إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تجنب الأسوأ، من خلال تجنبه المعارك بين الأشقاء بالأسلحة الثقيلة في قلب موسكو، فإنه خرج من أخطر تحد واجه حكمه حتى الآن، ضعيفا بشكل لا يصدق، ومع ذلك فإن بداية انقلاب مجموعة فاغنر تكفي لإضعاف الدفاع الروسي في وقت كانت فيه كييف في خضم هجوم مضاد لاستعادة أراضيها.

تجمع هذه المقدمة بين رأي صحيفتي "ليبيراسيون" (Liberation) ولوباريزيان (Le Parisien) الفرنسيتين اللتين رأتا في هذا اليوم الذي وصفته إحداهما بالمجنون في روسيا محاولة انقلاب لها ما بعدها من التأثير في حكم بوتين القائم منذ عام 1999، وعلى الحرب في أوكرانيا.

أبدت ليبيراسيون عدم فهمها لأمر يفغيني بريغوجين، زعيم ميليشيا فاغنر شبه العسكرية القوي، إذ أمر قواته بالعودة إلى معسكراتها فجأة، بعد ما يقرب من 24 ساعة من إعلانه أن رجاله دخلوا في تمرد على قادة الجيش لتحرير البلاد "من الفساد والأكاذيب والبيروقراطية"، وتساءلت: هل كان الأمر خداعا أم ضغطا أم جنونا أم مجرد انقلاب؟ مستنتجة أنه مهما كانت طبيعة ذلك فإنه أغرق روسيا في الحيرة، بل حتى عدم الاستقرار.

وإذا كان بريغوجين المعروف بأنه متعطش للدماء -حسب ليبيراسيون- قد برر تراجعه عن خطاب ثوري استمر أقل من يوم بأنه "لتجنب حمام دم مع قوات الأمن"، فإن خطوته بدت أقرب إلى محاولة الضغط لتجنيب مجموعته الحل الذي هددتها به وزارة الدفاع.


تجنب الأسوأ

وخلصت الصحيفة إلى أن هذا اليوم المجنون -حسب وصفها- لم تخذل فيه أي شخصية مهمة في السلطة بوتين الذي بدا ضعيفا للغاية لأول مرة منذ بداية حكمه، وحصل على دعم رؤساء تركيا وبيلاروسيا والشيشان، في حين بقيت عواصم العالم الكبرى في حالة متابعة متواصلة، عدا كييف التي بدت مستبشرة وأعلنت تقدم قواتها ميدانيا.

ومع أن ليبيراسيون أولت اهتماما كبيرا لتأثير ما بعد هذا اليوم المجنون، فإن لوباريزيان خصصت تقريرها لذلك التأثير، ملخصة رأيها في 3 أسئلة، بعد سردها أحداث هذا اليوم التي وصفها بوتين بأنها "طعنة في ظهر روسيا"، واتهم من قام بها دون تسميتهم بتشكيل "تهديد مميت" للبلاد مع خطر إشعال "حرب أهلية".

ومن خلال السؤال الأول ناقشت الصحيفة دوافع بريغوجين إلى شن هذا الانقلاب، مشيرة إلى وجود صراع على السلطة والنفوذ كان ينتظر شرارة لإشعاله، ولعل تلك الشرارة هي ما عانته قواته -التي تم تجنيد معظم أعضائها من السجون مقابل العفو- خلال معركة باخموت "المظفرة" من تقصير في حقها من قبل وزارة الدفاع التي اتهمها الرجل صراحة بالفساد وعدم إرسال المعدات والذخيرة الكافية له، وبأنها تسببت في تأخير تقدم قواته بسبب أمور البيروقراطية.


أخطر تحد

ووصلت الأمور إلى أعلى مستوياتها -حسب لوباريزيان- مساء الجمعة عندما اتهم رجل الأعمال الذي تحول إلى قائد عسكري الجيش الروسي بقصف معسكرات قواته بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل العديد منها.

أما السؤال الثاني فتتبعت فيه الصحيفة رد فعل موسكو التي نفت الخبر، لكن التمرد انطلق بالفعل، واحتل المتمرد منطقة روستوف أون دون بجنوب البلاد من دون إطلاق رصاصة، ليتحدث بوتين فجر السبت، منددا بما وصفه بأنه "طعنة في ظهر روسيا"، وبعدئذ دعا قادة مجلسي البرلمان الناس إلى دعم الرئيس بوتين، ودان العديد من كبار الشخصيات العسكرية انقلاب بريغوجين.

وبخصوص السؤال الثالث، عبرت الصحيفة عن صعوبة تقدير تأثير هذا التمرد، ورأت أنه أخطر تحد لحكم بوتين الطويل وأخطر أزمة أمنية في روسيا منذ وصوله إلى السلطة، وأنه يكفي لإضعاف الدفاع الروسي في أوكرانيا التي كانت في خضم هجوم مضاد لاستعادة أراضيها.

لكن لوباريزيان شددت على أن السؤال الأهم الذي بقي محيرا هو ما الذي حصل عليه بريغوجين للعودة عن انقلابه؟ ولم تعط ليبيراسيون ردا على ذلك السؤال وإن كانت ذكّرت بأن التدخل الذي قال رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو إنه قام به هو ما يبدو أنه جعل إيقاف تحركات مسلحي شركة فاغنر ممكنا، منبهة إلى "الضمانات الأمنية التي أعطيت لمقاتلي فاغنر في هذا الإطار".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ترامب يتوقع أخبارا جيدة من روسيا وستارمر يشكك في جدية بوتين

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه ينتظر أخبارا "جيدة جدا" من روسيا، في حين اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير جاد بشأن السلام مع أوكرانيا.

ونقلت وكالة رويترز عن ترامب قوله في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة إن إدارته تحدثت مع بوتين، معربا عن شعوره بأن موسكو ستبرم صفقة معه.

وأضاف أنه ينتظر أخبارا "جيدة جدا" من موسكو بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

ونقلت وكالات أنباء عن الرئيس الأميركي قوله إن أوكرانيا قبلت وقف إطلاق النار، معتقدا أنه يمكن إقناع روسيا بذلك أيضا.

وأوضح ترامب أن بلاده أجرت محادثات "جيدة للغاية" مع روسيا وأوكرانيا، وأنه تلقى أخبارا سارة في هذا الصدد.

وكان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف زار موسكو والتقى بوتين، وذلك بعد أن أبدت كييف استعدادها لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما.

بوتين "غير جاد"

في غضون ذلك، اتهم رئيس الوزراء البريطاني ستارمر الرئيس الروسي بأنه لا يتعامل بجدية مع مساعٍ تبذلها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا.

وجاء في بيان لستارمر صدر في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة أن تجاهل الكرملين التام لمقترح الرئيس ترامب بشأن وقف إطلاق النار يثبت أن بوتين غير جاد بشأن السلام.

إعلان

من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يتعين على روسيا قبول الاتفاق المقترح لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، والذي تقدمت به الولايات المتحدة وأوكرانيا.

وأضاف ماكرون أنه ناقش الوضع أمس الجمعة مع رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وفي كلمة مصورة مساء أمس الجمعة، قال زيلينسكي إنه وماكرون ناقشا "حالة الدبلوماسية والإمكانيات المتاحة والجوانب التقنية" للإشراف على وقف إطلاق النار.

وفي وقت سابق، قال الرئيس الأوكراني إنه يمكن مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار مع روسيا بمساعدة الولايات المتحدة عبر الأقمار الصناعية والمعلومات المخابراتية.

والثلاثاء الماضي، شهدت مدينة جدة السعودية انطلاق محادثات أميركية أوكرانية برئاسة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الأوكراني أندريه سيبيغا، لبحث التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين كييف وموسكو.

وعقب ذلك أعلن الإعلام السعودي الرسمي موافقة أوكرانيا على مقترح أميركي لوقف إطلاق نار مع روسيا يستمر لمدة شهر.

ومنذ 24 فبراير/شباط 2022 تشن روسيا هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا، وتقول إن خطط كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة تهدد الأمن القومي الروسي.

مقالات مشابهة

  • لماذا هناك خطان على المنشفة؟.. سؤال يشعل ضجة وسط تكهنات بمواقع التواصل الاجتماعي
  • بوتين يعلن التوصل إلى اتفاق شراكة استراتيجية وتعاون بين روسيا وفنزويلا
  • ترامب يتوقع أخبارا جيدة من روسيا وستارمر يشكك في جدية بوتين
  • بعد حصارهم.. بوتين يدعو القوات الأوكرانية في كورسك لإلقاء السلاح
  • بوتين يثير أسئلة جدية بشأن الهدنة وزيلينسكي يتهمه بالتلاعب
  • مع بعض التحفظات.. بوتين يؤيد وقف إطلاق النار في أوكرانيا
  • بوتين ولوكاشينكو يوقعان على اتفاقية بشأن الحماية المتبادلة لمواطني روسيا وبيلاروسيا
  • مساعد بوتين: روسيا تعارض وقف إطلاق النار المؤقت في الحرب الأوكرانية
  • الكرملين: المناطق الجديدة التي ضمتها روسيا واقع لا جدال فيه
  • فوراً..ترامب: توجه مفاوضين إلى روسيا للحصول على موافقة بوتين على وقف النار