على صعيد واحد لإعادة تأسيس الوطن: حرية سلام وعدالة !!
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
الذين يؤيدون استمرار الحرب من الفلول- وبعض الظرفاء من أنصار الثورة- (ضربت فيوزاتهم) وأضحوا في حالة من الاضطراب الذهني والنفسي لا نرضاها لهم ..كما كان يقول المطرب الراحل "أبوعبيده حسن "..!
فقد كان الفلول ومن شايعهم يضعون مقياساً بائساً مثل (الغربال المخروم) ويتكئون على "حيطة مايلة" اعتماداً على البرهان وجنرالاته وعساكر انقلابه وكتائب الكيزان باعتبار أنهم سيديرون حرباً حقيقية تحمي الشعب والوطن ضد المليشيات التي صنعوها بأيديهم وأحاطوها بالحماية والرعاية وأسبغوا عليها (هالة من التبجيل) ومنعوا عنها (الاقتراب أو التصوير) وهددوا من ينتقدها بكلمة أو يمس شعرة من رأس قائدها.
قيل لهم ان من سوء التقدير وضع مثقال ذرة من ثقة في صانعي الانقلاب، أو أن يتوقعوا منهم خيراً أو نصراً..وأن من سوء التقدير مشايعة مسببي الأزمة وانتظار الفرج على أيديهم..وهم الذين قطعوا الطريق على ثورة الشعب ووضعوا المتاريس أمام طريق التدرج الانتقالي المدني، وساءهم أن يتم وضع السودان في طريق التعافي أو أن ينطلق قطار الحرية تمهيداً لإقامة موازين العدل واستشراف السلام وإعادة السودان إلى سلك الدول الديمقراطية الراشدة..ولكنهم كانوا أسرى المكابرة و(قوة الرأس) والإصرار على الدعوة لمواصلة الحرب بعد ما رأوا ما يطمس العيون من فظائعها التي قتلت من أهلنا تسعة آلاف شيخ وامرأة وطفل وكهل ووليد..وشردت الملايين ووضعت بلادنا في أتون كارثة ماحقة وأخطار وجودية مصيرية ساحقة وزلازل ديموغرافية طاحنة وهاوية فاغرة وخراب اقتصادي هائل وانهيار اجتماعي وشيك..بل استمرت دعاوي الفلول واتبعيهم لمواصلة الحرب حتى بعد أن هرب البرهان من مبنى القيادة وتبعه كباشي..(مثل دون كيشوت وتابعه سانشو) بغير تبرير حتى الآن لسبب خروجهم (من حفرة البدروم) أو دواعي دخولهم فيها..أو علة قبولهم بالتفاوض مع مليشيات (أعلنوا حلها مرتين)...؟!
هل رأيت بالله عليك دراما سوداء ابلغ من هذه في غرائبيتها وهزليتها التي فاقت غرائبيات جنرالات الروائي "غابرييل غارسيا ماركيز" الذين ينظرون إلى مصائرهم من خلال صراع ديكة منتوفة الريش..؟!
هذه هي خاتمة (تهليلات الفلول) الكاذبة التي يُراد بها نصرة الباطل..والتي سار خلفها بعض المخدوعين وهم لا يدرون أنهم في حالة من (الرقص مع الذئاب) حسب تعبيرات أفلام السينما..! لقد وعدهم جنرالات البرهان والفلول بانتصار وشيك لا يتعدى الساعات..ووصموا كل من يدعو إلى التفاوض بأنه خائن من مجندي (الطابور الخامس)..فإذا بقادة الانتصار الوهمي يهرعون إلى المفاوضات بعيون زائغة وعلى رءوسهم الطير..وبغير أن يعتذروا لمن وصموهم بالخيانة..أو أن يشرحوا للناس سبب انضمامهم للخونة وهرولتهم للالتحاق بكتيبة الطابور الخامس..!!
لقد خسروا كل الرهانات ولم يبق إمامهم إلا أن يعضوا على أصابع الندم ولكنهم لن يفعلوا..ومن المؤسف أن حماسة بعض الداعين لاستمرار الحرب كانت من حيث خفّتها وضآلة تقديراتها اقرب إلى المهزلة..ولا تماثل من حيث غفلتها غير حال ذلك الرجل الذي تذكره كتب العرب عن (أخبار الحمقى)..فقد كان يتقافز ويصيح و(ينطط) من الفرح في حلبة سباق الخيل ابتهاجا بالحصان الذي حاز على قصب السبق..فسأله الناس:هل أنت مالك هذا الحصان..؟ قال لا..قالوا له هل أنت السائس..قال لا..قالوا له هل أنت والد الفارس الذي يمتطيه..؟ قال لا..ولكني صاحب اللجام..؟!
حالة من الوجوم تضرب الفلول ومشايعيهم رفضاً لإيقاف حرب لا يملكون مقوماتها..فقد سرق الفلول اسم جيش الوطن وزيفوا قيادته وشاراته..ولم يكن قرار الحرب قراراً للجيش بل كان تدبيراً من الكيزان ورطوا فيه الجيش ومرغوا اسمه وسمعته في الرماد..ولا بد (بإذن واحد أحد) أن تعود للجيش كرامته بعد هذا الدرس القاسي..وأن يعود جيشاً وطنياً مهنياً يحرس الحدود ويحمي الدستور..وهذا ما قررته له الثورة الباسلة ومهرته مواثيقها وأكدت عليه الكتلة الوطنية الكبرى التي تنادت لتأسيس "جبهة تنسيقية مدنية ديمقراطية موحدة" على نغمة الأهداف الكبرى: قومية الجيش..تسريح المليشيات ..التأسيس للديمقراطية والحكم المدني..التنمية المتوازنة..الفرص المتساوية..العدالة الناجزة والانتقالية.. القضاء النزيه.. محاسبة الجناة واللصوص..رتق النسيج الاجتماعي..احترام التعددية وحقوق الإنسان..وإلى آخر مطلوبات شعار ثورة ديسمبر العظمي وشهدائها الأبرار: حرية سلام وعدالة..!
يجب وضع خط فاصل جديد لوقف نزيف الدماء وحماية الوطن من الغوغاء والجهلاء وتجّار الدين أصحاب (الضمائر الخردة) والمرتشين والأدعياء ولا نامت أعين أعداء الوطن الجبناء..أول الناعقين وأخر الهاربين بمال الدولة الذي لم يرثوه من أمهاتهم وآبائهم.. وبحمد الله و(لأسباب جغرافية) لن يسع الفلولي صاحب الـ 99 قطعة سكنية أن يحملها معه إلى تركيا..! ونوّر الله مرقد حميد:
يا سم بنوك العيش/ يا ارزقي ولحّاس
فاكر الحُكم طرطيش/ والسُلطة قوة راس؟
إيد تقبض البقشيش/ وإيد ترشي للحرّاس
يا كرشك القدر إيش/ واكبر فراغ في الراس
قول للحرامي بريش / حِلتنا مو تكساس..
وسودانا ماهو حويش/ بيقفلو بي ترباس..!
..الله لا كسّبكم..!
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحرب وجمود الخطاب
في الوقت الذي يتعرض الوطن فيه لغزو أجنبي وتستبيح فيه ميليشيا إرهابية القري والمدن، وفي الوقت الذي تأكد فيه بما لا يدع مجالا للشك في وجود مؤامرة دولية لضرب وحدة السودان، في مثل هذا الوقت ما هي أولويات الأحزاب والوطنيين في عمومهم؟
للاسف الكثير من الأحزاب والناشطين ما زالوا يتبنون نفس الأولويات ونفس خطابهم الذي سبق إندلاع الحرب وسبق سقوط نظام البشير وكأن هذه الحرب تحدث وكأن هذا الغزو لم يحدث وهذه المؤامرة الدولية لم تحدث. ببساطة فشلت هذه الشرائح في تحديث خطاب الأولويات مستصحبة التغييرات الجسام التي تهز الوطن من جذره. فما زال الكلام هو نفس الكلام القديم الذي جله هجاء كيزان مصحوبا بشعارات نبيلة لا يحدد الخطاب وسائل تحقيقها. ببساطة عدم تحديث الخطاب والأوليات عبارة عن هروب من تحديات اللحظة الحرجة أما عن نقص في التحليل أو نقص في الشجاعة الوطنية.
من حق الجميع هجاء الكيزان بالسنة حداد، وقد فعلت ذلك ثلاثين عاما من حكمهم، ولم أنتظر سقوط نظامهم ولم أفاوضهم ولم أشارك في حكمهم، ولا في برلمان وحكومة بشير ما بعد نيفاشا. ولكن تكرار هجاء الكيزان، وهو حق، لا يعفي كل القوي السياسية من مسؤولية تحديد سبل عملية للتصدي للغزو الخارجي الهمجي مع ملاحظة أن شعار لا للحرب لم يردع أشوس ولم يحمي مغتصبة.
شعار لا للحرب يصلح قبل اندلاعها ولكنه لا يصلح بعد أن اشتعلت نيرانها. بعد اندلاعها يجوز شعار مثل “نعم لوقف الحرب” ولكن هذا الشعار يفرض سؤال ما هي الخطة العملية الكفيلة بإيقاف الحرب التي تدعو إليها القوي الوطنية .
هناك ثلاث مآلات لإيقاف الحرب. فمن الممكن أن تقف بمقاومة العدوان الأجنبي الميليشي ودحره. ومن الممكن أن تقف الحرب بان يستسلم الجيش ويسلم الوطن للغزاة. ومن الممكن أيضا أن تقف بتفاوض يقتسم فيه الشعب موارده وسلطاته مع الغزاة والعودة إلي نسخة معدلة من اقتسام الغنيمة في توازن الرعب الذي ساد قبل بداية الحرب. يقع علي القوي الوطنية والراي العام أن يحدد خياراته من بين هذه السيناريوهات بدلا من الهروب منها إلي خطاب قديم في كامل الذهول عما استجد.
ربما كانت هناك مآلات وسيناريوهات أخري غابت عني، وانا علي كامل الإستعداد للإصغاء إليها ممن يذكرني ولكن عليه تقديم تصور عملي، واضح وخطة واضحة لحماية المواطن من استباحة الميليشا له وحماية الوطن من غزو خارجي لم يعد موضع شك أو تخمين. العنوا من شئتم ولكن هذا لا يعفي واجب تحديد كيف تحمي سلامة المواطن من الميليشا وحماية الوطن من الغزاة.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب