الأسبوع:
2024-11-17@04:58:57 GMT

أصبح عندي الآن قضية.. ماذا فعلت الحرب بالمصريين؟

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

أصبح عندي الآن قضية.. ماذا فعلت الحرب بالمصريين؟

لم تكن، قط، أيامًا عادية، تلك التي نعيشها منذ السابع من أكتوبر الماضي، ثلاثون يومًا فعلت في المصريين ما لم تفعله عقود زمنية بأكملها، منذ اندلاع طوفان الأقصى، واشتعال الحرب في غزة، وإطلاق آلاف الرصاصات صوب أطفالنا في الأرض المحتلة، لم تُصِب صدورهم فحسب، وإنما امتدت لتصيب أكبادنا بالحزن، وتُدمي قلوبنا بالحسرة، وتنثر شظاياها في أرواحنا لتُحدث إصابات بالغة، لا مرئية في كثير من الأحيان، آثارها مترامية الأطراف، متعددة الأبعاد: بين ضعف وهوان، وبين قوة خفية لا تقهرها جيوش العالم.

من رحم الوجع تولد قواميس الدعابة، ينطقها المصريون في لهجاتهم اليومية، ويكتبونها على صفحاتهم ومنتدياتهم المنتشرة في أروقة التواصل الاجتماعي، يتواصلون بالضحكات المريرة لتوصيل الرسائل اللاذعة التي تلدغ العدو في مقتل، ومنذ اليوم الأول للحرب، استعدنا «روح أكتوبر العظيمة» التي انتصرنا فيها، ونشر المصريون «كوميكس» يمثل مقطع فيديو من مسلسل «اللعبة»، يصفع فيه البطل (هشام ماجد/ ماظو)، الذي يمثل المصريين في 6 أكتوبر، جارَه الذي يُفاجأ بالصفعة، وهنا يتدخل البطل الثاني (شيكو/ وسيم)، يتظاهر بأنه يهدئ من روع الجار «المضروب»، ويباغته بـ«صفعة ثانية»، تمثل ضربة حماس في السابع من أكتوبر!

ولأن «Money Talks» بشكل أقوى مما تقوله كل اللغات، أدرك المصريون أن الخسائر المادية توجعهم أكثر، وتصيب العدو برصاصات مستقرها بين اللحم والعظم، ودشَّنوا حملات مقاطعة كل ما يدعم الكيان الغاصب، من مؤسسات وشركات عابرة للقارات، تباهى بعضهم بـ«إرسال الغذاء لجنود الاحتلال»، فكانت لطمة مقاطعتهم دامية، مئات من صفحات الفيسبوك نذرت منشوراتها لإعداد قوائم بكل الشركات والمنتجات الموجودة في بلادنا، وتفاعل الشارع العربي مع الحملات، وتكبَّدت شركات كبرى خسائر فادحة لقَّنتها دروسًا كأقسى ما يكون، لعلهم يفهمون ما معنى «الغضب الساطع آتٍ».

شركة «ستاربكس» المتناثرة فروعها في أرجاء المحروسة، وكان النخبة يتباهون بالجلوس على «مقاهيها» واحتساء«الفرابتشينو» وما على شاكلته من مشروبات نخطئ في حروف هجائها، مثلما نخطئ في حساب أسعارها، تحوَّلتِ الفروع الفخمة إلى أطلال مهجورة، خاوية على عروشها، عزف عنها المصريون، ومن باب «الكيد» انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي، لنفس العلامة المسجلة لها، مع اختلاف طفيف في الشكل، ليحل «وجه الفنان الراحل جميل راتب» محلأيقونة «ستاربكس»، ويتحول الاسم التجاري الشهير إلى «ستار بهظ»، في إشارة لاسم شخصية «بهظ بك»، في الفيلم الأيقوني «الكيف»!!!

وكرَّس بعض «البلوجرز»، من المؤثرين على السوشيال ميديا، جهودَهم لتنظيم جولات موثقة (بالصوت والصورة) داخل الأسواق الكبرى و«المولات»، لمتابعة نتائج وآثار مقاطعة العديد من المنتجات الداعمة للسفاحين، والتفنن في التنقيب عن بدائل وطنية، وعمل دعاية مجانية لجذب المصريين لاستهلاكها وتشجيع الإقبال عليها.

ومن ظلمة المحنة جاءتِ المنحة، وبرزتِ الروح الكامنة للخير في الأنفس، وتحول قطاع كبير من الشباب إلى دعاة تبرعات ومسؤولي قوائم خيرية لجمع المواد الغذائية، والسعي لإرسالها لأشقائنا وأطفالنا في غزة، والتوافد أمام معبر رفح للإشراف على نقل المعونات الإغاثية، في مظهر حضاري، يكشف عمق التلاحم المصري الفلسطيني، رغم كل محاولات التفكيك والهدم.

تغلغلتِ القضية الفلسطينية في الأنفس، وتربَّعت في القلوب، بشكل أعمق من تصوراتنا، لدرجة أن أحد أبناء محافظة الفيوم، ويُدعى شوقي أبوبكيرة، أطلق اسم «غزة» على مولودته الجديدة، متمنيًا أن تكون ولادتها بشرى خير لولادة قطاع غزة محرر ناجٍ، ويستعيد الفلسطينيون أراضيهم من براثن الاحتلال. فيما تأثر بعض العاملين في مجال «الطباعة»، وطرحوا أعدادًا كبيرة من «هدايا العام الجديد»، من نتائج وأچندات مطبوع عليها خريطة فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف. نفس القصة (بشكل مختلف) فعلها نشطاء التواصل الاجتماعي بالدخول على جوجل، وتعديل بيانات «القدس» لتصبح «عاصمة فلسطين»، بدلًا من البيانات الصهيونية المغلوطة، وإرسال تقييمات سيئة لموقع «فيسبوك»، للضغط عليه، بعد قرارات التضييق والإغلاق والحظر التي يمارسها مارك زوكربيرج وأعوانه، ضد صفحات القضية الفلسطينية، فكانتِ انتفاضة الأقصى، زمنًا كاشفًا للألاعيب التي تمارسها كبرى الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الشهيرة، بمعاونة «الخوارزميات اللعينة».

شوارع المحروسة، وميادينها، منذ صبيحة السابع من أكتوبر، ترفرف بها أعلام فلسطين خفاقة، أما الإكسسوارات والمنتجات التراثية التي تمثل فلسطين، فقد ملأتِ المحال والورش، وتبارى التجار وصُنَّاع الحُلي في تصميمها وبيعها بأسعار رمزية، من أجل نشرها على أوسع نطاق بين فتياتنا وبناتنا، سواء «أقراط»، أو «أساور»، أو «دلَّايات» تجسد خريطة فلسطين، وألوان العلم الشهير لها، لتظل ألوانه شامخة محفورة في الذاكرة العربية، رغم أنف الاحتلال، وزاد الإقبال بشكل تاريخي على «الكوفية الفلسطينية» المميزة، المعروفة باسم «شال عرفات»، نسبة للزعيم الراحل ياسر عرفات.

في 1969، غنت كوكب الشرق، من كلمات الشاعر الكبير نزار قباني، وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، قصيدة «أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم»، وبعد طول اندثار، تجدد الاستماع إليها من شبابنا الآن، وكأنها«أصبح عندي الآن قضية»، فالأجيال الجديدة التي لم تكد تسمع شيئًا عن مقاومة الاحتلال، أصبحت تشدو بهتافات وأغانٍ حماسية ملأت أروقة السوشيال ميديا، والأحاديث الجانبية بين الأصدقاء، وحتى نشيد الصباح في المدارس، وحصص الموسيقى والرسم، وزادت تحميلات أغاني المقاومة على الموبايلات، أشهرها: «على عهدي على ديني.. على أرضي تلاقيني.. أنا لأهلي أنا أفديهم.. أنا دمي فلسطيني»، التي طرحها في 2015، المطرب الفلسطيني الشاب محمد عساف (الذي عرفه الجمهور العربي بفوزه ببرنامج آراب أيدول في 2013).

أصبح عند المصريين «هَمٌّ عام»، قضية قومية يجتمعون عندها، توحّدهم من جديد بعد طول شتات، حتى الأدباء والشعراء كثفوا ندواتهم الثقافية لإلقاء الشعر وسرد قصص المقاومة، تزامنًا مع انتفاضة نجوم الكرة والفنانين، وتوحيد صور «البروفايلات الشخصية» عبر فيسبوك، لتكون صورة «العلم الفلسطيني» خفاقًا في الصدارة.

وبعيدًا عن حالة الحزن والاكتئاب التي أصابت بعضنا، لأننا بشر، كانت فرصة سانحة لتمهيد طريق العودة إلى الله، لتهدئة روع القلوب من فرط أهوال مقاطع الفيديو المتداولة، للمذابح والمآسي المروعة التي يلاقيها إخواننا في غزة، وتكثيف الدعاء لهم بالنجاة والنصر، وكانت فرصة لا بأس بها لتذكُّر «أهوال يوم القيامة»، مع الفارق العظيم.

حالة الحزن تمخض عنها معنى روحاني راقٍ، بتعليم أطفالنا ضرورة التكافل الاجتماعي، ووجوب تقديم المساعدات لإخواننا، سواء بالمال، أو الغذاء، أو حتى بالدعاء، مع تعظيم الإحساس بـ«نعمة الوطن» التي لا تُقدَّر بثمن.

طائفة من المصريين، وضعتها الحرب على حافة الجنون، فقررتِ الركون إلى «اللا شيء»، أو وفق الثقافة الهولندية «قانون نيكسِن»: حالة من الصمت «تُخرِج المرء من عقله، ثم يرى الأشياء بوضوح بعد فترة»، أسلوب حياة لمكافحة الأحداث المزدحمة المرهقة للنفس، مهارة الجلوس أو النظر عبر النوافذ أو التأمل في البحر، أو سماع الموسيقى، بلا هدف، طريقة استشفائية اتخذها البعض، لإدارة التوتر والتعافي من الألم، وإنعاش العقل، استراحة محارب لاستعادة التوازن مع نمط الحياة.

ووسط أهوال ومآسي «حروب نخوضها، وحروب تخوضنا»، نستعين بالتفاصيل البسيطة، نقاط مضيئة نبصر بها، نتكئ عليها، تعيننا على العيش وتخلق المعنى والهدف، تمنحنا الأمل، تروِّض الألم، لحين زواله، ألا إن نصر الله قريب.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين القضية الفلسطينية غزة الحرب التواصل الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط

يمانيون../ اعترف مسؤول عسكري كبير في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بفشل أمريكا أمام القوات المسلحة اليمنية في معركة البحر الأحمر، مؤكدا أن اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط حول العالم.

ونقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن، بيل لابلانت، وكيل وزارة الحرب الأمريكية لشؤون الاستحواذ والاستدامة وكبير مسؤولي مشتريات الأسلحة قوله إن الجيش اليمني أصبح مخيفا، حد وصفه.

وأضاف خلال قمة مستقبل الدفاع في واشنطن العاصمة: “أنا مهندس وفيزيائي، وعملت في مجال الصواريخ طوال حياتي المهنية. وما رأيته من أعمال قام بها الحوثيون خلال الأشهر الستة الماضية أمر أذهلني”.

وتابع كبير مسؤولي المشتريات في البنتاغون، القوات المسلحة اليمنية تلوح بأسلحة متطورة بشكل متزايد بما في ذلك الصواريخ التي يمكنها القيام بأشياء مذهلة، مردفا “إذا أصاب صاروخ باليستي سفينة قتالية فهذا يوم سيئ للغاية لذا علينا أن نبتعد عن البحر الأحمر”.

واستطرد بقوله: إن ما حدث في البحر الأحمر يؤكد أن اليمنيون أصبحوا مخيفين بعد امتلاكهم قدرات صاروخية مذهلة”، مؤكدا أن اليمن ينتج الصواريخ الباليستية بتقنية لا يمكن القيام بها إلا من الدول المتقدمة فقط، حد وصفه.

وأشار إلى أن الجيش اليمني يلوح بأسلحة متطورة بشكل متزايد، بما في ذلك صواريخ “يمكنها أن تفعل أشياء مذهلة”.

يذكر أن الإعلام الأمريكي، في الآونة الأخيرة، سلط الضوء على القدرات العسكرية اليمنية وذلك عقب إعلان القوات المسلحة اليمنية عن ضرب حاملة الطائرات الأمريكية (إبراهام) ومدمرتين أمريكيتين بالصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة.

مقالات مشابهة

  • شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. تفاصيل الطرح الجديد لـ سكن لكل المصريين 5
  • بشرى سارة | ماذا فعلت الحكومة لحل مشكلة المصانع المتعثرة ؟
  • طبيب نفسي: وسائل التواصل الاجتماعي مثل الأكسجين.. ولا بأس بالترند الإيجابي
  • بعد القبض عليها| من هي البلوجر داليا فؤاد؟.. وماذا فعلت؟
  • مواقع التواصل الاجتماعي وفوضى الشعر!
  • مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط
  • المغرب..احداث خلية لتتبع ارباح مؤثري التواصل الاجتماعي
  • "الدولية لدعم فلسطين": الاحتلال يستهدف أونروا من قبل 7 أكتوبر 2023
  • «الدولية لدعم فلسطين»: إسرائيل تستهدف أونروا من قبل أحداث أكتوبر 2023
  • خبير: إسرائيل لن توقف الحرب إلا بعد ضمان عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر