حشد تمويل القطاع الخاص لدعم جهود مواجهة التغير المناخي والحفاظ على التنوع البيئي
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
سجل العالم خلال العقد الماضي، أعلى درجات الحرارة في التاريخ، ما أدى إلى زيادة تكرار العواصف والجفاف وموجات الحرارة الشديدة، وفي نفس الوقت، تأثرت الطبيعة والتنوع البيئي بشكل كارثي وفقد العالم الكثير من الأصناف والأنواع من كائناته الحية بوتيرة غير مسبوقة، حيث وصل عدد المُعَرض منها للانقراض خلال العقود القليلة القادمة إلى المليون صنف.
وتحيط الأزمة التي تمر بها البيئة والطبيعة، بكل البشرية وبعوامل وجودها واستمراريتها، حيث تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم تقلبات الطقس المتطرفة ونقص الموارد الطبيعية، الأمر الذي يجعل الحفاظ على النظم البيئية أمراً حيوياً للحفاظ على حياة البشر وعلى التنوع البيولوجي ولمواجهة تغير المناخ على حد سواء.
ويرتبط فقدان التنوع البيئي بتغير المناخ من خلال مجموعة من العوامل المتشابكة والمترابطة وذات التأثير المشترك، حيث يؤدي تدهور المنظومات البيئية والأراضي الخاصة بها، إلى فقدان قدرتها على الاستمرار بأن تؤدي مهامها ك «مخازن» طبيعية للكربون، ومن أمثلتها الغابات، التي تنظم درجة حرارة الكوكب وتساعد على تخزين الكربون، بينما يؤثر تغير المناخ في النظم البيئية الحيوية مثل الشعاب المرجانية والأراضي الرطبة والغابات، التي توفر مقاومة طبيعية ضد تداعيات وآثار التغير المناخي. ولذا فإن الحفاظ على هذه النُظم يعتبر أمراً شديد الأهمية للتنوع البيولوجي وللتكيف مع تغير المناخ ومواجهته.
وبالنظر لضخامة المهمة، وأهميتها وحجمها الكبير، فقد أصبح لمساهمة التمويل من القطاع الخاص دور كبير بهذا الشأن، لما يمتلكه من إمكانيات واعدة ومتنوعة لا تقتصر على الموارد المالية، بل تمتد لتشمل الخبرات، والابتكارات، وباقي عناصر الدعم التكميلية. ويقدم مؤتمر الأطراف COP28 الذي تستضيفه دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي، في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، فرصة فريدة لحشد الجهود من أجل تحفيز القطاع الخاص وتوفير الدعم الخاص بجهود مواجهة أزمتي فقدان التنوع البيئي وتغير المناخ المترابطتين بشكل حيوي.
وللقيام بذلك، فإن علينا العمل معاً وبسرعة، حيث يتطلب العمل المناخي ضخ استثمارات مالية ضخمة، ومن مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، التي تتراوح قيمتها بين 4 و5 ترليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030، وذلك لإحداث التغير المطلوب. وفي الوقت نفسه، فإننا نعلم أن هناك فجوة كبيرة في التمويل الموجه لحفظ التنوع البيولوجي، تتراوح بين 598 إلى 824 مليار دولار سنوياَ بحلول عام 2030.
وتتنوع الآليات المالية المبتكرة التي يمكن من خلالها للقطاع الخاص المساهمة بمواجهة تغير المناخ ودعم العمل المناخي وحفظ التنوع البيولوجي، وتشمل الأمثلة الرئيسية الأعمال الخيرية، والتي تمثل دعماً مالياً مباشراً من الجهات الفاعلة في مجال العمل الخيري، والتمويل المدمج، والذي يمثل دمج أكثر من نوع من التمويل مثل الحكومي المخصص للتنمية وتمويل القطاع الخاص المخصص للأعمال الخيرية، والسندات الخضراء، وهي سندات استدانة تصدر لجمع التمويل المخصص لمشروعات متصلة بالمناخ أو البيئة، والتمويل المعتمد على الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص (PPP).
وتمثل الأعمال الخيرية أحد مفاتيح الدعم الرئيسية عن طريق المشاريع المبتكرة، وبناء القدرات، بالإضافة للتأثير المباشر على المجتمعات الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، والتي تواجه غالباً تحديات مثل النزوح بسبب ارتفاع مستويات المياه في البحار، وفقدان سُبل العيش بسبب تعطل النظم البيئية، وزيادة مخاطر الصحة بسبب موجات الحرارة والتلوث.
كما تعتبر المؤسسات الخيرية ورواد الأعمال الإنسانية ركائز أساسية لدعم المبادرات التي تساهم بحماية هذه المجتمعات، وتقديم المساعدات المالية، ودعم تطوير سبُل العيش المستدامة، وزيادة قدراتها على التكيف مع التحديات والظروف الناتجة عن تغير المناخ. وتمتلك هذه المؤسسات والمبادرات الخيرية مرونة لا تتمتع بها الجهات الاستثمارية التقليدية، حيث لا يُتوقع تحقيق عوائد مالية من التمويل، وهو ما يُمكِنها من توجيه الدعم المالي للمشاريع ذات المخاطر العالية، أو طويلة الأمد، أو للمساعدة بشكل مباشر من خلال إنشاء بنية تحتية متينة، وتعزيز التنمية المستدامة، ولدعم ممارسات الحفاظ على البيئة والتكيف القائمة على الطبيعة. كما يمكن لهذا النوع من التمويل أن يكون وسيلة تحفيزية تجذب استثمارات إضافية من القطاعين الحكومي والخاص.
ويمكن أن يساهم التمويل المُدمج، الذي يجمع بين مصادر التمويل الحكومية والخاصة، على تحفيز رأس المال من القطاع الخاص، ويقلل هذا النوع من مخاطر الاستثمار أو تقديم الحوافز عن طريق دمجها ضمن الدعم المالي الحكومي، ما يساهم بزيادة الثقة بالمشاريع أو المبادرات الممولة، ويجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين.
وتعتبر السندات الخضراء مثال آخر، لحشد التمويل من مختلف الجهات في القطاع الخاص وتسخيرها لخدمة أهداف العمل الساعي لمواجهة تغير المناخ وحفظ التنوع البيولوجي، حيث يشتري المستثمرون هذه السندات، مع معرفتهم بأن قيمتها ستدعم مجموعة متنوعة من المشاريع، من استعادة «الموائل» الحيوية إلى إقامة البنية التحتية للطاقة المتجددة، وتسمح هذه الآلية للمؤسسات بالحصول على التمويل الضروري مع توفير عوائد استثمار موثوقة للمستثمرين.
ومع اقتراب موعد COP28، فإننا ندرك الأهمية الكبرى للتمويل من أجل زيادة نطاق العمل المناخي، لتحويل طموحاتنا إلى واقع ملموس، ولذا فإن علينا تسريع الجهود لتفعيل دور القطاع الخاص، والاستفادة من مرونته وإمكانياته على الابتكار ودعمه لمعالجة الفجوة التمويلية والعمل معاً لتحقيق تقدم جوهري وجذري ملموس.
لقد حان الوقت أن نتحد، ونعمل، وننجز تحويل الوعود إلى نتائج، والطموحات إلى إجراءات، والمشروعات التجريبية إلى مشروعات قابلة للتطبيق على نطاق واسع.
ويعتبر التمويل المعتمد على الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص (PPP) جزءا هاماً من منظومة التمويل، حيث تتعاون الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص لتطوير، وتمويل، وتشغيل المشاريع أو الخدمات. حيث يقدم القطاع الحكومي عادة الدعم التشريعي والتنظيمي، وقد يقوم بدعم المشروع مالياً، بينما يقدم القطاع الخاص رأس المال، والتكنولوجيا، والخبرات التشغيلية، ويمكن أن يساعد هذا النهج التعاوني في تسريع تنفيذ بعض المشاريع الهامة، التي يتراوح حجمها بين منشآت الطاقة المتجددة إلى تدابير الحماية الساحلية القائمة على الطبيعة، مثل استعادة غابات القرم.
*رزان خليفة المبارك، رائدة الأمم المتحدة لتغير المناخ لمؤتمر الأطراف COP28 أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الجفاف التغير المناخي القطاع الخاص مؤتمر الأطراف درجات الحرارة التنوع البیولوجی التنوع البیئی القطاع الخاص تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
إدريس إلبا يلهم رواد التغيير البيئي في قمة إرثنا بالدوحة
تحدّث الممثل والناشط الإنساني، إدريس إلبا، خلال قمة إرثنا التي نظمتها مؤسسة قطر، عن دور الابتكار في إحداث التغيير الإيجابي، مشددا على أهمية إشراك الشباب أينما كانوا، من خلال منصات تواكب اهتماماتهم.
وفي كلمته خلال حفل افتتاح القمة التي انطلقت أمس الثلاثاء وتعقد على مدار يومين، بعنوان "بناء إرثنا: الاستدامة والابتكار والمعرفة التقليدية"، أوضح إلبا، أهمية إلهام الشباب في رسم مساراتهم المستقبلية، من خلال استحضاره لذكريات انطلاق شغفه بالتمثيل في سن الـ14، عندما زار مدرسته ممثل بريطاني مشهور، فتغيّر كل شيء في حياته.
وقال إلبا إنه "في تلك اللحظة، ولأول مرة، أدركنا أن التمثيل ليس مجرد هواية، بل يمكن أن يكون مهنة حقيقية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مسيرتي المهنية تدور حول إيجاد طرق لخلق ذات الشعور بالتشجيع والإلهام". تتجسد هذه الرسالة في العمل الخيري الذي يقوده إدريس إلبا من خلال مؤسسة "إلبا هوب" التي أنشأها بهدف إحداث تغيير إيجابي دائم في حياة الأفراد والمجتمعات.
وأضاف أن "تواجدي هنا اليوم هو بسبب مهنتي، لكن بذرة إلهام الآخرين وترك أثر في حياتهم متجذّرة بداخلي. لهذا السبب، أركّز اليوم بشكل كبير على بذل أقصى ما يمكن في إشراك الشباب، لنقل ذلك الإلهام إليهم، لأعيش معهم تلك اللحظة التي يقولون فيها: هذا الرجل، ليس مجرد شخصية على الشاشة، بل هو إنسان حقيقي، وهو يقدم لنا دعمًا حقيقيًا".
وأوضح إلبا، وهو ممثل، وصانع أفلام، وناشط إنساني وموسيقي ومؤسس (IEV/مجموعة أكونا)، أن الأفلام، من خلال التعليق الصوتي والموسيقى والصور، قادرة على التأثير في الناس والحفاظ على تفاعلهم. مشيرا إلى أنه تاريخيا، استُخدمت السينما والتلفزيون لنشر "الخير والشر"، على حدِ قوله، ولهذا السبب فهو يؤمن بأن فكرة "الإبداع الواعي" أساسية لاستدامة دورة التعلم.
إعلانوأشار إلى أن الأمر ينطبق نفسه على الإبداع، "أنا أصبحت ممثلًا فقط لأن ممثلًا جاء يومًا وتحدث إليّ، والمساهمة في الإلهام والتأثير يعدّ جزءًا أساسيًا من دورة بالغة الأهمية. أعتقد أن الوعي أثناء العملية الإبداعية، ومعرفة أننا سنحدث أثرًا فاعلًا في الجيل القادم، هو أمر في غاية الأهمية. وعندما نفكر في كيفية ارتباط هذا كله بأزمة المناخ وأزمة الغذاء، ندرك أننا كبشر، نحن مبدعون بطبيعتنا".
كما تحدث إلبا عن أهمية التعلم والحفاظ على الماضي واحترامه، للبقاء على اتصال بالتقاليد والتكيف في الوقت نفسه مع التغيرات العالمية.
وقال "أخبرني والدي يوما، أنه حين كان صغيرا، كانت القرى تتواصل عبر "الطبل الناطق"، فإذا هطل المطر أو كان هناك أمر يجب أن تعرفه القرية التالية، كانوا يستخدمون الطبل كوسيلة تقليدية للتواصل"، وأضاف "دعونا لا نستغني عن الطبل الناطق، بل دعونا نجد سبلا للابتكار من أجل استمرار هذا التواصل".
والجدير بالذكر أن "إرثنا- مركز لمستقبل مستدام" غير ربحي ينصب تركيزه على بحوث السياسات والمناصرة، أنشئ تحت مظلة مؤسسة قطر بهدف تعزيز وتمكين إستراتيجية متكاملة لتحقيق الاستدامة والازدهار في المجالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
كذلك يعمل المركز على تعزيز الاستدامة في قطر والدول ذات المناخ الحار والجاف، مع تركيزه على مجالات متنوعة مثل الاستدامة، الاقتصاد الدائري، انتقال الطاقة، تغير المناخ، التنوع البيولوجي، والمدن المستدامة. يسعى المركز أيضا إلى تعزيز التعاون بين الخبراء والباحثين، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والشركات، والمجتمع المدني، بهدف تطوير حلول مبتكرة تسهم في إحداث تغييرات إيجابية.
وكذلك يقوم مركز "إرثنا" بتطوير وتجربة حلول مستدامة وسياسات مدعومة بالبيانات لقطر والمناطق الحارة والجافة، مع الاستفادة من إمكانيات المدينة التعليمية كقاعدة اختبار للتقنيات والممارسات المستدامة. ويلتزم المركز بدمج التفكير العصري مع المعرفة التقليدية، مسهما في رفاهية المجتمع من خلال خلق إرث مستدام ضمن بيئة طبيعية مزدهرة.
إعلان