لجريدة عمان:
2024-07-06@07:08:15 GMT

أحداث الذروة.. مرحلة من اللانظام

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

تتوافد كمية المعلومات المضللة؛ غالبا؛ مع طراوة الأحداث فتؤثر سلبا على قناعات الناس، وقد توجد نوعا من البلبلة في المواقف وفي ردود الأفعال التي يقوم بها الأفراد (قولية/ فعلية) وهذا الأمر يستوجب أن يكون الفرد على درجة كبيرة من الذكاء، ودرجة كبيرة من التأمل، ودرجة كبيرة من التيقن، ودرجة كبيرة من القدرة على إيجاد مقارنات بين الأحداث؛ حديثها وقديمها، وألا يسلم الإنسان الأمر من دون رؤية، وإلا قد يقع في مآزق كثيرة، وأهمها على الإطلاق مدى إيمانه بأهمية ما يتخذه من إجراء على مستواه الشخصي؛ أولا؛ لأن الإنسان - يفترض - أن تسيره مجموعة من المبادئ والقيم السامية، وألا يكون مساحة مستباحة لكل دور، ولكل موقف، فمواقفه محددة، ومعروفة؛ لدى نفسه؛ والتزامه الذاتي أيضا معروف لدى نفسه، ولا يفترض؛ أبدا؛ أن يعول على الآخرين في مثل هذه الالتزامات الذاتية، وللآخرين أن يكتشفوا حقيقته من خلال أفعاله وسلوكه، وبالتالي فمن لا يكون على هذه الشاكلة، فهو معرض لأن يعيش سلوكا مزدوجا «انفصام في الشخصية» وهذا ليس من صفات الإنسان السوي.

وبقدر أهمية هذه الصورة، إلا أنه ليس من اليسير المحافظة عليها في ذروة الأحداث، وقد يكون ذلك من الامتحانات الصعبة التي تمر على الفرد في حياته، وإن تباعدت؛ فهذا لا يعني عدم تكرارها، ولو بسيناريوهات مختلفة.

جميعنا يقع في مستنقع ذروة الأحداث، ويأتي توصيف الـ«مستنقع» للحظة ما من لحظات هذه الذروة، حيث يغيب من خلالها التفكير الواعي، والرؤية السديدة، فتأتي مجموعة الانفعالات لتسيطر على مجمل العوامل الضابطة لسلوك الأفراد الذين هم في لحظة حدثهم ذاك، ولأنه أمر متوقع من الغالبية العظمى من الناس، فإن تسلسل الأعذار لمجمل الأخطاء التي تحدث حينها قائم، والناس يتفهمون ظروف هذه المواقف، ولكن لا ينسون مجمل الأخطاء التي تقع، وقد يتخذونها أمثلة في أحاديثهم الجانبية، مع أن الجميع معرض لأن يكون في ذات الموقف في يوم من الأيام.

وتأتي إشكالية هذه الذروة أنها تكثر فيها القرارات العاطفية، والانفعالات غير المدروسة، ومن السهولة جدا أن ينصاع الفرد في هذه المواقف لأي صاحب ذي غرض سيئ، فهناك البعض من يستغل هذه المواقف لتحقيق مآربه الشخصية، بغض النظر عن فداحة بعض الأحداث وقسوتها على النفس، وهذا بالتأكيد ليس من الأخلاق في شيء، ويعكس دناءة الشخصية عند من يشعر نفسه بأن فرصته المواتية للنيل من الطرف الآخر، أو زجه في التزام مادي أو معنوي في أي شأن من شؤون الحياة اليومية، ولذلك فمجمل القرارات التي تتخذ في مثل هذه الظروف، تظل قرارات لا يعول عليها في بناء رؤية مستدامة لما هو آت، وبالتالي فسرعان ما يكتشف حالة التسرع التي رافقت اتخاذها في ذلك الظرف الصعب، بعد أن تنجلي الغمة، ويعود الفرد إلى حالته الطبيعية.

تحتاج المواقف والرؤى المستدامة إلى كثير من التيقن الناتج عن معايشة الأحداث المستمرة، وذلك حتى تتأصل هذه الرؤى وتؤتي بنتائج واقعية توجه الأفراد نحو اتخاذ السلوكيات المتزنة، وغير المتسرعة، وبخلاف ذلك فمن المتوقع أن يحدث ترهل وردود أفعال متشنجة، ومتسرعة، وانفعالية، لا تعكس إدراكا حقيقيا لمسارات الأحداث، ونتائجها المتوقعة، وهذا لا يبني وعيا متأصلا لمواجهة الأحداث الجسام مع تكرارها في كل مرة، فالحياة؛ كما هو معلوم قائمة على أحداث متتالية، لا يكاد الإنسان ينهي حدثا ما، إلا ويصطدم بحدث آخر، قد يكون أشد ضراوة من سابقه، ويحدث هذا على المستويين الشخصي والعام، ولأن الفرد جزء من العام، فإن مآلات الأحداث تتداخل في اهتمامات العام والخاص على حد سواء، وهذا مما يعقد المسألة كثيرا، ويصعب الفصل بينهما، كما يلقي بالمسؤوليات على كلا الطرفين.

والمسألة تأخذ خطورتها أكثر من جانب الأفراد؛ خاصة في الأحداث العامة، وذلك لأن قناعات الأفراد وردود أفعالهم وأقوالهم مرتبطة كثيرا بمفهوم (حمالة أوجه) أي التغير والتبدل في المواقف والقرارات في أية لحظة، خاصة إذا كان ليس هناك التزام مادي ملموس، والإنسان؛ عموما؛ لا يلتزم إلا بالشيء المكتوب الموثق، وذلك للحد من التنصل بمسؤولياته تجاه العام، وللحد من مناوراته المعروفة، في لحظات الالتزام الجماعية، وللتقليل أيضا من حالات الانفعالات غير القائمة على أسس ثابتة، ومقنعة.

الكل ينادي بأهمية البعد الإنساني، وأن الحياة لا يمكن أن تتنصل منه في أي موقف كان، يروج بهذا المفهوم في حالات الظروف الطبيعية التي تكون فيها الأنفس آمنة مستقرة، لا تتنازعها المخاطر من كل حدب وصوب، ولكن في لحظة زمنية فارقة تتلاشى هذه الأهمية لهذا البعد، فتظهر الكوامن النفسية المخبوءة؛ حينها تتجرد الأنفس من إنسانيتها، وتظهر وجهها القبيح، حتى وإن تصنعت بالأناقة، وبالمظهر الكاذب، حيث تذهب هذه الأنفس إلى ما يروي عطشها، دون أدنى رحمة بالطرف الآخر، ذلك أن الإنسان مركب من مجموعة من الإشباعات العاطفية المختلفة، وإذا لم يتم إرواؤها إلى حد التخمة فإن هذه الإشباعات تظل أفواهها مفتوحة، ولن تغلق إلا بإلجامها بما تحن إليه، ولقد عايشنا ظروفا استثنائية عديدة - حدثت في فترات سابقة - تجلت فيها هذه الصورة في أسوأ معانيها؛ للأسف؛ خاصة في ظروف الأنواء المناخية التي مرت بها السلطنة في سنوات مضت، وهذه المشاهد وثقت، وكتب عنها الكثير.

غالبا من يتأثر بغير هدى في اللحظة الحرجة للأحداث؛ وخاصة الجسيمة منها؛ هم العوام من الناس، والذين ينجرون وراء كل ناعق بما يسمى بـ «عقلية القطيع» وفي المقابل أيضا هم أول من يتراجع عن مواقفهم، وفي لحظة زمنية قصيرة جدا، ليس لأنهم ليست لهم الرؤية الواعية مثل الآخرين الذين يراقبون المشهد من بعيد، ولكن لأن هناك انسياق غير طبيعي يعيشه الكثيرون من الناس في لحظات الذروة، هذه الصورة يؤكدها علماء النفس في تقييمهم للناس عندما يتخلى الفرد عن كل مكتسباته المعرفية، وخبرة الحياة في مثل هذه الظروف، وينساق في زمرة المجموعة؛ قد لا يدري إلى أين سوف تأخذه؛ المهم أنه ضمن المجموع؛ هكذا استسلام طوعي، وبلا مقابل، ولذلك حتى يعود الفرد إلى حالته الطبيعية يحتاج إلى فترة زمنية تتيح له التفكير للعودة إلى نقطة الصفر؛ التي كانت قبل طراوة الحدث الذي اغتال كل مقوماته التي تمكنه من أن يكون أكثر اتزانا، وأكثر حيادية، وهنا أشير إلى تغريدة نشرها أبو الخطاب المحرزي؛ عبر منصة «إكس» قال فيها: «هل تسيرنا العاطفة عندما تكون متأججة فقط أم لنا أهداف سامية؟ ويضيف: «يبدو لي ذلك جلي عندما يعلو صوت المقاطعة لوجود حدث يدغدغ العاطفة أو أخذنا طوفان التقليد فقط، فنتسابق للمقاطعة وماهي إلا أيام معدودة ويصدق فينا المثال القائل: عادت حليمة إلى عادتها القديمة. من لا يسير على هدف يضل الطريق». والمحرزي يذهب هنا إلى الإشارة إلى المقاطعة العشوائية؛ المرتهنة بقناعة الأفراد كل على حدة، وهذه النتيجة التي يشير إليها متوقعة بدرجة قد تصل إلى (100%) بعكس المقاطعة المنظمة التي تكون تحت مسؤولية جهة ما.

في أحلك الظروف وأشدها قسوة تتجرد بعض الأنفس من المعاني الإنسانية، وتنتصر للمصلحة الخاصة، والمصلحة الخاصة قد تذهب لخدمة مجال ما ينتمي إليه الفرد (طائفي؛ ديني؛ عرقي؛ جندري؛ والقائمة تطول) وهذا أشد إيلاما للبشرية؛ حيث يغيب البعد الإنساني ويتجرد الإنسان من إنسانيته، فيصبح وحشا كاسرا متعطشا للمادة؛ أكثر منها للمناخات الإنسانية؛ وهذا ليس تعميما؛ فـ «تأخذه العزة بالإثم» وبالتالي فلا يستغرب من هذا السلوك القاسي الذي يبديه الإنسان تجاه أخيه الإنسان، فهو هنا لم يتجرد من إنسانيته؛ كما هو القول الشائع؛ وإنما يوظف الذات الإنسانية نفسها في الجانب الآخر من معادلة الضمير، فما بين ضمير ميت وآخر حي، تتسع الممارسات، وتتمايز، وهذا كله لا يزداد ضراوة إلا في الأحداث الجسيمة التي تسيرها العواطف، أكثر من أن توازن في تفعيلها العقول.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کبیرة من

إقرأ أيضاً:

«A Quiet Place».. مكان هادئ

أبوظبي (الاتحاد)
بعد أحداث الجزء الأول الذي عُرض عام 2018، والجزء الثاني الذي عُرض عام 2020، يعيدنا الجزء الثالث من سلسلة أفلام (A Quiet Place) إلي البدايات، ويستعرض أحداث اليوم الأول (Day One)، الذي هبطت فيه المخلوقات الفضائية إلى الأرض، والصراع المحموم الذي يواجهه البشر من أجل البقاء على قيد الحياة.
يشارك في بطولة (A Quiet Place: Day One)، الذي يُعرض حالياً في السينما المحلية، كل من لوبيتا نيونجو، دجيمون هونسو، أليكس وولف، جوزيف كوين وجينيفر وودوارد، تأليف مايكل سارنوسكي وجون كراسينسكي، وإخراج مايكل سارنوسكي.

اليوم الأول
شاهد اليوم الأول الذي أصبح فيه العالم صامتاً.. هكذا تبدأ أحداث الفيلم الذي يمزج بين الدراما والرعب والتشويق، حول الظهور المفاجئ لعدد من الكائنات الفضائية عديمة الرؤية، التي تمتلك قدرة على سماع الترددات فوق الصوتية، التي تمكنها من سماع أصوات البشر، ومهاجمتهم، الأمر الذي يضطر العالم إلى العيش في صمت تام، من دون إصدار أدني صوت.

مصادفة
تبدأ الأحداث بظهور «سميرة» التي تجسدها لوبيتا نيونجو، وهي تسير في أنحاء منطقتها مع قطتها، وفي لحظة ما، يهبط من السماء عدد كبير من الكائنات الغريبة على الأرض، لتبدأ في مهاجمة البشر، على عكس الجزأين الماضيين، حيث كانت تحارب فيهما امرأة وعائلتها عدداً قليلاً منهم، إلى أن تكتشف ابنتها الصغيرة التي تعاني الصمم  عن طريق المصادفة، الوسيلة التي تقتل بها هذه الكائنات.

أخبار ذات صلة 5 أفلام إماراتية تنافس في صالات العرض ظافر العابدين.. معالج ومدرب يوغا

نقطة ضعف
وفي ظل غزو هذه الكائنات، تحاول «سميرة»  النجاة بحياتها بعد معرفتها بأن الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هو التزام الصمت، مع محاولتها لمعرفة نقطة ضعف هذه المخلوقات المرعبة.

تمثيل احترافي
الجزآن الأول والثاني اللذان تربعا على عرش الإيرادات، لعب بطولتهما الممثلة إيميلي بلانت، فيما تولت الممثلة لوبيتا نيونجو الحائزة جائزة الأوسكار، والتي اشتهرت بدورها في فيلم الرعب (Us)، بطولة الجزء الثالث، وأدت الدور ببراعة، خصوصاً أنه يتطلب أداء تمثيلياً احترافياً، لا سيما أن أغلب مشاهد الفيلم صامتة، كما تولى جون كراسنسكي مخرج الجزأين الأول والثاني من السلسلة، المشاركة في كتابة السيناريو للجزء الثالث إلى جانب مشاركته في العملية الإنتاجية، ما أسهم في الثراء الدرامي للأحداث في الجزء الجديد، الذي فضل فيه أن يعيد مشاهدي السلسلة، إلى الوراء لمعرفة الأحداث الأولية لظهور هذه الكائنات.

مقالات مشابهة

  • أردوغان: نواصل مدَّ يد الصداقة إلى سوريا
  • 45.6 مليار درهم حجم سوق إدارة الفعاليات في الإمارات خلال 2024
  • إيرادات فيلم Despicable Me 4 تقترب من 27 مليون دولار بالسينمات
  • «A Quiet Place».. مكان هادئ
  • من وعي كلمة السيد القائد حول آخر المستجدات 4 يوليو 2024م
  • مرحلة تقييم.. وزير الثقافة يكشف لمصراوي حقيقة تغيير بعض القيادات
  • شركة آر إيه تي بي: انخفاض وقت انتظار قطارات مترو الأنفاق اعتبارًا من السبت المقبل
  • مع ارتفاع درجات الحرارة.. ازاي تحمي نفسك من ضربات الشمس؟
  • غداً.. القبول الموحد يعلن نتائج الفرز التجريبي
  • مقتل شاب سوري في أنطاليا على يد أتراك