إلى عدوى البغيض دوماً سيادة اللورد البريطانى المذموم «آرثر جيمس بلفور».. أعلمك أننى على يقين نابع من قلب مؤمن بوعد الله فى النصر والثبات، أنك فى الدرك الأسفل من جهنم، تتقلب على جمر من نار، لا تموت بسببه ولا تحيا.. بجوار الطغاة ومجرمى الحرب وقتلة الإنسانية: «نيرون»، «كاليجولا»، «هتلر» و «موسولينى».
لم يُرفع عنك العذاب يا وزير الخارجية البريطانى الشرير «بلفور» شيطانك الأكبر ومؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة الصحفى اليهودى النمساوى المجرى «تيودور هرتزل».
هل صدقت وآمنت يا «بلفور» حقاً بما قاله هذا المعتوه «هرتزل» الجاهل بحركة التاريخ، وحق الشعوب فى أرض الأجداد ودفاتر الذكريات وحكايات الأجيال؟! أردد عليك ما قاله، فكل كلمة قالها حكم عليه من رب العزة ألا يسقط عنه العذاب إلى يوم تجتمع الخصوم بملايين الشيوخ والأطفال والنساء والرجال من الفلسطينيين الذين تعرضوا لمجازر دموية وحرب إبادة وتهجير.. يقول «هرتزل» السفاح: إذا حصلنا يوماً على مدينة القدس وكنت ما أزال حيًا وقادرًا على القيام بأى عمل، فسوف أزيل كل شىء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أحرق جميع الآثار الموجودة ولو مرت عليها قرون.
أما رسالتك القصيرة أيها اللورد البريطانى الكريهة «بلفور» بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى رئيس الجالية اليهودية فى بريطانيا اللورد «ليونيل وولتر دى روتشيلد»، تبشره فيها «إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية».. فقد اعتبرها أشرار العالم ممن يريدون التخلص من شراذم اليهود فى دول أوروبا الوعد الحلم، حتى لو جاء ذلك على جثث أصحاب مفاتيح البيوت وورثة الأرض منذ آلاف السنين.. هذا الوعد اللعين ضمن صك انتداب بريطانيا من عصبة الأمم على فلسطين، كما أصبح المبدأ التوجيهى للحكم البريطانى للبلاد خلال السنوات الثلاثين التالية، ليتمّ تنفيذه النهائى مع قيام إسرائيل فى سنة 1948، ما غيّر وجه الشرق الأوسط وتاريخه.
كالذئاب الجائعة تم افتراس عالمنا العربى من قبل الاحتلال الفرنسى والبريطانى، فى السنوات المائة وتزيد التى مرت على وعد «بلفور» المشئوم، توالت الوعود البريطانية، باغتصاب فلسطين لتكون وطنًا لليهود، ففى الفترة ذاتها، كان المندوب السامى البريطانى فى مصر السير «هنرى مكماهون»، قد وعد سراً الشريف حسين، شريف مكة، بأنّ بريطانيا ستدعم الاستقلال العربى بعد الحرب العالمية الأولى، وبناءً على هذه الضمانات أَطلقت قوةٌ عسكرية عربية تحت قيادة الأمير فيصل ابن الشريف حسين، ثورةً ضدّ العثمانيين فى يونيو 1916.. لتبدأ عملية تقسيم الامبراطورية العثمانية ــــ تركة الرجل المريض ـــ فدخلت القوات البريطانية فلسطين واستولت على القدس فى ديسمبر 1917، وبحسب ما دونته كتب التاريخ تم احتلال البلد مع حلول أكتوبر 1918. كما تمّ فرض حكومة عسكرية فى فلسطين، الأمر الذى سمح ببدء تكريس دعائم الوطن القومى اليهودى على الأرض وفق وعد بلفور حتى قبل انتداب بريطانيا على فلسطين رسمياً: ففى يوليو 1920، أصبح صهيونى معروف هو السير «هربرت صموئيل»، أوّل مندوب سامٍ فى فلسطين، وفى أغسطس وافقت الإدارة المدنية الجديدة على أوّل مرسوم هجرة يهودية.
ختاماً أعطيت يا «بلفور» ما لا تملكه لمن لا يستحقه.. فحق عليك العذاب إلى يوم الدين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قلب مؤمن
إقرأ أيضاً:
يخجلني أن بريطانيا شاركت في جحيم غزة
ترجمة: أحمد شافعي -
ما كنت لأتخيل وأنا أعمل أستاذا لجراحة زرع الأعضاء في مستشفى تعليمي كبير في لندن أن يأتي يوم فأجد نفسي فيه أجري جراحة لطفلة في الثامنة من العمر توشك أن تموت بالنزيف فتقول لي ممرضة التنظيف إنه لم يبق من ضمادات متاحة. لكنني وجدت نفسي في ذلك الموقف في أغسطس الماضي وأنا أجري جراحة في مستشفى ناصر بغزة بوصفي متطوعا في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين (Map). تقلصت مهمتي إلى حد اغتراف الدم بكلتا يدي، فاجتاحتني موجة غثيان ساحقة، وانتابني شعور بأن الطفلة لا يمكن أن تنجو. ومن حسن الحظ أنها نجت، برغم أن الكثيرين لم تكتب لهم النجاة.
بعد أن تقاعدت من هيئة الصحة الوطنية البريطانية، قررت الذهاب إلى غزة، لما بات واضحا أن الحاجة ماسة هناك إلى مساعدة جراحية، وكان لدي من المهارات ما أسهم به. ولقد كانت الحياة بوصفي جراح زراعة أعضاء في لندن شاقة، لكنها مجزية إلى أقصى حد، وبوصفي عضوا كبيرا في مجتمع زراعة الأعضاء كنت أنعم بمكانة معينة. فكان منتظرا أن تكون تجربة غزة مختلفة، لكن ما كان لشيء أن يؤهلني مسبقا لما وجدته حال وصولي.
منذ اللحظة التي عبرت فيها إلى الأراضي الفلسطينية، وحثنا سفين، وهو رجل سويدي ضخم يرتدي قميصا مشجرا متنافر الألوان يقود قافلة سيارات لاند كروزر التابعة للأمم المتحدة، بقوله «حاولوا ألا تتعرضوا للقتل»، باتت الحياة غريبة، والتجربة مربكة حتى أقصى درجة. والواقع أن السيارات التي نقلتنا تعرضت لقصف الجيش الإسرائيلي بعد أيام من وصولنا. فغزة هي أخطر مكان للعمل على وجه الأرض، إذ تعرض فيها للقتل ثلاثمائة عامل إغاثة وألف من العاملين الصحيين منذ بدء الحرب.
أثارت رحلتنا عبر جنوب غزة إلى قاعدتنا صور هيروشيما المقبضة. فجميع المباني، في نطاق أميال كثيرة من كل اتجاه، سوِّيت حرفيا بالأرض فلم تعد غير جزء من الأفق الترابي، وباستثناء عدد قليل من المسلحين الذين ينهبون الركام، لوحظ أنه لم يكن أحد من الناس في الأفق كله. وما كدنا نصل إلى مستشفى ناصر، حتى وجدنا في انتظارنا فوضى من القرون الوسطى تتجاوز قدرات الخيال.
كانت العنابر مكدسة، وقد رُصَّت الأسرَّة فيها وفي الممرات، بل وطغت حتى على الشرفات المفتوحة، وقد أحيط كثير منها بحشايا على الأرض كان الأقارب ينامون عليها لمساعدة الممرضات في رعاية المرضى. انعدمت النظافة. وفي أكثر الأحيان لم يكن يسمح بدخول الصابون والشامبو وسوائل التنظيف إلى غزة، وقلَّت الإمدادات الطبية التي كانت تخضع هي الأخرى لقيود الاستيراد. وفي حالات كثيرة، فحصت جروحا فوجدت فيها ديدان حية، بل لقد تعين في إحدى الحالات على زملائي من منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين أن يزيلوا الديدان من حلق طفل حينما وجدوها تعوق جهاز التنفس الصناعي. وفي أوقات كثيرة نفد ما لدينا من القفازات والأردية والسواتر المعقمة.
كان المستشفى يرتج بانتظام بسبب قصف القنابل في الجوار. وشأن أغلب المستشفيات الأخرى، تعرض المستشفى للهجوم في فبراير من العام الماضي، فلقي كثير من العاملين والمرضى مصرعهم. وكنا نتلقى كل يوم حادثة أو اثنتين لجماعات من الضحايا فيتحول استقبال الطوارئ إلى دوامة كأنها من جحيم دانتي مليئة بالأجسام والدم والأنسجة والصغار الصارخين وقد فقد كثير منهم أطرافهم. وكان دأب ذلك أنه يعني موت ما بين عشرة وخمسة عشرا، وإصابة ما بين عشرين وأربعين بإصابات جسيمة.
كنا نستقبل الضحايا في أي وقت، من ليل أو نهار، وفي بعض الأحيان كنا نعمل بلا توقف لأكثر من أربع وعشرين ساعة. كان ثمة تخوف دائم من أن القصف المنتظم بالقرب من المستشفى سوف يستهدفنا يوما ما، فكان يصعب علينا النوم. كان العاملون المحليون المنهكون يخجلوننا بتفانيهم في عملهم الشاق، وبعيدا عن أوضاع المستشفى، كانوا يحتملون الحياة في «خيام» لا تعدو في كثير من الأحيان قطعا من أبسطة مثبتة على أعمدة خشبية، بلا مياه جارية أو صرف صحي. ولم أر أيضا دليلا قط على حضور حماس، سواء في المستشفى أو خارجه، مع أنه لم تكن من قيود مفروضة على حركتنا.
عندما أرجع النظر، أرى أن صور الأطفال المصابين هي التي لن تغادر مخيلتي أبدا. في إحدى الأمسيات، أجريت عملية جراحية لطفل اسمه عامر يبلغ من العمر سبع سنوات، أصيب برصاصة من إحدى الطائرات المسيرة التي تهبط فور انتهاء القصف لتصطاد من يفرون، وجميعهم من المدنيين. كان قد أصيب بجروح في الكبد والطحال والأمعاء، وكان جزء من معدته بارزا من صدره. وكنت في غاية السعادة حين رأيته ينجو. لكننا كنا نرى مرضى مثله كل يوم، ومعظمهم لم يكونوا سعداء الحظ.
كانت معظم الحالات التي عالجناها من النساء والأطفال، ولكن المزعج بصفة خاصة كان الأطفال المصابين بإصابة واحدة، هي رصاصة في الرأس، فقد كان واضحا تمام الوضوح أن تلك نتيجة لنيران قناصة متعمدة. ويشعر الفلسطينيين بأنهم يتعرضون لإبادة جماعية، وقد خلص خبراء حقوق إنسان تابعون للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى عديدة إلى أن تصرفات إسرائيل قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ومن الصعب منازعتها في هذا.
لقد عملت في مناطق صراع عديدة ولكنني لم أر قط مثل هذا القدر من الموت والدمار بين المدنيين. لا شك أن هذا كان مختلفا نوعيا عن أي حرب أخرى، سواء الآن أو في العقدين الماضيين.
وحتى في حال صمود وقف إطلاق النار، وهو ما يبدو مشكوكا فيه بشكل متزايد نظرا لأفعال دونالد ترامب الأخيرة، فسوف يستغرق الأمر سنوات لإعادة بناء غزة، سواء ماديا أو اجتماعيا. ولكن أملي العميق هو أن يحصل الفتى عامر، وغيره من أمثاله، على فرصة في مستقبل لائق وإنساني.
عندما رجعت قافلة السيارات بنا في سبتمبر الماضي، كان في نفسي إحساس طاغ بالذنب لأنني أستطيع العودة إلى حياة يسيرة بينما يمضي ملايين إلى الفراش جائعين، لا يعرفون هل سيتمزقون إربا بين العشية وضحاها. ثم حل شعور عميق بالخزي والحرج بسبب أن حكومة المملكة المتحدة، حكومة حزب العمال التي كنت أدعمها، رفضت إدانة إسرائيل بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها ولا تزال تواصل إمدادها بالأسلحة. قد تتطلب السلطة السياسية تنازلات ومقايضات من وراء الكواليس، ولكن هناك خطوطا أخلاقية حمراء لا ينبغي تجاوزها أبدا، مهما كانت التكلفة السياسية. وفي رأيي أن الإبادة الجماعية في غزة هي الاختبار الجوهري للشجاعة الأخلاقية للقادة في القرن الحادي والعشرين، وقادتنا حتى الآن فشلوا في هذا الاختبار. ربما توقف القصف الآن، لكن محاسبة الذين ارتكبوا تلك الجرائم ضرورة ليست أقل إلحاحا.
نظام محمود طبيب جراح يعمل متطوعا في المنظمات الإنسانية بعد تقاعده.