خلال العملية البرية على غزة، نشرت كتائب القسام مقاطع فيديو تتضمن استخدام مقاتليها لقذائف الهاون في ضرب فِرَق جنود الاحتلال وآلياته الحربية، التي تتقدم داخل غزة حاليا في محاولة لقطع شمالها عن جنوبها، وفي مساء الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني نشرت القسام كذلك مشاهد لتشكيل مُنظَّم من الجنود في سلاح المدفعية القسامي، يواصل دك قوات العدو المتوغلة والمحتشدة بمئات قذائف الهاون.

منذ اللحظة الأولى التي سعت فيها قوات الاحتلال للتوغل بريا في غزة، كان الهاون صديق القساميين الصدوق، ورغم أن جنود المقاومة امتلكوا بالفعل أسلحة فعالة أخرى مثل قذائف الياسين والكورنيت والعبوات الناسفة وغيرها، فإن قذائف الهاون لها ميزة خاصة جدا بالنسبة للمقاومة، فهي بديل سلاح المدفعية خلال المسافات القصيرة.

 

الهاون مدفع بسيط في النموذج الأساسي الخاص به (1)، يمكنه توفير نيران تكتيكية، ويمكن حمله بسهولة، وهو يمتلك ماسورة ضرب قصيرة تصل إلى نحو متر واحد، وكما تلاحظ من المقاطع التي بثتها المقاومة فإنه يمكن تحميل القذائف من فوهة الهاون، فيُطلقها فورا للأعلى على أهدافه البعيدة. إنه تحفة فنية أخرى للحرب، ومنذ استُخدم لأول مرة في وقت مبكر من عام 1453 من العثمانيين، وكان وقتها عبارة عن جهاز كبير يزن نحو 4-5 أطنان قادر على إطلاق قذائف يزيد وزنها على مئة كيلوغرام، أصبح رفيقا للجنود على مر التاريخ من ذلك الوقت وإلى لحظة كتابة هذه الكلمات، ولا نظن أنه سيندثر قريبا، بل بالعكس تماما.

 

بسيط.. قوي.. قاتل

سر قوة الهاون ينبع من بساطة فكرته وطريقة عمله (2)، حيث يتكون كما تلاحظ في فيديوهات القسام من أنبوب مائل مرتكز على ما يشبه صينية معدنية دائرية من الأسفل، وحامل ثنائي يرتكز تقريبا عند منتصف الأنبوب، يُشغَّل السلاح عن طريق وضع القذيفة في الأنبوب، أسفل الأنبوب من الداخل توجد شوكة تعمل بمنزلة قادح يفعل فتيل تشغيل القذيفة، فتنطلق فورا ناحية الهدف.

(الجزيرة)

ولتحديد موقع الهدف، يُضبط ميل الأنبوب الرئيسي، حيث يوجد على الحامل ما يشبه المنظار الذي يستخدمه المقاتل لتحديد الهدف وبالتبعية ضبط زاوية ميل الأنبوب، وإلى جانب ذلك فقد يعمل مقاتل آخر على استخدام منظار أو ميزان مسح ليساعد على تحديد الهدف ورصد الضربات من أجل تعديل زاوية ارتفاع الأنبوب لتقريب أو إبعاد المسافة.

 

أما الصينية المعدنية الدائرية في أسفل الهاون، فعادة ما يحفر لها في الأرض، وتكون مُصمَّمة لامتصاص الصدمة الارتدادية الناجمة عن الصاروخ المنطلق، ويمكن لمقاتل واحد أن يستخدم الهاون لإطلاق القذائف بمعدل 30 قذيفة في الدقيقة، ومع ارتفاع أعداد قطع الهاون، يمكن لنا تخيل شكل الوابل الذي تطلقه وحدة هاون بسيطة مكونة من 10-15 مقاتلا، حيث يعمل على الهاون الواحد فردان إلى ثلاثة، إلى جانب فريق الإدارة والرصد.

 

كيف يفيد الهاون كتائب القسام؟

لنبدأ أولا بتوضيح أن الهاون له عيارات عدة (3)، والعيار هو قُطر الجزء الذي ينطلق من القذيفة ليصيب الهدف، وهو بالتبعية قُطر أنبوب الهاون الرئيسي، ومن ملاحظتنا لفيديوهات القسام يتبين أنهم يشغِّلون نوعين على الأقل من مدافع الهاون، الأول بقُطر 82 ملم، والثاني بقُطر 120 ملم، ويعني ذلك أن القسام تمتلك على الأقل نطاقَيْ مدفعية؛ الأول متوسط بحدود قصوى تصل إلى 5.5 كيلومترات، والثاني أكبر قليلا بحدود تصل إلى 7.5 كيلومترات.

 

لكن إلى جانب المدى الأقصى فإن حدود استخدام مدفع الهاون في المدى الأدنى مدهشة، فتصل إلى 75 أو 100 متر فقط، ما يخبرنا عن أول مزايا هذا النوع من الأسلحة لكتائب القسام، وهو أن الهاون يصلح بشكل ممتاز بوصفه سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين المهاجم (الاحتلال) والمدافع (المقاومة) قصيرة.

 

أضف إلى ذلك نقطة أخرى لا تمتلكها المدفعية المعتادة، وهي أن درجة تقوس مسار القذيفة المنطلقة من الهاون تكون عادة عالية (4)، أعلى من 45 درجة، ما يسمح لقذائف الهاون باصطياد الجنود والآليات التي تحتمي في الخنادق والمناطق المنخفضة أو بقايا المباني، لأن القذيفة تكون قادمة من أعلى.

(الجزيرة)

لفهم الفكرة فقط تخيل أن هناك كوبا فارغا، بينما تجلس أنت على كرسي على مسافة مترين أو ثلاثة منه، وتود إسقاط عُملة في هذا الكوب، هنا لا بد أنك سترفعها للأعلى بتقوس عالٍ كي تسقط في الكوب، أما لو ألقيتها مباشرة في خط شبه مستقيم فقد تصطدم بالكوب، لكنها لن تسقط داخله. ويصب ما سبق في صالح ميزة أخرى وهي قدرة الهاون على الإطلاق من الأنفاق أو المناطق المتخفية أو الخنادق، لأنه يطلق بزاوية عالية ولا يحتاج إلى مساحة مفتوحة للعمل.

 

كل هذا ولم نتحدث عن مزايا الهاون الأخرى مثل قابلية النقل وحرية الحركة دون الحاجة إلى دعم لوجستي. في النهاية لا يمكنك حمل مدفع هاوتزر مثلا على ظهرك إلى موقع إطلاق النار. إلى جانب ذلك فالهاون بسيط الاستخدام وسريع الإطلاق، والأهم أن نطاق تشظي قذائفه واسع، فإذا سقطت قذيفة من عيار 82 ملم على الأرض على سبيل المثال، فإن شظاياها تصل بفاعلية إلى مساحة قدرها 250 مترا مربعا، وتصل إلى 650 مترا مربعا في حالة القذائف عيار 120 ملم.

 

حرب غير متكافئة

تسمح قذائف الهاون بتقديم دعم ناري فوري دقيق، وهذه هي ميزة المدفعية قصيرة المدى خفيفة الوزن بالنسبة لكل جيوش العالم تقريبا، التي تستخدم وحدات قذائف الهاون والقنابل اليدوية على مستوى أسلحة المشاة، في حين أن القطع الميدانية مثل مدافع الهاوتزر غالبا ما تتمركز في وحدات منفصلة.

 

لكن في الحرب الحضرية، تلك التي يكون للمُدافع فيها ميزة على المهاجم بوجود الأول داخل تضاريس تُمكِّنه من الاحتماء واصطياد الطرف الآخر، فإن الهاون يكون مناسبا للقوات غير النظامية خاصة، التي تتلاقى مع القوات النظامية في شكل من أشكال الحرب غير المتكافئة (5)، وهي نوع من الحروب يكون المتحاربان فيها غير متكافئي القوى. فكما تلاحظ، يمتلك الاحتلال آليات عسكرية من طائرات ودبابات ومدافع وجنود وجاهزية تتفوق تقنيا على المقاومة التي قُيِّد حصولها على السلاح على مدى سنوات طويلة وبكل الطرق الممكنة.

لكن ذلك لا يعني أن أي جيش يمكن أن ينتصر لمجرد تفوقه التقني، لأنه في الحرب غير المتكافئة من هذا النوع يمكن للطرف الأضعف تقنيا أن يلجأ إلى تكتيكات غير تقليدية تعطيه الأفضلية في ساحة المعركة، مثل إستراتيجيات الفر والكر، أو انتقاء المعارك، أو استخدام أسلحة أرخص لكنها تكون فعالة جدا في نطاق عملياتي محدد بحيث توازن القوى مع تقنيات أغلى.

 

وفي تلك النقطة تحديدا تظهر قوة القسام الضاربة، فهم يستخدمون قذائف الياسين التي تنطلق من قاذفات رخيصة نسبيا ضد المدرعات والدبابات مرتفعة الثمن والمتقدمة التي تخترق تضاريس قطاع غزة الحضرية، ويتمكنون من بناء كمائن مُحكَمة عبر العبوات الناسفة محلية الصنع لضرب القوافل العسكرية المتحركة أو بوضعها مباشرة على الآليات العسكرية، ويُسقطون قنابل يدوية رخيصة الثمن من مسيرات تجارية رخيصة، فيتمكّنون من خلالها من جعل الأرض كابوسا للجنود الإسرائيليين، فيكون خروجهم من المدرعات لاستنشاق الهواء محاولة انتحارية.

 

في هذا النوع من الحروب لا يمكن للقوات النظامية أن تنتصر بسهولة، لأنه لا توجد أصلا مواجهات مباشرة بين القوتين ولا يحسب الانتصار بعدد القتلى، ولكن هناك دائما في الخلفية معركة سياسية ونفسية تمارسها المقاومة لتضغط على صُنَّاع القرار في دولة الاحتلال، وكلما طال أمد المعركة ووقعت خسائر أكبر في الجيش وتضرر اقتصاد الاحتلال، كان الانتصار أقرب للطرف الأضعف تقنيا، وهنا مثلا تكون فيديوهات القسام وحدها جانبا مهما من هذه المعركة، وسلاحا قويا.

 

في هذا السياق، تأتي مدافع الهاون مساندا مهما جنود المقاومة الذين لا يمتلكون وحدات مدفعية متقدمة، فتصبح ذات قوة هائلة فقط بمجرد اتخاذ قوات الاحتلال قرارا بالمُضي قُدُما والاقتراب منهم على مسافة قصيرة، وفي هذا السياق تصبح تلك القطعة البسيطة قصيرة المدى التي سُميت يوما "مدفع الفقراء" بمقام مدفع هاوتزر، رغم الفارق التقني في القوة والدقة كليهما.

——————————————————————————————

مصادر:

1- mortar- weapon

2- Mortar-indirect fire weapons

3- What is a mortar

4- 60 mm Mortar Weapon Systems models M224 and M224A1

5- Special Operations from a Small State Perspective pp 141–154 Chapter Irregular Warfare—A Strategy for Small States

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قذائف الهاون إلى جانب تصل إلى فی هذا

إقرأ أيضاً:

القسام تعلن طعن 3 جنود إسرائيليين في جباليا وتنفيذ عملية مركبة

أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، مساء السبت، تنفيذ عملية طعن بالسكاكين جديدة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.

وأوضحت كتائب القسام في تدوينة عبر قناة "تيلغرام"، أن مقاتليها تمكنوا من تنفيذ عملية مركبة، وقاموا بالإجهاز على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاكين، واغتنموا سلاحهم الشخصي، ثم اقتحموا منزلا تحصنت به قوة راجلة، وأجهزوا على جنديين من أفرادها عند بوابة المنزل.

وأشارت الكتائب إلى أن مقاتليها اشتبكوا أيضا مع جنود إسرائيليين آخرين من مسافة صفر، وسط مخيم جباليا شمال قطاع غزة.

وفي وقت سابق، كشفت كتائب القسام، عن تنفيذ عملية أمنية معقدة في مخيم جباليا، تمثلت بتفجير أحد المقاتلين نفسه بقوة للاحتلال.

وقالت إن "أحد مقاتليها، تمكن من الإجهاز على قناص للاحتلال، ومساعده، بعد ظهر اليوم الجمعة، من مسافة صفر، في مخيم جباليا".



وأضافت: "وبعد ساعة من الحدث، تنكر المجاهد بلباس جنود الاحتلال، واستطاع الوصول إلى قوة للاحتلال مكونة من 6 جنود، وتفجير نفسه بواسطة حزام ناسف، وإيقاعها بين قتيل وجريح".

وتعد هذه العملية الأولى التي تنفذها كتائب القسام، والمقاومة في غزة، ضد جنود الاحتلال في القطاع، منذ بدء العدوان البري قبل أكثر من عام.

وخلال الأيام القليلة الماضية، كشفت القسام، وفصائل المقاومة، عن توجيه العديد من الضربات والاستهدافات لجنود الاحتلال، وإيقاعهم بكمائن في مناطق متعددة من مخيم جباليا، أبرزها منطقة مسجد الخلفاء ومنطقة عماد عقل، والتي قام الاحتلال بتدمير مبانيها وبالكامل وتسويتها بالأرض.

وأشارت القسام، إلى أنها نفذت أول عملية طعن ضد جنود الاحتلال، تمكن خلالها أحد المقاتلين من طعن ضابط و3 جنود، والاستيلاء على أسلحتهم قبل الانسحاب من المكان في مخيم جباليا.

وتواجه المقاومة بمناطق جباليا وشمال قطاع غزة، قوات الاحتلال، لأكثر من شهرين بعمليات وكمائن شبه يومية، كبدتها خسائر كبيرة، فيما أشارت مواقع عبرية، إلى أنه رغم القوة الكبيرة التي تعمل بها شمال القطاع، لكن حجم الخسائر في صفوف الضباط والجنود كان كبيرا، وأبرزهم قائد اللواء 401 الذي جرى قتله بتفجير عبوة ناسفة بعد رصده في المخيم.

مقالات مشابهة

  • القسام تحرر فلسطينيين احتجزهم الاحتلال في بيت لاهيا.. وتقارير عن مقتل 3 جنود
  • القسام: أجهزنا على قوة إسرائيلية وغنمنا أسلحتهم في بيت لاهيا
  • ترامب: من المفيد إبقاء تيك توك في الولايات المتحدة لفترة قصيرة
  • ???? من علياءها تبتسم روح محمد صديق والمليشيا تقتل بعضها بعضا
  • إخلاء جنود إسرائيليين أصيبوا في غزة 
  • “أنماط قتال غير مألوفة ..عسكريُّون صهاينة يحذِّرون من معارك “القساميين الجدد”
  • الجولاني يكلف مرهف أبو قصيرة وزيراً للدفاع ويعلن دمج جميع الفصائل في سوريا
  • القسام تعلن طعن 3 جنود إسرائيليين في جباليا.. ورسالة مصورة
  • القسام تعلن طعن 3 جنود إسرائيليين في جباليا وتنفيذ عملية مركبة
  • الولايات المتحدة تعقد صفقة مع الشركة المصنعة للطائرة التي رصدت السنوار