لجريدة عمان:
2024-09-16@23:02:37 GMT

أبواق الضلال

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

لا أتحدثُ هنا عن المواقف العربية الرسمية المخزية أمام الشعب الفلسطيني، فهي معروفة للجميع؛ لكني أتساءل عن أبواق الضلال، ممن سموا تجاوزًا بالشيوخ، الذين ملأوا الدنيا صراخًا وضجيجًا؛ لإراقة دماء السوريين والليبيين والعراقيين، وأين هي من فلسطين، تلك الجبهاتُ التي أدعت الجهاد وسفكت دماء الأبرياء، ألم تسمع بما يجري في غزة؟!

لقد اختفى شيوخ الضلال، واختفت تلك الجبهات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكأنها «فص ملح وداب».

ومع ذلك نقول إنّ في اختفائها خيرًا، حتى لا نشاهد ونقرأ ما تتقيؤه؛ لأنّ هناك من تجرأ على المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي تخوض فيه معارك ليس مع الكيان الصهيوني وحده، وإنما مع القوة العظمى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. والعجب أنّ ما قاله هؤلاء ضد حماس والمقاومة، يتفق مع الخطاب «الإسرائيلي» المعلن، ومع المواقف الأمريكية والغربية عمومًا ضد حماس، ولا أستبعد ما جاء في إحدى التغريدات، بأنّ الكيان الصهيوني جنّد خمسة عشر كاتبًا عربيًا من المؤثرين؛ لتبييض وجهها القبيح لدى العرب، فمن يقرأ لبعض الكتّاب العرب، ويسمع لبعض الخطباء، ويتابع بعض الفضائيات العربية، يعلم تمامًا أنّ هؤلاء لا يمكن إلا أن يكونوا مجرد أدوات تنفيذية صهيونية.

وليس أدل على السقوط الأخلاقي لمثل هؤلاء، من الكاتب المغربي الطاهر بن جلون - الذي لا يمثل المغاربة بأيّ حال من الأحوال - عندما نشر مقالًا في مجلة «لو بوان» الفرنسية قال فيه: «إنّ ما فعلته حماس في هجومها ضد إسرائيل، لم تكن لتفعله الحيوانات»، وزاد أنْ قال عن رجال المقاومة الفلسطينية: «إنهم بلا ضمير، بلا أخلاق ولا إنسانية»، وزعم أنّ القضية الفلسطينية ماتت وقُتلت يوم 7 أكتوبر، ووصف ما وقع بأنه «جرح للإنسانية جمعاء»، وكتب «أنا في وحدتي، في حزني وخزيي كإنسان، في اشمئزازي من هذه الإنسانية التي أرفض الانتماء إليها، أقول لا، هذا قتال لا يحترم قضيتهم. لا لهذا التصفيق في بعض العواصم العربية. لا لهذا الانتصار الدموي للأبرياء. لا لعمى أولئك الذين يحركون خيوط المأساة، حيث عاجلًا أم آجلًا سيكون السكان الفلسطينيون هم الذين سيدفعون هذه الفاتورة الباهظة».

ولأنّ حس ابن جلون «مرهف»، فقد قال في مقاله ذلك: «أشعر بالرعب لأنّ الصور التي رأيتُها أثّرت في أعماق إنسانيتي»، ولا أدري أين كانت مختبئة تلك الإنسانيةُ التي ادّعاها، وهو الذي ولد قبل إقامة الدولة الصهيونية بأربع سنوات، والتي ارتكبت مذابح وجرائم ضد الإنسانية ونكلت بالشعب الفلسطيني تنكيلا؟! وأين إنسانيتُه مما تفعله إسرائيل حاليًا في غزة؟! وقد اعتبر أنّ حماس هي عدو الشعب الفلسطيني «عدو قاس ليس له أيّ حس سياسي، يتلاعب به بلدٌ يتم فيه شنق المعارضين الشباب بسبب قصة ارتداء الحجاب على رؤوسهم». يبدو أنّ ابن جلون يتطلع إلى جائزة نوبل للآداب، بعد أن فاز بجائزة الغونكور، وهو يعرف أنّ أقرب طريق للوصول إليها، هو هذا التملق للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، وقد ينالها بالفعل، ولكن عندما يفوز باستحقاق وجدارة، يكون للجائزة قيمة، أما أن يفوز على حساب دماء الفلسطينيين فهو قمة العار.

لم يكن الطاهر بن جلون وحده من غرّد بعيدًا عن السرب؛ فالروائي الجزائري محمد مولسهول المشهور باسم زوجته ياسمينة خضرا - الذي لا يمثل الجزائريين طبعًا - قد أثار هو الآخر جدلًا وغضبًا وسط الجزائريين، عندما انضم إلى الجوقة ونشر في صفحته في الفيسبوك: «إنّ حماس قد ذبحت المدنيين الإسرائيليين بلا رحمة، لقد تم القضاء على عائلات إسرائيلية، دون سابق إنذار أو ضبط النفس، ومن يفرح به لا يستحق أن يكون إنسانًا». وساوى ياسمينة خضرا بين الجلاد والضحية، مثله مثل البيانات العربية الهزيلة عندما قال: «لا فرق بين ما قامت به حماس وما تقوم به إسرائيل بالأمس، تم دفن اليهود أحياء. واليوم، الغزاويون مدفونون تحت الأنقاض. غدًا لن يبقى أحد ليدفِن أحدًا». وكأنّ على الفلسطينيين أن يلزموا الصمت، تجاه ما يرونه كلّ يوم من القتل في أبنائهم، والاعتقالات التعسفية، وتدنيس المسجد الأقصى.

وإذا تركنا المغرب العربي الكبير، وجئنا إلى الخليج العربي، فإنّ ما كتبه أحمد الجارالله في صحيفة «السياسة» الكويتية يوم السبت 28 أكتوبر 2023، لا يذهب بعيدًا عما ذهب إليه الكاتبان السابقان؛ ففي مقال بعنوان: «إلى حماس والقسام... اتقوا الله بشعب غزة»، قال فيها: «في كلّ هذه النار لا بد من المكاشفة والتحدث بصوت مرتفع إلى حدّ الصراخ، علَّ يسمع من بهم صمم، أنّ مغامرة «القسام» التي كان يعرف بها أربعة قادة داخل القطاع، لم تكن بمستوى التحدي الذي اختار توقيته أولئك، ولا هم كانوا على قدر من الذكاء، كما كان عليه المغفور له الرئيس أنور السادات -رحمه الله- الذي اختار توقيت حرب العبور بعناية، وكان يستند إلى فصيل واحد هو الشعب المصري، وجيشه «خير أجناد» الأرض». وقد كال المديح للرئيس السادات بأن قال: «إنّ من يطالع مآلات حرب أكتوبر، يدرك منذ اللحظة الأولى أنّ الرجل لم يكن بوارد «محو إسرائيل من الوجود»؛ لأنّ موازين القوى الدولية، يومها وحاليًا لا تقبل ذلك؛ فالعالم الغربي عمل على إيجاد إسرائيل لكي تبقى، وهذه الحقيقة دفعت بالسادات إلى وصف تلك الحرب بـ»حرب التحريك» للقضية، وهو ما أعلنه مرات عدة بعد وقف العمليات العسكرية»؛ وربط الجارالله بين ما فعله السادات وقتها وما يجري في غزة اليوم واصفًا طوفان الأقصى بأنه «فتيشة»، وإنْ كنتُ لا أدري معناها الحقيقي، إلا أني فهمتُ من السياق العام أنها حركة طائشة. يقول: «تلك «الفتيشة» التي أقدمت «كتائب القسام» على إشعالها، وجدَت من يركب موجتها، وهم قادة «حماس» (وهم من جماعة «الإخوان») في الخارج، الذين باتوا خبراء باستثمار دم الشعب الفلسطيني، فأعلنوا من خلف شاشات التلفزة أنهم حققوا الانتصار على إسرائيل، وأنها زائلة بعد وقت قريب». ووصف قادة حماس بأنهم «يعيشون على فكرة خيالية؛ لأنهم لم يروا هذا الدعم الغربي الكبير لإسرائيل و»طوفان الأسلحة والمال» الذي أغرقت به تل أبيب».

لم ير أحمد الجارالله من الموضوع إلا أنّ حماس وقادتها من جماعة الإخوان المسلمين فقط، وكأنّ ذلك هو مسوّغ للقضاء عليها، وهي في الواقع نظرة ضيقة سبق للكاتب محمد حسنين هيكل أن أشار إليها في مقابلة أجراها معه حسين عبدالغني لقناة «الجزيرة»، عندما انتقد الموقف المصري الرسمي إذا كان ينظر إلى حماس أنها امتدادٌ لحركة الإخوان فقط؛ لأنّ القضية أكبر من ذلك؛ إذ أنها تتعلق بالأمن القومي المصري.

وإذا تركنا الكويت واتجهنا إلى السعودية، فإننا نجد الكاتب عبده خال، قد كتب مقالًا في صحيفة «عكاظ» السعودية، بعنوان «مَن يسلك الطريق المدمر لكلّ شيء؟» نُشر يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، دخّل فيه التاريخ الإسلامي ولوى فيه عنقه، لكي يظهر أنّ حركة حماس لا تعرف التخطيط العسكري كما فعل القائد خالد بن الوليد في غزوة مؤتة، ولم يفته الذكر أنّ حماس إحدى بنات الإخوان المسلمين، وتساءل سؤالًا قال عنه: «قد يبدو مستنكرًا لدى العاطفيين» وهو: ماذا لو كان خالد بن الوليد قائدًا لجماعة حماس، هل كان له الإقدام على تسجيل انتصار مؤقت، مع علمه أنّ خلف ذلك الانتصار المؤقت سيفنى جيشه كاملًا.. مع افتراض أنه على اطلاع بظرفية الزمن، وأدواته، ودوله، وأنّ العدو سوف ينقل المعركة إلى أرض المسلمين، يهدم البنيان، ويقتل الأطفال والنساء والرجال وكلّ متحرك على الأرض، فهل كان لخالد الإقدام من أجل تحقيق نصر مؤقت؟». وردد خال أنّ «شرط الجهاد بأنواعه حقٌ من حقوق ولي الأمر، وليس من حق أيّ فصيل أو جماعة، فكيف لجماعة أن تُقدم على إهلاك شعب بحجة المقاومة»؛ لكنه لا يذكر من هو ولي الأمر؟ وكيف له أن يتخذ قرار الجهاد؟ وماذا فعل هذا الولي في قضية فلسطين والمسجد الأقصى؟! وهل عليه أن يستأذن واشنطن بالجهاد؟ وهل على الفلسطينيين أن ينتظروا قرنًا آخر حتى يأذن لهم وليُ الأمر المجهول بالجهاد؟

لله الحمد أنّ هذه الأصوات لا تجد قبولًا عند الشارع العربي، وقد شاهدنا ذلك من خلال الانتقادات التي وُجهت ضد الطاهر بن جلون وياسمينة خضرا، التي وصلت للمطالبة بالتخلص من كتبهما، وإلغاء متابعة حساباتهما في منصات التواصل الاجتماعي. لقد تناسى مثلُ هؤلاء الكتاب ما فعله الكيان الإسرائيلي في الفلسطينيين طوال خمس وسبعين سنة، وتناسوا الاعتداءات السابقة التي اقترفها جيش الاحتلال ضد غزة، ولم تكن حماس حينها تشن أيّ هجوم على إسرائيل، ولم ير هؤلاء في هجمات الاحتلال عدوانية، ولكن عندما ردّت حماس ظهرت إنسانيتُهم الرهيفة، ووصفوها بأقبح الألفاظ، وعليهم أن يعرفوا أنّ القضية الفلسطينية لن تموت، حتى وإن أبيد أهل غزة كلهم؛ فالحق لا يغيب طالما وراءه مطالبون مؤمنون بعدالة قضيتهم، وهذا ما يفعله الفلسطينيون وما تفعله المقاومة، وعليهم أن يتركوا الفلسطينيين وشأنهم.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی

إقرأ أيضاً:

حماس: آلاف الصواريخ ستعترض إسرائيل لو توسعت الحرب في جبهات جديدة

أعلنت حركة حماس، أنه إذا وسعت إسرائيل الحرب في جبهات جديدة فإنها ستتعرض لآلاف الصواريخ، وخطوة كهذه ستعني أن نتنياهو يقود الاحتلال نحو كارثة محققة، حسبما جاء في نبأ عاجل لقناة «القاهرة الإخبارية». 

وأضافت الحركة، أنَّ الاحتلال الإسرائيلي لن يحظى بالأمن ما لم يتوقف عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. 

مقالات مشابهة

  • هكذا نجا السنوار من ملاحقة إسرائيل .. تعرف على النظام البدائي الذي هزم واشنطن وتل أبيب
  • باحث إسرائيلي يكشف عن الرعب الذي تنتظره إسرائيل بسبب صمود حماس .. خياران كلاهما مر أمام نتنياهو
  • شاهد.. الحوثيون ينشرون صورا لإطلاق الصاروخ الذي ضرب وسط إسرائيل
  • الرئيس الإيراني: لا نمتلك نوعية الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل
  • السفير الأمريكي في إسرائيل: لا نعرف ما الذي ترغب حماس في قبوله
  • حماس: تجنيد جيش الاحتلال طالبي اللجوء الأفارقة للقتال بغزة تأكيدٌ على عمق الأزمة الأخلاقية التي يعيشها
  • حماس: آلاف الصواريخ ستعترض إسرائيل لو توسعت الحرب في جبهات جديدة
  • معلومات عن الصاروخ الذي أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • كيف يمكن أن تصل إسرائيل إلى يحيى السنوار؟
  • أمل الحناوي: عدوان إسرائيل على الفلسطينيين بجاحة لا تكترث لعقاب