قال المستشار الدكتور محمد خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، إن مخطط التهجير القسرى للفسلطينيين من غزة إلى سيناء كمخطط إسرائيلى بدعم غربى على قمته أمريكا الذى رفضته القيادة المصرية، قد يظنه الكثير مخططا جديدا والبعض الآخر يرجعه لبضع سنوات دون توثيق، ولا شك إن التاريخ يمثل قراءة للحاضر واستقراء للمستقبل على ضوء تجارب الماضى، وفى سبيل تنوير العقل العربى أجرى المفكر والمؤرخ القضائى المصرى القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية والقومية دراسة مهمة بعنوان: "مخطط تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناء بدء منذ عام 1951 -- حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربى والغربى ودور مصر الإقليمى " ونعرض لها فيما يلى فى 8 نقاط

أولاً : بداية الحكاية في ديسمبر 1949، بعد أن طردت الميليشيات الصهيونية ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة , ماذا فعلت الأونروا فى مخيمات الشتات ؟

وقال: خفاجى تحكى لنا كتب التاريخ المنصفة - التى كشفت عن بعض مراجعها كل من مجلة نيو لاينز ومركز كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى بجامعة نيويورك – أنه في ديسمبر 1949، بعد أن قامت الميليشيات الصهيونية بطرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة

أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا(  وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في "مخيمات الشتات" خارج فلسطين حتى يتم التوصل إلى حل سياسي يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات .

 إلا أن الأونروا قامت بوضع برنامج عمل لتوظيف اللاجئين وإعادة إدماجهم في الاقتصادات المحلية خارج المخيمات في الأردن ولبنان وسوريا .

ثانياً : فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها  والفلسطينيون رفضوا اعتزازاً بأرضهم

ويضيف فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها  وإطلاق نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية وكان برنامج الأونروا فى ذلك الوقت تم تصميمه للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة سياسية لها بُعد اقتصادى

وبحجة إن هذا من شأنه أن يوفر طريقا مختصرا لحل قضية اللاجئين الشائكة دون الجهد الدبلوماسي الذى لم يفلح فى تحقيق تسوية عربية إسرائيلية بسبب رغبة اللاجئين فى العودة إلى وطنهم. إلا أن هذا النهج عارضه الفلسطينيون اللاجئون بسبب موقفهم الشخصي من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وحقهم السياسى فى تقرير مصيرهم

ثالثاً : في يوليو 1955القيادة المصرية  انتهت إلى أن مشروع التهجير لسيناء سيمحو الهوية السياسية الفلسطينية وتحقيقا للسيادة المصرية

ويذكر الدكتور محمد خفاجى أنه فى العهد الملكى عام 1951 ، عملت الأونروا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا على طرح فكرة تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وكانت حجة أمريكا هى نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية , ودعمت الجمعية العامة هذه الجهود من خلال "صندوق إعادة الإدماج" الذي تبلغ قيمته 200 مليون دولار، والذي تدعمه في المقام الأول مساهمات الولايات المتحدة

إلا أنه بعد ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو  1952 اتخذت خطط تنمية سيناء منعطفًا أخر رغم انشغال الضباط الأحرار بالقضايا المباشرة المتعلقة بالحكم مثل طرد البريطانيين من مصر خاصة من منطقة قناة السويس ومكافحة الفقر والمرض المنتشر , واستغلت أمريكا اللحظات الثورية بتأثير من إسرائيل لمخططها من خلال الأونروا بحجة تنمية سيناء الممولة بمساعدات خارجية, وخصصت الحكومة الأمريكية عشرات الملايين من الدولارات لدعم الفكرة الشيطانية .

وظلت الضغوط من خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على مخيمات اللاجئين في غزة طوال أوائل الخمسينيات , وفى ذات الوقت تم التأكيد على الولاية القضائية النهائية لمصر على مشروع التهجير بحجة التنمية الاقتصادية فسيصبح اللاجئون خاضعين للقوانين واللوائح المصرية، والسيادة المصرية.

وفي يوليو 1955، شكلت القيادة المصرية  فريق لمسح سيناء الذى أودع تقريره النهائي،بأن مشروع سيناء سيؤدي إلى محو الهوية السياسية الفلسطينية وهو ما انتهت إليه القيادة المصرية تحقيقا للسيادة المصرية من ناحية وتأكيدا على القضية الفلسطينية من ناحية أخرى .

رابعاً : انتفاضة مارس عام 1955 في غزة أجبرت أمريكا ومسئولي الأمم المتحدة عن التخلي عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية  :

ويشير أن الأمم المتحدة قامت في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، بوضع مخطط لتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وكان ذلك بهدف إلغاء حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم

وترتب على ذلك إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم  , خاصة وقد ظهرت حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948, ولكن الفلسطينيين فى غزة اتحدوا مع بعضهم البعض من خلال انتفاضة مارس عام 1955 في غزة .

وأن انتفاضة الفلسطينيين فى غزة مارس عام 1955 أجبرت أمريكا ومسئولي الأمم المتحدة عن التخلي عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية  , وكان المطلبان الأساسيان لانتفاضة مارس،إلغاء مشروع سيناء، وتسليح وتجنيد اللاجئين الفلسطينيين في غزة للدفاع ضد العدوان العسكري الإسرائيلى .

ولعبت مصر دوراً محورياً فى القضية الفلسطينية أظهره كلام عبد الناصر وليس الحكومة , ففي أغسطس 1955 أوقفت الحكومة المصرية مشروع سيناء وكان التبرير المعلن تقنياً بحتاً بركيزة أن مصر لم تكن قادرة على الحفاظ على المياه لاستخداماتها الخاصة، ولم تتمكن الحكومة من تحويل المياه إلى سيناء , لكن وفقاً لأوراق هنري لابويس مدير الأونروا من عام 1954 حتى عام 1958

قال أن تصريحات جمال عبد الناصر الخاصة كانت على خلاف ذلك حيث اعترف ناصر بأنه يعتقد أن اللاجئين الفلسطينيين أصبحوا "قوة مؤثرة وسوف يقررون مستقبلهم من أجل القضية الفلسطينية وأن أي تسوية سياسية شاملة ستكون مستحيلة دون معالجة مطالبهم الأساسية فى وطنهم فلسطين "

خامساً : الرؤية المصرية عام 1955 توافقت مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى

ويذكر الدكتور محمد خفاجى توافقت الرؤية المصرية مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى , حيث أدرك الفلسطينيون في مختلف أنحاء الشتات التهديد الذي فرضته خطة التهجير على حقهم في العودة , واعترض الفلسطينيون على تهجيرهم لسيناء كوجهة لإعادة توطين اللاجئين، و قالوا إن المشروع يقضي على قضيتهم السياسية .

وطوال أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أدرك الفلسطينيون الصلة الوثيقة بين خطط إعادة توطينهم وتهجيرهم بسيناء  التي تقدمها الأونروا من خلال دعم أمريكا  وبين الغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة فى ذلك الوقت، وهي استراتيجية سياسية متعمدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة إلى سيناء , وفي مواجهة هذين الخطرين المتوازيين الطرد والتهجير القسرى أو العدوان على أهل غزة ، دعا العديد من الفلسطينيين إلى مقاومة منسقة باعتبارها الرد الفعال الوحيد.

سادساً : المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ودعا إلى التوحدات العربية 
ويضيف الدكتور خفاجى المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط من خلال السياسة الإقليمية والعالمية

على سبيل المثال فى فبراير 1955 تم التوقيع على حلف بغداد، وهو تحالف عسكري بين تركيا والعراق الهاشمية، وقد انضمت إليه لاحقاً المملكة المتحدة وإيران وباكستان , وقام جمال عبد الناصر بمعارضة تلك الاتفاقية لسببين الأول  أنها قدمت رؤية بديلة لمصر كمركز للقوة السياسية والعسكرية العربية، والثانى أن التحالف العسكري أثناء الحرب الباردة، بقيادة القوة الاستعمارية السابقة لمصر، لا يمكن أن يتوافق مطلقاً مع التحالفات العربية الإقليمية , وقد كشفت غارة 28 فبراير على أن جمال عبد الناصر قد تبني سياسة خارجية جديدة تعارض المصالحة العربية الإسرائيلية من ناحية وأي مظهر قوي للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط من ناحية أخرى .

سابعاً : لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم في العالم العربي:

ويؤكد الدكتور خفاجى بحلول نهاية عام 1955، أجبرت المقاومة الفلسطينية المستمرة التخلي عن التهجير لسيناء وفي عهد لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم في العالم العربي ، وبدلت  الوكالة مسارها بخلاف وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية فالحل السياسي وحده هو الذي يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين ,

واعترف لابويس بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن اللاجئين سوف ينسون ماضيهم فهم لا يقبلون استيعابهم في العالم العربي , وذكر أن  مثل هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أساسية: "لقد كانت الأمة الفلسطينية هي التي اقتلعت" وكان هذا بمثابة تحول أيديولوجي مهم للغاية بالنسبة للأونروا , حيث أقنع اللاجئون قادة الوكالة بالاعتراف بهم كفلسطينيين.

ثامناً : التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عاماً رغم ظهور قوى جديدة :
يقول الدكتور محمد خفاجى بنظرة فاحصة على فشل مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء الذى كان معروضا فى بداية خمسينات القرن الماضى فإنه يدل دلالة قاطعة على التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عاماً !

وعلى الرغم من آلاف الصفحات من تقارير المسح وملايين الدولارات من التمويل المخصص للأمم المتحدة بمساعدات أمريكية ، بحلول نهاية الخمسينيات، كان مشروع سيناء مجرد واحد من المشاريع التى تدل على الفشل الدولى تجاه فلسطين ، وهو ما يجعلنا نفكر فى الحاضر إذ يظل التاريخ أكثر أهمية من أي وقت مضى

وكان فشل المشروع دلالة لنوع معين من التفكير الذي ساد برامج المساعدات الأمريكية والأمم المتحدة في أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية بحجة الدوافع الاقتصادية كوسيلة لتجاوز المفاوضات السياسية والقضاء على القضية الفلسطينية .

ويختتم ليس من الذكاء السياسى الدولى السير على هذا النهج في صنع السياسات في الشرق الأوسط كما كان منذ 70 عاما مضت تبدلت فيها أحوال الدول وظهرت قوى دولية جديدة عسكرية واقتصادية  تقلب موازين القوى وفى خضم المتغيرات الكبرى تمسك الفلسطينيون أكثر بوطنهم ومصر داعمة لحقهم فى تقرير مصيرهم طوال عقد من الزمان .

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مخطط تهجير الفلسطينيين مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء اللاجئین الفلسطینیین تهجیر الفلسطینیین القضیة الفلسطینیة الفلسطینیین إلى فی الشرق الأوسط مدیر الأونروا الأمم المتحدة الدکتور محمد مشروع سیناء مشروع تهجیر العودة إلى عبد الناصر سیناء وکان إلى سیناء من ناحیة غزة إلى من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

العلاقات المصرية الأمريكية والتحديات الراهنة في ظل مشروع تهجير سكان غزة

يمانيون../
تعد العلاقات المصرية الأمريكية من أقدم العلاقات الاستراتيجية وأهمها في “الشرق الأوسط”، وتعززت بشكل كبير بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978م. منذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة من أكبر الممولين لمصر، حيث تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية، ومع ذلك شهدت هذه العلاقات تقلبات تبعاً للإدارات الأمريكية المختلفة.
في الآونة الأخيرة، تصاعدت الضغوط الأمريكية على مصر بسبب رفضها تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وهددت واشنطن بتخفيض أو قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية، وسط حملات إعلامية أمريكية وإسرائيلية تهاجم موقف القاهرة.
تواجه مصر تحديات كبيرة، فتوطين اللاجئين في سيناء قد يؤدي إلى مقاومة مسلحة ضد “إسرائيل”، ما يهدد الاستقرار الأمني المصري والتغير الديمغرافي(الجغرافي السكاني)، وتعاني مصر من أزمة اقتصادية وديون ضخمة يجعلها عرضة للضغوط المالية الأمريكية، وحتى الآن موقف مصر رافض للمشروع باعتباره تهديداً للأمن القومي المصري.
قد تلجأ مصر إلى تصعيد دبلوماسي وزيادة الانتشار العسكري في سيناء لإثبات الجاهزية الأمنية، لتأكيد رفض التوطين، مع تحركات دبلوماسية مكثفة لكسب الدعم الدولي، وتقديم تنازلات في قضايا أخرى مثل التعاون الأمني لتخفيف الضغوط الاقتصادية.
وقد يكون هناك تجميد بعض بنود اتفاقية السلام مع “إسرائيل” كورقة ضغط إذا تصاعدت الأزمة، وهذا سيكون الخيار الأخير.
رغم الضغوط المتزايدة، فإن مصر تبدو مصممة على رفض مشروع التهجير، مع الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة.

العلاقات المصرية الأمريكية
العلاقات المصرية الأمريكية من أقدم العلاقات الاستراتيجية وأهمها للولايات المتحدة في “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا، تعمقت بقوة بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية “كامب ديفد” عام 1978م . منذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة واحدة من أكبر الممولين لمصر، حيث تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية تقدر بحوالي 1.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية و815 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية، وكان ذلك في البدء في زمن وجود الاتحاد السوفيتي، فقامت الولايات المتحدة بتعويض المساعدات العسكرية والاقتصادية التي كانت تحصل عليها مصر من الاتحاد السوفيتي.
وبرغم ذلك فقد شهدت هذه العلاقات تقلبات كبيرة، خاصة في ظل الإدارات الأمريكية المختلفة، ففي عهد أوباما، تم تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان، بينما شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً في عهد ترامب في الفترة الأولى، الذي أبدى دعمه الكبير للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلا أن العلاقات اليوم أكثر توتراً بسبب جزئية التهجير، فيما الخلافات بسيطة جداً بين مصر والولايات المتحدة في بقية القضايا، وإن كان التعاون النووي الروسي المصري ودخولها محور البريكس وتعميق علاقاتها الاقتصادية مع الصين هي أمور تزعج أمريكا، لكنها قابلة للأخذ والعطاء، أما في ملف التهجير فهناك صدام تام بين السياسة الأمريكية والمصرية.

الضغوط الأمريكية الراهنة على مصر
في الفترة الأخيرة، زادت الضغوط الأمريكية على مصر، خاصة بعد اقتراح ترامب تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، فقد لوحت الولايات المتحدة بقطع -أو تخفيض- المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، خاصة في ظل رفض مصر القاطع لمشروع التهجير، الصحف الأمريكية مثل “يو إس إيه توداى” و”هيرالد تريبيون” أشارت إلى أن استمرار المساعدات لمصر أصبح موضع تساؤل في ظل مواقفها المعارضة للخطط الأمريكية، وبات السيسي يوصف في الصحف الأمريكية والإسرائيلية بالجنرال والدكتاتور، ويتهم بانتهاك حقوق الإنسان.
إن قطع المساعدات العسكرية أمر وارد، إلا أنه قد يكون مختلفاً في ما يتعلق بالمعونات العسكرية، فرغم التلويح المستمر من الكونغرس بتخفيض المعونة أو وقفها، إلا أن المحللين يستبعدون تنفيذ ذلك فعلياً، فالمعونة ليست مجرد دعم مالي، بل هي أداة نفوذ أمريكي، حيث تتيح لواشنطن تمرير مصالحها مثل السماح للطائرات الأمريكية بالتحليق في الأجواء المصرية، وتصاريح العبور السريع للبوارج الأمريكية في قناة السويس، وضمان استمرار مصر في شراء الأسلحة الأمريكية.
على الصعيد الدبلوماسي، حاولت الإدارة الأمريكية استخدام نفوذها الدولي لإجبار مصر على قبول مشروع التهجير، معتبرة أن مصر تقف حجر عثرة في تنفيذ “صفقة القرن” التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ومن الضغوط التي تدخل في هذا السياق التلويح بانتهاك اتفاقية السلام، هناك تهديدات ضمنية إسرائيلية بانتهاك اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية بإدخال قوات عسكرية إلى سيناء، وستستمر هذه التهديدات إذا استمرت مصر في رفضها للخطط الأمريكية.

التحديات التي تواجه مصر في مواجهة مشروع التهجير
عندما دخلت مصر في اتفاق السلام مع الكيان في العام 1979م، فقد دخلتها بانتهازية دفاعاً عن المصلحة الوطنية المصرية على حساب المصلحة القومية العربية، وتجد مصر نفسها اليوم مهددة في أمنها القومي بسبب هذه المشاريع الأمريكية، فمشروع التهجير إلى مصر سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية، خاصة مع احتمالية تحول اللاجئين إلى مقاومة مسلحة ضد “إسرائيل” من الأراضي المصرية، على غرار الوجود العسكري السابق في الأردن ولبنان.
ويُعد المشروع جزءاً من مخطط أكبر لتصفية القضية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع الموقف المصري الداعم لـ”حل الدولتين”، ومع المصلحة الأمنية المصرية التي ترى في وجود المقاومة وضعاً أمنيا ملائما يشكل على الدوام ضغطاً على الكيان الصهيوني فينشغل بالفلسطينيين عن مصر الواقعة في جواره.
التحدي الأخر يتعلق بالاقتصاد، مصر تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، والعملة المصرية رهن تقلبات الدولار، والتهديد بقطع المساعدات الأمريكية يزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي، خاصة مع حجم الديون الخارجية لمصر البالغ 168 مليار دولار في أواخر العام 2024م.

الموقف المصري
مصر دولة وطنية، ليست صنيعة التحولات السياسية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بخلاف الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي تمتلك مقومات الدولة من حيث التجانس الاجتماعي والهوية الوطنية والتاريخية الراسخة، والكثافة السكانية والأرض الواسعة والدولة المركزية التي تسيطر على كل أراضي الجمهورية، وبالتالي فحظوظها أكبر من الأردن.
حتى الآن الموقف المصري إيجابي وقوي من مخطط تهجير الفلسطينيين، فهناك رفض قاطع للمشروع، فقد أكد الرئيس المصري بشكل علني رفضه القاطع لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، معتبراً أن هذا الأمر يمس الأمن القومي المصري. العقيدة الوطنية المصرية ترى أن أرضهم مقدسة ولا يمكن التفريط فيها، حتى مقابل إغراءات اقتصادية ضخمة.
كما يفهم المصريون أن التجارب التاريخية للتهجير القسري، ليست مؤقتة، بل ستؤدي إلى توطين دائم للفلسطينيين في مصر، ما يخلق مشكلات سياسية وديموغرافية معقدة، كما حدث في لبنان وسوريا. إلى جانب ذلك فإن أي وجود فلسطيني مسلح في سيناء قد يؤدي إلى اضطرابات أمنية شبيهة بأحداث “أيلول الأسود” في الأردن أو الحرب الأهلية اللبنانية. كما أن نجاح المخطط سيضعف المقاومة الفلسطينية ويفتح الباب أمام مطالب إسرائيلية مستقبلية في سيناء، قد تصل إلى المطالبة بـ “مقدسات يهودية” مزعومة هناك. وبناءً على ما سبق يُمكن فهم طبيعة الموقف الرسمي الصارم الرافض لمشروع التهجير.
الموقف المصري القوي سيدفع دولاً عربية أخرى، وخصوصاً الأردن، إلى التشدد في رفض مخطط التهجير، ومن شأن استمرار الرفض المصري أن يقلل من فرص نجاح التهجير القسري، ويدفع واشنطن و”تل أبيب” لإعادة النظر في خططهما.

خيارات مصر في مواجهة الضغوط الأمريكية
لدى مصر دوافع قوية، تجعل من موقفها مبدئياً وقاطعاً في رفض مشروع التهجير الذي يستهدف أمنها القومي بالدرجة الرئيسة، إلا أنها لا تمتلك فائضا من القوة في المقابل، ولم يكن في خلدها أن التهديد سيأتي هذه المرة لا من “إسرائيل” بل من الأمريكي ذاته الذي يُعد ضامناً لاتفاقية “كامب ديفد”.
تتعامل مصر مع مشروع ترامب بحذر شديد، مع التركيز على الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة دون التنازل عن المبادئ الأساسية،
وفي كل الأحوال فإن مصر تملك بعض الخيارات لمواجهة هذه التحديات، من ذلك إدارة الأزمة، إذ تعتمد مصر على “الصبر الاستراتيجي” من الناحية السياسية، حيث تحاول إدارة الأزمة من خلال حسابات دقيقة وراء الكواليس، مع تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وتراهن مصر على أن التغييرات في الإدارة الأمريكية قد تؤدي إلى تعديل المشروع أو إلغائه.
وفي المقابل تسعى إلى تعزيز تحالفاتها مع الدول العربية والاتحاد الأوربي ودول الجنوب العالمي، لمواجهة الضغوط الأمريكية، وتعتمد مصر على الرفض الواسع للمشروع من قبل الفلسطينيين والدول العربية، ما يجعل تنفيذه صعباً دون دعم إقليمي. وقد تلجأ مصر إلى استخدام ذات الورقة التي يستخدمها الأمريكي وهي “اتفاقية السلام”، فمن الممكن في ظروف معينة أن تلجأ مصر إلى استخدام ورقة تجميد اتفاقية السلام مع “إسرائيل” وتقليص مستوى التعاون الأمني والاستخباراتي معها كأداة ضغط، على الأمريكي والإسرائيلي معاً.
على المدى البعيد، يمكن لمصر تنويع علاقاتها الدولية لتقليل الاعتماد على واشنطن، من خلال تعزيز التعاون مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وتعزيز الاستثمارات المحلية والدولية، وزيادة التعاون العسكري مع فرنسا وروسيا لخلق بدائل عن التسليح الأمريكي، وهي واقعياً تمتلك العلاقات مع هذه الأطراف، وسيكون بالمقدور تعميقها.
وعلى الصعيد الدبلوماسي والدولي، يمكنها الاستفادة من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة لفضح المخطط الأمريكي-الإسرائيلي.
وفي النهاية، ستظل مصر حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكن دون المساس بأمنها القومي أو مصالحها الاستراتيجية.

موقع أنصار الله . تقرير | أنس القاضي

مقالات مشابهة

  • إيران والسعودية تتحدان ضد مخطط تهجير الفلسطينيين
  • إيران والسعودية يتحدان ضد مخطط تهجير الفلسطينيين
  • مراسل "إكسترا نيوز" من معبر رفح: قطاع غزة يواصل استقبال المساعدات الإنسانية
  • جمال سلامة: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء حلم إسرائيلي منذ الخمسينات ولن يتحقق
  • المستشار الألماني: خطة ترامب لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة فضيحة
  • العلاقات المصرية الأمريكية والتحديات الراهنة في ظل مشروع تهجير سكان غزة
  • وزير الخارجية الأسبق: إعادة إعمار غزة رسالة لإسرائيل بعدم تهجير الفلسطينيين
  • بدء مؤتمر «اتحاد كتاب مصر» لدعم القضية الفلسطينية ورفض مخطط التهجير
  • برلماني: تراجع ترامب عن مخطط تهجير الفلسطينيين نتيجة ردة فعل مصرية قوية
  • الصحف العربية.. تحركات عربية لوقف مخطط تهجير الفلسطينيين.. والرياض تتحدث عن التدمير الإسرائيلي الممنهج لقطاع غزة