الأسبوع:
2024-07-07@03:58:24 GMT

أصبح عندي الآن قضية.. ماذا فعلت الحرب بالمصريين؟

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

أصبح عندي الآن قضية.. ماذا فعلت الحرب بالمصريين؟

لم تكن، قط، أيامًا عادية، تلك التي نعيشها منذ السابع من أكتوبر الماضي، ثلاثون يومًا فعلت في المصريين ما لم تفعله عقود زمنية بأكملها، منذ اندلاع طوفان الأقصى، واشتعال الحرب في غزة، وإطلاق آلاف الرصاصات صوب أطفالنا في الأرض المحتلة، لم تُصِب صدورهم فحسب، وإنما امتدت لتصيب أكبادنا بالحزن، وتُدمي قلوبنا بالحسرة، وتنثر شظاياها في أرواحنا لتُحدث إصابات بالغة، لا مرئية في كثير من الأحيان، آثارها مترامية الأطراف، متعددة الأبعاد: بين ضعف وهوان، وبين قوة خفية لا تقهرها جيوش العالم.

من رحم الوجع تولد قواميس الدعابة، ينطقها المصريون في لهجاتهم اليومية، ويكتبونها على صفحاتهم ومنتدياتهم المنتشرة في أروقة التواصل الاجتماعي، يتواصلون بالضحكات المريرة لتوصيل الرسائل اللاذعة التي تلدغ العدو في مقتل، ومنذ اليوم الأول للحرب، استعدنا «روح أكتوبر العظيمة» التي انتصرنا فيها، ونشر المصريون «كوميكس» يمثل مقطع فيديو من مسلسل «اللعبة»، يصفع فيه البطل (هشام ماجد/ ماظو)، الذي يمثل المصريين في 6 أكتوبر، جارَه الذي يُفاجأ بالصفعة، وهنا يتدخل البطل الثاني (شيكو/ وسيم)، يتظاهر بأنه يهدئ من روع الجار «المضروب»، ويباغته بـ«صفعة ثانية»، تمثل ضربة حماس في السابع من أكتوبر!

ولأن «Money Talks» بشكل أقوى مما تقوله كل اللغات، أدرك المصريون أن الخسائر المادية توجعهم أكثر، وتصيب العدو برصاصات مستقرها بين اللحم والعظم، ودشَّنوا حملات مقاطعة كل ما يدعم الكيان الغاصب، من مؤسسات وشركات عابرة للقارات، تباهى بعضهم بـ«إرسال الغذاء لجنود الاحتلال»، فكانت لطمة مقاطعتهم دامية، مئات من صفحات الفيسبوك نذرت منشوراتها لإعداد قوائم بكل الشركات والمنتجات الموجودة في بلادنا، وتفاعل الشارع العربي مع الحملات، وتكبَّدت شركات كبرى خسائر فادحة لقَّنتها دروسًا كأقسى ما يكون، لعلهم يفهمون ما معنى «الغضب الساطع آتٍ».

شركة «ستاربكس» المتناثرة فروعها في أرجاء المحروسة، وكان النخبة يتباهون بالجلوس على «مقاهيها» واحتساء«الفرابتشينو» وما على شاكلته من مشروبات نخطئ في حروف هجائها، مثلما نخطئ في حساب أسعارها، تحوَّلتِ الفروع الفخمة إلى أطلال مهجورة، خاوية على عروشها، عزف عنها المصريون، ومن باب «الكيد» انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي، لنفس العلامة المسجلة لها، مع اختلاف طفيف في الشكل، ليحل «وجه الفنان الراحل جميل راتب» محلأيقونة «ستاربكس»، ويتحول الاسم التجاري الشهير إلى «ستار بهظ»، في إشارة لاسم شخصية «بهظ بك»، في الفيلم الأيقوني «الكيف»!!!

وكرَّس بعض «البلوجرز»، من المؤثرين على السوشيال ميديا، جهودَهم لتنظيم جولات موثقة (بالصوت والصورة) داخل الأسواق الكبرى و«المولات»، لمتابعة نتائج وآثار مقاطعة العديد من المنتجات الداعمة للسفاحين، والتفنن في التنقيب عن بدائل وطنية، وعمل دعاية مجانية لجذب المصريين لاستهلاكها وتشجيع الإقبال عليها.

ومن ظلمة المحنة جاءتِ المنحة، وبرزتِ الروح الكامنة للخير في الأنفس، وتحول قطاع كبير من الشباب إلى دعاة تبرعات ومسؤولي قوائم خيرية لجمع المواد الغذائية، والسعي لإرسالها لأشقائنا وأطفالنا في غزة، والتوافد أمام معبر رفح للإشراف على نقل المعونات الإغاثية، في مظهر حضاري، يكشف عمق التلاحم المصري الفلسطيني، رغم كل محاولات التفكيك والهدم.

تغلغلتِ القضية الفلسطينية في الأنفس، وتربَّعت في القلوب، بشكل أعمق من تصوراتنا، لدرجة أن أحد أبناء محافظة الفيوم، ويُدعى شوقي أبوبكيرة، أطلق اسم «غزة» على مولودته الجديدة، متمنيًا أن تكون ولادتها بشرى خير لولادة قطاع غزة محرر ناجٍ، ويستعيد الفلسطينيون أراضيهم من براثن الاحتلال. فيما تأثر بعض العاملين في مجال «الطباعة»، وطرحوا أعدادًا كبيرة من «هدايا العام الجديد»، من نتائج وأچندات مطبوع عليها خريطة فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف. نفس القصة (بشكل مختلف) فعلها نشطاء التواصل الاجتماعي بالدخول على جوجل، وتعديل بيانات «القدس» لتصبح «عاصمة فلسطين»، بدلًا من البيانات الصهيونية المغلوطة، وإرسال تقييمات سيئة لموقع «فيسبوك»، للضغط عليه، بعد قرارات التضييق والإغلاق والحظر التي يمارسها مارك زوكربيرج وأعوانه، ضد صفحات القضية الفلسطينية، فكانتِ انتفاضة الأقصى، زمنًا كاشفًا للألاعيب التي تمارسها كبرى الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الشهيرة، بمعاونة «الخوارزميات اللعينة».

شوارع المحروسة، وميادينها، منذ صبيحة السابع من أكتوبر، ترفرف بها أعلام فلسطين خفاقة، أما الإكسسوارات والمنتجات التراثية التي تمثل فلسطين، فقد ملأتِ المحال والورش، وتبارى التجار وصُنَّاع الحُلي في تصميمها وبيعها بأسعار رمزية، من أجل نشرها على أوسع نطاق بين فتياتنا وبناتنا، سواء «أقراط»، أو «أساور»، أو «دلَّايات» تجسد خريطة فلسطين، وألوان العلم الشهير لها، لتظل ألوانه شامخة محفورة في الذاكرة العربية، رغم أنف الاحتلال، وزاد الإقبال بشكل تاريخي على «الكوفية الفلسطينية» المميزة، المعروفة باسم «شال عرفات»، نسبة للزعيم الراحل ياسر عرفات.

في 1969، غنت كوكب الشرق، من كلمات الشاعر الكبير نزار قباني، وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، قصيدة «أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم»، وبعد طول اندثار، تجدد الاستماع إليها من شبابنا الآن، وكأنها«أصبح عندي الآن قضية»، فالأجيال الجديدة التي لم تكد تسمع شيئًا عن مقاومة الاحتلال، أصبحت تشدو بهتافات وأغانٍ حماسية ملأت أروقة السوشيال ميديا، والأحاديث الجانبية بين الأصدقاء، وحتى نشيد الصباح في المدارس، وحصص الموسيقى والرسم، وزادت تحميلات أغاني المقاومة على الموبايلات، أشهرها: «على عهدي على ديني.. على أرضي تلاقيني.. أنا لأهلي أنا أفديهم.. أنا دمي فلسطيني»، التي طرحها في 2015، المطرب الفلسطيني الشاب محمد عساف (الذي عرفه الجمهور العربي بفوزه ببرنامج آراب أيدول في 2013).

أصبح عند المصريين «هَمٌّ عام»، قضية قومية يجتمعون عندها، توحّدهم من جديد بعد طول شتات، حتى الأدباء والشعراء كثفوا ندواتهم الثقافية لإلقاء الشعر وسرد قصص المقاومة، تزامنًا مع انتفاضة نجوم الكرة والفنانين، وتوحيد صور «البروفايلات الشخصية» عبر فيسبوك، لتكون صورة «العلم الفلسطيني» خفاقًا في الصدارة.

وبعيدًا عن حالة الحزن والاكتئاب التي أصابت بعضنا، لأننا بشر، كانت فرصة سانحة لتمهيد طريق العودة إلى الله، لتهدئة روع القلوب من فرط أهوال مقاطع الفيديو المتداولة، للمذابح والمآسي المروعة التي يلاقيها إخواننا في غزة، وتكثيف الدعاء لهم بالنجاة والنصر، وكانت فرصة لا بأس بها لتذكُّر «أهوال يوم القيامة»، مع الفارق العظيم.

حالة الحزن تمخض عنها معنى روحاني راقٍ، بتعليم أطفالنا ضرورة التكافل الاجتماعي، ووجوب تقديم المساعدات لإخواننا، سواء بالمال، أو الغذاء، أو حتى بالدعاء، مع تعظيم الإحساس بـ«نعمة الوطن» التي لا تُقدَّر بثمن.

طائفة من المصريين، وضعتها الحرب على حافة الجنون، فقررتِ الركون إلى «اللا شيء»، أو وفق الثقافة الهولندية «قانون نيكسِن»: حالة من الصمت «تُخرِج المرء من عقله، ثم يرى الأشياء بوضوح بعد فترة»، أسلوب حياة لمكافحة الأحداث المزدحمة المرهقة للنفس، مهارة الجلوس أو النظر عبر النوافذ أو التأمل في البحر، أو سماع الموسيقى، بلا هدف، طريقة استشفائية اتخذها البعض، لإدارة التوتر والتعافي من الألم، وإنعاش العقل، استراحة محارب لاستعادة التوازن مع نمط الحياة.

ووسط أهوال ومآسي «حروب نخوضها، وحروب تخوضنا»، نستعين بالتفاصيل البسيطة، نقاط مضيئة نبصر بها، نتكئ عليها، تعيننا على العيش وتخلق المعنى والهدف، تمنحنا الأمل، تروِّض الألم، لحين زواله، ألا إن نصر الله قريب.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين القضية الفلسطينية غزة الحرب التواصل الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

انتقاد إسرائيلي صارخ بسبب فشل الاحتلال بهزيمة حماس بعد 9 أشهر من الحرب

ما زال الإسرائيليون بعد مرور عشرة أشهر على إخفاق السابع من أكتوبر يتمنون لو كان فشلا لمرة واحدة، وأن جيش الاحتلال يقترب فعلا من تحقيق أهداف الحرب، لكنهم يشعرون بمرارة الوهم الذي يتجرعونه، والنتيجة أن دولة الاحتلال برمّتها تعيش في ظروف مأساوية، وسط اتهامات وانتقادات توجه على مدار الساعة إلى الجيش والأجهزة الأمنية بسبب فشلها القائم في الجبهتين الجنوبية مع غزة والشمالية مع لبنان، مع أن الفشل لا ينفصل عن حكومة بنيامين نتنياهو، لأن كل يوم تحت قيادتها يوم سيء للاحتلال. 

نير كيفنيس الكاتب في موقع "ويللا" العبري، ذكر أن "حكومة نتنياهو التي يجب أن تموت تصدّر فشلها الى الجيش وقادته، ولا يتردد في وصفهم بـ"العدو"، وإذا لم يكن الأمر واضحا بما فيه الكفاية، فإن الواقع أسوأ وأكثر فظاعة، ويعبر فعلا عن انكسار الحلم الصهيوني، في ضوء الفشل النظامي الكبير الذي يحيط بالدولة: جيشاً وحكومة، حيث شكل فشلهما في ذلك السبت الرهيب أمر مروع، حين كان الجيش نائماً في كشك الحراسة، مع تبدد الشعارات بأنه سيتعافى قريباً، ويتقدم بسرعة إلى الهجوم، وينتصر، لكن الحقيقة أنه لم يكن هناك جيش حقيقي، لأن ما رأيناه منذ السابع من أكتوبر أصدق تمثيل عن عدم قدرته، وفشله في الشمال والجنوب". 


وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، أنه "بعد تسعة أشهر من القتال ما زالت الصواريخ تنطلق باتجاه المستوطنات في الشمال والجنوب، رغم الغباء الإعلامي الذي يقوم به المراسلون العسكريون بتحليل تصنيف الصاروخ، وحجمه ومداه وقوته، لكن الحقيقة أن أقوى جيش في الشرق الأوسط يواجه منظمة قتالية في غزة لديها عدة آلاف من المقاتلين، وهذا لوحده بمثابة شهادة فقر لجيش الاحتلال، رغم أن هناك صعوبات موضوعية، بعد تهاوي نظرية أن حماس مردوعة، وفي المقابل فإن الحكومة لا تساعد الجيش على تحقيق أهدافه القتالية التي حددتها له فحسب، بل تتدخل في خضوعه للضغوط الدولية، وكلها أسباب تفسر عدم القضاء على حماس". 

وأشار إلى أن "الفشل الإسرائيلي المستمر على الجبهة الجنوبية، شكل ورقة توت لنشاط منخفض الحدة على الجبهة الشمالية، ولأن أهداف الحرب في غزة لم تتحقق على الإطلاق، بدليل أننا لم ننجح بتدمير حماس منذ عام تقريبا، وقد شكلت هذه قناعة لدى الجميع، مما يعني أننا لن نكون قادرين على القضاء على حزب الله لسنوات عديدة، وبسبب هذه الحجة الرهيبة تتخلى الحكومة عن مستوطنات الشمال، وهو أكبر إفلاس في تاريخ المشروع الصهيوني، وبدلاً من تثبيط عزيمة حزب الله، فإنه يثبط عزيمتنا، ولم يعد الحزب بحاجة للتهديد بشن هجوم صاروخي على حيفا، وما بعد حيفا، لأن كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية يفعلون ذلك بشكل جيد بدلاً منه". 

وأوضح أن "الفشل الذي ما زال يرافقنا منذ السابع من أكتوبر جاء نتيجة فرضية خاطئة اسمها "حماس غير مهتمة بالتصعيد"، وقام بترويجها المراسلون العسكريون نقلا عن كبار ضباط الجيش والأمن، حتى نحن الإسرائيليين كنا مرتاحين لتصديق هذه الكذبة، رغبة منا بقمع الخوف الذي عشعش في قلوبنا جميعا، ولذلك فكلنا له نصيب في مسؤولية الكارثة التي وقعت، وما زالت آثارها حتى اللحظة". 

ولفت إلى أن "كل الانتقادات الموجهة للجيش والأمن مبررة وموضوعية، إلا أن تأتي من جماعة نتنياهو، لأن نقدهم غير واقعي، ويأتي فقط لكسب الوقت فقط وصولا للانتخابات، وللتهرب من لجنة التحقيق، وفي المقام الأول للبقاء في منصبه لفترة أطول من أي شخص قد يشهد ضده، ناهيك عن السيناريوهات الأكثر تطرفا، مثل ما وصفته زوجته بأنه انقلاب عسكري يتحضر ضده، وسط تصميم على تولي منصبه بطريقة تمكّنه من استبدال وزير الحرب، وصولا لتعيين رؤساء جدد للجيش والموساد والشاباك". 


وختم بالقول إن "الويل لنا إن استقال كبار قادة الجيش والمخابرات بسبب فشلهم في أحداث أكتوبر وحرب غزة، دون أن يستقيل كبيرهم، نتنياهو، مع ضرورة ألا ننسى للحظة أن لدينا جيش مريض، وأنظمة مخمورة بالسلطة، وغرور متضخم، وخالي من التفكير النقدي، والميزانية المبالغ فيها، ونظام سياسي مريض، بل وأكثر من ذلك بائس، مما سيجعل أول مهمة لحكومة عادية مستقبلية تحاول إحلال النظام هنا، أن تقوم بتنظيف الاسطبل في النظام الأمني المترهل". 

تطرح مثل هذه القراءة النقدية الإسرائيلية القاسية تساؤلات مشروعة: طالما أن الاحتلال، بجيشه وحكومته، غير قادر على تحقيق أهدافه العسكرية في الجبهتين، فلماذا استثمر كل مقدراته لسنوات عديدة في ميزانية الجيش، لماذا اشترى المزيد والمزيد من الطائرات والغواصات، وقام بتدريب الطيارين، وتحسين الدبابات، وتطوير الأسلحة المتطورة، بما فيها مفاعل ديمونة، حتى جاءت ما يسميها الكارثة الكبرى في أكتوبر بسبب شبان هاجموه بالشاحنات والدراجات النارية عبر حدود غزة، وسط غياب لوسائل المراقبة والطائرات بدون طيار، والحقيقة الصارخة أن الجيش لم يكن جاهزا. 

مقالات مشابهة

  • إيلون ماسك يفجر مفاجأة بشأن تطبيق واتساب.. ماذا قال؟
  • العبوات الناسفة تشعل جبهة جديدة من الحرب.. ماذا يحدث في الضفة الغربية؟
  • في مشهد صادم.. مواطن جزائري يسجد لوالي وهران ويقبل أيادي ورؤوس مسؤولين (فيديو)
  • انتقاد إسرائيلي صارخ بسبب فشل الاحتلال بهزيمة حماس بعد 9 أشهر من الحرب
  • بعد حرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • جيش الاحتلال ينتقل للمرحلة الثالثة من الحرب شمال غزة.. ماذا عن رفح؟
  • يمن الإيمان يجسِّد أروع صور التلاحم مع قضية المقدسات الإسلامية
  • وزير الخارجية يجتمع مع قيادات وأعضاء قطاع الهجرة بالوزارة
  • وزير الخارجية يكلف السفير نبيل حبشي بالإشراف على قطاع الهجرة وشئون المصريين بالخارج
  • ‏‎وزير الخارجية يجتمع مع قيادات وأعضاء قطاع الهجرة بالوزارة