غزة- وجد الطبيب الشاب إسماعيل زياد عمر، نفسه عاجزا عن مداواة طفل مصاب بصدمة عنيفة بعد فقدانه كافة أفراد أسرته شهداء تحت أنقاض منزلهم إثر غارة جوية إسرائيلية سوّته بالأرض في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

لم يدرس عمر في كتب الطب البشري عن علاج جروح النفس لطفل ليس على لسانه إلا سؤال "وين ماما.. وين بابا؟"، فيما الأتربة وغبار الركام تكسو جسده الغض، بعد انتشاله بأعجوبة حيا من تحت الأنقاض التي ابتلعت باقي أسرته.

هذا مشهد من بين مشاهد مؤلمة كثيرة ومتكررة يقول الطبيب عمر (28 عاما) إنها ستبقى عالقة في ذاكرته ولن تمحوها السنون، وهو الذي يشق أولى خطواته العملية بعد التخرج.


مشاهد مؤلمة

والطبيب عمر، واحد من بين أطباء وممرضين وطلبة طب وأطباء متقاعدين، استجابوا لنداء وزارة الصحة بالتطوع والالتحاق بالعمل في المستشفيات التي تواجه أزمات حادة، إحداها قلة الكوادر الطبية والتمريض، لمواكبة تداعيات عدوان الاحتلال الإسرائيلي الشرس على القطاع، والذي يوشك دخول شهره الثاني بعد عملية "طوفان الأقصى".

وقال عمر للجزيرة نت إن "شلال الدم النازف في غزة، ومشاهد الضحايا من الأطفال والنساء، تستدعي أن يقدم كل منا ما يستطيع من مساعدة لمجابهة هذا العدوان، ولم أتردد لحظة في التطوع لتقديم الخدمة الطبية للضحايا في مستشفى أبو يوسف النجار، الوحيد في مدينة رفح".

وقبيل الحرب بقليل أنهى عمر سنة الامتياز التي تؤهله للعمل كطبيب، وكان لتوه قد تخرج من كلية الطب في إحدى الجامعات السودانية. وقال "خلال دراستي الطب في السودان تطوعت للعمل بمستشفى لتقديم الخدمة لضحايا المواجهات المسلحة هناك، لكن ما شاهدته خلال الأسابيع الماضية في غزة كان صادما، حيث أطفال ونساء تمزقت أجسادهم إلى أشلاء".

وكثير من هذه المشاهد يقف الطب أمامها عاجزا، فكيف يمكن تهدئة طفل يرتجف ألما وخوفا، وقد استشهد جميع أفراد أسرته؟ يتساءل عمر بنبرة حزينة، مضيفا "مؤلم جدا مقدار القهر الذي نشعر به في غزة، والعالم الذي يدعي الإنسانية لا يحرك ساكنا لوقف نزيف دم الأبرياء".

الأطباء والمتطوعون في مستشفيات غزة يواجهون مشاهد مؤلمة وصادمة للضحايا من الشهداء والجرحى (الجزيرة) لا حصانة لأحد في غزة

في هذا السياق، يعلّق الطبيب أمجد فؤاد عليوة أن هذه حرب "لا حصانة فيها لأحد"، وكل إنسان في غزة معرض أن يكون في أي لحظة شهيدا أو جريحا، وقد استشهد أطباء وصحفيون ومسعفون، ودمرت المنازل السكنية فوق رؤوس ساكنيها، وأغلبهم من الأطفال والنساء.

ونزح عليوة بأسرته مع أشقائه وأسرهم من مدينة غزة إلى رفح، إثر تهديدات إسرائيلية وإنذارات لسكان شمال القطاع، الأمر الذي حال بينه وبين وصوله إلى عمله في مستشفى "الصداقة التركي الفلسطيني" الوحيد المتخصص بأمراض الأورام والسرطان، والذي خرج عن الخدمة قبل يومين جراء الاستهداف الإسرائيلي ونفاد الوقود.

لم يمنع ذلك الطبيب عليوة من التطوع، وقال للجزيرة نت "أشعر بعجز كبير ومؤلم لعدم قدرتي على تقديم الرعاية الطبية لمرضى السرطان في رفح من مراجعي مستشفى الصداقة، لعدم توفر الأجهزة والأدوية الكيماوية الخاصة بهم في مستشفى أبو يوسف النجار الصغير".

ويحول فصل قوات الاحتلال شمال غزة عن جنوبها، دون تدفق الأدوية والمستلزمات الطبية بين المستشفيات، حتى أن سيارات الإسعاف باتت هدفا لصواريخ الاحتلال وقذائفه، بعدما قطع الشارعين الرئيسيين الواصلين بين شمال القطاع وجنوبه، بتمركز دباباته في شارع صلاح الدين، وسيطرته بقوة النار على شارع الرشيد بمحاذاة ساحل البحر.

ويشاطر الطبيبان عليوة وعمر زملاءهم من الكوادر الطبية، الشعور بالخطر الشديد على أنفسهم وأسرهم، مع تنامي الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات وتكثيف الغارات الجوية في محيطها، وتصاعد جرائم استهداف المدنيين داخل منازلهم.

26 سيارة إسعاف تعطلت جراء الغارات الجوية الإسرائيلية (الجزيرة) مؤلمة وصادمة

وبدافع وطني وإنساني، تطوعت الممرضة العشرينية سندس زعرب، في الأسبوع الأول للعدوان لمساعدة الضحايا الأبرياء. ووجدت تشجيعا من أسرتها، وقالت للجزيرة نت "البلد بحاجة لجهودنا جميعا، إمكانياتنا ضعيفة، ولكن لا بد من التكاتف".

وتعرضت سندس (23 عاما) لصدمات عنيفة نتيجة مشاهد أشلاء الأطفال والنساء الذين استشهدوا بفعل غارات جوية استهدفت منازلهم، ما جعلها تنزوي جانبا وتغرق في دموعها. ولعدة مرات، كانت تحتاج للوقت لتتمالك نفسها من جديد وتعود للعمل والتنقل من جريح إلى آخر داخل الأقسام وفي ممرات المستشفى، حيث لم تعد فيها أَسرّة شاغرة، تستوعب الأعداد الكبيرة المتدفقة لجرحى العدوان.

وتخرجت سندس حديثا من كلية التمريض بالجامعة الإسلامية في غزة، التي سوّت غارات جوية إسرائيلية عنيفة الكثير من مبانيها بالأرض، وتصف تجربة العمل بالحرب بأنها "مؤلمة وصادمة".


فدائيون بالرداء الأبيض

بدوره، يصف المدير العام لوزارة الصحة الدكتور منير البرش، المتطوعين من الأطباء والممرضين والمسعفين بـ"الفدائيين الأبطال"، وقال إن هناك استجابة واسعة لنداء الوزارة من كل أصحاب التخصصات الطبية للالتحاق بالمستشفيات والتطوع لخدمة أبناء شعبهم الذين يتعرضون لحرب عنيفة وغير مسبوقة.

وقال البرش للجزيرة نت، إن الكوادر الطبية يعملون في ظروف استثنائية من حيث الخطر المحدق بهم، جراء التهديدات الإسرائيلية، التي ترجمتها الطائرات الحربية إلى غارات استهدفت مداخل المستشفيات ومحيطها، وقصف سيارات الإسعاف.

ولم تكن الكوادر الطبية في مأمن من الاستهداف المباشر، وارتقى منهم شهداء وجرحى. وبحسب توثيق وزارة الصحة فقد استشهد 136 كادرا صحيا، ودُمرت 26 سيارة إسعاف، واستهدف الاحتلال 102 مؤسسة صحية، وجراء هذا الاستهداف ونفاد الوقود خرجت 16 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الکوادر الطبیة للجزیرة نت فی غزة

إقرأ أيضاً:

أكثر من 48 ألف شهيد حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى

أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم السبت، ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع المدمر إلى 48 ألفا و264 شهيدا، علاوة على 111 ألفا و688 مصابا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقالت الوزارة في تقريرها الإحصائي اليومي بشأن الشهداء والجرحى الفلسطينيين بالقطاع "ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48 ألفا و264 شهيدا، و111 ألفا و688 إصابة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023".

وأضافت "وصل مستشفيات قطاع غزة 25 شهيدا تم انتشال جثثهم (من تحت الركام) و12 إصابة جديدة، خلال 48 ساعة الماضية".

وأشارت الوزارة إلى وجود عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم لنقص المعدات.

وتواجه غزة وضعا إنسانيا وصحيا كارثيا، حيث وجد النازحون العائدون إلى منازلهم بمدينة غزة حالة من الخراب بعد حرب إبادة استمرت 15 شهرا، مع سعي كثيرين منهم للبحث عن مأوى بين الأنقاض أو عن أقارب فرقتهم الدروب في رحلة العودة.

وكانت مدينة غزة شمال القطاع قبل الحرب مركزا حضريا صاخبا، وقد دمر القصف الإسرائيلي مناطق واسعة من المباني لتتحول إلى أكوام من الأنقاض والخرسانة.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، فإن جيش الاحتلال يواصل استهداف الفلسطينيين بالقصف أو إطلاق النار في طريق عودتهم، مما يسفر عن قتلى وجرحى.

إعلان

كما تتواصل أعمال انتشال جثث الفلسطينيين الذين استشهدوا على مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة، من تحت أنقاض المنازل والمنشآت المدمرة وسط نقص المعدات والآليات اللازمة لرفع الركام.

وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ سريان اتفاق وقف النار في القطاع بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل. وتستمر المرحلة الأولى من الاتفاق 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.

وإضافة إلى القتلى والجرحى، أسفرت حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل عن أكثر من 14 ألف مفقود، وسط دمار هائل.

مقالات مشابهة

  • غزة .. ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48 ألفاً و 271 شهيدا
  • أكثر من 48 ألف شهيد حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى
  • أمل الحناوي: الجهود المصرية نجحت في تذليل العقبات التي تواجه اتفاق الهدنة بغزة
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 48 ألفا و264 شهيدا
  • الجيش ينفذ عملية تفجير لمخلفات العدوان في القليلة
  • القبض على متهمين اثنين اعتديا على الكوادر الطبية ضمن مستشفى الكندي
  • الجيش الإسرائيلي يتسلم ثلاثة محتجزين من الصليب الأحمر
  • اللجنة المصرية توزع طرود غذائية للمصابين في مستشفى ناصر بغزة
  • «بلدية غزة»: الاحتلال الإسرائيلي دمر 133 مركبة وأخرج 63 بئر مياه عن الخدمة
  • «الإغاثة الطبية» تطالب بوضع آليات عاجلة لإنقاذ المنظومة الصحية في القطاع