شاركت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج في فعاليات "قمة مصر الثانية لحلول الأعمال، تحت شعار سد الفجوة"، وذلك بحضور الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، والسيد حسام هيبة، رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والأستاذ باسل رحمي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ونخبة متميزة من رجال الصناعة والاستثمار وخبراء الاقتصاد وممثلي وزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

وفي مستهل كلمتها، رحبت وزيرة الهجرة بالحضور، معربة عن شكرها للسيد مصطفى زمزم، رئيس أمناء مؤسسة "صناع الخير للتنمية" عضو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، على الدعوة الكريمة، موضحة أن "قمة مصر لحلول الأعمال" منصة مهمة للتواصل وطرح الأفكار.

وأكدت السفيرة سها جندي حرص وزارة الهجرة على تنفيذ استراتيجية مستمرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بإدماج المصريين بالخارج في المشروعات القومية، وبناء الشراكات لدعم نمو وتطوير مجتمع الأعمال ، بالتنسيق مع الأطراف المعنية من الجهات الحكومية والمؤسسات المالية والخبراء في الصناعة والمستثمرين، مشيرة إلى أن الأزمات التي يشهدها العالم حاليا، جعلتنا ندرك أهمية الاعتماد على الذات في توفير احتياجات السوق المحلي وتغطية الاستهلاك، والتوسع في الاستثمارات، للاستفادة من البنية التحتية المتميزة التي قامت بها الدولة المصرية، مؤخرا.

وأكدت السفيرة سها جندي أن ما قدمته القيادة السياسية من إصلاحات اقتصادية يسهم بشكل بارز في دفع عجلة التنمية وتوفير الآلاف من فرص العمل لمجابهة البطالة والقضاء على الهجرة غير الشرعية، وزيادة معدلات التشغيل والتوظيف وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات، نتيجة لدعم استثمار المصريين بالخارج في وطنهم والتعريف بما تمتاز به المنتجات المصرية التي تحظى بسمعة عالمية.

وأكدت وزيرة الهجرة أن مصر تخطو خطوات سباقة في وضع خطة منهجية متكاملة وتنفيذ عدد من المبادرات لتطوير قطاع الصناعة الوطنية، وتعميق التصنيع المحلي وذلك من خلال التوسع في إقامة المجمعات الصناعية وتوفير مستلزمات الإنتاج، والتي يتم تعريف المصريين بالخارج بها، خلال لقاءاتنا معهم ضمن مبادرة "ساعة مع الوزيرة"، بجانب تعريفهم بالتيسيرات غير المسبوقة، التي تقدمها مصر لتشجيع المستثمرين على الاستثمار في مختلف القطاعات، لرفع القدرة التنافسية للمنتج المصري سواء في الأسواق الداخلية أو العالمية.

وأشارت السفيرة سها جندي إلى أن وزارة الهجرة تقوم بدور حيوي وفعال في جذب استثمارات المصريين بالخارج لضخها في منظومة الاقتصاد الوطني وذلك في ضوء التكليفات الرئاسية واستراتيجية عمل الوزارة ، بهدف السعي لتحقيق أهداف استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة 2030، وذلك منذ توليها حقيبة الوزارة في أغسطس 2022، مؤكدة على تفعيل التواصل مع كافة أبناء مصر من المغتربين حول العالم ومع المستثمرين المصريين بالخارج والعمل على حل مشكلاتهم في مجال الاستثمار بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية بالدولة والاستجابة لمطالبهم ومقترحاتهم، وخاصة فيما يتعلق بتذليل عقبات الاستثمار في مصر.

وتابعت السفيرة سها جندي، أن الوزارة استجابت لمطالب المصريين بالخارج التي تم عرضها في مؤتمر الكيانات المصرية بالخارج العام الماضي والخاصة بتأسيس شركة استثمارات المصريين بالخارج وقد اعتمد دولة رئيس مجلس الوزارء هذه التوصية، حيث عقدنا العديد من الاجتماعات مع الوزارات ذات الصلة، وتنسيق عدة اجتماعات ولقاءات مع رجال الأعمال والمستثمرين المصريين بالخارج بهدف وضع التصور لشكل الشركة ونشاطها وطريقة تكوينها.

وأكدت وزيرة الهجرة أنه تم تكوين مجموعة المؤسسين من أهم المستثمرين المصريين بالخارج من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وانجلترا والسعودية والإمارات وبحضور السيد رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب د/ فخري الفقي، وتم الاتفاق على آليات إنشاء شركة مساهمة للمصريين بالخارج للاستثمار، كنواة لإنشاء شركة قابضة تعمل في مجالات متنوعة مثل التكنولوجيا والسياحة والزراعة والتصنيع ويتبعها صندوق استثماري لطرح أسهم الشركات التابعة في البورصات المحلية العالمية، كما تم توقيع بروتوكول تعاون بالأحرف الأولى من السادة المستثمرين المؤسسين للشركة للبدء في الإجراءات القانونية لتأسيس الشركة.

وأشارت السفيرة سها جندي إلى استجابة الدولة المصرية لمطالب المصريين بالخارج فيما يتعلق بإعادة العمل بمبادرة "استيراد سيارات المصريين بالخارج" لمدة 3 أشهر أخرى، بدءا من أكتوبر  2023، وكذلك إتاحة شهادة معاش بكرة بالدولار، للمصريين بالخارج، وهي ميزة تقدم للمصريين بالخارج لأول مرة، بجانب العديد من المحفزات التي قدمتها الوزارة للمصريين بالخارج في مختلف المجالات.

وتابعت وزيرة الوزيرة أن تحويلات المصريين بالخارج تلعب دورا حيويا في دعم الاقتصادي الوطني؛ حيث تعد تحويلات المصريين بالخارج من أهم مصادر توفير العملة الصعبة في البلاد حيث تبوأت مصر في عام 2022 المركز السادس عالميا بين أكبر الدول في تلقي تحويلات العاملين بالخارج، مشيرة إلى العديد من المبادرات المهمة التي  نفذتها وزارة الهجرة بالتنسيق مع مؤسسات الدولة لتعزيز وتشجيع وزيادة التحويلات الدولارية للمصريين بالخارج مثل مبادرة التيسيرات الجمركية لسيارات المصريين بالخارج ، و طرح الشهادات الدولارية ذات العائد المرتفع 7% و9% ، والطروحات الخاصة بالإسكان وأراضي بيت الوطن والوحدات العقارية الموجهة للمصريين بالخارج، بالإضافة لمبادرة معاشك بالدولار ومبادرة التسوية التجنيدية، كبديل من شأنه جذب تحويلات المصريين بالخارج.

وأشارت وزيرة الهجرة إلى أننا حريصون على تعريف المستثمرين بالخارج بحلول الأعمال، وتحفيز الاستثمار، ولذلك أطلقنا حملة "مستثمرون مصريون بالخارج يجيبون: لماذا نستثمر في مصر؟ ، بمشاركة عدد من رجال الاعمال والمستثمرين بهدف تحفيز الاستثمار في مصر وتقوم الحملة بعمل فيديوهات قصيرة يقدم فيها الخبراء المصريين بالخارج عرضا مختصرا وشهادتهم عن الاستثمار في مصر وما لمسوه بأنفسهم خلال رحلة الاستثمار في العديد من المشروعات بمصر وقد تم إطلاق هذه الحملة لتكون رسالة من المصريين بالخارج إلى المصريين بالخارج والداخل أيضا لتوضح فرص الاستثمار في مصر، وتشجع المستثمرين ورواد الأعمال على ارتياد السوق المصري.

وأضافت السفيرة سها جندي إلى أهمية الاستعانة بخبرات المصريين بالخارج في مختلف المجالات، ولذلك حرصنا على بحث آليات نقل المعرفة وتوطين الصناعة في مصر، في العديد من المجالات والقطاعات الاقتصادية الحيوية.

وتابعت السفيرة سها جندي أن هناك تعاون بين مختلف وزارات ومؤسسات الدولة للترويج للمحفزات الاستثمارية في القطاعات الانتاجية والتي تقدمها الدولة حاليا للمستثمرين وخاصة المصريين بالخارج، بالتعاون بين وزارات الهجرة،  التجارة والصناعة، قطاع الأعمال العام، الزراعة، المالية، وكذلك الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الاسكان والصندوق السيادي والبنك المركزي وهيئة الرقابة المالية وغيرهم.

وضمن استراتيجية الوزارة لتوفير فرص العمل للشباب، وتعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أوضحت وزيرة الهجرة أنه في إطار تنفيذنا للمبادرة الرئاسية مراكب النجاة، والتي تستهدف مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية،  تقوم الوزراة بجهود التدريب الفني من أجل التوظيف عبر مظلة المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج التابع لوزارة الهجرة، كما يتم تنفيذ دورات تدريب حرفية مع العديد من الشركات العالمية المستثمرة في مصر.

وأشارت وزيرة الهجرة إلى أن هناك تكامل للجهود بين مختلف أجهزة الدولة، حيث جاء إطلاق مبادرة 100 مليار دولار صادرات ومبادرة تطوير الصناعة المصرية "ابدأ" بهدف تعظيم العائد من الصادرات المصرية، ودعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي وخفض الواردات، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مصر. كما تولي الدولة المصرية أهمية خاصة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر كونها إحدى الركائز الأساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وتابعت السفيرة سها جندي،  أن مصر عملت على دعم ريادة الأعمال وإطلاق مبادرات تهدف لتوفير الدعم المالي والتمويل الميسر لها، لتقديم الخدمات التسويقية واللوجستية والتكنولوجية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتدريب وتأهيل الكوادر البشرية، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة العمل الحر، وسَن التشريعات اللازمة لتذليل العقبات التي تواجه هذا القطاع، بما يسهم في تحقيق العديد من المميزات وفي مقدمتها الحد من البطالة وتغذية الصناعات الكبرى وتوفير متطلباتها، وتحسين القوة التنافسية للمنتج المصري، وزيادة حجم الصادرات، وتوفير العملة الأجنبية والحد من فاتورة الاستيراد.

وأشارت وزيرة الهجرة إلى ما قامت به مصر  من جهود تشريعية،  بإصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية، والذي يقدم عدة حوافز مالية لقطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهيـة الصغر، ومن أبرزها خفض الرسوم الجمركية على الآلات والمعدات اللازمة للتشغيل بنسبة تتراوح ما بين 2% إلى 5%، والدور المتميز  لجهاز المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بإتاحة تمويلات تنموية بنحو 40.1 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مما وفر حوالي  2.6 مليون فرصة عمل، وتوفير منح بقيمة 2.8 مليار جنيه لمشروعات البنية الأساسية والتنمية المجتمعية.

وتابعت وزيرة الهجرة أن الدولة المصرية حرصت على تقديم المزيد من التيسيرات والحوافز امام المستثمرين المصريين بالخارج لضخ استثماراتهم في السوق المصري، حيث وجهت القيادة السياسية الحكومة بمنح المشروعات الصناعية الاستراتيجية مختلف الحوافز، ومن بينها الإعفاء من كافة أنواع الضرائب، عدا ضريبة القيمة المضافة، حتى 5 سنوات، للمشروعات الصناعية التي تستهدف صناعات استراتيجية، بهدف تعميق الصناعة الوطنية، بشرط تنفيذ وتشغيل المشروعات طبقاً لحجمها في مدة أقصاها 3 سنوات، وإمكانية مد الإعفاء لخمس سنوات إضافية لعدد محدد من هذه الصناعات، بشرط تحقيقها مستهدفات محددة، وفقاً لحجم الاستثمار الخارجي والضوابط التي يحددها مجلس الوزراء.

وأشارت وزيرة الهجرة إلى عدد من هذه الضوابط والمحفزات التي يمكن للمستثمرين من المصريين بالخارج أيضا الاستفادة منها، ومن بينها إمكانية استعادة نسبة من قيمة الأرض تصل إلى 50%، بشرط تنفيذ المشروع في نصف المدة المحددة له، مضيفة أنه تم عقد اجتماع  المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيد رئيس الجمهورية وكانت أبرز نتائجه تيسير إجراءات تأسيس الشركات، وخفض الحواجز البيروقراطية، وإعداد تعديلات تشريعية للتغلب على القيود المتعلقة بتملك الأراضي.

وأكدت وزيرة الهجرة أن مصر أتاحت الكثير من المحفزات للمصريين بالخارج، من بينها التوسع في اصدار الرخصة الذهبية للمستثمرين، بجانب التخفيف من الأعباء المالية والضريبية المفروضة على المستثمرين، وكذلك خلق بيئة تشريعية وضريبية مستقرة، واعتماد حزمة من الحوافز الداعمة لعدد من القطاعات والمشروعات الزراعية والصناعية والطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها.

واستعرضت وزيرة الهجرة عددا  من المبادرات التحفيزية التي من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين، كان آخرها قائمة بـ 22 قراراً جديداً تم اتخاذهم خلال أعمال اجتماعات المجلس الأعلى للاستثمار بعد إعادة تشكيله، برئاسة فخامة رئيس الجمهورية، ومراجعة كافة القوانين والقرارات التنظيمية والإجراءات الإدارية المعمول بها، في سبيل الإسراع وتيسير الاجراءات لجذب أكبر حجم من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص، وتقديم تيسيرات للمستثمرين، فيما يتعلق بـ (تأسيس الشركات، وتخصيص الأرض، وتصريح مزاولة النشاط، وكذلك تشغيل المشروعات) في ظل بيئة شفافة وأطر قانونية مستقرة.

وفي ختام كلمتها، أكدت السفيرة سها جندي، أن ما يتم الآن على أرض مصر من إنجازات يعد معجزة حقيقية؛  فمصر الأن تبني دولة جديدة قوية وقادرة ومزدهرة، وما تم إنجازه في مصر من مشروعات تنموية  وصناعية ضخمة وبنية تحتية عملاقة ومدن جديدة كبرى، يستحق منا جميعا أن نفخر ونعرب عن بالغ اعتزازنا بهذا الوطن القادر ، ونتفائل بمستقبله المشرق.. دامت مصر قوية وعزيزة وقادرة، ودائما وأبدا تحيا مصر.

وشهدت وزيرة الهجرة فعاليات الجلسة الأولى ضمن فعاليات قمة مصر لحلول الأعمال.. Egypt Business Solutions Summit، والتي تناولت سبل التمويل المستدام ودعم الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بحضور نخبة متميزة من الخبراء.

تناقش "قمة مصر الثانية لحلول الأعمال" عددا من الموضوعات، على مدار 4 جلسات بينها  اﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ وﺗﻤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻨﺎخ ومؤشرات نمو  اﻷﺳﻮاق وآﻟﻴﺎت ﺳﺪ اﻟﻔﺠﻮات اﻟﺘﻤﻮﻳﻠﻴﺔ وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻷﻋﻤﺎل فى مصر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: السفيرة سها جندي وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج سد الفجوة المتوسطة والصغیرة ومتناهیة الصغر المستثمرین المصریین بالخارج المشروعات المتوسطة والصغیرة الصغیرة ومتناهیة الصغر المصریین بالخارج فی للمصریین بالخارج السفیرة سها جندی الاستثمار فی مصر الدولة المصریة العدید من قمة مصر إلى أن

إقرأ أيضاً:

السودان وتشاد: الفرصة التي لا ينبغي تفويتها

تدخل الحرب المفروضة على السودان وشعبه عامها الثالث، وقد تغيّر كثيرٌ من معالم المعركة، وتغيّر ميزان القوى في ميدان القتال، وأثّر ذلك على مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين بشكل ملحوظ.

فقد أدّت انتصارات القوات المسلحة السودانية الباهرة، والهزيمة النكراء التي لحقت بمليشيا الدعم السريع، إلى فرض إرادة الدولة السودانية التي كادت أن تُختطف، وتعزّزت السردية الحقيقية لهذه الحرب، والتي تهدف إلى السيطرة على الدولة، وتهجير سكانها وفرض واقع اجتماعي مختلف تمامًا. ويؤكد ذلك ممارسات مليشيا الدعم السريع غير الأخلاقية تجاه المدنيين الأبرياء وممتلكاتهم.

وغالبًا ما تدفع التحولات الجيوسياسية الكبيرة في الصراعات كل اللاعبين الفعليين والثانويين إلى إعادة التموضع، ومحاولة تلمُّس الخطى واستبانة الطريق القويم.

ولما كانت السياسة لا تعرف العداءات الدائمة، فإن مراجعة الدول لسياساتها وتصحيح مواقفها يُعتبر من الحكمة الدبلوماسية والفطنة السياسية المحمودة، وهي سُنّة ماضية في السلوك السياسي للأنظمة والدول.

ولما نشاهده اليوم من أن كثيرًا من الدول والجماعات تسعى لتصحيح موقفها من الحرب المفروضة على الدولة والشعب السوداني، فإن هذا المقال هو نداء صارخ لكل من السودان وتشاد لتصفير المشكلات، وإعادة ضبط إيقاع العلاقة التاريخية بينهما، والعودة إلى الوضع الطبيعي لهذه العلاقات، التي ظلّ التعاونُ والتكامل وحسن الجوار هو الأصلَ فيها، والخلاف والنزاع شأنًا عابرًا.

إعلان الثابت والمتغير في العلاقات

من أهم الثوابت في هذه العلاقة أنها علاقات قديمة ضاربة الجذور في التاريخ والثقافة والموروث الاجتماعي بين المجموعات العرقية والقبائل المشتركة، وهي علاقة ذات ديناميكية اجتماعية متجددة.

يربط السودان وتشاد حدود طويلة تزيد عن 1.400 كيلومتر، وهي أطول حدود تربط السودان بدول جواره السبع بعد حدوده مع دولة جنوب السودان.

والحدود بين البلدين مفتوحة لا تعيقها تضاريس وعرة، مما جعل حركة السكان سهلة وميسّرة ويصعب السيطرة عليها. فهي أرض شاسعة، منبسطة وخصبة، تمتد في شكل حزام طويل واسع ومتداخل من منطقة موندو وأبشي وأدري في تشاد، مرورًا بولايات دارفور وحتى غرب كردفان في السودان.

هذا السهل الشاسع تسكنه أكثر من عشرين قبيلة مشتركة بين البلدين، ولها امتدادات اجتماعية عميقة، تعززت بالزواج والمصاهرة والنظم والتقاليد القبلية الصارمة لدى هذه المجتمعات.

وفي الواقع، فإنّ التداخل القبلي والاندماج المجتمعي والتواصل الأسري الميسور بين مواطني السودان وتشاد هو حالة متفرّدة، بالنظر إلى علاقات السودان مع جميع جيرانه الآخرين.

الثوابت القوية والمتعددة في العلاقة بين البلدين جعلت الأصل في العلاقة بينهما هو التعاون والتكامل والتنسيق في كل المجالات، وجعلت العداء هو الاستثناء.

وباستعراض تاريخ البلدين نجد أن الدبلوماسية السودانية ظلّت دومًا ناشطة وفاعلة في تعزيز العلاقات بين البلدين وفي ترسيخ السلم والأمن في تشاد، أثناء الحروب الطويلة التي شهدتها منذ استقلالها عن فرنسا في العام 1960، وحتى وصول الرئيس الراحل إدريس ديبي إلى السلطة في العام 1991، وهي أطول فترة استقرار نسبي تعيشها تشاد في تاريخها المعاصر.

وقد أسهم السودان بشكل كبير في استقرار تشاد، واستضاف العديد من مؤتمرات السلام والمصالحة بين الفرقاء التشاديين.

لذلك، فإنّ حالة الجفاء التي سادت العلاقات بين السودان وتشاد بسبب الحرب المفروضة على السودان، هي حالة عابرة، لأنّها تنافي ثوابت العلاقة التاريخية بين البلدين.

إعلان

ومن مصلحة قيادة وشعب البلدين التحلّي بالشجاعة والكياسة السياسية للعودة بالعلاقات إلى طبيعتها المسالمة، والطريق الأسهل لذلك هو العمل على تصفير المشكلات، مهما كان دافعها.

تشاد ومعضلة الأمن والاستقرار

يؤكد تاريخ جمهورية تشاد المعاصر أنها دولة مليئة بالاضطرابات والنزاعات والصراعات السياسية والأمنية منذ الاستقلال وحتى اليوم. يُعتبر الرئيسُ فرانسوا تمبلباي، أبا الاستقلال وأول زعيم للدولة الحديثة، لكنه لم يكن محل إجماع وطني، مما دفع القوميات الشمالية إلى الثورة.

وهكذا بدأت الحرب في الدولة الوليدة منذ العام 1963 تقريبًا، واستمرت سلسلة الحروب والتمرّد والعصيان على الدولة حتى يوم الناس هذا.

وتختلف الصراعات والحروب في تشاد عن نظيرتها في السودان، حيث ينحصر الصراع في السودان في إقليم معين، وغالبًا في الأطراف، ولا يكاد المواطن العادي في العاصمة والمدن الكبرى يشعر بذلك. ولم تنجح أي حركة تمرّد على الدولة في تاريخ السودان في الوصول إلى العاصمة، أو انتزاع السلطة المركزية بقوة السلاح.

بالمقابل، فإن الحروب في تشاد تستهدف العاصمة مباشرة، وتنتزع السلطة في المركز بالقوة، وتقوم بإعادة بناء الدولة من جديد. هكذا فعلت حركة فرولينا بقيادة جوكوني عويدي، التي أسقطت نظام الرئيس مالوم وسيطرت على العاصمة، وحكمت تشاد بقوّة السلاح.

وعلى ذات النهج سار الدكتاتور حسين حبري، الذي تمرّد على جوكوني ونظّم حرب عصابات قوية استطاعت أن تُسقط الحكومة المركزية، وتدخل بالقوّة إلى العاصمة نجامينا، وتستبيحها، وحكم حسين حبري بقوة الحديد والنار حتى أطاح به وزير دفاعه الجنرال إدريس ديبي في العام 1990 بثورة مسلّحة.

إن حالة الفوضى والاضطراب السياسي المتكرر في تشاد أدّت إلى هشاشة الدولة، وضعف المؤسسات المدنية والعسكرية، وطغيان الروح القبلية، لأن كل حركة كانت تعتمد على قبائل بعينها تُشكّل العمود الفقري لقواتها.

إعلان

ويؤكد ذلك أنه، ومنذ استقلال تشاد عن فرنسا في العام 1960، جرت استباحة العاصمة نجامينا ثلاث مرّات، وحُلّ الجيش الوطني ثلاث مرّات، وأُعيد بناء الخدمة المدنية ثلاث مرّات على الأقل.

أما النقطة الأهم، والجديرة بالنظر، فهي أنّ كل الحركات التي نجحت في انتزاع السلطة في نجامينا جاءت عن طريق شرق تشاد، أي غرب السودان.

ويعلم العسكريون جيدًا أن الحدود الوحيدة التي يمكن أن تهدد الأمن والاستقرار في تشاد هي حدودها مع السودان. ويؤكد ذلك أنه طوال تاريخ تشاد المضطرب لم تسلك أي حركة عسكرية الحدود الجنوبية مع أفريقيا الوسطى، بل إن ليبيا القذافي، وفي صراعها الطويل مع تشاد، احتلت شريط أوزو، وتمدّدت في المناطق الصحراوية في شمال تشاد، ولكنها لم تنجح في الوصول إلى العاصمة. حتى هزمها وزير الدفاع حينها، إدريس ديبي، في معركة مشهورة أكدت العبقرية العسكرية لهذا القائد التشادي، وجرى القبض على الجنرال خليفة حفتر، قائد القوات الليبية، في شريط أوزو، قبل أن يُفرج عنه في صفقة معروفة.

تمدّد الحركات السالبة

تواجه تشاد تحديات أمنية كبيرة في منطقة حوض بحيرة تشاد، وذلك بسبب النشاط المتزايد لجماعة بوكو حرام وأخواتها من الحركات السالبة. وقد ساهمت السياسات الخاطئة التي اعتمدتها الدول المتشاطئة على البحيرة في تعظيم نفوذ هذه الجماعة الإرهابية.

وبالرغم من أنّ الحركات السالبة في منطقة البحيرة وعلى امتداد الحدود بين تشاد والنيجر من جانب، وبين تشاد والكاميرون ونيجيريا من جانب آخر، تُعتبر مهددًا لكل دول منطقة الساحل، فإن تشاد تعاني أكثر من الدول الأخرى، وذلك ربما لأنّ جيشها هو الأكبر في المنطقة بعد نيجيريا، وقد قام بعمليات كبيرة ناجحة ضد هذه الجماعات، مما جعلها تستهدف تشاد بشكل أكبر.

ومن شأن استمرار التوتر والحروب في ولايات دارفور، أن يشكل مهددًا أمنيًا إضافيًا لمناطق شرق تشاد المكتظة بالسكان، ومثل هذا الجو الموسوم بالانفلات الأمني يمكن أن يشجع جماعة بوكو حرام وأخواتها على التمدد إلى جبهة شرق تشاد، وحينها ستُشكل تهديدًا أكبر، لا سيما في ظل حالة السيولة الأمنية في الحدود بين تشاد وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى الوجود القديم والمستمر لحركات معارضة تشادية في المناطق الصحراوية الشمالية.

إعلان

إن تعدد بؤر التوتر في تشاد سيؤدي إلى تشتيت جهود المؤسسات العسكرية والأمنية، مما يهدد بقاء الدولة المركزية.

خيارات تجارية أكبر

ومن شأن الخلاف السياسي والمشكلات المتصاعدة بين تشاد والسودان أن يحرما تشاد من تعظيم تعاونها التجاري والاقتصادي مع السودان، وهو تعاون مهم ومربح ومفيد جدًا لكلا البلدين، لكنه أكثر أهمية لتشاد لأنها دولة حبيسة.

وقد شهد التعاون الاقتصادي تطورًا كبيرًا في عهد الرئيس السابق إدريس ديبي إتنو، لدرجة أنه بدأ التفكير عمليًا في إنشاء خط أنابيب ناقل للبترول التشادي عبر ميناء بورتسودان.

وقام الرئيس التشادي بعدة زيارات إلى بورتسودان لتخصيص ميناء للواردات والصادرات التشادية، وبدأت فعليًا عملية نقل الواردات التشادية عبر ميناء بورتسودان إلى ميناء أدري الجاف في عام 2016.

وتفيد الدراسات التي أُجريت أن استخدام تشاد ميناءَ بورتسودان يقلل مدة وصول البضائع إلى نصف المدة، مقارنة مع الطريق الحالي الذي تستخدمه تشاد عبر ميناء دوالا في الكاميرون.

وفي الواقع، فإن فكرة استخدام تشاد ميناءَ بورتسودان فكرة قديمة بدأت فور استقلال تشاد، حيث وقّع الرئيسان التشادي فرانسوا تمبلباي والسوداني إسماعيل الأزهري مذكرة تفاهم؛ لتعبيد الطريق البري بين البلدين من نيالا إلى أبشي في تشاد، وذلك في عام 1967.

أزمة المجال الحيوى السوداني

تؤثّر الخلافات بين تشاد والسودان بشكل كبير على السودان أيضًا، ويشمل ذلك التأثير المجالَ الأمني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي على السواء، لكنه في المقام الأول يؤثر على تمدد النفوذ السوداني نحو منطقة الساحل الأفريقي الممتدة من تشاد وحتى تخوم المحيط الأطلسي في السنغال وموريتانيا. وهذه قضية ذات بُعد إستراتيجي يجب ألا يهملها صانع القرار السياسي السوداني.

معلوم أن لكل بلد نطاقًا حيويًا يؤثر فيه بشكل واضح ويُعدّ منطقة نفوذ أساسية، تخدم رؤيته ومصالحه الإستراتيجية في المنطقة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الولايات المتحدة الأميركية، مهما عظم نفوذها في العالم، تعتبر أن أميركا الجنوبية هي منطقة نفوذ حيوي لها، والصين مهما تمددت لن تسمح بالمنافسة في بحر الصين الجنوبي، وكثير من الصراعات الدولية الكبيرة – كما في أوكرانيا الآن – إنما هي في المقام الأول للحفاظ على مناطق النفوذ الحيوي التي يُعدّ الحفاظ عليها جزءًا من الحفاظ على الأمن القومي.

إعلان

وبالنظر إلى السودان، فإن مجاله الحيوي القاري يمتد شرقًا وغربًا وليس شمالًا وجنوبًا كما يعتقد البعض. وإذا كان الأمر كذلك، فإن تشاد تمثل البوابة الأساسية لانفتاح السودان نحو نطاقه الحيوي الخصيب في غرب أفريقيا عامة ودول الساحل الأفريقي خاصة.

إن التأثير الثقافي والاجتماعي للسودان على دول الساحل الأفريقي كبير جدًا وملحوظ، وله جذور تاريخية ضاربة تعود لحقبة الحضارة النوبية الأولى في شمال السودان، وهناك شواهد كثيرة على ذلك يضيق هذا المقال عن ذكرها.

ويستطيع السودان أن يلعب دورًا أكثر حيوية في هذه المنطقة ثقافيًا واقتصاديًا وأمنيًا. من أجل ذلك، وحتى لا يعزل السودان نفسه عن نطاقه الحيوي، فإن الحفاظ على علاقات التعاون وحسن الجوار مع تشاد يكتسب أهمية إستراتيجية بالغة.

الأمن لا يتجزأ

كما هو معلوم، فإن الأمن كل لا يتجزأ، لأن أمن جارك من أمنك، بل إن أمن الإقليم الذي تنتمي إليه هو جزء من أمنك، لأننا نعيش في عالم متداخل، والعلاقات فيه متشابكة.

لقد أكدت الحرب الجارية في السودان الآن صدق هذه المقولة، فقد ظل إقليم الساحل الأفريقي ساحة مليئة بالنزاعات والصراعات المختلفة، مما ساعد في ظهور حركات سالبة عابرة للحدود، وتطورت الجريمة المنظمة، وأصبحت تجارة الأسلحة غير المشروعة وتهريب البشر والجماعات المسلحة المستعدة لبيع بندقيتها لمن يدفع، ظاهرة بارزة في المنطقة.

وربما لم يكن المواطن السوداني البسيط في قرى ولاية الجزيرة يتوقع يومًا أن هذه الجماعات البعيدة جغرافيًا عنه، يمكن أن تصبح مهددًا حقيقيًا لأمنه، وتُصوّب بندقيتها المأجورة لإخراجه من داره والسيطرة على ماله وممتلكاته.

لقد كان هناك قادة عظام في كل من تشاد والسودان أدركوا أهمية، بل قدسية، علاقات حسن الجوار بين بلديهما وشعبيهما، من أمثال فرانسوا تمبلباي، وإدريس ديبي، وجعفر نميري، وعمر البشير، كانوا يتغاضون عن الخلافات الصغيرة من أجل المصالح الكبيرة.

إعلان

ويشهد على ذلك أنه رغم حدة الأزمة الأمنية بين البلدين في عام 2008، بعد عملية الذراع الطويلة، وعملية محاصرة قصر الرئاسة في نجامينا، فإن البلدين سرعان ما تجاوزا هذه الأزمة، وعَمِلا على تطويقها باعتماد أكبر مبادرة لتعزيز الأمن الجماعي، وهي تجربة قوات الحدود المشتركة.

وتُعدّ تجربة القوات المشتركة لمراقبة وحفظ أمن الحدود بين تشاد والسودان، التي بدأت في عام 2010، واحدة من أهم مبادرات التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وقد أتاحت الحدود الآمنة سهولة انسياب حركة البضائع والبشر، وعزّزت التعاون المشترك بشكل غير مسبوق.

وفي هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها علاقات البلدين، فإن الثوابت المشتركة والعميقة بينهما كفيلة بفتح آفاق جديدة، أكبر وأوثق، للتعاون والشراكة وحسن الجوار، يبدأ ذلك بتصفير المشكلات العالقة.

وهذا ليس عسيرًا إذا توفرت الإرادة السياسية، والابتعاد عن الاعتماد على الخارج، لأن قبول أجندة الخارج له ثمن، وربما يكون صعبًا ومكلفًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يؤكد خلال لقائه مع "الجالية" بتونس الأولوية التي يوليها لرعاية المصريين بالخارج
  • مصطفى بكري: تحويلات المصريين بالخارج زادت بنسبة 82%
  • اقتصادي: صادرات مصر من المشغولات اليدوية تخطت الـ 250 مليون دولار
  • السودان وتشاد: الفرصة التي لا ينبغي تفويتها
  • خبير: زيادة تحويلات المصريين تعكس الثقة فى الاقتصاد والوقوف بجانب الدولة
  • 20 مليار دولار خلال 7 أشهر| تحويلات المصريين بالخارج تُحفز الاقتصاد المحلي
  • نقل الكهرباء توقع عقدًا جديدًا لربط محطة توشكي 5 بالشبكة الموحدة
  • بيان مصري كويتي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين وسوريا ولبنان
  • 20 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج خلال 7 شهور بالسنة المالية 2024/2025
  • البنك المركزي: 20 مليار دولار حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال 7 أشهر