توصيف الخلاف القيمي بين الشرق والغرب
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
أظهر العدوان الأخير الَّذي يشهده قِطاع غزَّة بوضوح الهوَّة الشاسعة بَيْنَ الغرب والشَّرق ليس على المستوى الحكومي فحسب، بل على المستوى الشَّعبي بكامل تكوينه الطبقي والثقافي؛ لأنَّ الاختلاف ظهر بشكلٍ واضح في منظومة القِيَم، وليس كما كان يتصور البعض منَّا أنَّه خلاف ناتج عن التموضع الفكري، واستمداد كُلِّ فريق رؤيته من موقعه الانتمائي القائم على العرق أو القوميَّة أو حتَّى الأيديولوجيَّة، فما نراه نحن عدوان إرهابي بامتياز من قِبل الدَّولة المارقة، يجده الغربيون حقًّا طبيعيًّا في الدِّفاع عن النَّفْس، لدرجة أنَّ كثيرًا من المتشدِّقين بالحُرِّيَّات والقِيَم الغربيَّة الَّتي أصابت رؤوسنا بالصداع على مدار عقود طويلة، يرون أنَّه لا ضرر من سقوط مَدنيِّين، ويبرِّرون وحشيَّة العدوان للقضاء على (المتطرف)، أو (الإرهابي) كما يحلو لهم وصْفه.
وهنا لا أتحدَّث عن موقف غربي متغيِّر في العدوان الإرهابي الأخير على قِطاع غزَّة، فالغرب طالما كانوا يحملون تلك الرؤية ويروِّجون لها، ويضلِّلون شعوبهم بها، وكان هذا الاختلاف في التناول القِيَمي موجودًا لكن في الغُرف السِّياسيَّة المغلقة بَيْنَ السَّاسة الغربيون والعرب. لكنَّ الجديد هنا من وجهة نظري البسيطة، والَّذي أظهر هذا البون الكبير، هو دخول العالَم نمطًا جديدًا من الإعلام، يصعب السيطرة عَلَيْه؛ لأنَّه يخرج من القاعدة الشَّعبيَّة، وليس إعلامًا ينتمي للصفوة، تتحكم فيه رؤوس الأموال المنتمية للكيان الصهيوني كما كان يحدُث سابقًا، وتمرس الكثير من العرب المقيمين في الغرب في الردِّ على الادِّعاءات الزَّائفة الَّتي تطلقها دَولة الاحتلال الإسرائيلي ويردِّدها الغربيون في إعلامهم وراءها.
بالإضافة إلى ظهور جيل جديد من المعارضين العرب، وخصوصًا المتشبِّعين بالأفكار الغربيَّة مِنْهم، الَّذين ظنوا عِند خروجهم من أوطانهم أنَّهم ذاهبون للحُرِّيَّة الغربيَّة البرَّاقة الَّتي تحترم الإنسان وكافَّة حقوقه….إلخ، بالإضافة إلى مجموعة الكفاءات العربيَّة والإسلاميَّة، الَّذين وجدوا مكامن تفجير الطَّاقة المهدرة في أوطانهم في المنظومة الغربيَّة، لكنَّ الفريقين فوجئوا بعكس ما كانوا يتصوَّرون أثناء العدوان، فالغرب الَّذي جذبهم بالحُرِّيَّات رفضَ مجرَّد تعبيرهم عن موقفهم الدَّاعم للحقوق الفلسطينيَّة الراسخة، وكان فقدان الوظائف أقلّ الأضرار الَّتي واجهتهم في طريق الإعلان عن موقف قِيَمي قائمٍ على أُسُس بديهيَّة، حَوْلَ حقيقة الصراع والانتماء، فالعربي حتَّى وإن كان ليبراليًّا فقَدْ تشكَّل وعْيُه على جرائم صهيونيَّة متَّصلة بمذابح لا يُمكِن نكرانها. لكنَّه فوجئ بإعلام غربي اضطرَّ تحت وطأة الوسائل والمنصَّات الإعلاميَّة الجديدة الخارجة عن السيطرة، أن يستضيفَهم أوَّلًا لإدانة ما حدَث في السَّابع من أكتوبر. وكان الطرح يكاد يكُونُ موحدًا في كافَّة وسائل الإعلام الغربيَّة، أوَّلًا قَبل التحدُّث عن الأزمة والقضيَّة، يطرح سؤالًا حَوْلَ رفض المتحدِّث الغربي لحقٍّ طبيعي من حقوق المقاومة ضدَّ المحتلِّ، والسَّعي الدؤوب إلى تصوير ما يحدُث من إبادة جماعيَّة في قِطاع وكأنَّه حقٌّ طبيعي للدِّفاع عن النَّفْس. فـ»إسرائيل» حسب الترويج الجديد لأنَّنا كمواطنين عرب عرفناه لأوَّل مرَّة، وقديم لأنَّها ذات الاسطوانة (المشروخة) كما يقول المصريون الَّتي يردِّدها الإعلام الغربي للدِّفاع عن دَولتهم المفضَّلة، الَّتي تسعى لحماية مواطنيها. وطبيعي أن يكلفَ هذا الهدف سقوط مَدنيِّين، والنموذج (الأفغاني) جاهز لتقريب وجهة النظر المبتورة تلك، ولنَا لهذا الحديث بقيَّة في المقالات القادمة.
إبراهيم بدوي
ibrahimbadwy189@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
بهدف حماية المدنيين.. إتلاف الأطنان من مخلفات الحرب بـ«الجبل الغربي»
في إطار جهوده المتواصلة لحماية الأرواح والممتلكات، قام قسم التفتيش الأمني وتفكيك المتفجرات بفرع الجبل الغربي، بالتعاون مع إدارة الشؤون الفنية بجهاز المباحث الجنائية في وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، بإعدام وإتلاف كمية من مخلفات الحرب تُقدّر بـ 2 طن.
ووفق بيان الوزارة، “نُفذت العملية بنجاح في منطقة الهيرة، بعد التأكد من استيفاء كافة شروط ومعايير السلامة وتأتي هذه الخطوة عقب انتشال الكمية من عدة مواقع بمناطق الجبل الغربي خلال الأشهر الماضية، ضمن جهود الجهاز المتواصلة لتأمين المناطق ورفع المخلفات الحربية”.
هذا “وتُعد مخلفات الحرب في ليبيا مشكلة كبيرة تُؤثر على المجتمعات المحلية والبيئة بشكل عام، وبعد سنوات من الصراع الداخلي والاضطرابات، انتشرت في مختلف أنحاء البلاد المواد المتفجرة ومخلفات الحرب غير المنفجرة، مما يُشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين ويُعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية”.
وتتضمن هذه المخلفات “الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة والذخائر المُهملة، والتي تُعيق حركة الناس وتُحد من إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية والمناطق السكانية بأمان، بالإضافة إلى الخطر الجسدي المباشر، وتؤثر هذه المخلفات على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، حيث تُعرقل الأنشطة التجارية والزراعية وتؤدي إلى خسائر اقتصادية معتبرة”.
وتسعى العديد من المنظمات الدولية والمحلية إلى “معالجة هذه التحديات من خلال برامج إزالة الألغام والتوعية بمخاطر المخلفات الحربية، وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز السلامة العامة ودعم عملية إعادة البناء والتنمية في ليبيا، مما يُساعد في تكوين بيئة أكثر أمانًا واستدامة للسكان المحليين”.