لا خيارات لسكان غزة.. الهروب من الموت وإليه
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
غزة – "وين نروح.. الرب واحد والعمر واحد"، لم تتردد آمنة مروان وهي تقول تلك الكلمات لتبرير تمسكها بمنزلها في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ورفضها وأسرتها النزوح، تحت ضغط ما وصفته بإرهاب وتهديد الاحتلال الإسرائيلي لسكان شمال القطاع بالإخلاء والتوجه إلى نصفه الجنوبي.
وفي ما كانت الخشية على حياتهم دافعا لآلاف سكان مدينة غزة، ومدن بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا وغيرها من مناطق شمال القطاع، للنزوح نحو الجنوب، فإن آخرين لا يمكن حصرهم بدقة، كان قرارهم التشبث بمنازلهم، صمودا أو لعدم وجود مكان محدد ولائق يلجؤون إليه.
تقول آمنة (46 عاما) للجزيرة نت "ليس لنا أقارب أو معارف وأصدقاء في جنوب القطاع، ولا أقبل لنفسي ولأسرتي حياة الذل في مراكز الإيواء، حيث لا خصوصية للنساء، ولا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، وفوق كل ذلك لاحقت الصواريخ النازحين داخل هذه المراكز".
وتشير آمنة بحديثها إلى تكرار استهداف النازحين من قبل الاحتلال بعمليات قصف جوي ومدفعي، نالت منهم على مداخل المستشفيات، وفي مراكز إيواء داخل مدارس تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أو في محيطها، وتسببت في سقوط شهداء وجرحى.
الموت بكرامة
بالنسبة لآمنة وأسرتها، فإن "الموت بكرامة في منزلهم أفضل ألف مرة من الموت في مراكز الإيواء، أو على الطرقات"، خلال محاولة النزوح، مثلما حدث خلال الساعات الماضية مع نازحين على شارع الرشيد الساحلي، وقد مزقتهم نيران الاحتلال إلى أشلاء متناثرة.
وفي حين تغلق دبابات وآليات إسرائيلية وسط شارع صلاح الدين المؤدي إلى مدينة غزة من الناحية الجنوبية، فإنها تسيطر بقوة النيران على شارع الرشيد، وهما الشارعان الرئيسيان اللذان يربطان شمال القطاع بجنوبه، والحركة عليهما مجازفة محفوفة بخطر الموت.
وشهد مخيم جباليا، حيث تقطن آمنة وأسرتها، مجازر مروعة هي الأعنف والأشد دموية، حيث دمرت غارات جوية إسرائيلية، في ليلة واحدة قبل بضعة أيام، مربعات سكنية بأكملها، تضم عشرات المنازل التي دمرت فوق رؤوس ساكنيها، وأسفرت -بحسب أرقام رسمية لوزارة الصحة- عن أكثر من ألف شهيد وجريح.
وتدحض مجازر مخيم جباليا، وغيرها من جرائم القتل في مدينة غزة وشمالها، مزاعم وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر -الثلاثاء الماضي- بأن "عدد الضحايا المدنيين في غزة بدأ في الانخفاض بعد مغادرة 90% من المدنيين شمال القطاع".
ولا تخفي آمنة حالة الخوف الشديدة التي تتملكها وأفراد أسرتها في البناية نفسها، وتضم 50 فردا جلهم من الأطفال والنساء. وعن أكثر اللحظات رعبا، تقول إن تدمير منزل عمة زوجها المجاور لهم، جراء غارة جوية لم ينج منها سوى العمة وزوجها، واستشهد 21 آخرين، "شعرت مع هذه الغارة أن الموت يحوم فوق رؤوسنا".
وتعاني هذه الأسرة الكبيرة، كما غيرها من الأسر والعائلات التي تمسكت بالبقاء في منازلها في شمال القطاع، في توفير ضروريات الحياة اليومية من الطعام والمياه، في حين تتحول المنازل ليلا إلى ما يشبه القبور المظلمة جراء الانقطاع التام للكهرباء منذ اندلاع الحرب، وتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة لنفاد الوقود.
وتقول آمنة "نعيش واقعا مأساويا من دون كهرباء، كما نفد غاز الطهي، ولا يتوفر لدينا يوميا سوى القليل من الطعام والمياه، نأكل وجبة طعام واحدة يوميا لا تحتاج لطهي بالغاز، ونحصل على كمية قليلة من المياه من بئر خاصة يمتلكها أحد الجيران".
هروب من الموت وإليه
مع اشتداد حدة الغارات الجوية، والجرائم المتلاحقة التي زادت وتيرتها مع إعلان إسرائيل عن دخول حربها على غزة المرحلة الثانية والعمليات البرية، تقطعت السبل بـ"أم مريم" وأسرتها، وهم من حملة الجنسية البلجيكية، التي ظلت لآخر لحظة ترفض إخلاء منزلها في حي النصر بمدينة غزة.
وتقول "أم مريم" للجزيرة نت -والخوف جعلها تتمسك برفض ذكر اسمها كاملا- "أشعر أن روحي تخرج مني ببطء، لم أعد قادرة على تحمل المزيد من مشاهد القتل والتدمير، الموت يقترب مني ومن أسرتي وأطفالي، وقررنا المغادرة، ولكن كيف؟، لا نعلم، وقد فصل الاحتلال الشمال عن الجنوب".
ولا تستطيع أم مريم وأمثالها من مزدوجي الجنسية الوصول حاليا وبأمان من مدينة غزة وشمالها إلى جنوب القطاع، حيث معبر رفح البري مع مصر، المنفذ الوحيد لهم على العالم الخارجي.
وتمكن مئات من الأجانب ومزدوجي الجنسية من مغادرة غزة عبر معبر رفح، بموجب اتفاق ثلاثي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وهؤلاء هم ممن نزحوا مبكرا من منازلهم.
مزاعم وأكاذيب
في هذا السياق، يشكك رئيس "المكتب الإعلامي الحكومي" في غزة سلامة معروف، في الأرقام الصادرة عن دولة الاحتلال بشأن أعداد النازحين من منازلهم في شمال القطاع نحو جنوبه، ويقول إن "الأرقام متغيرة لحظة بلحظة، وفي حين ينزح بعضهم نحو مدن الجنوب هربا من جرائم الاحتلال، فإن هناك من يجازف للعودة".
ويضيف للجزيرة نت، أن جرائم الاحتلال في مدينة غزة وشمالها تسفر عن ارتقاء المئات من الشهداء والجرحى، ممن تستهدفهم الغارات الجوية داخل منازلهم، وكذلك في الشوارع وعلى مداخل المستشفيات وفي محيطها، وداخل مراكز الإيواء.
وبحسب معروف، فإن 110 مركز إيواء في مدينة غزة ومناطق شمال القطاع تضم أكثر من 400 ألف نازح، فضلا عن نحو 60 ألف نازح في مستشفى الشفاء، وأكثر من 12 ألف نازح في مستشفى القدس التابعة في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، وآلاف النازحين في المستشفى الأندونيسي في شمال القطاع.
كما أن المنازل التي تدمر على رؤوس ساكنيها في أحياء مدينة غزة، ومخيمات اللاجئين في المدينة ومناطق شمال القطاع، تدلل على كذب مزاعم الاحتلال، بل تؤكد أن هدفه هو ارتكاب المجازر ورفع فاتورة الدم والدمار، لإرهاب الناس وإجبارهم ودفعهم لإخلاء منازلهم والنزوح جنوبا، وفقا لتأكيد معروف.
في الوقت نفسه، يصف معروف الاحتلال بالغباء لتزامن إرهابه لسكان الشمال، مع استهدفه بالقصف الجوي والمدفعي لشارع الرشيد، الوحيد الذي يمكن للراغبين بالنزوح سلوكه للوصول إلى جنوب القطاع، الأمر الذي أوقع شهداء وجرحى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شمال القطاع مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
كربلاء المقدسة .. مدينة النور التي أخرست ألسنة التشاؤم وأضاءت دروب الأمل
بقلم : تيمور الشرهاني ..
إلى كل من يقرأ هذه الكلمات، أهلاً وسهلاً بمن يتفق معنا في الرؤية، ومن لا يعجبه حديثنا فلا مكان لتشاؤمه بيننا. نحن هنا لنسلط الضوء على إنجازات أبناء كربلاء الأصلاء الذين أثبتوا أن الإخلاص والعمل الجاد هما السبيل لصناعة التقدم.
يوم أمس، وخلال رحلتي من كربلاء مروراً بمحافظة بابل وصولاً إلى النجف الأشرف، رأيت مشاهد كفيلة بأن تجعلنا نقف وقفة تأمل. الطرق في بابل والنجف، بكل أسف، تفتقر إلى أدنى مقومات البنية التحتية، مليئة بالحفر والمطبات، وكأننا نسلك طرقاً مهجورة، بينما الحدائق تكاد تكون معدومة. هذه المدن التي تحمل إرثاً تاريخياً عظيماً تعاني اليوم من إهمال واضح، خصوصاً النجف الأشرف، التي تحتضن مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، رمز العدالة والحكمة. كيف لمحافظة بهذا الإرث أن تبدو بهذا الشكل المحزن؟ سؤال يطرح نفسه على المعنيين.
ولكن، عند عودتي إلى كربلاء، كان المشهد مختلفاً تماماً. بمجرد دخولنا حدود هذه المدينة المقدسة، بدأت الحياة تنبض من جديد. الطرق معبدة، الإضاءة تزين الشوارع، الدلائل المرورية واضحة، والأمان يحيط بالسائقين. وكأنك تسير في إحدى الدول المتقدمة، حيث النظام والجمال يتحدثان عن مجهودات أبناء هذه المدينة.
من هنا، نوجه رسالة شكر وتقدير إلى كل يد عملت بإخلاص لتطوير كربلاء. إلى العمال، المهندسين، الفنيين، والمسؤولين الذين اجتهدوا لتقديم أفضل الخدمات. لقد أثبتم أن كربلاء ليست مجرد مدينة، بل نموذج يحتذى به، ومرآة حقيقية لرؤية مستقبلية مشرقة.
هنا نقول لكل من يحاول التقليل من شأن هذه الإنجازات أو نشر التشاؤم بين الناس: كربلاء ستبقى شامخة بفضل أبنائها المخلصين، وستظل مصدر فخر وإلهام لكل العراقيين. شكراً من القلب لكل من ساهم في هذا التطور، ونشد على أيديكم لمواصلة العمل والارتقاء دائماً.
تيمور الشرهاني