غادرن السودان على عجل وتركن أزواجهن.. مغربيات يأملن لم شمل أسرهن وانتهاء المعارك
تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT
الرباط- بأنفاس متقطعة، تحاول المغربية فتيحة إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن حال التشتت الأسري التي تعيشها منذ غادرت السودان على عجل لتنجو بنفسها وأطفالها من المعارك.
فتيحة حامل وأم لطفلين (4 و5 سنوات) غادرت الخرطوم الشهر الماضي حاملة قلبها بين يديها، ولم تتنفس بعمق إلا بعدما حطّت بها الطائرة في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.
"الحمد لله على نعمة الأمن"، تقول فتيحة وهي تستذكر لحظات الرعب التي عاشتها في الخرطوم خلال مكوثها هناك في الأيام الأولى للحرب.
تزوجت فتيحة رجلا سودانيا عام 2013، لكنه قرّر الاستقرار في الخرطوم منذ عام 2020 للاستثمار. كانت حياتها -كما تحكي للجزيرة نت- مستقرة ورائعة قبل أن تبدأ الطلقات الأولى للاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان الماضي.
"في اليوم الأول، انقطع التيار الكهربائي والماء، فوجدنا أنفسنا محاصرين وسط إطلاق النار عطشى وجوعى، وأطفالي يبكون طلبا للماء". تتوقف للحظات لتسترجع أنفاسها، قبل أن تضيف "كان زوجي يخرج للبحث عن الماء من بئر لدى بعض الجيران. كان الماء مخلوطا بالتراب، وكنت أغليه وأتركه ليبرد قبل أن أعطيه لأطفالي العطشى والمرعوبين".
بعدما تلقت اتصالا من السفارة المغربية في الخرطوم جمعت فتيحة الأوراق وبعض الملابس وغادرت بيتها مع زوجها وأطفالها باتجاه نقطة التقاء حدّدتها السفارة المغربية، ومنها اتجه الجميع نحو مدينة بورتسودان إلى حين الوصول إلى الدار البيضاء.
عادت فتيحة وأطفالها إلى منزل العائلة في مراكش، لكنها تركت خلفها زوجها الذي غادر الخرطوم نحو شمال السودان في انتظار تجهيز أوراقه للمغادرة نحو مصر.
تنتظر فتيحة في أي لحظة وضع مولودها الثالث الذي عاش معها لحظات الخوف والرعب قبل أن يفتح عينيه على الدنيا، لكن يبدو أنه سيفتحها من دون أن يرى والده بجانبه بعدما فرّقت بينهما القنابل والرصاص.
تزوجت سعيدة عام 2013 من زوجها السوداني، لكنها لم تضع في حسبانها أن يأتي يوم وتفصلها عنه ظروف مثل العنف الدائر في الخرطوم. غادرت السودان في مايو/أيار الماضي، ووصلت إلى الدار البيضاء حيث توجد عائلتها، بينما اتجه زوجها نحو مصر.
تقول سعيدة للجزيرة نت "وقّعتُ التزاما وجهّزت الأوراق اللازمة لتمكينه من الحصول على التأشيرة، لكن طلبوا منه قبل ذلك أن يحصل على وثيقة الإقامة في مصر، وهو ما يعمل عليه حاليا".
وتضيف "حصل زوجي على تأشيرة دخول إلى المغرب عدة مرات منذ زواجنا، لكنني سمعت أن هناك صعوبات في تمكين السودانيين من التأشيرة بعد اندلاع المعارك. وأخشى أن تطول المدة ونظل مفترقين فترة أطول".
بدورها، غادرت فاطمة الزهراء الخرطوم على عجل. ولم تحمل إلا ابنتها والقليل من أمتعتها. ركبت الطائرة متجهة من السودان إلى الدار البيضاء؛ هربا من المعارك الدائرة في البلاد.
تقول فاطمة الزهراء للجزيرة نت إنها أسّست حياة جديدة ومستقرة مع زوجها في السودان واعتادتها، ولم تتوقع أن يأتي يوم وتفر من هذا البلد للنجاة بروحها وروح ابنتها الوحيدة.
وتضيف "غادرنا السودان مُكرَهين، تركنا حياتنا وذكرياتنا وبيوتنا وأصدقاءنا وجيراننا. غادرنا لننجو بأنفسنا على أمل العودة بعد أن تستقر الأوضاع، غير أن الأسابيع والشهور تمر من دون أي تغيير".
وتتابع "اتفقت مع زوجي على أن أغادر في طائرة إجلاء المواطنين المغاربة نحو المغرب، على أن يتجه هو نحو مصر ويحصل منها على التأشيرة ثم ينضم إلينا".
تقدَّم زوج فاطمة الزهراء -وهو طبيب بيطري- بطلب التأشيرة إلى السفارة المغربية في مصر قبل نحو شهر، لكن الرد لم يصله بعد.
تقول فاطمة الزهراء "طفلتي متعلّقة كثيرا بوالدها، تسألني عنه دائما، وكلما رأت أبا يداعب طفله تخبره أن والدها سيأتي قريبا ويلعب معها".
وتشير إلى أن زوجها كان يرافقها دائما في العطلة الصيفية لزيارة العائلة في المغرب، وكان يحصل على التأشيرة بسهولة، لكنها اليوم لا تفهم سبب تأخر الرد على الطلب، ولم تجد جوابا شافيا يوضح لها الأسباب. وتستطرد "لم أكن أعتقد أننا سنفترق كل هذه المدة، ولو توقعنا أن هذا سيحدث ما غادرت وحدي".
آمال معلقةأما أم محمد فقد مرّت 3 عقود على زواجها برجل سوداني أنجبت منه 4 أبناء، ولديها أحفاد، وقرّرت هي وزوجها منذ 5 سنوات الاستقرار في السودان بعد عقود من الإقامة في دولة الإمارات، غير أن المعارك التي نشبت في الخرطوم غيّرت مسار حياتها.
تقول للجزيرة نت إنها تلقت اتصالا من السفارة المغربية لإجلائها مع ابنتها (19 عاما)، غير أنها اضطرت لترك زوجها مع بعض الأقارب حيث رافقهم إلى مكان آمن في مدينة أم درمان، في انتظار لمّ الشمل.
غادرت أم محمد -كما تحكي- وفي قلبها غصة؛ فزوجها كبير في السن ومريض بألزهايمر ويحتاج إلى رعاية خاصة، لكنها كانت تُمنّي النفس بلقاء قريب في المغرب.
وصل زوجها إلى مصر مع أقاربه، حيث أرسلت لهم كل الوثائق اللازمة لتسهيل التحاقه بها في المغرب ولم شمله مع أسرته، غير أنه لم يحصل على التأشيرة رغم تقديمه الطلب منذ نحو شهرين.
تطالب أم محمد السلطات المغربية بمراعاة الحالات الإنسانية ومنح التأشيرة لأزواج المغربيات العائدات من السودان حتى يلتئم الشمل.
تأمل أم محمد أن النفق الذي دخلته ومغربيات أخريات ستكون نهايته نور ينهي معاناتهن.
وتردف "أملنا في الله أن تنتهي الحرب ويعود الأمن. أنا متيقّنة من أن كل سيدة غادرت السودان وتركت خلفها بيتها لديها أمل في العودة إليه".
أبعدت المعارك الدائرة في السودان هؤلاء النسوة والأطفال عن الزوج والأب والمعيل، كان أملهم النجاة بأطفالهم والخروج من أرض المعارك واللقاء مرة أخرى، لكنهم وجدوا أنفسهم في حالة شتات. اجتمعت النساء في مجموعات وأوجدن فضاءً يتبادلن فيه النصائح والتجارب، وأملهن معقود على تأشيرات تُمنح لأزواجهن للمّ الشمل واكتمال الفرحة.
وقالت مصادر في الخارجية إن السلطات أقدمت على إجلاء المغاربة من السودان، وضمنت وصولهم بأمان إلى مدنهم في وطنهم الأم. وأضافت المصادر أن مسألة التأشيرات تخضع للقوانين الجاري العمل بها.
وتم تسيير جسر جوي لتأمين عودة المواطنين المغاربة من السودان عبر 4 رحلات جوية، حطت آخرها في مايو/أيار الماضي، وعلى متنها 125 مواطنا مغربيا، وبلغ عدد المستفيدين من العودة 572 شخصا.
وتأمل فتيحة وفاطمة الزهراء وسعيدة وأم محمد أن تمنح السلطات المغربية التأشيرة لأزواجهن، ولو موقّتا، ليلتئم شمل الأسر وتنتهي حال الانتظار والترقب التي يعشنها، ويلتقي الأطفال آباءهم، لكن أملهم الأكبر أن يتوقف صوت الرصاص وتنتهي المعارك في أرض السودان.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث
الخرطوم - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الثلاثاء15ابريل2025، قيام حكومة موازية في السودان، مع دخول الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأغرقت أنحاء من البلاد في مجاعة، عامها الثالث.
وطالب 15 بلدا والاتحادان الأوروبي والإفريقي الثلاثاء خلال مؤتمر في لندن بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وجاء في بيان لدقلو على تلغرام "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف "ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
ودخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وروت آمنة حسين البالغة 36 عاما لوكالة فرانس برس "دخلوا زمزم وراحوا يطلقون النار علينا".
وأصيبت حسين برصاصة في يدها لدى فرارها من المخيم إلى مدينة طويلة التي تبعد نحو 60 كلم.
وقالت بعدما أنهكها السير لثلاثة أيام وقد تورّمت يدها "لففت يدي بقماشة لوقف نزيف الدماء وركضنا بلا توقف".
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غربي السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
من جهته، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
- كابوس لا ينتهي -
ويقول عبد الرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويكشف حسن الذي بقي في الخرطوم لوكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".
بعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبد الرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب عبد الرحيم لوكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات)، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2,1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
- استمرار تدفق السلاح -
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
ويتّهم الجيش السوداني الإمارات بمدّ الدعم السريع بالأسلحة، ما تنفيه الدولة الخليجية وقوّات دقلو بدورها.
- التخلّي عن السودان -
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".