اليمن.. بيان ضد الإمارات يُثير أزمة سياسية في حضرموت ولقاء موسع للتبرُؤ منه والسعي "لشق حلف قبلي"
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
عقدت قيادات محلية حضرمية منشقة عن حلف قبائل حضرموت، السبت، في المكلا عاصمة حضرموت/ شرقي اليمن، لقاءً موسعًا بهدف التبرؤ من البيان، الذي أصدرته رئاسة الحلف (29 أكتوبر/ تشرين الأول)، وتشكيل لجنة لإعادة هيكلة رئاسة الحلف؛ بمعنى إزاحة قيادته، فما هذا البيان الذي أحدث انشقاقًا ولقاءً موسعًا للبترؤ منه وتشكيل لجنة لإزاحة مَن أصدره؟
يتنامى الصراع السياسي داخل حضرموت، المحافظة الأكبر مساحة والأغنى نفطًا في البلاد، ليظهر مؤخرًا بمستوى أكثر حدية مما عهدته هذه المحافظة، التي ظلت من أكثر محافظات اليمن هدوءًا واستقرارًا سياسيًا، ليؤشر ما يحصل حاليًا إلى ما وصل إليه صراع المشاريع الخارجية، ليس من أجل الهيمنة على القرار الحكومي فقط، وإنما أيضًا الاستحواذ على قرار المكونات القبلية والمجتمعية.
رئاسة الحلف اجتمعت بتاريخ 29 أكتوبر/ تشرين الأول، على خلفية مظلمة عدد من الجنود تعرضوا للتعذيب والإهانة حد حلق شواربهم وحواجبهم في أحد المعسكرات المحسوبة على أبو ظبي، وما أعقب ذلك من حملة أمنية “هتكت حرمات المنازل في أحياء المكلا”.
بيان رئاسة الحلف تجرأ على ما لم يتجرأ عليه غيره من المكونات، وهو انتقاد الإمارات، الأمر الذي جاء صادمًا للمكونات المحسوبة عليها وغير المحسوبة عليها ممن تخاف ردة فعل أبوظبي؛ ولهذا كانت أصداء البيان واسعة؛ بل تعرضت لبن حبريش بالإساءات والاتهامات، وصولًا إلى عقد لقاء موسع لبعض قيادات الحلف، بهدف التبرؤ من البيان، والسيطرة على قراره، وتشكيل لجنة لإعادة هيكلة رئاسة الحلف، بمعنى إزاحة بن حبريش؛ وفي الأخير شق الحلف، كما تم شق مكونات حضرمية أخرى.
البيان أدان ما تعرض له الجنود الحضارم من تعذيب وإهانات، واعتبر أن ذلك ينذر ببوادر من الفتن والكوارث في حضرموت. كما أدان ما حصل لأبناء أحياء المكلا، وما تعرضوا له من تعسفات وإهانات وانتهاكات لحرمات البيوت واعتقالات من خلال تنفيذ عملية ميزان العدل، محملًا “دولة الإمارات كامل المسؤولية في كافة التجاوزات الحاصلة بحق حضرموت وأهلها”، ووفق البيان “هُمّ المسؤولون عن دعم أجندات سياسية خاصة وفرضها على المجتمع الحضرمي بالمال وقوة السلاح، وإضافة إلى معاناة المجتمع من ضنك العيش وتردي وانهيار الخدمات الأساسية، ومنع بعض الصيادين من مزاولة عملهم، وإيقاف مطار الريان الدولي عن الخدمة، واستخدامه ثكنة عسكرية، والتمادي في كل ذلك يُنذِر بكوارث وصراعات داخل حضرموت نحن حريصون على تجنبها”.
وأيدّ البيان ما أسماه التعاون مع دول الجوار، لكنه رفض ما اعتبره “التطاول على كرامة المجتمع وسيادة الدولة”. كما طالب بتوحيد كل القوى العسكرية في نطاق حضرموت في منطقة عسكرية موحدة.
وجاء انتقاد الحلف للإمارات والمطالبة بتوحيد القوى العسكرية تحت مظلة منطقة عسكرية واحدة ليثير عليه المحسوبين على الانتقالي والمدعومين من أبوظبي سواء داخل الحلف أو خارجه.
وحسب موقع صحيفة “عدن الغد”، أمس الأحد، “فقد ظل التعرض لدول التحالف العربي في حضرموت من المحرمات السياسية قبل أن يكسر حلف قبائل حضرموت التابوت ببيان سياسي قوي جعل المواجهة بين الطرفين صريحة وواضحة”. وأشار إلى أن “كيانات مناهضة للحلف ردت ببيانات منددة ورافضة وصولًا إلى عقد لقاء موسع لقيادات منشقة عن الحلف معلنة نيتها عزل رئيس الحلف الشيخ عمرو بن حبريش”. وكانت الهبة الحضرمية الثانية التي يرأسها حسن الجابري الموالي للانتقالي، وهي منشقة من الهبة الحضرمية، من أبرز المكونات الحضرمية التي أصدرت بيانًا ردًا على بيان الحلف. وركّز بيان الرد على البند الثالث من بيان الحلف، والذي انتقد الإمارات. وقال بيان الهبة، وفق ما ورد، إن “ما ذكر في بنود البيان (بيان الحلف) الهدف من مضمونها البند الثالث، الذي يمس دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد الشريك الأساسي للتحالف العربي. إن ما قدّمته دولة الإمارات العربية المتحدة الكثير من الدعم السخي على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية، وهي من أسّس وقام بتشكيل قوات النخبة الحضرمية، التي أصبحت اليوم رأس حربة في أمن واستقرار محافظة حضرموت، والتي أعطت نموذجًا لحفظ الأمن وتحرير المكلا من القوى الإرهابية حتى أصبح الساحل نموذجًا يحتذى به في الأمن والأمان”.
وكتب الصحافي الحضرمي، عوض كشميم، مستعرضًا مراحل المشكلة، مدافعًا عن الحلف مخاطبًا مجتمعه المحلي، قائلاً: “عندما بدأت مشكلة تعذيب الجنود الحضارم وحلق شنباتهم وشعر الحجاب (الحاجب)، أهاليهم والرأي العام تكلموا ونُشرت الصور و رفعوا أصواتهم (…) ولا أحد استمع لأصواتهم ولا لمظلوميتهم. وعندما تبنى الحلف قضاياهم، وتمت مناقشتها في اجتماع رسمي للحلف، وأصدر بها بيانًا عن تحميل الجهات التي تقف وراء هذه الاعتداءات والانتهاكات قامت الدنيا ولم تقعد، وارتفعت الأصوات تنهش وترفض بيان الحلف. لماذا لم تثوروا وتستنكروا ما تعرض له أفراد حضارم من إخوانكم وتطالبون بإعادة الاعتبار لهم ورفض هذه الأساليب وإدانتها ومنع تكرارها؟ ما الذي يمنعكم؟ الجواب واضح هو إدراككم بأن مَن يقف وراء هذه الوقائع طرف ما في التحالف لا تقوون على مواجهته بالصدق والحق؛ لأنه سيكلفكم ثمنًا وسيضر بعلاقتكم معه، لهذا كان موقفكم هو إدانة الضحية”.
وأضاف: “بل وصل الأمر إلى تبييض الجريمة والتغطية عليها، والوقوف ضد مَن وقف بمسؤولية لاستعادة كرامة الأفراد والضحايا”. وتابع: “لن تبقى إلا المواقف المحترمة والصادقة، أما السباق على التطبيل لطرف ما وخدمة مشاريعه السياسية لا تخدم حضرموت ولا تقوي استقلالية قرارها الوطني الحضرمي”.
من الواضح أن المحافظة تمر بمنعطف خطير، ولم تكشف هذه المشكلة بتداعياتها، التي ما تزال متواصلة، إلا عن جزء مما تعانيه جراء تجاذب المشاريع السياسية المرتبطة بالخارج؛ والذي يمثل هذا الخلاف صورة من صوره، تعكس، في ذات الوقت، حجم الصراع، الذي تتجاذبه الإمارات والسعودية في تنافسهما على الاستحواذ على هذه المحافظة، التي ترى الرياض أنها تمثل لها ظهيرًا استراتيجيًا، باعتبارها تشغل مساحة كبيرة من حدودها مع اليمن، وبالتالي فإن تشكيل مجلس حضرموت الوطني كان خطوة سعودية لقطع الطريق على أبوظبي، التي تسعى من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على محافظات جنوب وشرق اليمن بما فيها حضرموت وبخاصة وادي حضرموت؛ وهو ما يظهر حاليًا في نقل مجاميع، بشكل غير رسمي، من قواته من خارج المحافظة، للتمركز داخل مواقع في المحافظة، تمهيدًا للسيطرة عليها؛ من خلال إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى الحكومية المتمركزة في وادي حضرموت، والتي يشمل نطاق نفوذها محافظة المهرة المحادة لسلطنة عمان في أقصى شرقي البلاد.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن حضرموت الامارات حلف قبائل حضرموت مليشيا الانتقالي
إقرأ أيضاً:
حضرموت بين مطرقة الكيانات المشبوهة وسندان الصراع الإقليمي
تشهد محافظة حضرموت، شرقي اليمن، تصاعدًا لافتًا في حدة الصراع السياسي والمناطقي، مع بروز كيانات جديدة ذات طابع شعبي وأخرى ذات خلفيات جهادية مثيرة للجدل، تُنذر بإعادة تشكيل المشهد السياسي في المحافظة، بل وربما في الجنوب اليمني ككل. أبرز تلك التحركات تمثّل في الإعلان، يوم الاثنين، عن تشكيل كيان سياسي جديد يحمل اسم "تيار التغيير والتحرير"، برئاسة القيادي السابق في تنظيم القاعدة، أبو عمر النهدي، في فعالية أُقيمت بمدينة سيئون، وسط حضور سياسي وقبلي محدود.
ويأتي إشهار التيار، الذي يرفع شعارات التغيير والعدالة والاستقلال، في توقيت دقيق تشهده حضرموت، يتسم بتصاعد الدعوات للفيدرالية والحكم الذاتي، والانقسامات داخل حلف قبائل حضرموت، وصولًا إلى توتر العلاقة بين القيادات القبلية المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
كيانات غامضة بواجهات محلية وخلفيات إقليمية
تيار التغيير والتحرير الذي يقوده النهدي، شخصية شديدة الغموض، يثير الكثير من التساؤلات حول من يقف خلفه، خاصة وأن رئيسه يُعد من أبرز المنشقين عن تنظيم القاعدة منذ 2018، وكان معروفًا بلقب "رفيق الشرع في القتال بالعراق"، في إشارة إلى صلاته السابقة بجماعات مسلحة خارج اليمن.
مصادر محلية تتحدث عن دعم تركي غير مباشر لبعض شخصيات هذا التيار، ضمن ما تعتبره أنقرة امتدادًا لنفوذها في البيئات الإسلامية والمناطق ذات الهوية السنية المحافظة.
وبينما يرفع هذا الكيان شعارات بناء الدولة والعدالة الاجتماعية، يرى مراقبون أن وجود شخصيات متطرفة في قيادته يجعل منه مشروعًا مشبوهًا، يمكن توظيفه في أية لحظة لصالح أجندة غير وطنية، سواءً أكانت إقليمية أم أيديولوجية.
حلف القبائل بين الانقسام والاختراق
بالتزامن، عاد الشيخ عمرو بن حبريش إلى الواجهة بعد فترة من الغياب والسفر إلى السعودية، ليقود لقاءً موسعًا لحلف قبائل حضرموت في "الهضبة"، طالب فيه بوضوح بمنح المحافظة حكمًا ذاتيًا في إطار الدولة الفيدرالية، مشددًا على أن "حضرموت لن تُحكم إلا من أبنائها".
لكن هذا التحرك لم يمر مرور الكرام، حيث استدعى ردًا مباشرًا من تيار آخر داخل الحلف نفسه، والذي عقد اجتماعًا موازيًا في منطقة العيون، بدعم من المجلس الانتقالي الجنوبي، انتهى ببيان لسحب الثقة من بن حبريش، ما كشف بجلاء حجم الانقسام الداخلي، ومحاولات تطويع المكونات القبلية لخدمة مشاريع متصارعة.
من يقف خلف التصعيد؟
وفق مصادر مطلعة، فإن الدعم الذي يتلقاه تيار التغيير والتحرير من بعض الأطراف الإقليمية قد يرتبط بإعادة رسم خارطة الولاءات في شرق اليمن، خاصة بعد تزايد قلق بعض القوى الإقليمية.
في المقابل، يبدو أن الدول الإقليمية التي لها مصالح باليمن بدأت نفسها تتحرك عبر أدواتها لاحتواء المكونات القبلية، وإعادة تموضع لأدواتها تحافظ على مكانتها كممثل سياسي وعسكري للجنوب في أي تسوية قادمة.
وبحسب مصادر مطلعة، بدأ التصعيد منظماً في حضرموت عبر اللقاء القبلي الموسع في الهضبة، الذي طالب صراحة بمنح المحافظة حكمًا ذاتيًا. ويُنظر إلى بن حبريش اليوم كـ"أداة استراتيجية" لمواجهة النفوذ المتزايد في شرق اليمن، في ظل تنافس إقليمي محتدم على رسم ملامح النفوذ والسيطرة في هذه المنطقة الحيوية.
سيناريوهات المرحلة المقبلة في حضرموت
تشير التطورات المتسارعة في محافظة حضرموت إلى دخولها مرحلة دقيقة من التشكّل السياسي والأمني، في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بالحكم الذاتي، وبروز كيانات وتيارات متعددة، بعضها يحمل خلفيات قبلية وأخرى ذات طابع أيديولوجي.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة عددًا من السيناريوهات المتشابكة على رأسها تفاقم الانقسام القبلي والسياسي، إذ إن تزايد عدد الكيانات التي ترفع شعارات الحكم الذاتي دون وجود مرجعية موحدة أو قيادة متفق عليها، يُنذر بتصاعد التوترات داخل المحافظة.
وقد تشهد حضرموت موجات من الاحتكاكات القبلية أو المواجهات السياسية المحدودة، ما قد ينعكس سلبًا على الاستقرار المحلي ويؤدي إلى تعطيل تقديم الخدمات، في ظل فراغ إداري متنامٍ وتنافس واضح على النفوذ والتمثيل.
كما أنه مع إعلان “تيار التغيير والتحرير” بقيادة قيادي منشق عن تنظيم القاعدة، هناك مخاوف من إعادة تدوير بعض التيارات الدينية المتطرفة بغطاء سياسي هذه المرة، وإذا ما تم تسييس التيار وإقحامه في الصراع القائم، فإن حضرموت قد تواجه خطر عودة الجماعات المتطرفة إلى المشهد، مع ما يمثله ذلك من تهديد مباشر للأمن المحلي والإقليمي.
إضافة إلى أنه من غير المستبعد أن تدخل أطراف إقليمية على خط الأزمة بشكل مباشر أو عبر دعم حلفائها المحليين. وقد تسعى كل منها لترسيخ نفوذها في المحافظة من خلال أدوات سياسية أو عسكرية، وهو ما من شأنه التمهيد لترتيبات لاحقة قد تُبنى على أساس تقاسم النفوذ بدلاً من وحدة القرار.
وتشير المعطيات إلى أن حضرموت دخلت مرحلة إعادة تشكّل سياسي غير مسبوقة، تتداخل فيها الحسابات القبلية والمشاريع الانفصالية والطموحات الإقليمية، وبين الكيانات المشبوهة والمشاريع الطموحة، تظل مصلحة أبناء حضرموت في إقامة كيان وطني جامع بعيدًا عن التوظيف الخارجي، أمرًا مُلحًا، قبل أن تتحول المحافظة إلى بؤرة جديدة للفوضى.