بوابة الوفد:
2025-03-19@22:11:04 GMT

قبل أن ينتحر العالم

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

أنا ابن زمن العولمة، حيث الوجع هو شعور عام، والتعاطف مع الآخر يتجاوز حدود الجغرافيا، والهويات العرقية، والدينية. تعلمت وتطورت ثقافيًا وفكريًا فى ظل فكرة النهايات العظمى، وأفول الفكر الشمولى، عندما طرح فوكوياما «نهاية التاريخ» وعندما بشرنا توماس فريدمان بأن زمن الحروب ولى إلى غير رجعة، وأنه لن تتكرر فواجع البشر فى الحربين العالميتين الأولى والثانية.

كنت أحفظ عبارات رصينة من كتاب الرجل المعنون  بـ «السيارة لكزس وشجرة الزيتون» وتقبلت بحسن ظن وربما بسذاجة مقولته بأن الحرب لن تنشب بين بلدين يضم كل منهما محلات ماكدونالدز، لأن رياح العولمة متى حلت فى أرض سلخت عنها توحش الإنسان، وعنفه، ودفعته دفعًا نحو السلام والتعايش وقبول الآخر.

رأيت مع جيلى ومن قاربوهم ما لم أره. دوختنى خارطة الأحداث، وتفتت فى رأسى عشرات القيم والأفكار بفعل ما شهدت وشاهدت فى العقدين الماضيين. قامت حروب، قتل وشرد ملايين البشر، دُمرت دول، وقامت ثورات، ونشبت صراعات، وانقلبت الأحوال كما لم نتخيل، وعاد التوحش يفتك بإنسانيتنا، مؤكدًا أن الإنسان مهما تقدم، فلديه شعور حيوانى دائم، وأنه مهما علا بتقنياته وابتكاراته فإنه خفيض بقسوته وتجبره وظلمه.

والآن تعصف آلة الحرب الإسرائيلية بكل قيم العالم الحديث. تفتك بالسلام وتسحق الأمن وتمحق الوئام، وتدفعنا لنتساءل:ما الحريات؟ وما حقوق الإنسان والحيوان؟ وما مؤسسات الإنسانية وما إغاثة المنكوبين أمام إرهاب دولة يستعذب التهام جثث الأطفال فى تلذذ وسادية؟

أنظر إلى مشاهد بشر موجوع على فقد ذويهم تحت انقاض قصف متوحش، لأشعل النار فى كتب العولمة والسلام والتحضر، وألعن أفكار فرانسيس فوكوياما، وتوماس فريدمان، واختراعات الطب والدواء، والذكاء الاصطناعى والفضاء الإلكترونى.

ما مجد الإنسان فى العالم المتمدن والجميع لا يبارح مقاعد المتفرجين على المذابح البشعة؟ ما كل دعوات السلام ومبادرات التعايش وإعلانات الدولة الصهيونية لا تطرح سوى التصفية ومحو الآخر! ما مؤسسات العالم العظيمة وقوانينها وجهودها والدم العربى مازال يراق تحت دعاوى إنهاء القضية؟!

ما العدل الدولى العظيم وحكومة نتنياهو الإرهابية التى تزعم أنها دولة متقدمة تحاسب أطفالًا ونساء عُزلا على صفعة فصيل واحد لها تتهمه بالإرهاب، وفشلت أمنيًا فى صده؟

كإنسان مسالم يكره الحرب يخاف خوفى من الغد أكثر وحيرتى تتضاعف. فى حسبة المراجعات التى لا تنتهى صرت ضد كل شئ يموج حولى. أنا ضد القادة والزعماء وجنرالات الحرب وأبواق التحريض والمتاجرين بالمواقف والمُنظرين الأدعياء، وهتيفة المظاهرات، وأصحاب البذلات المنمقة فى المؤتمرات الصاخبة.

فى الحرب القاسية لا فرق لدى بين قاتل معلن وآخر مستتر، وبين مشارك ومَحرض، وبين مستغل ومستفيد. أكفر بالورق والحبر والقصائد وبيانات الشجب وتحليل الخبراء وكلمات الساسة، وأرنو لكل مُطفئ لنار الحرب التى لا يدفع ثمنها سوى الغلابة الطيبين الساكنين المؤمنين بالسلام.

أصدق مقولة المفكر النجيب حازم صاغية التى علق بها على الأحداث قائلا بأن «أسوأ شعار يرفعه بعض العرب فى الحرب الآنية هو أن العالم لا يعرف سوى لغة القوة، ذلك لأن العرب منعدمو القوة، وهم فى أضعف لحظاتهم التاريخية». والأولى والأهم والأنسب الآن هو أن نفعل خيارات السياسة، فنوظف كل الطاقات والإمكانات، والأدوات الممكنة وهى كثيرة لنوقف شلال الدم، ونكبح جماح الحرب، ثم نتصارح بعدها ونتدبر فى نتائج ما حدث وآثاره لنخطط لما هو آت بعقل ووعى وإحساس بأرواح البشر التى قد تزهق دون حساب. ليس هذا تعليقا على ما يحدث، فما يحدث لا يحتمل أى تعليق، إنما هى شذرات من مشاعر متباينة تعصف بالذهن فى محاولة للتفكير فيما ينبغى فعله.

والله أعلم.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الوجع فوكوياما نهاية التاريخ

إقرأ أيضاً:

ترامب ينقلب رأساً على قدم

لم تمر أشهر ثلاثة على تولي، دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، حتى انقلب على الموقف الأساسي الذي اعتمده في معركته الانتخابية، وتهجّمه على جو بايدن الرئيس الأمريكي السابق، رأساً على عقب. يعني أصبح واقفاً على رأسه، و قدميه إلى أعلى. كيف؟

الكل يذكر أنه راح ينقد بايدن، لتورّطه في حرب أوكرانيا، وغزة أو اليمن، أو لبنان، مدعيّاً أنه سيحقق الأهداف الأمريكية، بسياسة الصفقات، بعيداً من الحرب. وأكد قبل أن يصل إلى الرئاسة، أنه يريد تسلّم السلطة الأمريكية، بلا حروب مشتعلة. وقد لعب دوراً هاماً في الضغط على نتنياهو، لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، في أواخر عهد بايدن.

ولكن لم تمر أشهر ثلاثة، على رئاسة ترامب، حتى اندلعت حرب أمريكية مجنونة، ضدّ اليمن، وفي ظل تهديدات مجنونة، لشنّ الحرب ضدّ إيران، ثم اندلاع الحرب من جديد في قطاع غزة، وبوحشية فاقت في يوم واحد 17/18/3/2025، معدّل الحرب طوال 16 شهراً، في غزة. والأهم، إن اصبعه الآن على الزناد، لإطلاق حرب إقليمية (ربما شبه عالمية) ضدّ إيران.

عندما يتحوّل ترامب بهذه الشخصية، من رجل "الصفقات" إلى رجل الحرب، واستخدام القوّة العسكرية، أو على حدّ تعبيره الأثير إلى منهجية "فتح أبواب الجحيم"، يعني أن العالم أصبح في مواجهة أخطار شديدة، لم يُحسب حسابها من قبل، أو لم يمرّ بمثلها من قبل.بكلمة، أصبح ترامب الآن، رجل الحرب، والحرب فقط، بدل رجل السلم والسياسة والصفقات فقط. الأمر الذي يشهد على فشله، بالنسبة إلى ما وضعه من سياسات، قبيل تسّلمه الرئاسة، وما بعدها بشهرين تقريباً. فما يفعله الآن في حربه في اليمن، وفي غزة، وما يهدّد به إيران، يجعل منه ترامب آخر، من ناحية الاستراتيجية في تحقيق الأهداف، مع محافظته على شخصيته النزقة الهوائية الرغائبية، والمتقلبة من فشل إلى فشل.

ومن ثم لم يعد لدى ترامب، من سبب يبقيه في الميدان، غير رئاسته للدولة الأمريكية، بما تمتلكه من نفوذ وجيش ومال، بما يسمح له أن يفشل فينقل "البندقية" من كتف إلى الكتف الآخر. ومن دون أن يرمش له جفن.

عندما يتحوّل ترامب بهذه الشخصية، من رجل "الصفقات" إلى رجل الحرب، واستخدام القوّة العسكرية، أو على حدّ تعبيره الأثير إلى منهجية "فتح أبواب الجحيم"، يعني أن العالم أصبح في مواجهة أخطار شديدة، لم يُحسب حسابها من قبل، أو لم يمرّ بمثلها من قبل. لأن نوع المخاطر والفوضى، والحروب (ومستواها) قد يُحوّل النظام العالمي السائد، إلى خطر العيش فوق أرض نووية، قد تنفجر في أيّة لحظة. لأن عقلية ترامب، ستكون العقلية نفسها، في تعامله مع الصين وروسيا، والدول الكبرى الأخرى، وفقاً للنتائج المترتبة على خريطة حروبه الراهنة. وذلك بغض النظر، في حالة الفشل، كما في حالة النجاح فيها.

ففي حالة الفشل، سيذهب ترامب لوصفة "داوني بالتي كانت هي الداء"، وفي حالة "النجاح"، لا سمح الله، سيذهب لوصفة "هكذا تعالج الأمور".

من هنا يكون العالم كله، أمام تطوّر جديد في نهج ترامب، يتطلب منه تدارك هذا الجنون، مبكراً، قبل أن يستفحل، ويأخذ مداه. وذلك من خلال التحرك السريع ضد سياسات الحرب التي أطلقها في اليمن وغزة، ويُهدّد بإطلاقها ضدّ إيران.

أما على مستوى الذين يتعرضون للحرب، فإن الصمود أو المواجهة، هما الخيار الصحيح، لإفشاله والمساهمة مع العالم كله، في دفع هذا البلاء المستطير.

مقالات مشابهة

  • نتانياهو يحارب العالم
  • ترامب ونتنياهو…هل يُدشنان ميدانيا عصر ما بعد العولمة…دعوة للتفكر..؟.
  • شواطئ الأنثروبولوجيا.. الإنسـان والعــالم (2)
  • خبير آثري يكشف عن أسرار هرم الملك أوناس
  • ترامب ينقلب رأساً على قدم
  • اتجاهات مستقبلية
  • أبناء المؤسسات الرياضية العسكرية يحققون إنجازات ويحصدون العديد من الميداليات بمختلف البطولات
  • شذى حسون تكشف عن تعرضها للخيانة وأزمتها مع الرجال .. فيديو
  • سفاحون أرعبوا العالم.. إيميليا داير صنفوها بأبشع سفاحة في القرن الماضى بإنجلترا
  • 22 ميدالية في 3 أشهر.. إنجازات تاريخية لأبطال المؤسسات الرياضية العسكرية