موسكو تحمل الولايات المتحدة مسؤولية هجوم حماس الإرهابي والتصعيد في المنطقة

يدعي الكرملين أن الولايات المتحدة الإمريكية مسؤولية عن الهجوم الإرهابي الذي نفذته  حركة حماس، وهي المسؤولة عن التصعيد في الشرق الأوسط. في المقابل تدعي موسكو أنها تسعى للسلام وتفعل كل شيء من أجل إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. هذا هو الموقف الرسمي لروسيا منذ اندلاع الحرب في الشرق الأوسط.

مختارات دول بمقدورها لعب دور "الوسيط" بين حماس وإسرائيل؟ واشنطن تخشى تمدد النزاع بين إسرائيل وحماس ليشمل حزب الله وإيران وزيرة داخلية ألمانيا تحظر أنشطة حركة حماس وشبكة صامدون إسرائيل تحث روسيا على حماية الإسرائيليين واليهود في داغستان واشنطن: لا مستقبل لحماس في إدارة غزة ولن نرسل قوات إلى القطاع دور مثير للتساؤلات .. هل تنجح وساطة قطر بين إسرائيل وحماس؟

لكن الحقيقة غير ذلك، يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف في حواره مع DW. بالنسبة إليه الأمر واضح: روسيا مستفيدة من التصعيد الحالي المستمر بين  إسرائيل وحماس، ومن مصلحتها أن يستمر هذا التصعيد. وعلاوة على ذلك، كلما ازداد خطر اتساع رقعة النزاع، سيسعد ذلك الكرملين، إذ أنه سيلحق الضرر بعدو روسيا الحقيقي أي الولايات المتحدة.

 فالنزاع بالنسبة لأمريكا يشكل تحديا حقيقيا، إنه "نوع من الاختبار" لكل النظام الذي بنته خلال أعوام طويلة، ومحاولتها تحقيق التوازن بين إسرائيل والدول العربية: "روسيا ترقص فرحا الآن مع الصين ومستمتعة بالنظر إلى كامل الوضع"، يقول سليمانوف. وبالإضافة إلى ذلك من مصلحة الكرملين "أن تلتفت الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية إلى الشرق الأوسط، وليس إلى أوكرانيا، رغم إعلان واشنطن قدرتها على قيادة الحرب على جبهتين".

كذلك يعتقد الباحث السياسي الروسي كونستانتين باخاليوك، أن موسكو سعيدة بحديث العالم عن إسرائيل وليس عن أوكرانيا، رغم أنه لا يستطيع فهم هذه السعادة: حيث يتعلق الأمر بحربين مختلفتين تماما.

"ماذا لديكم لتتهموا به روسيا؟"

في حواره مع DW يقدم باخاليوك، دليلين آخرين على أن الحرب في الشرق الأوسط لمصلحة فلاديمير بوتين. الأول: يمكن لروسيا أن توظف ذلك في آلتها الدعائية وإخافة شعبها بالقول "انظروا الكل يتهمنا ببدء الحرب في أوكرانيا. نحن سيئون جدا. وإسرائيل تتصرف الآن بشكل أسوأ. وأمريكا لا تستطيع أن تفعل أي شيء. وقريبا سيحترق كل الشرق الأوسط، وتعرفون كيف يمكن أن يحترق". والرسالة هنا، هي أنه يمكن أن تندلع حرب أكبر في المنطقة، والمسؤول عن ذلك هو الغرب: "ماذا لديكم لتتهموا به روسيا؟ أخلاقيا، لا يستطيع أحد أن يتهمنا بشيء" هذا هو شعارهم.

الدليل الثاني، هو أن لدى روسيا الفرصة الآن لتستعرض قربها من العالم الإسلامي، يضيف باخاليوك. ولكن ليس لروسيا نفوذ واضح في المنطقة، لا في سوريا ولا في مصر أو إيران. ولم يبق لها سوى أن تقول للعالم إن هناك الكثير من المسلمين يعيشون في روسيا وكلهم يدعمون الفلسطينيين، رغم أن حركة حماس، التي هي  مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية، لا ينبغي مساواتها مع الفلسطينيين.

هاجم محتجون مطار داغستان حين حطت طائرة قادمة من تل أبيب، هل يؤثر ذلك على علاقات موسكو مع تل أبيب؟

تأثير الحرب على الاستقرار في روسيا

لكن للباحث السياسي والاقتصادي الروسي المقيم في النروج، ميخائيل كروتيتشين، رأي آخر لا يتفق مع باخاليوك. إذ يقول في حواره مع DW: إن الحرب في الشرق الأوسط ستلحق الضرر بروسيا. ويشير كروتيتشين في ذلك إلى الهجمات المعادية للسامية في العديد من الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في روسيا، وعلى رأسها داغستان، حيث هاجم محتجون المطار حين حطت طائرة قادمة من تل أبيب. ويرى كروتيتشين أن ذلك إشارة واضحة إلى أن الكرملين يزداد ضعفا وأقل قدرة على ضمان الأمن في المنطقة، ويقول "أعتقد أن ذلك يؤثر بشكل سلبي جدا على الاستقرار السياسي في روسيا". ويضيف بأن روسيا إزاء حوادث كهذه ستتصرف بحذر أكبر وعليها أن تحد من النبرة المعادية للسامية، لكي لا تزعزع الاستقرار في تلك الأقاليم.

ويرى كروتيتشين أن روسيا لم تحقق أي منافع سياسية أو اقتصادية من الحرب في الشرق الأوسط، غير أن أنها ستحصل على منفعة مادية إذا حصل ارتفاع كبير في أسعار النفط، وحصول موسكو على المزيد من الأموال. ولكن هذا لم يحصل بعد، بل على العكس يمكن لأسعار النفط أن تتراجع، إذ ليست هناك دولة منتجة للنفط مستعدة للوقوف إلى جانب الفلسطينيين وخوض الحرب معهم. والنفط مستمر بالتدفق من منطقة الخليج دون أي تغيير.

بوتين كان يعد نتنياهو صديقا له وكان ينتظر دعمه في حربه ضد أوكرانيا لكنه خذله

هل يمكن لموسكو أن تلعب دور وسيط سلام؟

فيما يتعلق بدور روسيا كوسيط سلام في نزاع الشرق الأوسط، فإن باخاليوك متأكد أن الزيارة التي قام بها مؤخرا وفد من حماس إلى موسكو، وانتقدتها إسرائيل بشدة، ليس لها أي أهمية في عملية السلام.

ويؤكد باخاليوك أن الأمر تعلق بالدرجة الأولى بالإفراج عن الرهائن الروس لدى حماس. وقد تم بحث ذلك في قطر أولا، ثم انتقلت المحادثات إلى موسكو، "وليس هكذا من دون سبب". لكن هل تستطيع روسيا فعلا المساعدة من أجل تحرير الرهائن؟ إنه أمر مشكوك فيه حسب رأي الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف. إذ يجب التفاوض مع "لاعبين آخرين". هذا ولا يعير سليمانوف أهمية كبيرة لزيارة وفد حماس إلى موسكو، ويقول "وفد حماس الذي زار موسكو ضم القيادة السياسية فقط. لكن المفاوضات تجري الآن مع الجناح العسكري لحماس. وهم هؤلاء الذين في غزة ويختبئون في الأنفاق تحت الأرض. ويحتجزون الناس كرهائن". ووفقا لسليمانوف، فإن  قطر ومصر وربما تركيا يمكن أن تصل إلى الجناح العسكري لحماس، و"روسيا ليس لديها هذا النفوذ".  

ويعتقد سليمانوف أن للكرملين أهدافه الخاصة الأخرى، من استعراض علاقاته مع حماس، "والأهم حسب رأيي هو أن بوتين يرى أنه قد أهين شخصيا من قبل  بنيامين نتانياهو، الذي كان يعد صديقا له وقام بالعديد من الزيارات إلى موسكو وتمت دعوته لحضور الاحتفالات بعيد النصر". وكان بوتين يأمل أن يدعمه نتانياهو في حربه ضد أوكرانيا، لكن لم يحصل ذلك. بل على العكس كانت هناك موجة تعاطف في إسرائيل مع أوكرانيا منذ بدء روسيا الحرب. وهذا ما لم يغفره بوتين لنتانياهو، والآن ينتقم من بلده (إسرائيل) حسب رأي سليمانوف. وآلة الدعاية الروسية تؤكد ذلك: ففي البرامج الحوارية التلفزيونية يمكنك ملاحظة فقط الشماتة تقريبا من الحرب في الشرق الأوسط. و"يبدو أن بوتين يقول" حسب سليمانوف "إذا تصرفتم (إسرائيل) هكذا، فإننا سنعمق علاقاتنا مع إيران عدوكم اللدود، ومع  حليفة طهران في الشرق الأوسط، أي مع حركة حماس. 

لكن هذا الموقف يمكن يلحق الضرر بروسيا، وخاصة في إسرائيل، حسب رأي الباحث السياسي المقيم في إسرائيل، كونستانتين باخاليوك "بدون شك هذا يغضب الإسرائيليين. أحب أن أذكر بأنه تقريبا ثلث السكان هنا يتحدثون الروسية وبشكل أو آخر هاجروا من روسيا أو كانت لهم صلة بروسيا". ويشير باخاليوك إلى أنه لم يكن هناك القليل من الإسرائيليين الذين يتحدثون الروسية قد اتخذوا موقفا إيجابيا من روسيا في بداية حربها ضد أوكرانيا، "لكنهم الآن يفكرون في ذلك بجدية".

يوري ريشتو/ ع.ج

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: ارتفاع أسعار النفط أخبار الحرب في غزة ارتفاع أسعار النفط أخبار الحرب في غزة الحرب فی الشرق الأوسط بین إسرائیل وحماس الولایات المتحدة فی المنطقة حرکة حماس إلى موسکو فی روسیا

إقرأ أيضاً:

شالوم حماس.. ماذا تخفي إسرائيل في حربها الجديدة؟

في 5 مارس/ آذار الجاري، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس عبر منصته "تروث سوشال"، مستهلًا رسالته بعبارة "شالوم حماس"، موضحًا أن الكلمة تعني "مرحبًا ووداعًا" في آن واحد.  وطالب ترامب حينها الحركة بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وإعادة جثث القتلى، مهددًا بأن عدم الامتثال سيؤدي إلى "نهايتهم".

كما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه "لإنهاء المهمة"، محذرًا من أن أي عضو في حماس لن يكون في مأمن إذا لم يتم تنفيذ مطالبه. ودعا ترامب قيادات الحركة إلى مغادرة غزة قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن مستقبلًا مشرقًا ينتظر سكان القطاع إذا تم الإفراج عن الرهائن، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.

ولم تكد يمضي أسبوعان على ذلك التهديد، حتى أمطرت الطائرات الإسرائيلية سماء غزة وأرضها بالقنابل والقهر، وذلك في هدأة السحور الرمضاني، حيث لم تكد غزة بعد قد لملمت جراحها من عدوان ضروس استمر قرابة العام والنصف.

هل تفعلها إسرائيل؟

مع كل تصعيد عسكري إسرائيلي ضد غزة، يتكرر التساؤل: هل هذه حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة، أم خطوة في مخطط استراتيجي طويل الأمد لتغيير الخريطة السكانية والسياسية في فلسطين؟
هل تفعلها إسرائيل هذه المرة: التهجير؟

إعلان

يبدو للوهلة الأولى أن التصعيد الإسرائيلي الجديد هدفه إحداث اختراق في ملف الأسرى والعض على أصابع حماس لتحرير الجنود الإسرائيليين ومن معهم من مواطني الرئيس الأميركي ترامب مزدوجي الجنسية.

وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس مستهلًا رسالته بعبارة "شالوم حماس" ( الأوروبية)

وفي نطاق أوسع، فإن البعض يرى في هذه الحرب مجرد "ردع"، فيما يعتقد آخرون أنها جزء من خطة أشمل تسعى إسرائيل لتنفيذها منذ عقود، مستفيدة من ضعف النظام الإقليمي وتغير أولويات القوى الكبرى، فهل نحن أمام حرب جديدة أم محاولة لصياغة معادلة مختلفة بالكامل؟

غايات إسرائيل العسكرية والسياسية

تسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية في غزة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية والسياسية، تتراوح بين القضاء على المقاومة الفلسطينية أو إضعافها بشكل كبير، وبين استخدام الحرب كأداة داخلية لتخفيف الضغط عن الحكومة الإسرائيلية. ومنذ بداية العدوان، كرر المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الأساسي هو القضاء على حماس، وهو شعار يتكرر منذ عام 2008، لكنه لم يتحقق فعليًا في أي من الحروب السابقة. وتبدو العمليات الإسرائيلية في هذه الجولة أكثر عنفًا واتساعًا، إلا أن التساؤل يظل قائمًا حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنهاء المقاومة بالكامل، أم أن التوازنات الدولية تفرض على إسرائيل سقفًا معينًا لحملتها العسكرية، بحيث لا تصل إلى نقطة تؤدي إلى تداعيات دبلوماسية وأمنية غير محسوبة.

إلى جانب ذلك، هناك تزايد في الحديث عن مخطط محتمل لتهجير سكان غزة إلى سيناء أو مناطق أخرى، لكن دون وجود وثائق رسمية تؤكد تبني إسرائيل لهذه الاستراتيجية بشكل معلن. ويرى مؤرخون ومحللون أن التاريخ العسكري الإسرائيلي شهد عمليات تهجير قسرية واسعة النطاق منذ نكبة 1948، كما أن هناك سياسات مستمرة تهدف إلى "التضييق المعيشي" لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، عبر فرض حصار مشدد، وتدمير البنية التحتية، وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة.

إعلان

ومع ذلك، فإن تنفيذ عملية تهجير قسرية بشكل مباشر قد يؤدي إلى ردود فعل دولية غير محسوبة، خاصة إذا قررت بعض الدول الكبرى التدخل سياسيًا أو فرض عقوبات على إسرائيل. ورغم الضعف العربي الحالي، فإن هناك إدراكًا إسرائيليًا بأن إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم بالقوة قد يخلق أزمة دبلوماسية واسعة، قد لا تتحملها تل أبيب في هذه المرحلة.

وعلى الصعيد الداخلي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، حيث تعاني من احتجاجات داخلية حادة، وخلافات بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب. في هذا السياق، يستخدم نتنياهو التصعيد العسكري كأداة سياسية داخلية لإعادة توحيد الشارع الإسرائيلي خلف حكومته، وتحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية، خصوصًا في ظل صراعه مع المحكمة العليا وأزمات الفساد التي تحيط بحكومته. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى نجاح هذه الاستراتيجية على المدى البعيد، وما إذا كانت ستؤدي بالفعل إلى تعزيز موقفه السياسي، أم أن التكاليف العسكرية والسياسية ستتجاوز الفوائد المتوقعة، مما قد يؤدي إلى تآكل دعم الشارع الإسرائيلي له بدلًا من تحقيق أهدافه السياسية.

تبنت الدول الأكثر ارتباطًا بالقضية الفلسطينية مواقف رافضة لسيناريو التهجير (الفرنسية) البيئة الإقليمية والدولية وتأثيرها على الصراع

تلعب البيئة الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في تحديد مسار الحرب الدائرة في غزة، حيث تعكس المواقف العربية والدولية توازنات القوى والمصالح المتشابكة في المنطقة. وفي العالم العربي، تواجه الأنظمة معضلة مزدوجة؛ فمن جهة، لا تستطيع تحمل عبء مواجهة إسرائيل سياسيًا أو عسكريًا في ظل الأوضاع الداخلية الهشة والانقسامات الإقليمية، ومن جهة أخرى، فإن أي قبول ضمني لمخطط التهجير القسري للفلسطينيين قد يتحول إلى كارثة سياسية، قد تهدد شرعية هذه الأنظمة أمام شعوبها. وبينما تبنت الدول الأكثر ارتباطًا بالقضية الفلسطينية، مثل مصر، الأردن، مواقف رافضة لسيناريو التهجير، فإن هذه المواقف لا تزال تندرج في الإطار اللفظي دون امتلاك أدوات فاعلة أو قرارات حاسمة لوقفه إن حدث.

إعلان

على الجانب الأوروبي، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية نتيجة لانشغال القارة بالصراع الأوكراني، الذي بات أولوية السياسة الخارجية والدفاعية للدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى فتور واضح في مواقف العواصم الأوروبية تجاه التصعيد الإسرائيلي في غزة، حيث تظهر ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات العالمية؛ ففي حين يتم دعم أوكرانيا ضد روسيا تحت شعار "الحق في الدفاع عن النفس"، يتم في الوقت ذاته تبرير الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين تحت الذريعة ذاتها. ورغم ذلك، بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا، في انتقاد السياسات الإسرائيلية بشكل أكثر صراحة، إلا أن هذه التحركات لم تصل بعد إلى مستوى التأثير الحقيقي على مجريات الصراع أو السياسات الإسرائيلية.

أما الولايات المتحدة، فتواصل دعمها التقليدي لإسرائيل، لكنها في الوقت ذاته تتعامل مع الحرب بحسابات استراتيجية دقيقة. فالتصريحات الأميركية تؤكد أن واشنطن لا تزال الراعي الأكبر لتل أبيب، لكن دون منحها تفويضًا مفتوحًا، إذ لا تريد الإدارة الأميركية أن تتحول الحرب في غزة إلى أزمة إقليمية كبرى قد تستنزف نفوذها في الشرق الأوسط. ومع تصاعد عمليات المقاومة في البحر الأحمر، يبدو أن توقيت التصعيد الإسرائيلي قد يكون جزءًا من مخطط أوسع لإبقاء إسرائيل قوة رادعة أمام القوى المناوئة للولايات المتحدة في المنطقة، مما يرسّخ التحالف الأمني الأمريكي-الإسرائيلي في ظل إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.

مستقبل الحرب.. إلى أين تتجه الأمور؟

مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، يظل التساؤل قائمًا حول مدى إمكانية تحقيق "الحسم "في هذه الحرب. ومنذ عام 2008، أثبتت التجربة العسكرية الإسرائيلية أن الحروب المتكررة على غزة لا تؤدي إلى حسم نهائي، وإنما تعيد تشكيل ميزان القوة مؤقتًا، دون القضاء الكامل على المقاومة. حتى في حال إضعاف القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، فإن البنية التحتية للمقاومة لطالما أظهرت قدرة على إعادة بناء نفسها خلال فترة قصيرة، كما حدث في جولات الصراع السابقة. وبالتالي، فإن أي انتصار إسرائيلي سيكون محدودًا زمنيًا، وقد لا يغير المعادلة الاستراتيجية على المدى البعيد.

إعلان

أما فيما يخص سيناريو التهجير القسري، فبالرغم من وجود مؤشرات على محاولات إسرائيلية لدفع سكان غزة إلى الخروج، فإن تطبيق هذا السيناريو بشكل واسع النطاق يواجه تحديات ضخمة. وعلى المستوى السياسي، سيؤدي التهجير إلى تفجر أزمة دبلوماسية دولية غير مسبوقة، خاصة إذا رُفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، مما قد يزيد الضغط الدولي على إسرائيل. أما على المستوى اللوجستي، فإن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني يحتاج إلى بنية تحتية وموافقات دولية معقدة، وهو أمر غير متاح بسهولة. لذلك، قد تبقى فكرة التهجير مجرد أداة ضغط نفسي وسياسي أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ في الواقع القريب. ولعل أكثر الجهات التي ستتحمل الضغوطات هي الدول العربية التي ستدقع فاتورة إعادة إعمار غزة، وذلك على طريقة ترامب في الصدمة والترويع حيث يرفع سقف المطالب في التفاوض ليحصل أقصى ما يستطيع من المنافع.

تدفع إسرائيل الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، عبر فرض حصار مشدد، وتدمير البنية التحتية، وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة (الأناضول)

من جهة أخرى، ورغم التكاليف البشرية الهائلة، فإن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الصمود والاستمرار، مما يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها بالكامل. وإذا فشلت إسرائيل في تحقيق "نصر استراتيجي"، فقد تتحول هذه الحرب إلى عامل تحفيزي لمزيد من التجنيد في صفوف المقاومة، بدلاً من إضعافها. في هذه الحالة، لن يكون الحسم العسكري سوى وهم قصير الأمد، وستظل غزة تمثل تحديًا استراتيجيًا دائمًا للحسابات الإسرائيلية، بغض النظر عن شدة القصف أو اتساع العمليات العسكرية.

بين الواقع والتوقعات

مع استمرار العدوان على غزة، يظل الغموض محيطا بمصير هذه الحرب، إذ لا يبدو أن هناك سيناريو واضحًا للحسم، سواء عسكريًا أو سياسيًا، لصالح أي من الأطراف. رغم القوة التدميرية الهائلة التي تستخدمها إسرائيل، إلا أن القضاء التام على المقاومة الفلسطينية لا يبدو احتمالًا واقعيًا، في ظل قدرتها المتكررة على إعادة بناء نفسها وإعادة التكيف مع الظروف المتغيرة.

إعلان

أما سيناريو التهجير، ورغم أنه يبقى احتمالًا قائمًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، إلا أنه لا يزال غير محسوم، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والسياسية التي تعترض تنفيذه. التحدي الأساسي يكمن في أن أي محاولة لترحيل سكان غزة قسرًا قد تؤدي إلى أزمة دبلوماسية كبرى، مما يجعل إسرائيل أكثر حرصًا على تحقيق "التهجير الطوعي" عبر التضييق الاقتصادي والمعيشي، بدلًا من اللجوء إلى ترحيل مباشر قد يشعل ردود فعل غير محسوبة إقليميًا ودوليًا.

في المقابل، لا تزال الدول الكبرى تستخدم الصراع لخدمة أجنداتها الأوسع، حيث تتعامل معه كأداة ضغط أو مساومة ضمن سياسات إقليمية ودولية أكثر تعقيدًا. وبينما تتغير الحسابات السياسية والعسكرية، تبقى غزة هي الضحية الرئيسية لهذه التوازنات الدولية، حيث يدفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر لهذا التصعيد المستمر.

جاءت الجولة الجديدة من العدوان بتهديد ووعيد من ترامب حين تحدث بلسان عبري وقال "شالوم حماس". وإن دخول سيد البيت الأبيض في تفاصيل تكتيكات الحرب النفسية والإعلامية يجعل السيناريوهات المستقبلية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • وثائق سرية في موقف سيارات| فضيحة تهز الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل ..تفاصيل
  • كأس السوبر السعودي في الصين
  • لماذا فجّرت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار ؟
  • شالوم حماس.. ماذا تخفي إسرائيل في حربها الجديدة؟
  • تجدد القتال في غزة.. "اختبار" لإسرائيل وحماس والرهائن
  • تركيا: نهج إسرائيل "العدائي" يهدد مستقبل الشرق الأوسط
  • استشهاد 330 فلسطينيا في غارات كثيفة على غزة وحماس تتهم إسرائيل بنسف الهدنة
  • إسرائيل تُعلن شن ضربات مكثفة على غزة.. وحماس تعلق
  • جولدا مائير.. أول امرأة تتولى رئاسة وزراء إسرائيل ومسيرتها المثيرة للجدل
  • الفيدرالية الوطنية لجمعيات المقاهي والمطاعم بالمغرب ترفض مشروع قانون “مثير للجدل”