لماذا التزمت إدارة بايدن الصمت تجاه تمرد فاغنر؟
تاريخ النشر: 25th, June 2023 GMT
واشنطن- استيقظت العاصمة الأميركية واشنطن أمس على أنباء الأحداث السريعة والمتلاحقة في روسيا التي بدأت بإعلان قائد مجموعة فاغنر التمرد على الجيش وتوجه أرتال من قواته إلى موسكو.
البداية كانت في الساعات الأولى من اليوم حيث توالت الأخبار العاجلة التي غمرت وسائل الإعلام بعد سيطرة قوات فاغنر على المنشآت العسكرية في مدينة روستوف جنوبي روسيا وإعلان قائد المجموعة لاحقا أن قواته في طريقها إلى العاصمة موسكو.
سمح فارق التوقيت (7 ساعات) بين موسكو وواشنطن بمتابعة أميركية دقيقة لأحداث الأمس حتى لما بعد انتصاف الليل في موسكو.
ومثلما فوجئت واشنطن بأنباء تمرد قوات فاغنر وتحركاتها، فإنها فوجئت أيضا بالتوصل إلى اتفاق لحل الأزمة بعد صفقة توسط فيها رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، المعروف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن بريغوجين نفسه، وبمقتضاها يسقط الكرملين جميع تهم "التمرد" ضد بريغوجين ومقاتليه، على أن ينتقل بريغوجين إلى بيلاروسيا.
كما تضمنت الصفقة العفو عن مقاتلي فاغنر الذين شاركوا في التمرد، بينما سيسمح للبقية بأن يصبحوا مقاتلين متعاقدين مع الجيش الروسي.
الصمت والحديث مع الحلفاءبدأت الأحداث خلال قضاء الرئيس الأميركي جو بايدن إجازته الأسبوعية بمنتجع كامب ديفيد الواقع في ولاية ميرلاند، لذا لم تعقد الإدارة الأميركية اجتماع "إدارة الأزمة" بالبيت الأبيض كما جرت التقاليد في مواجهة أحداث مماثلة من الطراز الثقيل.
ولعدم إدراك المسؤولين الأميركيين ما يحدث بالكامل، تم اتخاذ قرار أن تلتزم كل الجهات الأميركية الرسمية في واشنطن وسفاراتها في العالم الصمت. ولم ترد إدارة بايدن أن تبدو سعيدة لما يجري؟ أو أن تبدو داعمة لطرف على آخر.
وقالت مصادر إعلامية إن الرئيس جو بايدن بحث الأزمة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتز، في وقت أكد فيه البيت الأبيض أنه يجري باستمرار إطلاع بايدن ونائبته كامالا هاريس على آخر التطورات في الساحة الروسية من خلال فريق الأمن القومي.
كما تحدث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى نظرائه في عدد من الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبحلول منتصف اليوم، ألغى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي رحلة كانت مقررة إلى إسرائيل والأردن كان من المفترض أن تبدأ أمس السبت، وهو ما أعطى إشارة واضحة على حجم القلق العسكري الأميركي مما يجري بموسكو، وعدم اتضاح حقيقة الموقف بصورة كاملة للبيت الأبيض.
وتحدث ميلي إلى بعض نظرائه في الدول الأوروبية الحليفة، ومنهم نظيراه الأوكراني والفرنسي.
وفي الدقائق التي أعقبت الاتفاق بين الحكومة الروسية وقوات فاغنر، قال مسؤولون أميركيون إن تقييمهم هو أن أحداث السبت من المرجح أن تُبعد انتباه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أوكرانيا لبعض الوقت، وهو قد يمنح الجانب الأوكراني ميزة في الأيام والأسابيع المقبلة.
مصير بوتين والسلاح النوويعلى مدار ساعات الأمس، كان السؤال الأكثر إلحاحا في واشنطن يدور حول "مصير الرئيس بوتين"، وإذا ما كانت سيطرته على الأجهزة العسكرية الروسية، خاصة تلك القوات التي تشرف على الأسلحة النووية الروسية، قد ضعفت، أو في طريقها إلى الانهيار.
وبدت إدارة جو بايدن كمن لا يمتلك أي إجابات شافية لأي من أسئلة الأمس المهمة.
وبدا الأمر لواشنطن كأن الرئيس الروسي يواجه أكبر تحد سياسي في حياته. وكان بوتين قد وصف تحرك قوات فاغنر نحو موسكو بأنه "تمرد مسلح" و"خيانة"، ووضعت موسكو في حالة تأهب أمني مشدد.
وطبقا لتقارير إعلامية، فقد خلصت التقييمات الأولية للاستخبارات الأميركية إلى أنه لم يكن هناك أي تغيير أو تحركات تتعلق بالقوات النووية الروسية، وأنه لا مجموعة فاغنر ولا الجيش الروسي قد أجريا تغييرات كبيرة على موقفهما ومواقعهما داخل الأراضي الأوكرانية بعد الأحداث في روسيا.
وبعد إعلان التوصل إلى صفقة التسوية، وخروج قائد قوات فاغنر للقول إنه "لتجنب إراقة الدماء، فقد أمر رجاله بالالتفاف من طريقهم إلى موسكو والعودة لمعسكراتهم"، بقيت تساؤلات وارتباك واشنطن دون تغيير، خاصة مع إدراك خبراء الشأن الروسي عُمق خلافات قوات فاغنر مع وزارة الدفاع الروسية حول إستراتيجية الإمدادات في أوكرانيا.
وعبر بعض المعلقين عن استمرار جهل واشنطن بديناميكيات وتفاعلات القوى الرئيسية داخل روسيا، مما لم يسمح لها بتصور سيناريو الأمس على الإطلاق.
كما لم يستوعب الخبراء الأميركيون أنباء تحرك قوات فاغنر للسيطرة على القواعد العسكرية في مدينة روستوف، ثم إطلاق قائدها بريغوجين بعد إكمال ما أسماها "بمسيرة العدالة" المسلحة إلى موسكو، بهدف "وقف شر" وزارة الدفاع، ووصولهم إلى مسافة 200 كيلومتر من العاصمة قبل التوقف عقب التوصل للصفقة المعلنة.
وانتهى يوم واشنطن الطويل والعصيب بعدم استيعاب خبرائها لأنباء الصفقة، مع وجود أسئلة أكثر من الإجابات: هل تمثل الصفقة المعلنة نهاية فعلية لهذه الأزمة داخل روسيا سواء تم اعتبارها تحركا عسكريا أو تمردا أو محاولة تمرد؟ وما مصير قوات فاغنر في روسيا وأوكرانيا؟ وفي مناطق وجودها في أفريقيا وأميركا اللاتينية؟ وكيف ستكون ارتدادات كل ما جرى على مسار الحرب في أوكرانيا؟ والسؤال الأهم كيف سيرد الرئيس بوتين على ذلك كله، والذي يمثل أكبر تحد لسيطرته المطلقة على أركان النظام الروسي خاصة في جوانبه الأمنية والعسكرية والاستخباراتية؟
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
لماذا فشلت العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني؟
مع إنفاق إيران مليارات الدولارات لتمويل "حزب الله" في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن وحماس والجهاد في غزة وكتائب حزب الله في العراق، يبرز تقرير إدارة معلومات الطاقة الصادر مؤخراً حول صادرات النفط الإيرانية كتذكير صادم بأن العقوبات المتقطعة التي فرضها الرئيسان جو بايدن والأسبق باراك أوباما على طهران قد فشلت.
صدرت إيران الكثير من نفطها إلى سوريا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية
وفي الواقع، فإن العقوبات وحدها ليست علاجاً شافياً. فغالباً ما تفشل السياسة التجارية الأمريكية في وقف الانتهاكات الصارخة للعقوبات تماماً كما حدث في روسيا. النفط الإيراني وتغذية مخططاتها وتشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى تضاعف عائدات النفط الإيرانية أربع مرات تقريباً منذ عام 2020، من 16 مليار دولار إلى 53 مليار دولار في عام 2023.وفي هذا الإطار، قال أرييل كوهين، المدير الإداري لبرنامج الطاقة والنمو والأمن في المركز الدولي للضرائب والاستثمار، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي، في مقال بموقع "ناشونال إنترست": هناك ثلاثة عوامل تفسر هذا التحول الدرامي: تطبيق إدارة بايدن المتراخي للعقوبات، وارتفاع أسعار النفط العالمية، وتعطش الصين للنفط، مما أدى إلى شراكة أوثق مع إيران.
وبفضل وفرة الأموال، كان لدى طهران الموارد التي تحتاجها على مدى السنوات القليلة الماضية لتمويل جماعاتها الإرهابية بالوكالة. وفي الوقت نفسه، اقتربت طهران أكثر فأكثر من اكتساب قدرات الأسلحة النووية. إدارة بايدن
وقال الكاتب: لم يلغِ الرئيس بايدن رسمياً أي عقوبات نفطية ضد إيران، ولكن من ناحية أخرى، لم تصدر إيران رسمياً أي نفط إلى الصين أيضاً. تستخدم طهران مجموعة واسعة من الشركات الوهمية وناقلات النفط المتخفية لإخفاء المنشأ الوطني لشحناتها النفطية.
في الواقع، سهلت العديد من شركات التأمين والخدمات اللوجستية الأمريكية عبور النفط الإيراني إلى الصين. ومع ذلك، فشلت إدارة بايدن في مقاضاة مافيا منتهكي العقوبات بشكل فعال.
Joe Biden’s Iran Oil Sanctions Failure https://t.co/sRFN55yCOp
— Alexander Constantin (@AlexCoh) November 2, 2024وحدد أنصار الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) صفقة مقايضة حيث خضعت إيران لعمليات تفتيش الأسلحة النووية في مقابل تخفيف العقوبات.
وفي عام 2018، أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات، مما تسبب بانهيار صادرات النفط الخام الإيراني من 2033 برميلاً يومياً في عام 2018 إلى 675 برميلاً في عام 2019.
ومن خلال تسامح إدارة بايدن وغض الطرف عن خرق طهران للعقوبات، استفادت إيران من الجزرة دون مواجهة العصا، وأدت الأعمال العدائية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران إلى القضاء على أي أرضية مشتركة متبقية بين الولايات المتحدة والحكومة الإيرانية الحالية.
وبالتالي، ستظل العقوبات الحالية بلا أنياب حتى تعطي واشنطن الأولوية للتنفيذ وتكرس لها موارد كبيرة.
ورأى الكاتب أنه لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على السياسات الأمريكية في ارتفاع عائدات النفط الإيرانية. فقد استفاد النظام الإيراني أيضاً من الاتجاهات الاقتصادية الكلية على مستوى العالم على مدى السنوات القليلة الماضية.
ووثق تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة حادة في متوسط السعر السنوي للنفط الخام الإيراني من 29 دولاراً للبرميل في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19 إلى 84 دولاراً في عام 2022.
The increases in Iranian oil production & exports happened with the blessing of the Biden Administration as we explained in our publications & podcasts. The Biden policy was a great success! #Iran #Trump #Harris
Joe Biden’s Iran Oil Sanctions Failure https://t.co/hWg75DrEup
وتفسر الصدمات الاقتصادية الخارجية هذا التحول إلى حد كبير. وأدى تخفيف القيود المفروضة بسبب الوباء إلى تعزيز الطلب على الطاقة، وخفضت الحرب بين روسيا وأوكرانيا إمدادات الطاقة.
ورغم أن الولايات المتحدة لها تأثير محدود على سعر النفط، فإن ارتفاع الأسعار يعمل كمضاعف لقوة إيران، مما يسمح لها بالاستفادة بشكل أكبر من النفط الذي تبيعه في مواجهة فشل إدارة بايدن في تطبيق العقوبات.
تاريخياً، صدرت إيران الكثير من نفطها إلى سوريا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية.
ومع ذلك، برزت الصين كعميل لا غنى عنه لصناعة النفط الإيرانية على مدى السنوات الخمس الماضية.
وتضاعفت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين أربع مرات منذ عام 2019، من 308000 برميل يومياً إلى 1.2 مليون برميل في عام 2023.
كما انخفضت الصادرات الإيرانية إلى وجهات خارج الصين من 1.4 مليون برميل يومياً في عام 2018 إلى 148000 برميل فقط في عام 2023.
وتعكس هذه الإحصائيات اتجاهاً أوسع لاستعداد الصين المتزايد للتهرب من العقوبات الأمريكية والأوروبية والتنسيق مع إيران للقيام بذلك. تشتري الصين ما يصل إلى 89 في المائة من صادرات النفط الإيرانية، اعتماداً على الشهر (تمثل ما يقرب من 10-12 في المائة من إجمالي وارداتها من النفط الخام في عام 2023). لم يعد بإمكاننا فصل المصالح الجيوسياسية للصين عن مصالح إيران.
واختتم الكاتب مقاله بالقول "يظل قطاع النفط الإيراني حيوياً في تمويل حملتها ضد إسرائيل والقوى الغربية، وباعتباره محوراً أساسياً في علاقة طهران ببكين. ولابد أن يتضمن أي رد فعل ضد محور المقاومة حرمان إيران من قدراتها على تمويل الإرهاب والأسلحة النووية، والتطبيق الصارم للعقوبات، والاستعداد للضربات المضادة الصينية".