د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (2)
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
مصادر العلم: العقيدة فى الإسلام علم يقينى جازم ناشئ عن دليل يقينى، وحتى تتحقق العقيدة الثابتة بالصورة الصحيحة لا بد من أن تقوم على أسباب قوية تفيد اليقين الذى لا يعتريه أدنى شك.
وقد بحث العلماء فى المصادر التى يستقى منها العلم اليقينى الذى لا يشوبه شك فحصروها فى ثلاثة مصادر؛ أولها «الحواس السليمة».. نعم، فالحواس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس مصدر للعلم اليقينى ما دامت سليمة ولا يحول دونها حائل، وهل يمارى عاقل فى هذا؟!
فالحواس إذاً وسيلة للوصول إلى العلم واليقين والعقيدة، فينبغى على المسلم الحفاظ عليها فى نفسه وفى غيره؛ لأنه إن ضيعها فقد ضيع وسيلة للاهتداء إلى الحق، والإضرار بالحواس بأية صورة من الصور ليس مجرد اعتداء على نفس حرم الله إضرارها فقط، وإنما هو اعتداء على وسيلة كبرى من وسائل العلم والهداية واليقين!
وإعمال الحواس فى الاستهداء والمعرفة عبادة المسلم مأمور بها، يقول الله تعالى: {وَفِى الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِى أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20، 21].
والمصدر الثانى من مصادر العقيدة «العقل» المنضبط بقواعد التفكير الصحيح، وقد حرص علماء المسلمين على أن يدرسوا لطلابهم قواعد التفكير الصحيح المنضبط، فهذا أداء لشكر نعمة العقل من جهة، وهو صون لها عن انحراف يهدر قيمتها من جهة أخرى، والقرآن الكريم أمر المسلم بإعمال العقل فى آيات كثيرة حملت الأستاذ الكبير العقاد على أن جعل عنوان كتابه الفذ «التفكير فريضة إسلامية».
ولإدراك علمائنا لدور العقل فى اكتساب العلم اليقينى حرصوا على عرض مسائل العقيدة مؤيدة بالأدلة العقلية مع الأدلة النقلية، ولم يكتفوا بواحدة منهما اقتداء بمنهج القرآن الكريم، وحين خرج البعض عن هذا المنهج المتوازن حدثت الانحرافات الفكرية والتطرف (تشدداً أو انحلالاً) والإرهاب.
والمصدر الثالث والأخير من مصادر العلم اليقينى هو «الخبر الصادق»، والمراد بأنه صادق أنه موافق للواقع الذى جاء هو خبراً عنه، ولا شك أن الخبر الصادق مصدر من مصادر العلم فيما لا يدرك بالحواس، وهل وصلتنا الأحداث التاريخية التى لم يبق لها آثار حسية دالة عليها إلا بالخبر الصادق؟!
وحتى يكون الخبر صادقاً لا بد أن يصلنا بطريق يستحيل أن يعتريه كذب أو خطأ، ولهذا طريقان؛ أولهما أن يأتينا الخبر متواتراً؛ أى يأتينا عن طريق جمع كبير من الناس يُؤْمَن تواطؤُهُم على الكذب أو الخطأ.
وثانيهما أن يأتينا الخبر عن طريق معصوم من الخطأ والكذب، وهؤلاء هم الأنبياء والرسل عليهم السلام، وعصمتهم وأمانتهم وصدقهم أمور ثابتة بأدلة عقلية وشرعية ليس هذا محل بيانها.
والأخبار التى نقلت عن الرسل الكرام عليهم السلام منها ما نُقل إلينا نقلاً ذائعاً منتشراً متواتراً، ومنها ما دون ذلك، ولكل من هذين النوعين حكم فى النظر والاعتبار.
المسلم إذاً يتعامل مع الكلمة على أنها مصدر جليل من مصادر المعرفة والعلم واليقين، أليست الرسالات السماوية كلمات أوحى بها الله تعالى إلى خلقه؟!
فالكلمة إذاً عظيمة القدر، لذا بذل علماؤنا جهداً كبيراً فى التأكد من ثبوتها، كما بذلوا جهداً كبيراً آخر أضافوه للحضارة الإنسانية فى طرائق فهمها بصورة صحيحة مستقيمة لا اعوجاج فيها.. وهذا يبين شيئاً من طبيعة وهوية المسلم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصادر العلم من مصادر
إقرأ أيضاً:
طرق فعل الخير في الإسلام.. تعرف عليها كما أوصى النبي
أرشدنا النبي الكريم إلى كيفية فعل الخير، كما ورد في الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله : «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه».
طرق فعل الخيروقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن رسول الله قد صدق في تلك الوصايا الجامعة وهي سبعة «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» مريض وقفت معه مديون سددت دينه، فقير أنهيت عوزه «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» غارم مسجون أخرجته من سجنه، فعلت خيرًا نفّست فيه كربة فإن الله لا يُضيّعها عليك، ويوم القيامة يوم الكربات يحتاج كل واحدٍ منا إلى هذا التنفيس، ويريد أن يُنَفّسَ عليه يومئذٍ بين يدي المالك سبحانه وتعالى، افعل لآخرتك في دنياك، عمّر هذه الحياة الدنيا التي هي موطن امتحان وابتلاء لآخرتك، نفّس الكُرب عن الناس، أصلح بين الناس ففي ذلك تنفيسٌ للكربات.
وورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن سيدنا أنه قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» يعني إذا قمت بحاجة أخيك كنت مستجاب الدعاء، كنت محل نظر الله سبحانه وتعالى، رأيت الله وقد وقف معك، وهل بعد هذه المعية من خيرٍ ومن فضل؟ أبدًا والله فإن رب العالمين الذي معه كن فيكون، القادر على كل شيء يقف معك.
«ومن يسّر على معسر» والتيسير على المعسر إما بإنذاره وهو فرضٌ عليك، وإما بإسقاط دينه، ويجوز أن يكون ذلك من الزكاة فإذا أسقطت دينه أو أنذرته، وإسقاط الدين هنا ليس فرضًا عليك، ولكن هذا من القليل الذي يفوق فيه النفل الفرض، الفرض خيرٌ من النفل دائمًا، صلاة الظهر خيرٌ من السنة بعدها، صوم رمضان خيرٌ من صوم الاثنين والخميس مثلًا بعدها، ولكن إلا في هذه الحالة، وفي قليلٍ من أبواب الفقه نراها تتكرر كرد السلام فإن إلقاء السلام نافلة، ورد السلام واجب، وإلقاء السلام خيرٌ من رد السلام.
الستر على المعصيةوتابع: إذن فالفرض أفضل من النفل إلا في أمورٍ قليلة منها إسقاط الدين عن المعسر، وإن كان نفلًا فهو أفضل من الفرض، وسيدنا النبي ﷺ أمرنا بالإخوة، وأمرنا بستر عيوب الناس، وأمرنا ألا نفضح المسلمين، وألا نتكلم في أعراضهم رجالًا ونساء، وقال: «إذا رأيت أخاك على ذنب فاستره ولو بهدبة ثوبك» ما هذا الجمال والرقي عامله كابنك ؛ فلو فعل ابنك المعصية سترته ونصحته، وكان قلبك يتقطع عليه، افعل هكذا مع كل الناس فإن الله سبحانه وتعالى يسترك في الدنيا وفي الآخرة كما قال ووعدنا سيدنا.
أما العلم فما بالكم بالعلم ﴿اقْرَأْ﴾ ، أول ما نزل ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ ، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ، أمرنا بالعلم دائما، وهذه أمة علم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ ، ولم يقل أحد الأدباء على مر التاريخ، ولم يرد في حكمة الحكماء، ولا في كلام الأنبياء لم يرد أبلغ من هذا «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» يعني وأنت تذهب تشتري كتاب، أو تحضر درس علم، أو تذهب إلى جامعتك تُلقي الدرس، أو تستمع إلى الدرس فأنت في طريق الجنة، هذا تصويرٌ لم يتم إلا على لسان سيد الخلق وأفصح البشر ، وكتاب الله هو محور حضارة المسلمين، «ما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم وأحاطت بهم الملائكة» والخير كل الخير «وذكرهم الله فيمن عنده».