1- ملاحظات في الشكل

أ- تم الإعلان عن الخطاب قبل أيام، وفي ذلك دلالات ورسائل عديدة بأن الخطاب ليس مجرد كلام عادي وأنه حدث وليس حديثا، وأنه يستحق أن يُضرب له موعد وأن يستعد له المهتمون فيرتبون التزاماتهم بما يسمح بتخصيص وقت لسماع الخطاب.

ب- الخطاب ليس موجها فقط لجمهور المقاومة أو لأنصار الحزب أو للناس في غزة وباقي الأراضي المحتلة، إنما هو موجه للعدو ولداعميه وعلى رأسهم الولايات المتحدة.



ج- الإعلان عن موعد الخطاب كان فسحا لمجال الوساطات وتقديم العروض قبل إعلان أي التزام عسكري لن يكون ممكنا التراجع عنه حفاظا على ما يتمتع به صاحب الخطاب من مصداقية وموثوقية، فالخطاب الذي سمعناه ليس خاليا من "تعديل" على ضوء اتصالات أعتقد أنها حصلت من أجل تهدئة الأجواء في المنطقة مع تعهد تلك الجهات المتدخلة بالإسراع في العمل على إيقاف العدوان، وقد أشار الخطيب إلى الجهة المسؤولة عن الحرب محملا إياها مسؤولية إيقافها ومشيرا إلى مطالبتها هي للحزب بعدم توسيع دائرة الصراع.

2- في دلالات الخطاب
في الحروب، التهديد بسلاح أفضل من استعماله، وأكثر الحروب ربحية هي التي نحقق أهدافها دون خوضها، وهذا أسلوب يستخلصه ذوو التجارب الكبيرة من معاركهم السابقة التي خاضوها وقدموا فيها تضحيات، وهو أسلوب يوائم بين تحقيق قدر عال من الأهداف مع تخفيف حجم الكوارث والمصائب
في الحروب، التهديد بسلاح أفضل من استعماله، وأكثر الحروب ربحية هي التي نحقق أهدافها دون خوضها، وهذا أسلوب يستخلصه ذوو التجارب الكبيرة من معاركهم السابقة التي خاضوها وقدموا فيها تضحيات، وهو أسلوب يوائم بين تحقيق قدر عال من الأهداف مع تخفيف حجم الكوارث والمصائب، وهي كوارث كبرى ولكنها ستكون أكبر بدخول المنطقة حربا كبرى.

الخطيب أكد حقيقة أن  عملية "طوفان الأقصى" هي قرار حماس وتنفيذ حماس، والأرجح أنها رسالة لأطراف تبرر قبولها ذبح حماس وتدمير غزة بكون إيران وحزب الله وراء العملية. المتخوفون من حضور إيران في الطوفان هم الأمريكان والأوروبيون وأغلب حكام العرب، وقد أشار الخطيب بوضوح إلى ذلك حين قال إن المتخوفين من انتصار حماس يخشون أن يكون انتصارها انتصارا لإيران وللإخوان.

الخطيب طمأن حكام العرب بأن انتصار غزة هو انتصار للبنان ولمصر ولسوريا وللعراق وللجميع.

التحكم في منسوب الدعم تحكمه موازنات عدة؛ موازنة لبنانية حيث يعارض عدد من اللبنانيين اشتراك الحزب في حرب قد تجلب على بلدهم ويلات شبيهة بويلات حرب تموز 2006، وموازنات عربية، حيث لا يريد حزب الله ولا الإيرانيون ملأ الفراغ بالكامل في غياب عواصم عربية وازنة مثل مصر والسعودية حتى لا يجد أعداء المقاومة الفلسطينية مبررا للتحريض عليها. وقد لاحظنا تحركات وزير خارجية إيران في كل الاتجاهات واتصالاته بالمسؤولين في مصر والسعودية وتركيا إلى جانب لبنان وسوريا، وكذلك فعل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

الخطاب كانت فيه إشادة كبيرة بشجاعة المقاومة الفلسطينية وبعراقة الشعب الفلسطيني وعلو همته ووافر عطائه وعظيم صبره، وفي الخطاب تذكير بالقيم الانتصارية وبمعاني الصبر والصمود، وهي رسالة موجهةٌ لطَيْفٍ كبير من ذوي العواطف الجياشة قد يضعفون أمام مشاهد الخراب والموت والعذاب، تلك طبيعة إنسانية تجعلنا أحيانا نفقد معنى الحياة حين تتكالب علينا المصائب بما يفوق طاقتنا وصبرنا وقدراتنا، وهي حالات نحتاج فيها استمداد طاقة إضافية من عالم الغيب.

وتأكيده على أن الجبهة اللبنانية "لم تكتف" بما قدمته بداية من اليوم الثاني لطوفان الأقصى، هو ليس كلاما لطمأنة أصدقاء يعرفون ما قد يكون بينهم من اتفاق ضمني، ولكنه كلام موجه للعدو لتهديده بأن الجبهة اللبنانية ستتدخل بما يخدم الهدف من المعركة وهو انتصار فلسطين وانتصار حماس بالذات.

ذكر بأن الانتصار لن يكون انتصارا "بالضربة القاضية" لأن موازين القوى لا تسمح بذلك، وهذا لا يحتاج تفصيلا، وإنما الانتصار الممكن هو "انتصار بالنقاط"، وهذه استراتيجية الحروب الطويلة، تحتاج طول نفس وصبرا واحتسابا واستعدادا للتضحية والعطاء.

نقطة مهمة تضمنها الخطاب، وهي الذهاب مباشرة إلى "رأس الأفعى" بدل ضرب ذيلها، فقد اتهم أمريكا بكونها هي المعتدية وكونها أتت للمنطقة لتخويف الشعوب ولمساندة الكيان الغاصب، وهو يذكّرها بتفجير مقر المارينز ببيروت في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983؛ وقتل 300 من عناصرها، ليقول لهم إن من هزموكم يومها هم الآن معهم أبناؤهم وأحفادهم وأن الوسائل متوفرة (وهذه رسالة يفهما الأمريكان جيدا).

3- سقف الخطاب وأحلام المنتظرين

حدد الخطيب هدفين؛ هدفا عاجلا هو شرط لعدم توسع دائرة الحرب، وهدفا بعيدا رأى أن تحققه حتمي لارتباطه بأمن الجميع وخاصة لبنان ومصر وسوريا والأردن، حيث سيمنع انتصار غزة عنجهية الكيان المحتل فلا يفكر في مزيد العدوان على تلك الدول، والهدفان هما:

من يرفعون سقف الانتظارات هم من يحسنون الظن بجهة معينة، وبقدر ما تكون الانتظارات عالية تكون الخيبات صادمة حين لا نجد حدا معقولا مما انتظرناه. ولكن علينا ونحن نرسم انتظاراتنا أن نعيد النظر في المشهد لا بما هو حالة نفسية، بل بما هو واقع متحرك في الجغرافيا وفي الزمن
أ- إيقاف العدوان، وهو هدف عاجل وممكن، ومتاح حتى للدول المتراخية، إذ يمكن أن يكون لها شرف الإسهام في تحقيقه، وقد عجزت عن دعم المجهود القتالي للمقاومة. ويرى الخطيب أن الأمريكان معنيون قبل غيرهم بذلك لكونهم هم من يدير العدوان.

ب- تحقيق انتصار غزة، وهذا يترك مجال تدخل الجبهة اللبنانية مفتوحا ويبقى الاحتمال واردا في أي لحظة، وتلك رسالة واضحة لمن يشتغل على دلالات الخطاب، فالذين يعملون على إطالة أمد الحرب ويشجعون الكيان الغاصب على التمادي في العدوان عليهم أن ينتظروا تدخل أطراف عدة في المعركة وبنسق أكبر، وقد ذكر العراق واليمن.

ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي كان فيها الكثير من الخيبة، خاصة ممن كانوا شبه متأكدين من أن الأمين العام لحزب الله سيُعلن بشكل واضح عن دخوله المباشر في المعركة.

عادة، من يرفعون سقف الانتظارات هم من يحسنون الظن بجهة معينة، وبقدر ما تكون الانتظارات عالية تكون الخيبات صادمة حين لا نجد حدا معقولا مما انتظرناه. ولكن علينا ونحن نرسم انتظاراتنا أن نعيد النظر في المشهد لا بما هو حالة نفسية، بل بما هو واقع متحرك في الجغرافيا وفي الزمن. وهنا علينا الاستعانة بأهل الاختصاص في مجال الحروب وحركات المقاومة حتى يكون فهمنا أدقّ وحتى لا نشعر بالخيبة بسبب توقعات هي أقرب للأمنيات منها إلى الاستشراف.

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس لبنانية حزب الله الفلسطينية لبنان فلسطين حماس حزب الله نصر الله مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بما هو

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يواصل خطابه التصعيدي .. ويزعم: غيرنا وجه الشرق الأوسط

زعم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، أن إسرائيل تمثل العائق الأكبر أمام المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، متهمًا إيران بتنفيذ "هجوم بربري" ضد كيانه. 

وأشار نتنياهو في تصريحات جديدة تكشف توجهات الاحتلال الإسرائيلي تجاه قضايا المنطقة، مساء اليوم الأحد، إلى أن إسرائيل "نقلت القتال إلى لبنان" بعد دخول حزب الله المعركة إلى جانب المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، في أعقاب عملية السابع من أكتوبر.

كما زعم أن "القضاء على حسن نصر الله"، الأمين العام لحزب الله، شكل "ضربة قاصمة لمحور المقاومة"، وهو ما لم تؤكده أي مصادر رسمية مستقلة حتى الآن.

الدفاع السورية : حزب الله يطلق قذائف مدفعية باتجاه قوات الجيشكيف تستهدف إسرائيل عناصر حزب الله؟أول تعليق من حزب الله على اغتيال حسين عطوي القيادي بالجماعةلبنان.. استشهاد عنصر من حزب الله في غارة إسرائيلية على بلدة الحنية

كما كشف نتنياهو عن توتر متزايد مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، موضحًا أنه رفض مطلبًا أمريكيًا بتقييد العمليات الإسرائيلية في غزة عبر ضربات جوية محدودة فقط، مؤكدًا أن "إسرائيل ليست دولة تابعة" رغم التهديدات الأميركية بقطع إمدادات السلاح. 

وأضاف أن إسرائيل "لم تبلغ الأمريكيين بعملية البيجر"، في دلالة على مستوى الاحتقان بين الجانبين.

وفي سياق آخر، أعلن نتنياهو عن سيطرة قوات الاحتلال على محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، مدعيًا نجاحها في فرض حصار خانق على قطاع غزة بهدف منع تهريب الأسلحة.

وادعى نتنياهو أن حماس تسرعت في شن الهجوم، وأن حزب الله فوجئ بتطورات الأحداث، مشيرًا إلى أن الاحتلال استطاع عبر ما سماه "عملية البيجر" أن يوجه ضربة قاسية لحزب الله في لبنان، معلنًا القضاء على قياداته البارزة وتدمير صواريخ وأسلحة كان الحزب قد أعدها على مدار ثلاثين عامًا. 

تصريحات نتنياهو تعكس رؤية احتلالية تستند إلى القوة العسكرية والتجاهل التام للحقوق الفلسطينية والعربية، في وقت تتواصل فيه الجرائم بحق المدنيين في غزة ولبنان، وسط تحدٍ سافر للقوانين الدولية والإنسانية، وإصرار على فرض معادلات جديدة بالقوة في المنطقة.

طباعة شارك إسرائيل إيران رئيس وزراء الاحتلال المشروع الإيراني المقاومة الفلسطينية حماس حسن نصر الله

مقالات مشابهة

  • الخطاب الطائفي يتسلّل الى الانتخابات
  • معاريف: جيش الاحتلال منهك وعاجز عن حسم المعركة مع حماس
  • بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
  • دبلوماسية الجنائز: تشييع البابا يتحوّل إلى قمة دولية حول الحروب والصراعات
  • نتنياهو يواصل خطابه التصعيدي .. ويزعم: غيرنا وجه الشرق الأوسط
  • عاجل- الحكومة: لن يكون هناك تخفيف للأحمال صيف 2025
  • الخطيب: على الفلسطينيين عدم التدخل في الشؤون اللبنانية
  • حرب الوكالة: السودان والإمارات.. هل تغير «دولة ممزقة» تاريخ الحروب؟
  • إصابتان في هجوم للمستوطنين على بلدة كوبر شمال رام الله
  • يوم الشفاء العالمي.. كيف تساعد اليوجا في علاج الصدمات العاطفية؟