عمّان "العُمانية": يبحث كتاب "بلاغة السؤال والجواب" للباحثة فاطمة حلمي في العلاقة بين الأدب والفلسفة، من خلال التركيز على النثر الفلسفي في القرن الرابع الهجري، وبخاصة "الهوامل والشوامل" لأبي حيان التوحيدي وابن مسْكَويْه، الذي يُبرز التمازج بين هذين المجالين على صعيدَي التفكير والتعبير. يركّز الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" (2023)، على بلاغة السؤال والجواب بالمعنى الذي يساعد على تلمّس الأدب الفلسفي في "الهوامل والشوامل".

وتعرض الباحثة في التمهيد موجزاً للبلاغة القديمة والبلاغة الجديدة المقصودة في دراستها، مبيّنة أسباب اختيارها لها منهجيّاً وتحليليّاً. ويتناول الفصل الأول الرؤية الفكرية المضمونيّة ذات البعد الإنساني في "الهوامل والشوامل". وبالاستناد إلى الاستقراء والتحليل، تُدرج الباحثة هذه الرؤية ضمن عدة مسارب هي: المعرفة، والأخلاق، والإنسان، والسياسة، والجمال، وبلاغة النقد. وتخصص حلمي الفصل الثاني لمقاربة التشكيل الأسلوبي في "الهوامل والشوامل"، مستعينة على ذلك بضروب من التحليل في ضوء البلاغة الجديدة، وعارضةً العديد من الوجوه الجمالية في هذا المضمار. وتوضح أن "الهوامل والشوامل" يجمع بين الفلسفة والأدب على المستويين الفكريّ والأسلوبيّ، ويجمع بين علَمَين بارزين من أعلام الأدب والفلسفة، ويمثّل مختبراً نموذجيّاً لبلاغة السؤال والجواب، مشيرة إلى اختيار الفيلسوف العربي المعاصر محمد أركون عنوان "الهوامل والشوامل" للطبعة العربية من كتابه "ألف باء الإسلام" تقديراً لجرأة التوحيدي وابن مسْكَويْه على إثارة قضايا الإنسان الوجوديّة الملحّة. وتبين الباحثة أن عنوان الكتاب "الهوامل والشوامل" قُيّد على نحو يعطي ابن مسْكَويْه الأفضليّة على التوحيدي، فظهر الأول كما لو أنّه موئل الحكمة، وظهر الثاني كما لو أنه المُريد الحائر. مع أن التوحيدي تفوّق على ابن مسْكَويْه في كثير من المواضع؛ بلاغةً وحكمةً. وتشير حلمي إلى ما اتسمت به بلاغة المضمون في الكتاب من ملامح بارزة مثل: التفرّد، والشمول، والمواكبة، وجمهرة الفلسفة، وتقييم وتقويم الواقع، والتنوع الثقافي، وصيانة الثوابت، والروح الحجاجيّة، والنزعة الإنسانيّة العميقة، ومعرفة الله بوصفها السعادة. كما تشير إلى ما اتسمت به بلاغة الأسلوب من ملامح بارزة مثل: البنية الحواريّة التفاعليّة المفتوحة، وتقنيات الحجاج، وتنوع أساليب الإنشاء. وترى الباحثة أنه لا يمكن فصل الفلسفة عن الأدب في "الهوامل والشوامل"، لأن الجمع بينهما كان ديدن فلاسفة القرن الرابع الهجريّ؛ إذ لم يكتفِ التوحيديّ وابن مسْكَويْه في الكتابة بإيقاع بلاغيّ عالٍ، بل كانت البلاغة أحد أبرز الموضوعات التي تناولاها في مجالسهما وحواراتهما الفلسفية. وقد عرّف التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" البلاغةَ تعريفاً جامعاً مانعاً، إلى درجة أنّه يعدّ أحد أبرز المنظّرين الأوائل للبلاغة، ويعدّ تعريفه تأصيلاً في البلاغة الجديدة. وفي تقديمه للكتاب، قال د.غسان عبد الخالق: إن الباحثة امتلكت في هذا الكتاب الإجابة على ثلاثة أسئلة هي: ما المقصود بفلسفة وبلاغة السؤال والجواب؟، وما المقصود بجماليات المضمون في أسئلة "الهوامل والشوامل" وأجوبته؟، وما المقصود بجماليات الأسلوب في أسئلة "الهوامل والشوامل" وأجوبته؟ وأكد على أنها استطاعت التركيز على مفهوم السؤال والجواب في الثقافة العربية، وعلى علاقة الأدب العربي بالفلسفة، وعلى علامات فارقة في النثر الفلسفي لأبي حيان التوحيدي وابن مسْكَويْه.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس يوسا

توفي أمس الأحد الكاتب الإسباني-البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب عن 89 عاما في العاصمة البيروفية ليما حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيدا عن الحياة العامة، على ما ذكرت عائلته في رسالة عبر منصة اكس.

ولد ماريو فارغاس يوسا في بيرو عام 1936 وأقام في بوليفيا وليما قبل أن ينتقل إلى إسبانيا لدراسة الآداب. كما عاش فترة معينة في باريس، وعدّ مدريد بلده، لكنه احتفظ بجنسيته ونفوذه في بيرو حيث كتب لصحف بيروفية عن الأحداث الراهنة وترجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة.

وجاء في رسالة كتبها نجله البكر ألفارو ووقعها شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا "بحزن عميق نعلن وفاة والدنا ماريو فارغاس يوسا في ليما بهدوء محاطا بعائلته".

وسرت في الأشهر الأخيرة شائعات كثيرة حول تدهور وضع الكاتب الصحي.

وقال نجله ألفارو في تشرين الأول/اكتوبر الماضي "شارف على التسعين وهو عمر ينبغي فيه التحفيف من نشاطاته" من دون أن يوضح وضع والده الصحي.

كان يوسا واحدا من بين 4 كتاب، وصفوا في القارة اللاتينية بأنهم الكبار، من بينهم الأرجنتيني خوليو كورتاثار، والمكسيكي كارلوس فوينتس، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وأخيرا البيروفي ماريو فارغاس يوسا. وقد جاء صعودهم في تلك القارة، والانطلاق منها إلى بقية بلدان العالم، اعتبارا من بدايات الستينيات، بالتزامن مع ما بات يُعرف بطفرة الرواية التي شهدتها أميركا اللاتينية، وكان هؤلاء الأربعة، من بين أبرز ممثليها. في حين كان مجرد ذكر أسمائهم، يستدعي اسم خورخي لويس بورخيس، الكاتب الأرجنتيني الذي كان له الفضل، في تشكيل خريطة الأدب اللاتيني خلال القرن الـ20.

إعلان

كانت رواية "حرب نهاية العالم" هي التي فتحت الطريق أمام فارغاس يوسا، الأمر الذي كان له أثر واضح في وصول جائزة نوبل إليه في عام 2010، تلك الرواية التي يزيد عدد صفحاتها المترجمة إلى العربية عن 700، يتناول فيها الكاتب أحداث الحرب الأهليّة، التي اندلعت في شمال البرازيل، أواخر القرن الـ19، ويروي فيها قصة حرب "كانودوس"، وكأنه يرسم لوحة جدارية مدهشة، ويستعرض فيها تطلعات الإنسان، في عالم لم تغادره تلك المفاهيم التي تتعلق بالمدينة الفاضلة.

رواية "حرب نهاية العالم" لماريو فارغاس يوسا (الجزيرة)

كان يوسا قد بدأ حياته مثل عديد من مثقفي أميركا اللاتينية، متعاطفا مع أهداف اليسار، لكنه مع حلول الثمانينيات، أصبح يدعو بحماس لقيم التجارة الحرة والليبرالية السياسية. ولم يكتف بذلك، بل انتقل إلى مرحلة أخرى عندما شارك كمرشح رئاسي عن تيار يمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية البيروفية التي جرت عام 1990، لكنه لم ينجح في حصد النجاح.

وفي أعقاب ذلك، واصل يوسا إبداء حماسه الشديد، وميله الواضح نحو اليمين، وعندها أعلن انضمامه في عام 2014، إلى جمعية مونت بيليرين، المعروفة باحتضانها لليبرالية الجديدة.

لم يكن يوسا كما بات معروفا عنه، يتردد في التصرف، إذا ما رأى أن الأمر يستوجب ذلك، وفي هذا الإطار يمكن تفسير تقدمه لترشح إلى منصب رئاسة بلاده. بعد أن بات مؤمنا أن من واجبه الأخلاقي أن يكون ناشطا فعّالا في الحياة العامة، واتخاذ موقف لشجب ما يصدر عن الحكومات الشمولية أينما وجدت.

كما يمكن في هذا الإطار، تفسير صعوده إلى خشبة المسرح، لأداء أحد الأدوار التمثيلية، بدافع ميله الشديد للتمثيل المسرحي.

منعطف فكري

كانت أفكار يوسا قد تغيرت في أعقاب القراءات التي انشغل بها، والتي كانت لمفكرين كبار، من أمثال آدم سميث، وكارل بوبير، وأورتيغا إي غاسيت. وفي كتابه الذي أصدره تحت عنوان "نداء القبيلة"، أكد على ذلك، كما أنه كان قد عاش في فرنسا لمدة 7 سنوات، وتأثر خلالها بأفكار ألبير كامو، وفي عدة حوارات تناولت تلك الفترة، أكد يوسا أن إقامته في فرنسا، شكلت منعطفا جوهريا في حياته. كما أن انتقاله من الماركسية إلى الليبرالية، كان وراء تلك القطيعة التي حدثت في علاقته مع خوليو كورتاثار، وكارلوس فوينتس، وغابرييل غارثيا ماركيز.

من بعد هذا تحول الذي كانت لافتا في مسار فارغاس يوسا، راح يصف الزعيم الكوبي فيديل كاسترو بأنه دكتاتور، ويعتبر نظامه من أبشع الديكتاتوريات في أميركا اللّاتينيّة، في حين أن ماركيز وفوينتس وكورتاثار كانوا يعبرون في كل وقت، عن دعمهم التام لكاسترو ونظامه.

إعلان

خلال ذلك، انتهت العلاقة الوثيقة بين يوسا وماركيز، بسبب ذلك الخلاف الشخصي الذي راح يتطور، إلى أن بلغ الحد الذي اندفع فيه الكاتب البيروفي إلى توجيه لكمة إلى وجه غارسيا ماركيز، وهو ما تسببت له بكدمة دكناء تحت العين اليسرى.

وقبل حدوث ذلك بوقت، كان فارغاس يوسا، قد تحدث في العاصمة الإسبانية مدريد، عن طبيعة العلاقة الشخصية والمهنية التي كانت تربطه بغارسيّا ماركيز، والتي بدأت بالتدهور بسبب اختلاف في المواقف السياسية التي تبناها كل منهما تجاه الثورة الكوبية، وانتهت تماما، إثر مواجهة حامية. وقعت في بهو قصر الفنون الجميلة في مدينة مكسيكو سيتي، عندما اقترب غارسيا ماركيز للترحيب بيوسا فاتحا له ساعديه، لكن فارغاس يوسا ومن دون أن ينبس بكلمة، سارع إلى توجيه لكمة قوية لوجه الكاتب الكولومبي.

قوة الأدب

ظل يوسا في كتاباته يواصل الاهتمام بإسقاط الماضي على الحاضر، فطبيعة الإنسان ثابتة دائما مهما بدت البيئة متحولة. وبجرد بسيط للشخصيات يمكن توضيح لعبة يوسا السياسية لإيصال رسائل معينة ضمن إطار أدبي، فهو يتحكم في الشخصيات، فيجعل منها فاعلا مؤثرا في الأحداث وناتجا عنها في الوقت ذاته.

وعندما تلقى سؤالا أثناء مقابلة أُجريت معه في عام 1990 عن الأسباب التي تدعوه للكتابة، سارع يوسا للقول "أكتب لأني غير سعيد. ولأن الكتابة طريقة لمحاربة التعاسة، كما أن قوة الأدب تكمن في أنه يسمح لنا بأن نحيا حيوات عديدة، وهذه واحدة من أعظم ميزاته.. إذ ينتشلنا من واقعنا ويجعلنا ندخل إلى عوالم رائعة، نعيش حيوات غنية بكل ما هو مثير، ونغوص مغامرات في عوالم غير عالمنا، ونحن نتقمص شخصيات كثيرة، نختبر نفسيات مختلفة وعقليات متباينة. إنه إغناء مذهل للحياة. لكن الأدب في الوقت ذاته ليس شيك ضمان على السعادة، بل العكس ما يحدث أحيانا، بطريقة ما، فهو يحولك إلى شخص حزين لأن من خلاله تفهم أن هناك حيوات أغنى من حياتك. فأنت تصبح واعيا بحقيقة أنك قليل الأهمية".

إعلان

وفي حواره مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، قال يوسا "نحن نؤلف روايات ليس فقط لنحكي واقعا موجودا بل لنغيره مضيفين له شيئا ما"، وتابع قائلا إن "الأدب هو يوتوبيا الواقع" فهو لا يحكي لنا واقعا متوارثا محققا، ودرسا تاريخيا أكاديميا، بل يفتش بدقة حاويا محترفا، على إسقاطات تجمع الماضي بالحاضر، في توليفة سردية، غالبا ما تخرج بنتائج تنعكس على المستقبل. مؤكدا أن "الأزمنة تمر على المواقف السياسية البليدة، لكن الرواية العظيمة تبقى مؤثرة وخالدة على مرّ الزمن”. مشددا على ضرورة أن على المرء أن يتقبل الحرية بوصفها عنصرا أساسيا للتمتع بثقافة غنية وإبداعية. ولا يمكن أن تُحبَس الثقافة، في سجن أخلاقي أو ديني أو لائق سياسي، إذ يجب أن ندافع عن الحرية. لأن الأعمال الأدبية العظيمة لم تكن أبدا لائقة من الناحية السياسية، وفي كثير من الحالات، كان الأدب يأتي في صدارة العديد من الأشياء التي بدت رهيبة في بادئ الأمر، ثم صارت مقبولة على اعتبار أنها تمثل طفرات وتقدما اجتماعيا وثقافيا.

وفي هذه المقابلة لخص يوسا مفهومه لعملية الكتابة، قائلا "أعتقد أن ما أحبه ليس الكتابة نفسها، بل إعادة الكتابة، الحذف والتصحيح.. وأعتقد أن ذلك، هو أكثر أجزاء العمل، إبداعية".

وانتُخِب الكاتب البيروفي الإسباني في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عضوًا في الأكاديمية الفرنسية وهي هيئة حكومية تأسست عام 1634 لتطوير وتقعيد اللغة الفرنسية.

وليس فارغاس يوسا أول أجنبي يحصل على عضوية الأكاديمية الفرنسية، إذ سبقه إليها الأميركي جوليان غرين عام 1971، والكندي من أصل هاييتي داني لافريير عام 2013.

الخبرة والحكاية

وتستند أعمال فارغاس يوسا إلى خبرته في الحياة في بيرو منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي والتي توجت بخوضه لانتخابات الرئاسة عام 1990، لكنه خسر لصالح ألبرتو فوجيموري الذي اضطر في نهاية المطاف للفرار من البلاد وأدين بعد ذلك بعدة جرائم وكتب عن ذلك في مذكراته الصادرة عام 1993 بعنوان "السمكة في الماء"، وفي روايته "زمن البطل" استعرض فترة مراهقته في أكاديمية عسكرية في ليما.

إعلان

ومن خلال أكثر من 30 رواية ومسرحية ومقالا صحفيا، طوّر فارغاس يوسا أسلوب سرد الحكاية الواحدة من عدة أوجه يفصلها أحيانا المكان أو الزمان.

وتجاوزت أعماله الأشكال الأدبية المعروفة ووضعته في مكانة رفيعة بين أبناء جيله الذي قاد بعث الآداب في أميركا اللاتينية في الستينيات من القرن الماضي.

وباختلاف خبراته تنوعت كتاباته، فنوّع كثيرا في الأشكال والرؤى والموضوعات، وكانت روايته "شيطنة الطفلة المشاغبة" أولى محاولاته لكتابة قصة حب وأشيد بها باعتبارها من أفضل ما كتب في هذا النوع.

مقالات مشابهة

  • لدعم أسرتها.. جامعة مصرية تناقش رسالة دكتوراه لباحثة متوفاة
  • نائب: فساد كبير في ملف السلات الغذائية في وزارة الهجرة
  • عن الأمالي.. قراءة في المسار والخط!
  • الكرياتين لا يعزز بناء العضلات عند الجرعة اليومية الموصى بها
  • برغسون والفلسفة
  • الكرسي فارغ.. أول صور من مناقشة رسالة الدكتوراه للباحثة المتوفية في الأزهر
  • رئيس جامعة الأزهر: لهذا السبب تمت الموافقة على مناقشة رسالة دكتوراه لباحثة بعد وفاتها
  • كوردستان.. ملتقى أدبي يستعرض الكوارث التاريخية عبر الأدب (صور وفيديوهات)
  • خارج الأدب | علي جمعة يوجّه تنبيها مهمًا لهؤلاء الطلاب
  • أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس يوسا