أحداث الذروة.. مرحلة من اللانظام
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
تتوافد كمية المعلومات المضللة؛ غالبا؛ مع طراوة الأحداث فتؤثر سلبا على قناعات الناس، وقد توجد نوعا من البلبلة في المواقف وفي ردود الأفعال التي يقوم بها الأفراد (قولية/ فعلية) وهذا الأمر يستوجب أن يكون الفرد على درجة كبيرة من الذكاء، ودرجة كبيرة من التأمل، ودرجة كبيرة من التيقن، ودرجة كبيرة من القدرة على إيجاد مقارنات بين الأحداث؛ حديثها وقديمها، وألا يسلم الإنسان الأمر من دون رؤية، وإلا قد يقع في مآزق كثيرة، وأهمها على الإطلاق مدى إيمانه بأهمية ما يتخذه من إجراء على مستواه الشخصي؛ أولا؛ لأن الإنسان - يفترض - أن تسيره مجموعة من المبادئ والقيم السامية، وألا يكون مساحة مستباحة لكل دور، ولكل موقف، فمواقفه محددة، ومعروفة؛ لدى نفسه؛ والتزامه الذاتي أيضا معروف لدى نفسه، ولا يفترض؛ أبدا؛ أن يعول على الآخرين في مثل هذه الالتزامات الذاتية، وللآخرين أن يكتشفوا حقيقته من خلال أفعاله وسلوكه، وبالتالي فمن لا يكون على هذه الشاكلة، فهو معرض لأن يعيش سلوكا مزدوجا «انفصام في الشخصية» وهذا ليس من صفات الإنسان السوي.
جميعنا يقع في مستنقع ذروة الأحداث، ويأتي توصيف الـ«مستنقع» للحظة ما من لحظات هذه الذروة، حيث يغيب من خلالها التفكير الواعي، والرؤية السديدة، فتأتي مجموعة الانفعالات لتسيطر على مجمل العوامل الضابطة لسلوك الأفراد الذين هم في لحظة حدثهم ذاك، ولأنه أمر متوقع من الغالبية العظمى من الناس، فإن تسلسل الأعذار لمجمل الأخطاء التي تحدث حينها قائم، والناس يتفهمون ظروف هذه المواقف، ولكن لا ينسون مجمل الأخطاء التي تقع، وقد يتخذونها أمثلة في أحاديثهم الجانبية، مع أن الجميع معرض لأن يكون في ذات الموقف في يوم من الأيام.
وتأتي إشكالية هذه الذروة أنها تكثر فيها القرارات العاطفية، والانفعالات غير المدروسة، ومن السهولة جدا أن ينصاع الفرد في هذه المواقف لأي صاحب ذي غرض سيئ، فهناك البعض من يستغل هذه المواقف لتحقيق مآربه الشخصية، بغض النظر عن فداحة بعض الأحداث وقسوتها على النفس، وهذا بالتأكيد ليس من الأخلاق في شيء، ويعكس دناءة الشخصية عند من يشعر نفسه بأن فرصته المواتية للنيل من الطرف الآخر، أو زجه في التزام مادي أو معنوي في أي شأن من شؤون الحياة اليومية، ولذلك فمجمل القرارات التي تتخذ في مثل هذه الظروف، تظل قرارات لا يعول عليها في بناء رؤية مستدامة لما هو آت، وبالتالي فسرعان ما يكتشف حالة التسرع التي رافقت اتخاذها في ذلك الظرف الصعب، بعد أن تنجلي الغمة، ويعود الفرد إلى حالته الطبيعية.
تحتاج المواقف والرؤى المستدامة إلى كثير من التيقن الناتج عن معايشة الأحداث المستمرة، وذلك حتى تتأصل هذه الرؤى وتؤتي بنتائج واقعية توجه الأفراد نحو اتخاذ السلوكيات المتزنة، وغير المتسرعة، وبخلاف ذلك فمن المتوقع أن يحدث ترهل وردود أفعال متشنجة، ومتسرعة، وانفعالية، لا تعكس إدراكا حقيقيا لمسارات الأحداث، ونتائجها المتوقعة، وهذا لا يبني وعيا متأصلا لمواجهة الأحداث الجسام مع تكرارها في كل مرة، فالحياة؛ كما هو معلوم قائمة على أحداث متتالية، لا يكاد الإنسان ينهي حدثا ما، إلا ويصطدم بحدث آخر، قد يكون أشد ضراوة من سابقه، ويحدث هذا على المستويين الشخصي والعام، ولأن الفرد جزء من العام، فإن مآلات الأحداث تتداخل في اهتمامات العام والخاص على حد سواء، وهذا مما يعقد المسألة كثيرا، ويصعب الفصل بينهما، كما يلقي بالمسؤوليات على كلا الطرفين.
والمسألة تأخذ خطورتها أكثر من جانب الأفراد؛ خاصة في الأحداث العامة، وذلك لأن قناعات الأفراد وردود أفعالهم وأقوالهم مرتبطة كثيرا بمفهوم (حمالة أوجه) أي التغير والتبدل في المواقف والقرارات في أية لحظة، خاصة إذا كان ليس هناك التزام مادي ملموس، والإنسان؛ عموما؛ لا يلتزم إلا بالشيء المكتوب الموثق، وذلك للحد من التنصل بمسؤولياته تجاه العام، وللحد من مناوراته المعروفة، في لحظات الالتزام الجماعية، وللتقليل أيضا من حالات الانفعالات غير القائمة على أسس ثابتة، ومقنعة.
الكل ينادي بأهمية البعد الإنساني، وأن الحياة لا يمكن أن تتنصل منه في أي موقف كان، يروج بهذا المفهوم في حالات الظروف الطبيعية التي تكون فيها الأنفس آمنة مستقرة، لا تتنازعها المخاطر من كل حدب وصوب، ولكن في لحظة زمنية فارقة تتلاشى هذه الأهمية لهذا البعد، فتظهر الكوامن النفسية المخبوءة؛ حينها تتجرد الأنفس من إنسانيتها، وتظهر وجهها القبيح، حتى وإن تصنعت بالأناقة، وبالمظهر الكاذب، حيث تذهب هذه الأنفس إلى ما يروي عطشها، دون أدنى رحمة بالطرف الآخر، ذلك أن الإنسان مركب من مجموعة من الإشباعات العاطفية المختلفة، وإذا لم يتم إرواؤها إلى حد التخمة فإن هذه الإشباعات تظل أفواهها مفتوحة، ولن تغلق إلا بإلجامها بما تحن إليه، ولقد عايشنا ظروفا استثنائية عديدة - حدثت في فترات سابقة - تجلت فيها هذه الصورة في أسوأ معانيها؛ للأسف؛ خاصة في ظروف الأنواء المناخية التي مرت بها السلطنة في سنوات مضت، وهذه المشاهد وثقت، وكتب عنها الكثير.
غالبا من يتأثر بغير هدى في اللحظة الحرجة للأحداث؛ وخاصة الجسيمة منها؛ هم العوام من الناس، والذين ينجرون وراء كل ناعق بما يسمى بـ «عقلية القطيع» وفي المقابل أيضا هم أول من يتراجع عن مواقفهم، وفي لحظة زمنية قصيرة جدا، ليس لأنهم ليست لهم الرؤية الواعية مثل الآخرين الذين يراقبون المشهد من بعيد، ولكن لأن هناك انسياق غير طبيعي يعيشه الكثيرون من الناس في لحظات الذروة، هذه الصورة يؤكدها علماء النفس في تقييمهم للناس عندما يتخلى الفرد عن كل مكتسباته المعرفية، وخبرة الحياة في مثل هذه الظروف، وينساق في زمرة المجموعة؛ قد لا يدري إلى أين سوف تأخذه؛ المهم أنه ضمن المجموع؛ هكذا استسلام طوعي، وبلا مقابل، ولذلك حتى يعود الفرد إلى حالته الطبيعية يحتاج إلى فترة زمنية تتيح له التفكير للعودة إلى نقطة الصفر؛ التي كانت قبل طراوة الحدث الذي اغتال كل مقوماته التي تمكنه من أن يكون أكثر اتزانا، وأكثر حيادية، وهنا أشير إلى تغريدة نشرها أبو الخطاب المحرزي؛ عبر منصة «إكس» قال فيها: «هل تسيرنا العاطفة عندما تكون متأججة فقط أم لنا أهداف سامية؟ ويضيف: «يبدو لي ذلك جلي عندما يعلو صوت المقاطعة لوجود حدث يدغدغ العاطفة أو أخذنا طوفان التقليد فقط، فنتسابق للمقاطعة وماهي إلا أيام معدودة ويصدق فينا المثال القائل: عادت حليمة إلى عادتها القديمة. من لا يسير على هدف يضل الطريق». والمحرزي يذهب هنا إلى الإشارة إلى المقاطعة العشوائية؛ المرتهنة بقناعة الأفراد كل على حدة، وهذه النتيجة التي يشير إليها متوقعة بدرجة قد تصل إلى (100%) بعكس المقاطعة المنظمة التي تكون تحت مسؤولية جهة ما.
في أحلك الظروف وأشدها قسوة تتجرد بعض الأنفس من المعاني الإنسانية، وتنتصر للمصلحة الخاصة، والمصلحة الخاصة قد تذهب لخدمة مجال ما ينتمي إليه الفرد (طائفي؛ ديني؛ عرقي؛ جندري؛ والقائمة تطول) وهذا أشد إيلاما للبشرية؛ حيث يغيب البعد الإنساني ويتجرد الإنسان من إنسانيته، فيصبح وحشا كاسرا متعطشا للمادة؛ أكثر منها للمناخات الإنسانية؛ وهذا ليس تعميما؛ فـ «تأخذه العزة بالإثم» وبالتالي فلا يستغرب من هذا السلوك القاسي الذي يبديه الإنسان تجاه أخيه الإنسان، فهو هنا لم يتجرد من إنسانيته؛ كما هو القول الشائع؛ وإنما يوظف الذات الإنسانية نفسها في الجانب الآخر من معادلة الضمير، فما بين ضمير ميت وآخر حي، تتسع الممارسات، وتتمايز، وهذا كله لا يزداد ضراوة إلا في الأحداث الجسيمة التي تسيرها العواطف، أكثر من أن توازن في تفعيلها العقول.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کبیرة من
إقرأ أيضاً:
برنامج تدريبي متخصص بإدارة الأحداث الطارئة في المستشفيات
دبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلة 70 ألف تطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية قدمتها «الإمارات الصحي» «جراحة ومعالجة إصابات اليد» في ورشة بالشارقةنظمت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية برنامجاً تدريبياً شاملاً للسيطرة على الأحداث الطارئة بالاستناد إلى نظام إدارة الأحداث في المستشفيات (HICS)، بالتعاون مع شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»، ممثلة بمستشفيات الظفرة، وذلك في مركز التدريب والتطوير التابع للمؤسسة، وذلك في إطار جهودها المتواصلة لتعزيز جاهزية منشآتها الصحية لمواجهة التحديات والأزمات، وبهدف تطوير قدرات الكوادر الطبية والإدارية، وتدريبهم على تطبيق مبادئ النظام المعتمد عالمياً HICS وفق أعلى درجات الفعالية والاحترافية.
وأكدت الدكتورة وداد الميدور المهيري، مدير مركز عمليات الطوارئ في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، أن تنفيذ هذا البرنامج يأتي ضمن استراتيجية المؤسسة في تعزيز المرونة والرشاقة المؤسسية، ورفع جاهزية المنشآت، وضمان الاستجابة الفاعلة لمختلف المخاطر والطوارئ والأزمات، مضيفةً أنه يمثل محطة رئيسية في رحلة المؤسسة نحو ترسيخ جاهزية القطاع الصحي لمواجهة التحديات المستقبلية، وضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة تتماشى مع رؤيتها لتحقيق الريادة في الاستجابة للطوارئ والأزمات.
وأشارت الميدور أن البرنامج يُعد جزءاً من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز مرونة القطاع الصحي في الدولة، وترسيخ مكانة دولة الإمارات نموذجاً رائداً في إدارة الطوارئ والأزمات، وتمكين الفرق المختصة في المنشآت الصحية التابعة للمؤسسة من توظيف الموارد بكفاءة لضمان استمرارية الأعمال والتعافي بأقل الخسائر الممكنة عند التعامل مع الأحداث الطارئة، مما سيسهم بدوره في ضمان الجاهزية القصوى للاستجابة الفورية للأزمات، معربة عن سعادتها بالتعاون مع شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»، ممثلة بمستشفيات الظفرة في تنظيم هذا البرنامج التدريبي، مؤكدة أن هذه الشراكات تعزز التكامل بين مختلف القطاعات الصحية، وتسهم في تحقيق الأهداف المشتركة لضمان أعلى مستويات الأمان والاستجابة السريعة لحالات الطوارئ.
ويستند نظام إدارة الأحداث في المستشفيات (HICS) إلى النهج العالمي المعتمد لنظام السيطرة على الأحداث (ICS) الذي تم تطويره لإدارة الكوارث الكبرى، وقد تم تكييفه خصيصاً لقطاع الرعاية الصحية، حيث يقدّم حلولاً شاملة لتحسين التخطيط والاستجابة للأزمات، وتعزيز قدرة المستشفيات على التعافي السريع من الأحداث الطارئة، مع ضمان مواصلة تقديم الخدمات الصحية، ويأتي في ظل تزايد التحديات التي تواجه المستشفيات على المستويين المحلي والعالمي، بدءاً من الكوارث الطبيعية ووصولاً إلى الهجمات السيبرانية.
ويركز البرنامج على محاور رئيسية تتضمن التدريب على توحيد إجراءات إدارة الأحداث بين جميع المستشفيات والمنشآت الصحية، وتوضيح الأدوار والمسؤوليات والمهام، بما يتماشى مع النظام الوطني لإدارة الحدث، إضافة إلى تعزيز البنية التحتية وطرق التواصل داخل غرف التحكم، وقد شمل البرنامج تفعيل نظام «غياث» التفاعلي لإدارة الطوارئ، الذي سيسهم في توفير استجابة منظمة وسريعة للأحداث الطارئة.
تمكين
يهدف البرنامج إلى تمكين قيادات مدربة على جميع المستويات، قادرة على اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة في الوقت المناسب، مع ضمان التنسيق الفعال بين جميع أقسام المنشآت الصحية، كما يعزز البرنامج استدامة المهارات عبر توحيد الممارسات، مما يساعد على رفع كفاءة الاستجابة وحماية الأرواح وضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحية الحيوية.