ما بين تفكيك الدولة و التصورات السياسية: قراءة في خطاب قائد التمرد !
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
كشخص مهتم بالسياق السياسي في السودان، وفاعل فيه أيضاً لا أرى أن هناك جدوى من النقاش حول مسألة إن كان قائد المليشيا حي أو ميت، طالما أن المليشيا بوضعها الحالي ذراع خارجي بالإضافة إلى أن تركيبة هذه المليشيا مفهومة داخلياً للبعض. وشكل التعليمات المتعلقة بالميدان بالإضافة إلى الإمداد.
مع ظهور قائد التمرد في الفيديو الذي نشر يوم الخميس الماضي، والذي ادعت فيه المليشيا أنه بالخرطوم في حشد يُنسب لتخريج فوج من المتدربين بقواته المتمردة.
ذكر خلال الفيديو الذي استمر لحوالي نصف ساعة مجموعة من النقاط غير المرتبة في مراوحة مهمة داخل الخطاب السياسي الذي ظل يقدمه. طوالي تاريخ صعوده منذ أول خطاب قاله أمام دفعة متخرجة بإحدى المعسكرات بالعام 2018م حيث أشار فيه إلى أنه ضد سياسات النظام حينها.
التحليل :
في الفيديو المسجل يوم الخميس الماضي، عاد التمرد إلى توضيح مسار خلافه مع المؤسسة العسكرية، بجانب ذلك سمى مجموعة من الأشخاص الذين قال بأنهم يعارضون وجوده منذ تاريخ عزل البشير في (١١ أبريل) وهي المرة الأولى التي يعود فيها قائد التمرد إلى هذه النقطة، حيث دائما ما كان يعود إلى نقاط خلافية أثناء الفترة الإنتقالية.
معلقاً بذلك مسؤولية الخلاف بينه وبين الجيش إلى القائد العام للقوات المسلحة، بالإضافة إلى أن نقاط خلافه جميعها تقع ضمن شروط الفترة الإنتقالية.
هذه المرة عاد قائد التمرد بعقارب الساعة إلى تاريخ عزل البشير، وهو ما يعني أن الخلاف سابق للفترة الإنتقالية و شروطها السياسية، لكنه لم يفصل لحظة التغيير عن مسار الفترة الإنتقالية و الخلاف حولها من ناحية سياسية لكن تظل مسألة الخلاف وجذرية في الوضعية العسكرية من الأساس.
بدأ حميدتي بقوله أنه ضحية، وعندما أقول بدأ حميدتي فليس بالضرورة أنني أعني هو وإنما الوضعية السياسية التي شكلها و بالإضافة إلى من يتحدث نيابة عنه، والداعم له بصورة مباشرة.
١١ أبريل لم يكن حميدتي إلا قوة صغيرة لا يمكن أن توازي الجيش أو حتى جهاز المخابرات، ولكن التوازنات السياسية هي التي صعدت به على مستوى المجلس العسكري لذلك يعود إلى الحدث السياسي لا العسكري ففي نهاية الأمر تمت عملية سياسية على أساسها تغيرت وضعيته العسكرية. لذلك من المهم تتبع الخطاب السياسي للحرب والذي أعاده إلى ١١ أبريل، وجميعنا نعلم أنه كانت هناك رؤية من داخل النظام المعزول نفسها للتغيير ولكن طرأت مستجدات جعلت هذه الرؤية خارج حسابات الواقع السياسي.
وتمت بدخوله هو على المجلس العسكري، لذلك يعود إلى تاريخ الإنقلابات على المجلس وهنا نلاحظ حدثان هما انقلاب هاشم عبد المطلب الذي وضح بصريح العبارة في تسريب للتحقيق معه بالمحاكمة أنه جاء نتيجة لفرض حميدتي كقوة عسكرية وأهمها مسألة التجنيد.
يقول حميدتي أمر مهم جدا وهو أنني لم أاتي بل تم إقحامي في الأمر واقنعني البرهان بأنه في حالة هو لم يأتي فأنا لن أكون موجود، وكنت مع السياسيين وتم إقناعي لكنه قال بأن كل الإنقلابات خلفها برهان، وهذه مفارقة لن يتمكن شخص من حلها إلا الذين كانوا جزء من لحظات العزل والترتيب.
السبب الثاني الذي أسماه حميدتي هو اتفاقية جوبا، ولكن اتفاقية جوبا لم تكن مؤثرة على وضعيته هو شخصيا بل سمحت له بالتمدد مستفيدا من الوضعية الدستورية المخلة للإنتقال، ولكن سيجد القاريء أن إتفاقية جوبا مهمة من ناحية تحالفات سياسية عملت على أن يصبح ٢٥ أكتوبر مسألة دستورية وليس إنقلاب بالمعنى الدستوري، حيث عمل البرهان حينها على فض الشراكة مع قوى سياسية وأبقاها مع قوى سياسية أخرى مما سمح له بخلق مناورة داخل شروط الإنتقال نفسها.
ومن بعد ذلك تغيرت الوضعية السياسية للإنتقال، وأيضا خسر على أساسها حميدتي إمكانية تكوين تحالف مع الحركات المسلحة واهم حركتان هما العدل و المساواة و حركة جيش تحرير السودان.
وهما اهم الحركات التي كانت في ليبيا وبشهادة مني أركو مناوي قائد حركة / جيش تحرير السودان، يقول حميدتي أن برهان لم يكن راضي بالتوقيع، على الإتفاق ولكن لا أظن يخفى على حميدتي أن برهان هو من أكثر ضباط القوات المسلحة عمل في دارفور ويعلم طبيعة الحركات و المطالب لذلك إحتفظ بعلاقة جيدة وودية مع أطراف السلام ومراكز القوى وهو ما ظهر خلال الحرب الحالية.
قبل الإنتقال لمسألة الإتفاق الإطاري يقول حميدتي أن الصناديق السود و الأيادي التي كان يعمل بها برهان هي الآن في أيدينا، وهنا لا أعتقد أن الدعم السريع يمتلك شيء، وإنما مجرد إشارة إلى صفقات بين حميدتي وبين القائد العام قد تكون تمت وفشلت في جعل المصالح مشتركة، خصوصا وأن هناك اتهام موجه من قبل البعض للقائد العام بأنه متورط في دعم المليشيا وتقويتها.
ويقول حميدتي إتجاه اتفاقية جوبا أن اليوم تعلمون طعم الاتفاقية بمعنى أن جوبا قد حيدت الحركات المسلحة، لكن ما لا يعلمه حميدتي أو ما غفل عنه، أن المعارك في دارفور قد أدخلت الإقليم في نفق مظلم، و أودت بحياة الآلاف وأنه قد نسي مجزرة الجنينة والمدن التي تحولت إلى جحيم نتاج معاركه. إتجاه الجيش الذي انسحب من المواقع العسكرية، بصورة تشبه الاستسلام. ليجد أنه قد تورط هو قيادة الحركات في إدخال مصير الإقليم في نفق مظلم ليدفع إنسان دارفور ثمن مغامرته.
ولكن حديث حميدتي في شأن دارفور نوعا ما مختلف حيث خاطب القوى السياسية الرافضة للاتفاق حينها و وجه صوته لسكان الخرطوم أيضا، حيث يقول عينكم إلى جدة وهناك من كان يموت، لكنه تجاوز أن في ذات الوقت الذي كان فيه على مستوى السلطة كان الناس في دارفور يموتون أيضا وبذات الأسباب، لكن حميدتي لم يكن يعني المواطن بل الحركات المسلحة.
لنتجه إلى مسألة الاتفاق الإطاري وهنا جد جديد على حديث حميدتي، فيما يخص الشخصيات حيث ذكر صلاح قوش لأول مرة منذ حادثة تمرد هيئة العمليات، وجمعه مع علي كرتي، وأسامة عبد الله في موقع واحد، وأشار إلى أن ليس كل الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني قد جاء بالإضافة إلى أن حميدتي استند على رواية الحرية و التغيير بخصوص هذا الأمر حيث يقول بأن الإتفاق الإطاري يسحب منهم السلطة، فمن هم الذين يسحب منهم السلطة، تكمن الإجابة عند الحرية و التغيير، وهم ” الإسلاميين”. ولكن إسلاميي الحرية و التغيير مختلفون عن إسلاميي حميدتي، فلا يمكن أن يأمر قائد جنوده بالوضوء و الصلاح، وهو يقول الإسلاميين عدوه بأي منطق يمكن فهم هذا الأمر سوى أنه يتعاطى بتصورات مختلفة عن التصور السياسي للإسلاميين، الذين مع حلفائه السياسيين.
ينتشي حميدتي بمسألة “فرتقة” البلد، كحالة أشبه والمكايدة السياسية ما لا يعلمه حميدتي أن ببلاهته السياسية قد كشف مشروعه الواضح و الصريح وهو تقسيم السودان، إلى دويلات ويضع تحدي واضح فيما معناه أن البلد لن تعود إلى وضعيتها الموحدة، وكأنه يراهن على وجوده و بقائه بتقسيم الدولة .
يقول حميدتي أن البعض يخافون من عرمان في إشارة إلى الموقف السياسي منه بشكل واضح ولكن ما لا يعلمه حميدتي الصاعد حديثا، أن لعرمان صولا وجولات سياسية، وخصومه يعلمونه جيدا فهو نتاج مشروع سياسي فاشل نتيجته تقسيم السودان، وهذا ما يسعى له بشكل حثيث و واضح سواء بوعي سياسي منه أو بلا وعي لا أعلم، ولكنه عراب التشرذم والانقسامات السياسية وما هلك الجمع إلا به.
الإشارة التي ألحقها حميدتي وسط حديثه ما يتعلق بالتفسير الإجتماعي للصراع، فيقول المسألة تداخل وان تشاد هم جيراننا وهم أنفسهم أريتريين و(هبش)، ولكن لا يمكن تفسير المسألة بالادوات السياسية الطبيعية، فنحن أمام صاعد سياسي يعي المسألة السياسية من خلال تصوراته للسلطة التي يفسرها وفق العدو و الصديق بالنسبة له.
الأهم من ذلك أن حميدتي يعلم بأن الولايات المتحدة قد حذرت من مسألة الفاشر، و يعلم بأن الحركات لن تسمح له بالدخول للفاشر، لذلك أعطى إشارات واضحة لهم وهي بخصوص المسألة القتالية، مما يعني أن معاركه لن نتوقف في الإقليم.
لا أرى افق للحل سوى أن المعارك مستمرة، وهو ما قاله أو أشار إليه (بالأبنصي اللحام) أي أنه باقي في عملياته العسكرية، وأن السلام سيكون وفق لشروطه، ومن هنا نرى أن السلام العديل و( الملولو) عند حميدتي يستند على رؤية سياسية غير معلومة وغير مضبوطة فما هو العديل عنده وما هو الملتوي.
الخلاصة من القول بأن خطاب حميدتي هو يمكن اعتباره تقدير سياسي ونظرة تجاه أعدائه و موجه للحركات المسلحة لأنه يعلم بأن ما بعد ١٥ أبريل أفرز واقع سياسي مختلف تماماً عن سابقه.
حسان الناصر
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: بالإضافة إلى قائد التمرد حمیدتی أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مشيرة خطاب: أكبر إنجاز حققته مصر في ملف حقوق الإنسان هو دستور 2014
شاركت السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، في مائدة مستديرة عقدها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، اليوم، حول ملف حقوق الإنسان في مصر،
وفي كلمتها، وجّهت “خطاب” الشكر لاهتمام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن قضايا حقوق الإنسان في مصر.
وقالت: “المجلس القومي لحقوق الإنسان هو الآلية الوطنية المستقلة التي أنشأتها الدولة لمساعدتها في شأن حقوق الإنسان سواء الحقوق أو الدين أو أي سببٍ كان”.
ولفتت إلى أن أكبر إنجاز حققته الدولة في شأن حقوق الإنسان هو دستور 2014، لما تضمنه من تأكيد وحماية لحقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن للإعلام دوره حيوي، لأنه لا توجد حقوق إنسان لم لا يعرف عنها شيء، وعليه فلا بد للاعلام أن يضع خطوة البداية بتعريف المواطنين حقوقهم.
وشددت على عدم وجود أي حق مطلق دون أي حدود، وهو ما يتطلب توعية وتعليم تستهدف أضعف الفئات.
ونوهت إلى أن حقوق الانسان هي القانون ودور الإعلام هو تعليم المواطنين حقوقهم، ومن هنا تأتي أهمية الشراكة بين المجلس القومي لحقوق الإنسا، المعني بنشر ثقافة حقوق الإنسان ورصد تنفيذ حقوق الإنسان.
وتابعت: “لسنا جهة تنفيذ لكن دورنا محوري في الدولة المصرية التي أعلنت صراحة دعمها الكامل لحقوق الإنسان ومسؤولية الدولة في تنفيذ حقوق الإنسان تنسحب إلى باقي المؤسسات والجهات”.
وطالبت “خطاب” بتكاتف الجهود لبناء القدرات والتدريب وتوفير المعلومات، خاصةً وأن المواطن المصري لن يستطع أن يشارك في اتخاذ القرار دون أن يحصل على المعلومات.
وتابعت: “وضعنا خطوط عديدة الاستراتيجية الإعلامية للمجلس القومي لحقوق الانسان، وتهدف للتعاون مع الأعلى للاعلام بشأن البرامج التدريبية على مختلف المستويات وسوف نركز على المناطق النائية حيث تشتد الحاجة لمعرفة حقوق الإنسان”.