الدعم السريع: التفلت مهنتي (1-2)
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
عبد الله علي إبراهيم
إذا أغرت قوات “الدعم السريع” مكاسبها في ولاية دارفور خلال الأسبوع الماضي بالاستيلاء على كل السودان، كما صرح نائب القائد العام لهذه القوات عبدالرحيم دقلو، فيصح أن نسأل: ما هوية هذه القوات التي بدا أنها رتبت نفسها لحكم السودان؟
اقتصر فهمنا لهوية هذه القوات على سياستها، فخصومها يرونها حالة ارتزاق كاملة الدسم، بينما يعلق عليها آخرون ما تزعمه هي من خروجها لخلاص البلاد من الفلول (الإسلاميين أنصار نظام الإنقاذ) الذين حرضوا الجيش على حربها والقضاء عليها ليعودوا إلى الحكم، وقل أن تعثر على من يربط بين هويتها السياسة وهويتها كمؤسسة استثمارية عسكرية، ناهيك بربط أي من هاتين الهويتين بهويتها المهنية.
ونعني بالهوية المهنية عنصر الضبط والربط فيها الراكز في سلسلة قيادة من أعلى إلى أسفل. ولا أعرف تزكية للمهنية مثل تزكية جي أم كويتزي الروائي من جنوب أفريقيا في روايته “العصر الحديدي”. قال فيها إنه لم يمنع النظام العنصري في جنوب أفريقيا أن يهلك “الرفاق” (وهو ما كان يطلق على الشباب الذين صارعوه بقوة) عن بكرة أبيهم، إلا أن قوات أمنه، مهما قلت عنها، استعصمت بالمهنية. فعصمتها مهنيتها دون ألا تبقى من الرفاق دياراً.
وليس كسب “الدعم السريع” في الميدان مع ذلك مما يتعزز به، فقد خالطه من التعديات ما قالت به “السودان ور مونيتر” إن كسبها من هجوماتها هو مزيد من النهب من مدن تعاني تردي اقتصادها ونظامها الصحي، وأهلك الجوع أهلها المروعين من انفراط متزايد للقانون. وكانت هذه المنقصة في أداء “الدعم السريع” المهني في مركز دائرة خطاب الفريق أول حميدتي في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري. فحذر فيه جنده من التفلتات بالعدوان على حق المواطن والمساس بعرضه. وبدا وكأنه يرد على النقد الذي طال قواته عن احتلالها بيوت الناس، ونهبها أموالهم، والإساءة إلى عرضهم، ناهيك بالتطهير العرقي، مما وثقت له دوائر عالمية معنية بحقوق الإنسان والقانون الإنساني للحرب.
ولا نعرف كلمة صارت مضغة على فم حميدتي مثل “تفلتات” منذ دخل باب السياسة بعد ثورة 2018. ولا نعرف مع ذلك قوة مارست هذا التفلت بلا شفقة في حين واظب قائدها على إنكاره. ويسعى مع ذلك من وراء القانون لاستخلاص جنوده بفدية للمجني عليهم.
كانت حجة حميدتي دائماً أن قواته مقصودة بأطراف تريد أن تشينها في أعين الناس. فيصرف كل تهمة بالتفلت إلى هؤلاء المغرضين ممن أرادوا الإيقاع بينه وبين الشعب. وجاء بهذه الحجة في خطابه الأخير، فقال إن الفلول رتبوا منذ زمن طويل لدمغ قواته بالنهب والقتل والاغتصاب. فأطلقوا سراح كل المساجين بمعتادي إجرامهم في أول أيام الحرب ليعيثوا فساداً في الأرض وينسبوه لقواته. وزاد بقوله إنهم وقعوا على مخزن بأكمله مليء بملابس “الدعم السريع” طولاً وعرضاً لترتديه عناصر الفلول، فترتكب الموبقات، فينسبها الناس إليهم.
وبلغ من نكد سمعة النهب والقتل والاغتصاب عن قواته أن أنشأ حميدتي في الـ28 من يونيو (حزيران) الماضي محكمة ميدانية لمحاسبة المتفلتين والظواهر السالبة بقيادة اللواء عصام صالح فضيل، وهو من ضباط القوات المسلحة المعارين لـ”الدعم السريع” وبقي فيه عاصياً أمرها بعودته إلى صفها. ولا يعرف المرء المتظلم من “الدعم السريع” كيف يحمل ظلامته للمحكمة بعد. ولم يصدر منها كذلك تقرير عن حصيلتها بعد. وأوثق ما سمعنا عنها هي مساعي فضيل لرأب الصدع بين “متفلتين” من جنده وجماعة من عرب الكبابيش بعد مقاتل بينهما. فقتل الدعامة (أي منسوبو “الدعم السريع”) لواحد منهم رفض أن يتنازل لهم عن سيارته. وجلس عصام إلى الطرفين وتكفل عن “الدعم السريع” بدفع الديات عنهما. وورد أخيراً خبر غير مؤكد أن فضيل نفسه تعرض لمحنة خلال أداء واجبه.
ونواصل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
30 قتيلا جراء قصف قوات الدعم السريع مدينة الفاشر
قتل أكثر من 30 شخصا جراء قصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر السودانية المحاصرة في إقليم دارفور، بحسب ما أعلن ناشطون الإثنين.
وقالت "لجان المقاومة في الفاشر" إن المدنيين قتلوا الأحد في "قصف مدفعي مكثف" نفّذته قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضد الجيش منذ أبريل/نيسان 2023.
وتحاصر الدعم السريع الفاشر منذ أشهر في محاولة للسيطرة عليها، حيث تظل آخر مدينة رئيسية في دارفور تحت سيطرة الجيش.
وتعد المدينة هدفا استراتيجيا للدعم السريع التي تسعى إلى تعزيز قبضتها على دارفور بعد استعادة الجيش العاصمة الخرطوم الشهر الماضي.
والأسبوع الماضي، شنت قوات الدعم السريع هجوما متجددا على المدينة ومخيمين للنازحين بالقرب منها، هما زمزم وأبو شوك – مما أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص ونزوح نحو 400 ألف، بحسب الأمم المتحدة.
وفي هجوم بري دموي، سيطرت قوات الدعم السريع على مخيم زمزم.
موجة نزوح
وفرّ نحو 400 ألف شخص من مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة في إقليم دارفور في غرب السودان، بحسب ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
وتقدر مصادر الإغاثة أن ما يصل إلى مليون شخص كانوا يحتمون في هذا المخيم.
وقالت الأمم المتحدة إن معظم النازحين فروا شمالا إلى الفاشر أو إلى بلدة طويلة الصغيرة على بُعد 60 كيلومترا إلى الغرب.
وبحلول الخميس، وصل أكثر من 150 ألف شخص إلى الفاشر، بينما فرّ 180 ألفا إلى طويلة، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
اندلعت الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، في 15 أبريل/نيسان 2023، على خلفية صراع على السلطة بين الحليفين السابقين.
وأدت الحرب التي دخلت عامها الثالث الثلاثاء إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.
كما أدى النزاع إلى تقسيم البلاد إلى قسمين عمليا، إذ يسيطر الجيش على الوسط والشمال والشرق، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على كل دارفور تقريبا، بالإضافة إلى أجزاء من الجنوب مع حلفائها.