إضراب عمال شركات السيارات «ضربة» لصالح المساواة
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
ترجمة ـ قاسم مكي -
يبدو أن نقابة عمال شركات السيارات الأمريكية «يوناتيد أوتو ووركرز» حققت انتصارا مهما. فالنقابة التي بدأت إضرابات جزئية ومتقطعة يوم 15 سبتمبر الماضي توصلت الآن إلى اتفاقيات مبدئية أولا مع شركتي فورد وستيلانتيس ثم أخيرا مع جنرال موتورز.
كل الاتفاقيات الثلاث تشمل زيادة في الأجور بنسبة 25% تقريبا خلال الأربع سنوات ونصف السنة القادمة بالإضافة إلى مزايا أخرى مهمة.
يشكل عمال صناعة السيارات نسبة من القوة العاملة أقل كثيرا مقارنة بحقبة ازدهار مدينة ديترويت. لكنهم لايزالون جزءا مهما من الاقتصاد.
إلى ذلك هذا الانتصار الواضح للنقابة يأتي في أعقاب انتصارات للعمل النقابي في صناعات أخرى خلال الأشهر الأخيرة وخصوصا التسوية الكبيرة مع شركة يونايتد بارسل سيرفس (شركة عالمية لخدمات توصيل الطرود وإدارة سلاسل التوريد) والتي تمثل فيها «نقابة تيميسترز» أكثر من 300 ألف عامل. وربما سيتضح أن الانتصارات النقابية في عام 2023 تشكل معلَما في طريق العودة إلى الأيام التي كان يوجد بها قدر أقل من اللامساواة في الولايات المتحدة.
ثمة حقائق تاريخية ينبغي معرفتها. نحن أبناء جيل ازدهار المواليد (بَيبي بُومَرْز) نشأنا في الولايات المتحدة حين كان الاستقطاب الاقتصادي أقل كثيرا من اليوم. لم نكن مجتمعَ طبقةٍ وسطى على النحو الذي أحببنا أن نتخيله. لكن في سنوات الستينات كانت الولايات المتحدة بلدا يتيح للعديد من عمال الياقات الزرقاء دخولا تجعلهم جزءا من الطبقة الوسطى. وكان الثراء الفاحش أقل كثيرا مما صار عليه الوضع لاحقا. مثلا كان الرؤساء التنفيذيون للشركات الكبرى يحصلون على رواتب تساوي «فقط» 15 ضعف متوسط أجور العاملين في شركاتهم مقارنة بأكثر من 200 ضعف في الوقت الحاضر.
في ظنِّي معظم الناس اعتقدوا أن مجتمعَ طبقةٍ وسطى «نسبيا» نشأ في الولايات المتحدة تدريجيا بعد تجاوزات عصر الازدهار الزائف وأنه كان نتاجا طبيعيا لاكتمال نضج اقتصاد السوق. (عصر الازدهار الزائف يُقصَد به الفترة من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرية الأولى من القرن العشرين والذي اتسم بتسارع التصنيع والنمو الاقتصادي وبالثراء الفاحش واللامساواة المفرطة - المترجم).
لكن ورقة كاشفة نشرت في عام 1991 من تأليف كلوديا جولدين (التي فازت لتوِّها بجائزة نوبل عن جدارة واستحقاق) وروبرت مارجو أوضحت أن المساواة النسبية في أمريكا لم تظهر تدريجيا ولكن فجأة مع التقليص السريع للتفاوت الحاد في الدخول في أربعينيات القرن الماضي أو ما أسماه مؤلفا الورقة التقليص العظيم للفجوات بين الدخول.
دون شك كان للتقليص الأوَّلي في التفاوت بين الدخول علاقة بالقيود الاقتصادية التي فرضت في وقت الحرب. لكن فجوات الدخل ظلت أقل اتساعا لعقود بعد رفع تلك القيود. ولم تنطلق اللامساواة بشكل عام إلا حوالي عام 1980.
ما سبب استمرار توزيع الدخل الذي ينطوي على قدر معقول من المساواة. دون شك توجد أسباب عديدة لذلك. لكن بالتأكيد الحرب والبيئة السياسية المواتية قادا إلى ازدهار كبير في العمل النقابي. فالنقابات قوة تدفع نحو قدر أكبر من المساواة في الأجور. كما تساعد أيضا على تحويل الاستياء العام من ضخامة مخصصات كبار مسؤولي الشركات إلى قيد يحدُّ من تضخمها.
على العكس من ذلك لا شك أن تدهور النقابات التي تمثل الآن أقل من 7% من العاملين في القطاع الخاص لعب دورا في حلول عصر الازدهار الزائف «الثاني» الذي نعيش فيه الآن.
التدهور الكبير للنقابات لم يكن بالضرورة نتيجة للعولمة والتقدم التكنولوجي. فالنقابات لا تزال قوية في بعض البلدان. في دول اسكندنافيا الغالبية العظمي من العاملين منظَّمة في نقابات.
ما حدث في أمريكا هو تحجيم قوة المساومة في الأجور لدى العمال بتضافر عوامل تمثلت في استمرار ركود سوق العمل (قلة فرص العمل) وتباطؤ التعافي من الانكماشات الاقتصادية والبيئة السياسية غير المواتية. أيضا دعونا لا ننسى أن رونالد ريجان في وقت مبكر من فترته الرئاسية سحق نقابة مراقبي الحركة الجوية وكانت إدارته معادية باستمرار لتنظيم النقابات.
لكن الأمور مختلفة هذه المرة. يوضح بحث أجراه كل من ديفيد أوتور وآريندراجيت ديوب وآني مكجرو أن تعافيا اقتصاديا سريعا خفَّض البطالة إلى أدنى مستوى لها خلال 50 عاما، وأدى كما يبدو إلى تمكين عمال الأجور المتدنية. كما أفضى إلى تقليص غير متوقع لفجوات الأجور قضى بدوره على حوالي 25% من الارتفاع في معدل اللامساواة خلال العقود الأربعة السابقة.
وربما شجعت الأوضاع المتينة في سوق العمل النقابات على اتخاذ مواقف تفاوضية أكثر تشددا يبدو أنها تؤتي أُكُلها.
بالمناسبة أنا أصادف باستمرار أناسا يعتقدون أن التعافي الاقتصادي الذي حدث مؤخرا أفاد الأثرياء بقدر أكبر (مقارنة بمن هم دونهم ثراء). لكن الحقيقة عكس ذلك تماما.
كما يبدو أيضا أن الساحة السياسية تتبدّل. فالتأييد العام للنقابات عند أعلى مستوى له الآن منذ عام 1965. وجو بايدن في أول سابقة رئاسية على الإطلاق انضم إلى موقع اعتصام لعمال شركات صناعة السيارات في ولاية ميشيغان في سبتمبر الماضي للتعبير عن تأييده.
لا يبدو أن أيَّا مما يحدث مؤثر بما يكفي لتحقيق «تقليص عظيم» آخَر للتفاوت في الدخول. لكن ربما يكون كافيا لكي يقلص قليلا هذا التفاوت أو يعكس جزئيا الارتفاع الكبير في اللامساواة منذ عام 1980.
بالطبع ما كان لهذا أن يحدث، فالانكماش يمكن أن يقوض القوة التفاوضية للعمال. ودونالد ترامب الذي زار ميشيغان لكنه تحدث في موقع غير نقابي ستكون سياساته بالتأكيد معادية للنقابات وللعمال إذا عاد إلى البيت الأبيض. ولدى مايك جونسون رئيس مجلس النواب الجديد سِجِلّ مثالي تقريبا في معارضة السياسات التي تؤيدها النقابات.
لذلك المستقبل، كما هي الحال دائما، غير مضمون. لكننا ربما نشهد أمريكا وهي تعود أخيرا إلى ذلك النوع من الازدهار المشترك الذي كنا نعتبره في الماضي تحصيل حاصل.
بول كروجمان أستاذ متميز بمركز الدراسات العليا بجامعة سيتي في نيويورك. فاز بجائزة نوبل للاقتصاد عام 2008.
الترجمة لـ عمان عن نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
رواتب الشرطة في أوروبا: ما هي الدول الأكثر سخاءً مع ضباطها؟
تُظهر رواتب الشرطة في أوروبا تفاوتًا ملحوظًا، إذ تتصدر دول شمال وغرب القارة قوائم أعلى الأجور، بينما تواجه دول جنوب وشرق أوروبا فجوة كبيرة تعبر عن تفاوت اقتصادي واجتماعي، رغم مؤشرات التحسن التي بدأت بالظهور تدريجيًا.
اعلانعام 2022، خصص الاتحاد الأوروبي 1.7% من ناتجه المحلي الإجمالي للنظام العام والسلامة، تأكيدًا على أهمية دور الشرطة في حماية المجتمعات. ومع ذلك، تظهر الفروقات جلية عند مقارنة رواتب ضباط الشرطة بين الدول الأوروبية.
الرواتب: من بلغاريا إلى الدنماركسجل العام 2023، رواتب الشرطة الشهرية حيث تراوحت بين 699 يورو فقط في بلغاريا و5,761 يورو في الدنمارك، وفقاً لضابط يبلغ من العمر 35 عامًا ولديه خبرة تفوق 10 سنوات. وإلى جانب الدنمارك، تجاوزت الرواتب 4,000 يورو في ألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا، في حين كانت أدنى في دول مثل المجر ورومانيا وبولندا.
أما إسبانيا، فقد سجلت أدنى الرواتب بين الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، اذ بلغ متوسط أجر الضابط 2,271 يورو شهريًا، مقارنة بـ3,395 يورو في فرنسا و2,537 يورو في إيطاليا.
وتفوق رواتب مفتشي ومحققي الشرطة تلك التي يتقاضاها الضباط العاديون. ففي الدنمارك، يبلغ متوسط دخلهم الشهري 6,351 يورو، بينما تحتل بلغاريا المرتبة الأخيرة في القائمة بـ1,316 يورو. وفي دول مثل ألمانيا وأيرلندا ولوكسمبورغ، تجاوزت الرواتب 5,000 يورو، في حين كانت أقل من 2,000 يورو في عدة دول شرقية.
ولتقديم مقارنة أكثر عدلاً، يُعتمد معيار القوة الشرائية الذي يُظهر أن الفجوات بين رواتب الشرطة أقل نسبيًا. فعلى سبيل المثال، تتراوح الرواتب المعدلة من 1,158 في بلغاريا إلى 4,397 في الدنمارك. ورغم ذلك، تظل الدول ذات الأجور الأعلى والأدنى كما هي.
ولا تشمل تقديرات المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي بيانات المملكة المتحدة، لكن وفقًا لمصادر بريطانية، يتراوح راتب ضباط الشرطة بين 2,945 و4,657 يورو شهريًا. أما في شرطة العاصمة لندن، يبدأ الراتب بـ46,479 يورو ويصل إلى 68,734 يورو خلال سبع سنوات.
Relatedأفضل الوجهات السياحية في أوروبا تحتلّ المراتب الأولى في عدد وفيات حوادث المرورما هو الراتب الجيّد في أوروبا: معادلة تختلف من بلد إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى مقارنة بين العواصم: ما هو الراتب الذي تحتاجه للعيش في الدول الأوروبية؟الفجوة بين الجنسينرغم الجهود المستمرة لتقليص فجوة الأجور بين الجنسين في أوروبا، إلا أن هذه المشكلة لا تزال قائمة بشكل واضح في قطاع الشرطة. ففي معظم دول الاتحاد الأوروبي، يحصل ضباط الشرطة الذكور على رواتب أعلى من زميلاتهم الإناث بنسبة تفوق 10%.
ومع ذلك، تشكل لوكسمبورغ استثناءً ملحوظًا، حيث تشير البيانات إلى أن النساء العاملات كضابطات شرطة يتقاضين أجورًا أعلى من الرجال، وهو ما يعكس خطوات متقدمة نحو تحقيق التوازن في هذا القطاع.
وفي العام 2022، شكلت النساء حوالي 20% فقط من إجمالي ضباط الشرطة في الاتحاد الأوروبي، مما يسلط الضوء على التحديات المرتبطة بتمثيلهن في هذا القطاع. كما أظهرت الإحصائيات اختلافات كبيرة في فجوة الأجور بين الدول، فكانت أكثر وضوحًا في بعض الدول الشرقية، بينما كانت أقل حدة في الدول ذات الأنظمة الأكثر تقدمًا فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
ولا تقتصر الفجوة في الأجور فقط على الرواتب الأساسية، إذ تمتد أيضًا إلى فرص الترقية، مما يجعل تحقيق المساواة في هذا المجال أمرًا أكثر تعقيدًا. ورغم الجهود التشريعية في الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الطريق نحو سد هذه الفجوة لا يزال طويلًا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية أعضاء البرلمان الأوروبي الأعلى دخلاً.. رواتب ضخمة من وظائف خارجية عمال مستودعات أمازون في نيودلهي يحتجون في "الجمعة السوداء" على الرواتب وظروف العمل مقارنة بين العواصم: ما هو الراتب الذي تحتاجه للعيش في الدول الأوروبية؟ فرق الأجور بين الجنسينلوكسمبورغالاتحاد الأوروبيشرطةتمييزأوروبااعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. إصابة أكثر من 25 إسرائيليًا إثر صاروخ يمني والكنيست يمدد حالة الطوارئ لعام إضافي يعرض الآن Next إسرائيل تتبنى لأول مرة اغتيال إسماعيل هنية في طهران وتدمير نظام الأسد وتهدد بقطع رؤوس قادة الحوثيين يعرض الآن Next وسط قلق من سيطرة الإسلاميين.. النساء السوريات يرفعن الصوت دفاعًا عن حقوقهن فالثورة في أصلها أنثى يعرض الآن Next رعب في مترو نيويورك.. رجل يشعل النار في امرأة نائمة دون سبب والشرطة تلقي القبض عليه يعرض الآن Next قبل تسلم ترامب الرئاسة.. بايدن يوقف تنفيذ الإعدام بحق عشرات السجناء الفيدراليين اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادضحايادونالد ترامبإسرائيلشرطةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ماغدبورغنيويوركسوريابشار الأسدقتلسانتا كلاوسالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024