بوابة الوفد:
2025-02-05@23:06:01 GMT

التصوف والتنوير

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

هل يتضاد التصوف مع العقل ومن ثَم التنوير؟ سؤال صاحبنى سنوات عديدة وطفتُ به بين الكتب والبلدان بحثًا عن إجابته التى رأيتُ فيها تجاور العقل والتصوف فى بلدان وبيئات متقدمة علميًا؛ لأن التصوف يعالج جوانب الروح بينما التنوير يعيش فى كنف العقل؛ ولذا فما أحوجنا إليهما، وهذا لا ينفى أن يختار من شاء أحدهما ولا ضير.

لقد عشتُ فى أجواء صوفية منذ ميلادى وقد سمعتُ عن الكرامات الصوفية منذ نشأتى الأولى واستهوتنى هذه العجائبية؛ ولذا حصلت على منحة ألكسندر فون هومبولت على مشروع (أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة فى الشكل والمضمون)، صدر فى طبعاته بألمانيا والإمارات العربية ومصر. ونقلت هذه الحكايا التى كنت أسمعها عن الأولياء الذين يمشون على الماء ويطيرون فى الهواء إلى عالم الإبداع فرأيت أنها جنس أدبى مستقل ربما يكون نواة الحكى والسرد القصصى والروائى. فالكرامة التى تحكى عن وَلى يعيش فى قرية مجاورة لنا شرق النيل وصاحبه الولى الذى يقطن غرب النيل. وأن الولى الشرقى يشعل حطبًا فى الشتاء ويمسك بيده الجمر فيكوّره كرات ويرميها بيديه إلى الولى الغربى فيتناولها بيديه ويتدفأ بها دون أن تضرهما، والمسافة بين دفتى النهر تصل إلى قرابة الكيلومتر. هذا النص بعجائبيته وغرائبيته لا يقبل التشكيك لدى مُعتنقيه. نص شفوى متناول بين الناس ولا يجرؤ أحد على تكذيب سارده، لكن هذا لم يفصلنى عن العقل فقد درستُ أبا العلاء المعرى فى رسالتى للدكتوراه وانشطر البحث العلمى فى عقلنة المعرى وعرفانية التصوف. مازلت أرى أن العلم والثقافة هما الطريق الوحيد للتقدّم. كل الحضارات التى سادت بقيت بالعلم والتى زالت عندما اضمحلّ علمها. والثقافة المشتقة من ثَقَف أى قوّم فروع الأشجار لتغدو رماحًا لا ميل فيها ولا اعوجاج، هنا يصبح العقل قادرًا على التفكير دون تأثير الغير عليه، وهذا هو التنوير الذى ننادى به لمجتمعاتنا العربية، التنوير الذى يعنى فى أبسط تعريفاته، «إعمال العقل بمعزل عن تأثير الغير».

مختتم الكلام

الماءُ قد ترك السفينةَ عند أول مَرفأٍ ومضَى..

والعُرْب قد تركوا السفينةَ عند أول موجةٍ ومضوْا...

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التنوير

إقرأ أيضاً:

محاولة قراءة موازية لما بعد العقل الواعي (١)

‏‏‎من الحقائق التي أصبحت معترفا ً بها من الجميع , أننا البشر لا نستعمل سوى جزءا ً صغيرا ً من قدراتنا العقلية الكامنة . وقد أكد ذلك أحد العلماء قائلا ً : " في الغالب أن 99% من القدرات البشرية تضيع كليا ً وتذهب هباء , وحتى اليوم , فالذين يعتبرون مثقفين ومتعلمين بيننا , غالبا ً يسلكون في معظم الوقت سلوك الآلة الميكانيكية , ولا يتسنى لهم الفرصة للإحساس بوجود الثروات الكامنة في أعماق كيانهم إلا بلمحات خاطفة لمرة أو مرتين في الحياة .
‏‎مضى من الزمن نحو عشرة ملايين سنة من النشوء والتطور , للعقل الإنساني المثير للدهشة , والذي على ما يبدو يملك قدرات لا حد لها , غير أننا لا نستعمل سوى جزءا ً ضئيلا ً منه فحسب ونشبه في ذلك عائلة تملكت قصرا ً ضخما ً إلا أنها تفضل القبوع في ركن من أركان خارجه..
‏‎إن إصرار الحضارة الغربية على الاهتمام بالشكل الخارجي للحياة وعلى المحاولة الدائمة للسيطرة على الطبيعة وتسخيرها قد أدّى إلى تحقيق إنجازات تكنولوجية كبيرة , ولكنها كلفته ثمنا ً غاليا ً . إنها بذلك تجاهلت وأهملت تجاربنا النفسية الداخلية وأصبحت " النفسية المنكمشة " للإنسان اليوم تصرخ طلبا ً في التوسع والانبساط وهكذا نرى الآن في العالم كله حولنا اهتماما ً مجددا ً ومحموما ً بالعلوم الروحانية وأيضا ً بالعلوم النفسية والقدرات الغيبية , ومدارس التأمل والتصوف , والعقاقير المؤثرة على العقل والتنويم المغناطيسي واليوغا و .. و.. إن ظمأ البشر لعالم الغيب ولتخطي المظاهر الشكلية والتوصل إلى جوهر الأشياء قد اشتدت ويتزايد عدد القائمين "برحلات داخلية " هدفها الإدراك المتزايد لقدراتهم الكامنة , ولتنمية الطاقات الكبيرة المخفية بجوهرهم, ولكن كما قال لنا أحد علماء الأحياء المعاصرين:
‏‎" علينا أن نعرف إلى أين نذهب وكيف لنا أن نصل هناك "
‏‎إلى أين نذهب , وكيف لنا أن نصل هناك ؟ فإذا كنا في طريقنا لرحلة إلى أعماق كياننا فإننا في حاجة إلى خريطة توضح لنا المناطق أو الأشياء المراد استكشافها .

mohamed79salih@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • فى الحركة بركة
  • ترامب المظلوم.. وكلوديا الثائرة!
  • حجاب الفنانات موضة رمضان
  • محاولة قراءة موازية لما بعد العقل الواعي (١)
  • محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يختتم فعالياته اليوم.. وضيوف عرب: حدث يليق بعظمة مصر
  • جناح «الإفتاء» في معرض الكتاب.. منصة لمعالجة قضايا العصر بمنظور شرعي
  • الانسحاب الرسمي في يناير 2026.. أمريكا تهدد مناخ العالم وإفريقيا الخاسر الأكبر
  • خيرى بشارة: لا أحب تكرار نفسي.. وميولي وقناعاتي الدينية مع التصوف
  • معلومات لاتعرفها عن المنشد الراحل عامر التوني