أنا ابن زمن العولمة، حيث الوجع هو شعور عام، والتعاطف مع الآخر يتجاوز حدود الجغرافيا، والهويات العرقية، والدينية. تعلمت وتطورت ثقافيًا وفكريًا فى ظل فكرة النهايات العظمى، وأفول الفكر الشمولى، عندما طرح فوكوياما «نهاية التاريخ» وعندما بشرنا توماس فريدمان بأن زمن الحروب ولى إلى غير رجعة، وأنه لن تتكرر فواجع البشر فى الحربين العالميتين الأولى والثانية.
كنت أحفظ عبارات رصينة من كتاب الرجل المعنون بـ «السيارة لكزس وشجرة الزيتون» وتقبلت بحسن ظن وربما بسذاجة مقولته بأن الحرب لن تنشب بين بلدين يضم كل منهما محلات ماكدونالدز، لأن رياح العولمة متى حلت فى أرض سلخت عنها توحش الإنسان، وعنفه، ودفعته دفعًا نحو السلام والتعايش وقبول الآخر.
رأيت مع جيلى ومن قاربوهم ما لم أره. دوختنى خارطة الأحداث، وتفتت فى رأسى عشرات القيم والأفكار بفعل ما شهدت وشاهدت فى العقدين الماضيين. قامت حروب، قتل وشرد ملايين البشر، دُمرت دول، وقامت ثورات، ونشبت صراعات، وانقلبت الأحوال كما لم نتخيل، وعاد التوحش يفتك بإنسانيتنا، مؤكدًا أن الإنسان مهما تقدم، فلديه شعور حيوانى دائم، وأنه مهما علا بتقنياته وابتكاراته فإنه خفيض بقسوته وتجبره وظلمه.
والآن تعصف آلة الحرب الإسرائيلية بكل قيم العالم الحديث. تفتك بالسلام وتسحق الأمن وتمحق الوئام، وتدفعنا لنتساءل:ما الحريات؟ وما حقوق الإنسان والحيوان؟ وما مؤسسات الإنسانية وما إغاثة المنكوبين أمام إرهاب دولة يستعذب التهام جثث الأطفال فى تلذذ وسادية؟
أنظر إلى مشاهد بشر موجوع على فقد ذويهم تحت انقاض قصف متوحش، لأشعل النار فى كتب العولمة والسلام والتحضر، وألعن أفكار فرانسيس فوكوياما، وتوماس فريدمان، واختراعات الطب والدواء، والذكاء الاصطناعى والفضاء الإلكترونى.
ما مجد الإنسان فى العالم المتمدن والجميع لا يبارح مقاعد المتفرجين على المذابح البشعة؟ ما كل دعوات السلام ومبادرات التعايش وإعلانات الدولة الصهيونية لا تطرح سوى التصفية ومحو الآخر! ما مؤسسات العالم العظيمة وقوانينها وجهودها والدم العربى مازال يراق تحت دعاوى إنهاء القضية؟!
ما العدل الدولى العظيم وحكومة نتنياهو الإرهابية التى تزعم أنها دولة متقدمة تحاسب أطفالًا ونساء عُزلا على صفعة فصيل واحد لها تتهمه بالإرهاب، وفشلت أمنيًا فى صده؟
كإنسان مسالم يكره الحرب يخاف خوفى من الغد أكثر وحيرتى تتضاعف. فى حسبة المراجعات التى لا تنتهى صرت ضد كل شئ يموج حولى. أنا ضد القادة والزعماء وجنرالات الحرب وأبواق التحريض والمتاجرين بالمواقف والمُنظرين الأدعياء، وهتيفة المظاهرات، وأصحاب البذلات المنمقة فى المؤتمرات الصاخبة.
فى الحرب القاسية لا فرق لدى بين قاتل معلن وآخر مستتر، وبين مشارك ومَحرض، وبين مستغل ومستفيد. أكفر بالورق والحبر والقصائد وبيانات الشجب وتحليل الخبراء وكلمات الساسة، وأرنو لكل مُطفئ لنار الحرب التى لا يدفع ثمنها سوى الغلابة الطيبين الساكنين المؤمنين بالسلام.
أصدق مقولة المفكر النجيب حازم صاغية التى علق بها على الأحداث قائلا بأن «أسوأ شعار يرفعه بعض العرب فى الحرب الآنية هو أن العالم لا يعرف سوى لغة القوة، ذلك لأن العرب منعدمو القوة، وهم فى أضعف لحظاتهم التاريخية». والأولى والأهم والأنسب الآن هو أن نفعل خيارات السياسة، فنوظف كل الطاقات والإمكانات، والأدوات الممكنة وهى كثيرة لنوقف شلال الدم، ونكبح جماح الحرب، ثم نتصارح بعدها ونتدبر فى نتائج ما حدث وآثاره لنخطط لما هو آت بعقل ووعى وإحساس بأرواح البشر التى قد تزهق دون حساب. ليس هذا تعليقا على ما يحدث، فما يحدث لا يحتمل أى تعليق، إنما هى شذرات من مشاعر متباينة تعصف بالذهن فى محاولة للتفكير فيما ينبغى فعله.
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الوجع فوكوياما نهاية التاريخ
إقرأ أيضاً:
قوات النجدة بعمران تحقق إنجازات أمنية متميزة “إحصائية”
يمانيون../
حققت قوات النجدة في محافظة عمران، خلال شهر ربيع الآخر المنصرم خلال العام الجاري 1446 هجرية، إنجازات أمنية متميزة، أسهمت في تحقيق الأمن والاستقرار والسكينة العامة، وضبط عمليات التهريب للحفاظ على الاقتصاد الوطني.
وذكرت إحصائية صادرة عن قوات النجدة بمحافظة عمران أنها نفذت خلال شهر ربيع الآخر الماضي، 318 مهمة وحملات أمنية، و278 مهمة دورية ثابتة ومتحركة، و83 مهمة إنسانية، و40 مهمة حماية أمنية وتامين مسيرات واحتفالات ومناسبات رسمية وشعبية.
وأوضحت الإحصائية أن قوات النجدة بالمحافظة ضبطت خلال الفترة المذكورة، العديد من القضايا المختلفة والمتهمين بارتكابها، كما تم ضبط 37 وسيلة نقل مختلفة في قضايا أمنية وتهريب.
وجاء في الإحصائية أن قوات النجدة بعمران ضبطت خلال الفترة ذاتها، 858 كيلو و872 جرام من الحشيش المخدر، و3 ملايين و145 ألف و5 حبات مخدرة نوع “برجالين”، و75 ألف حبة موع “كبتاجون، وضبط 193 جرام من الشبو، و348 مغلف “قرطاس” تبغ محظور نوع “الحوت”، ضبطت جميعها على متن عدد من وسائل النقل أثناء ما كانت قادمة من مناطق سيطرة العدوان متجهة نحو الأراضي السعودية، وأحيل المتهمين بحيازاتها الى الجهات المختصة.
وفي مجال مكافحة التهريب ضبطت قوات النجدة بالمحافظة خلال الفترة نفسها، 500 علبة، و28 ألف و773 مغلف “قرطاس” مبيدات زراعية ممنوعة ومهربة، وضبط 101 باكت أدوية، وكمية من التفاح الخارجي جميعها مهربة.
وفي مجال ضبط الهجرة الغير شرعية ضبطت قوات النجدة بالمحافظة خلال شهر ربيع الآخر، 419 مهاجرا غير شرعي جميعهم يحملون الجنسيات الأفريقية، و4 اشخاص متهمين بالتهريب، ووسيلتي نقل تستخدم للتهريب، وتم إيصال المهاجرين غير الشرعيين إلى الهجرة والجوازات ومراكز الإيواء لاستكمال الإجراءات القانونية لترحيلهم.