل يوميا، أن يدفع أسعار النفط إلى نطاق بين 93 و102 دولار للبرميل في الربع الرابع.

وأضاف أن من شأن سيناريو "الاضطراب المتوسط"، الذي يعادل تقريبا أثر حرب العراق عام 2003، أن يقلص إمدادات النفط العالمية بين 3 و5 ملايين برميل يوميا، ليدفع الأسعار للارتفاع إلى ما بين 109 و121 دولارا للبرميل.

بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة التي بدأتها إسرائيل بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، خرجت تحذيرات من أن تفاقم الأوضاع لن يؤثر فقط على حياة البشر وتوازن القوى الإقليمي والسلام العالمي، لكن سيكون له أيضًا آثارًا على الاقتصاد العالمي.

وقال البنك الدولي إن سيناريو "الاضطراب الكبير" يقارب تأثير الحظر النفطي العربي عام 1973، الذي أدى إلى تراجع إمدادات النفط العالمية بين 6 و8 ملايين برميل يوميا. وهذا من شأنه أن يؤدي في البداية إلى صعود الأسعار إلى ما بين 140 و157 دولارا للبرميل، أي قفزة تصل إلى 75 بالمئة.

"ارتباط بالعوامل الجيوسياسية"

وأكد الديب "أنه في كل الأحوال، تؤدي التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط"، مرجحا أن تكون "التقلبات سمة أسواق النفط خلال المرحلة المقبلة".

وتابع: "في الوقت الذي تعاني فيه الدول بالفعل من مستويات مرتفعة بشكل غير عادي من الديون والتضخم والفائدة المرتفعة والاستثمارات المتعثرة، وأبطأ انتعاش في التجارة منذ 5 عقود، يصعب عليها تحمل حربا جديدة شاملة بالشرق الأوسط، إضافة لحرب أوكرانيا، مما يصعب عليها سرعة الخروج من الأزمة".

والأسبوع الماضي، حذرت الحكومة اليابانية من احتمال تأثير الصراع في الشرق الأوسط على اقتصاد البلاد، من خلال تكاليف الطاقة.

وقال مسؤول عن إعداد تقرير شهر أكتوبر في مجلس الوزراء الياباني، إن الحكومة أضافت المستجدات في الشرق الأوسط إلى "العوامل التي تتطلب اهتماما وثيقا، لأنها ربما تشكل خطرا سلبيا على الاقتصاد الياباني"، بحسب رويترز.

والإثنين، ارتفعت أسعار النفط بعد أن أكدت السعودية وروسيا، أكبر بلدين مصدرين للنفط في العالم، مواصلة الخفض الطوعي لإنتاجهما حتى نهاية العام الجاري.

وقال كاتب إن "التباطؤ محتمل بشكل كبير"، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "السيناريوهات الأكثر تشاؤمية تبقى مرتبطة بالعامل الجيوسياسي".

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: على الاقتصاد العالمی بین إسرائیل وحماس فی الشرق الأوسط البنک الدولی أسعار النفط فی الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

سياسات البنك المركزي التحوطية لمواجهة تاثيرات المتغيرات في الاقتصاد العالمي

 

 يشهد النظام العالمي منذ عدة سنوات ازمات اقتصادية ومالية وامنية معقدة تركزت اسبابها المتراكمة في ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب الروسية الاوكرانية والعقوبات الامريكية والاوربية على روسيا وعدوان الكيان الصهيوني على فلسطين ولبنان وسوريا ومازال يعمل باستراتيجية استخدام الحرب وآلته العسكرية وبدعم من امريكا واوروبا لرسم خارطة الشرق الاوسط الجديد سياسيا وامنيا واقتصاديا .

اضافة الى تاثيرات الصراع الامريكي الصيني للسيطرة على اقتصاد العالم والانقسامات في الرؤى والاستراتيجيات لمجموعة العشرين والسبعة الكبار اقتصاديا ومجموعة بريكس والمجموعات الدولية الاخرى التي تعمل لتشكيل اقطاب اقتصادية جديدة واخيرا سياسات ترامب الجديدة في زيادة الضرائب والرسوم الكمركية على بعض الدول الصناعية المنافسة مما ادى الى ارتباك في خارطة الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية .

والدليل هو الازمات الحالية التي اضرت باقتصاديات الدول الكبرى قبل الصغرى ومانتابعه الان من ارتفاع التضخم الركودي في اغلب دول العالم وبشكل بارز في امريكا ودول الاتحاد الاوربي ودول الاقليم الجغرافي وانخفاض القدرة الشرائية للعملات المحلية لهذه الدول . لذلك نعتقد ان اقتصادنا في الامد القريب سوف يعاني من التاثيرات السلبية للنظام الاقتصادي العالمي من عدم السيطرة على توريدات الغذاء والسلع الاساسية وقد تنخفض اسعار النفط الى اقل من المخطط في الموازنة العامة لعام 2025 وفي ضوء متغيرات الاوضاع وهذه التاثيرات ستؤدي الى تاثيرات سلبية على اقتصادنا ومنهجية الاصلاح المالي والمصرفي .

وبما ان الاستقرار الاقتصادي يتحقق بالاستقرار في النظام المالي والنظام النقدي لذلك كانت اجراءات التحوط من قبل البنك المركزي في 2023و2024 واهدافه المرسومة في استراتيجيته الثالثة لغاية 2026 لما متوقع من التطورات في الازمات المقبله ان يكون الاعتماد اساسيا على بناء احتياطيات اجنبية بمستوى يغطي العملة المحلية في التداول والاستيرادات وتسديدات الدين الخارجي والالتزامات الدولية الاخرى . كذلك العمل على تنويع الاحتياطيات لتشمل سلة من العملات والذهب والسندات والاوراق المالية. كذلك اعتماده سياسات وآليات لتنظيم تمويل التجارة الخارجية والامتثال للمعايير الدولية .

وهذا فعلا ماقام به البنك المركزي خلال هذه الفترة حيث بلغت احتياطياته النقدية الاجنبية بحدود اكثر من 107مليار دولار و162.7طن من الذهب حيث اعلن مجلس الذهب العالمي ان العراق يحتل المرتبة الرابعة عربيا والثامنة والعشرون عالميا .وهذا يؤكد ان البنك المركزي يسير بخطى ثابتة لتحقيق اهداف السياسة النقدية في الحد من التضخم والسيطرة على المستوى العام للاسعار وهذا مااعلنه اخيرا بان المعدل السنوي للتضخم بلغ 2.8%والمعدل الاساس 2.5 %كذلك السيطرة على عرض النقد والمحافظة على سعر صرف الدينار ضمن السعر المتوازن في سوق التداول بالرغم من التذبذب بين فترة واخرى في سعر صرف الدولار النقدي في السوق السوداء .

ومتابعة وتحليل سعر الفائدة المحددة من قبل البنك المركزي بشكل مستمر . وهذا يتطلب من السياسة المالية والقطاعات الاقتصادية الاساسية والوزارات المسؤولة عنها العمل بشكل مشترك وبتنسيق واضح ومحدد مع ادارة البنك المركزي على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحوط وتجاوز الازمة الاقتصادية العالمية والحد من تداعياتها المستقبلية المتوقعة للسنوات الثلاثة القادمة .


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • استمرار انخفاض أسعار النفط
  • المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي ترفع أسعار النفط.. واستقرار أسواق الذهب
  • سياسات البنك المركزي التحوطية لمواجهة تاثيرات المتغيرات في الاقتصاد العالمي
  • أسعار النفط ترتفع رغم مخاوف الركود المحتمل في أمريكا
  • رئيس مؤسسة النفط يشارك بـ«مؤتمر الطاقة العالمي» في هيوستن
  • أوهام اقتصاد الحرب في أوروبا
  • تراجع أسعار النفط متأثرة بمخاوف من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على نمو الاقتصاد العالمي
  • «ستاندرد آند بورز جلوبال» لـ «الاتحاد»: 5.1% نمو اقتصاد الإمارات العام الجاري
  • متجاوزا الفائز العالمي.. "الطيران العماني" الأول بالشرق الأوسط في "الالتزام بالمواعيد"
  • نمو اقتصاد منطقة اليورو يتجاوز التقديرات في 2024