كشخص مهتم بالسياق السياسي في السودان، وفاعل فيه أيضاً لا أرى أن هناك جدوى من النقاش حول مسألة إن كان قائد المليشيا حي أو ميت، طالما أن المليشيا بوضعها الحالي ذراع خارجي بالإضافة إلى أن تركيبة هذه المليشيا مفهومة داخلياً للبعض. وشكل التعليمات المتعلقة بالميدان بالإضافة إلى الإمداد.

مع ظهور قائد التمرد في الفيديو الذي نشر يوم الخميس الماضي، والذي ادعت فيه المليشيا أنه بالخرطوم في حشد يُنسب لتخريج فوج من المتدربين بقواته المتمردة.

ذكر خلال الفيديو الذي استمر لحوالي نصف ساعة مجموعة من النقاط غير المرتبة في مراوحة مهمة داخل الخطاب السياسي الذي ظل يقدمه. طوالي تاريخ صعوده منذ أول خطاب قاله أمام دفعة متخرجة بإحدى المعسكرات بالعام 2018م حيث أشار فيه إلى أنه ضد سياسات النظام حينها.

التحليل :
في الفيديو المسجل يوم الخميس الماضي، عاد التمرد إلى توضيح مسار خلافه مع المؤسسة العسكرية، بجانب ذلك سمى مجموعة من الأشخاص الذين قال بأنهم يعارضون وجوده منذ تاريخ عزل البشير في (١١ أبريل) وهي المرة الأولى التي يعود فيها قائد التمرد إلى هذه النقطة، حيث دائما ما كان يعود إلى نقاط خلافية أثناء الفترة الإنتقالية.
معلقاً بذلك مسؤولية الخلاف بينه وبين الجيش إلى القائد العام للقوات المسلحة، بالإضافة إلى أن نقاط خلافه جميعها تقع ضمن شروط الفترة الإنتقالية.

هذه المرة عاد قائد التمرد بعقارب الساعة إلى تاريخ عزل البشير، وهو ما يعني أن الخلاف سابق للفترة الإنتقالية و شروطها السياسية، لكنه لم يفصل لحظة التغيير عن مسار الفترة الإنتقالية و الخلاف حولها من ناحية سياسية لكن تظل مسألة الخلاف وجذرية في الوضعية العسكرية من الأساس.

بدأ حميدتي بقوله أنه ضحية، وعندما أقول بدأ حميدتي فليس بالضرورة أنني أعني هو وإنما الوضعية السياسية التي شكلها و بالإضافة إلى من يتحدث نيابة عنه، والداعم له بصورة مباشرة.

١١ أبريل لم يكن حميدتي إلا قوة صغيرة لا يمكن أن توازي الجيش أو حتى جهاز المخابرات، ولكن التوازنات السياسية هي التي صعدت به على مستوى المجلس العسكري لذلك يعود إلى الحدث السياسي لا العسكري ففي نهاية الأمر تمت عملية سياسية على أساسها تغيرت وضعيته العسكرية. لذلك من المهم تتبع الخطاب السياسي للحرب والذي أعاده إلى ١١ أبريل، وجميعنا نعلم أنه كانت هناك رؤية من داخل النظام المعزول نفسها للتغيير ولكن طرأت مستجدات جعلت هذه الرؤية خارج حسابات الواقع السياسي.

وتمت بدخوله هو على المجلس العسكري، لذلك يعود إلى تاريخ الإنقلابات على المجلس وهنا نلاحظ حدثان هما انقلاب هاشم عبد المطلب الذي وضح بصريح العبارة في تسريب للتحقيق معه بالمحاكمة أنه جاء نتيجة لفرض حميدتي كقوة عسكرية وأهمها مسألة التجنيد.
يقول حميدتي أمر مهم جدا وهو أنني لم أاتي بل تم إقحامي في الأمر واقنعني البرهان بأنه في حالة هو لم يأتي فأنا لن أكون موجود، وكنت مع السياسيين وتم إقناعي لكنه قال بأن كل الإنقلابات خلفها برهان، وهذه مفارقة لن يتمكن شخص من حلها إلا الذين كانوا جزء من لحظات العزل والترتيب.

السبب الثاني الذي أسماه حميدتي هو اتفاقية جوبا، ولكن اتفاقية جوبا لم تكن مؤثرة على وضعيته هو شخصيا بل سمحت له بالتمدد مستفيدا من الوضعية الدستورية المخلة للإنتقال، ولكن سيجد القاريء أن إتفاقية جوبا مهمة من ناحية تحالفات سياسية عملت على أن يصبح ٢٥ أكتوبر مسألة دستورية وليس إنقلاب بالمعنى الدستوري، حيث عمل البرهان حينها على فض الشراكة مع قوى سياسية وأبقاها مع قوى سياسية أخرى مما سمح له بخلق مناورة داخل شروط الإنتقال نفسها.

ومن بعد ذلك تغيرت الوضعية السياسية للإنتقال، وأيضا خسر على أساسها حميدتي إمكانية تكوين تحالف مع الحركات المسلحة واهم حركتان هما العدل و المساواة و حركة جيش تحرير السودان.

وهما اهم الحركات التي كانت في ليبيا وبشهادة مني أركو مناوي قائد حركة / جيش تحرير السودان، يقول حميدتي أن برهان لم يكن راضي بالتوقيع، على الإتفاق ولكن لا أظن يخفى على حميدتي أن برهان هو من أكثر ضباط القوات المسلحة عمل في دارفور ويعلم طبيعة الحركات و المطالب لذلك إحتفظ بعلاقة جيدة وودية مع أطراف السلام ومراكز القوى وهو ما ظهر خلال الحرب الحالية.

قبل الإنتقال لمسألة الإتفاق الإطاري يقول حميدتي أن الصناديق السود و الأيادي التي كان يعمل بها برهان هي الآن في أيدينا، وهنا لا أعتقد أن الدعم السريع يمتلك شيء، وإنما مجرد إشارة إلى صفقات بين حميدتي وبين القائد العام قد تكون تمت وفشلت في جعل المصالح مشتركة، خصوصا وأن هناك اتهام موجه من قبل البعض للقائد العام بأنه متورط في دعم المليشيا وتقويتها.

ويقول حميدتي إتجاه اتفاقية جوبا أن اليوم تعلمون طعم الاتفاقية بمعنى أن جوبا قد حيدت الحركات المسلحة، لكن ما لا يعلمه حميدتي أو ما غفل عنه، أن المعارك في دارفور قد أدخلت الإقليم في نفق مظلم، و أودت بحياة الآلاف وأنه قد نسي مجزرة الجنينة والمدن التي تحولت إلى جحيم نتاج معاركه. إتجاه الجيش الذي انسحب من المواقع العسكرية، بصورة تشبه الاستسلام. ليجد أنه قد تورط هو قيادة الحركات في إدخال مصير الإقليم في نفق مظلم ليدفع إنسان دارفور ثمن مغامرته.

ولكن حديث حميدتي في شأن دارفور نوعا ما مختلف حيث خاطب القوى السياسية الرافضة للاتفاق حينها و وجه صوته لسكان الخرطوم أيضا، حيث يقول عينكم إلى جدة وهناك من كان يموت، لكنه تجاوز أن في ذات الوقت الذي كان فيه على مستوى السلطة كان الناس في دارفور يموتون أيضا وبذات الأسباب، لكن حميدتي لم يكن يعني المواطن بل الحركات المسلحة.

لنتجه إلى مسألة الاتفاق الإطاري وهنا جد جديد على حديث حميدتي، فيما يخص الشخصيات حيث ذكر صلاح قوش لأول مرة منذ حادثة تمرد هيئة العمليات، وجمعه مع علي كرتي، وأسامة عبد الله في موقع واحد، وأشار إلى أن ليس كل الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني قد جاء بالإضافة إلى أن حميدتي استند على رواية الحرية و التغيير بخصوص هذا الأمر حيث يقول بأن الإتفاق الإطاري يسحب منهم السلطة، فمن هم الذين يسحب منهم السلطة، تكمن الإجابة عند الحرية و التغيير، وهم ” الإسلاميين”. ولكن إسلاميي الحرية و التغيير مختلفون عن إسلاميي حميدتي، فلا يمكن أن يأمر قائد جنوده بالوضوء و الصلاح، وهو يقول الإسلاميين عدوه بأي منطق يمكن فهم هذا الأمر سوى أنه يتعاطى بتصورات مختلفة عن التصور السياسي للإسلاميين، الذين مع حلفائه السياسيين.

ينتشي حميدتي بمسألة “فرتقة” البلد، كحالة أشبه والمكايدة السياسية ما لا يعلمه حميدتي أن ببلاهته السياسية قد كشف مشروعه الواضح و الصريح وهو تقسيم السودان، إلى دويلات ويضع تحدي واضح فيما معناه أن البلد لن تعود إلى وضعيتها الموحدة، وكأنه يراهن على وجوده و بقائه بتقسيم الدولة .

يقول حميدتي أن البعض يخافون من عرمان في إشارة إلى الموقف السياسي منه بشكل واضح ولكن ما لا يعلمه حميدتي الصاعد حديثا، أن لعرمان صولا وجولات سياسية، وخصومه يعلمونه جيدا فهو نتاج مشروع سياسي فاشل نتيجته تقسيم السودان، وهذا ما يسعى له بشكل حثيث و واضح سواء بوعي سياسي منه أو بلا وعي لا أعلم، ولكنه عراب التشرذم والانقسامات السياسية وما هلك الجمع إلا به.

الإشارة التي ألحقها حميدتي وسط حديثه ما يتعلق بالتفسير الإجتماعي للصراع، فيقول المسألة تداخل وان تشاد هم جيراننا وهم أنفسهم أريتريين و(هبش)، ولكن لا يمكن تفسير المسألة بالادوات السياسية الطبيعية، فنحن أمام صاعد سياسي يعي المسألة السياسية من خلال تصوراته للسلطة التي يفسرها وفق العدو و الصديق بالنسبة له.

الأهم من ذلك أن حميدتي يعلم بأن الولايات المتحدة قد حذرت من مسألة الفاشر، و يعلم بأن الحركات لن تسمح له بالدخول للفاشر، لذلك أعطى إشارات واضحة لهم وهي بخصوص المسألة القتالية، مما يعني أن معاركه لن نتوقف في الإقليم.

لا أرى افق للحل سوى أن المعارك مستمرة، وهو ما قاله أو أشار إليه (بالأبنصي اللحام) أي أنه باقي في عملياته العسكرية، وأن السلام سيكون وفق لشروطه، ومن هنا نرى أن السلام العديل و( الملولو) عند حميدتي يستند على رؤية سياسية غير معلومة وغير مضبوطة فما هو العديل عنده وما هو الملتوي.

الخلاصة من القول بأن خطاب حميدتي هو يمكن اعتباره تقدير سياسي ونظرة تجاه أعدائه و موجه للحركات المسلحة لأنه يعلم بأن ما بعد ١٥ أبريل أفرز واقع سياسي مختلف تماماً عن سابقه.

حسان الناصر

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: بالإضافة إلى قائد التمرد حمیدتی أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

عياد رزق: القيادة السياسية تواصل ترسيخ حقوق الإنسان كمسار استراتيجي شامل

قال عياد رزق، عضو لجنة الخطة والموازنة بالأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهوري، إن الجهود المبذولة من قبل الدولة المصرية لتعزيز المناخ الحقوقي تتماشى مع بنود الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تعد نموذجاً يعبر عن التزام الدولة بتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات التنمية الشاملة، في ظل تحديات داخلية وإقليمية معقدة.

وأكد رزق، في بيان له اليوم، الأربعاء، أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة أثناء الاجتماع مع وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، مؤخراً، جاءت في توقيت يحمل رمزية خاصة، حيث تزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويتناول التقرير التنفيذي الثالث للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ما يشير إلى استمرار الدولة في التعامل مع حقوق الإنسان كمسار استراتيجي طويل المدى وليس مجرد التزام مرحلي.

وأضاف أن التقرير الذي عرضه وزير الخارجية سلط الضوء على الجهود المبذولة خلال العام الماضي، بما يشمل المبادرات الهادفة إلى تمكين المرأة، وتعزيز حقوق الشباب، وتوفير الحماية للأطفال، ودعم كبار السن وذوي الإعاقة، وهذه المحاور تعكس فهمًا شاملا لمفهوم حقوق الإنسان، يتجاوز الأبعاد التقليدية السياسية والمدنية ليشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأوضح عياد رزق، أن توجيهات الرئيس السيسي جاءت لتؤكد التزام القيادة السياسية بترسيخ مفاهيم المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز، وهي عناصر أساسية في أي منظومة حقوقية متقدمة، كما أن دعوته لمواصلة تطوير البنية التشريعية والمؤسسية تعكس وعيا بأهمية وجود إطار قانوني يدعم التنفيذ الفعلي للاستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • نقل النواب تناقش طلبات الإحاطة المقدمة من النواب وتصدر توصية بإعداد خطاب لوزير النقل
  • عياد رزق: القيادة السياسية تواصل ترسيخ حقوق الإنسان كمسار استراتيجي شامل
  • معرض جدة للكتاب ينظم ندوة عن قراءة التراث الثقافي
  • الفساد سرطان الاقتصاد الذي أعيا الحكماء.. قراءة في كتاب
  • الفساد سرطان الاقتصاد الذي أعيى الحكماء.. قراءة في كتاب
  • أخنوش ينتقد خطاب المعارضة ويدعو لمراجعة الممارسة السياسية
  • قائد الأسطول الأمريكي يقول إن وقف تدفق الأسلحة للحوثيين مفتاح لوقف الهجمات التجارية
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • قراءةٌ في خطاب الخميس الفائت
  • الطاقة الشمسية في تونس.. الحلم الأخضر الذي تعرقله التحديات السياسية