سوء التقدير والحسابات الخاطئة فى الشرق الأوسط قد يتسبب فى اختلال توازن الوجود الأمريكى والأوروبى فى المنطقة بما يفقد الغرب سيطرته على الأوضاع وقدرته على الاحتفاظ باستقرار ضمنه لسنوات لمصالحه الاستراتيجية.

هذه المرة تبدو عملية إدارة أزمة الصراع العربى الصهيونى أكثر صعوبة وتعقيدًا أمام الولايات المتحدة، حيث لا مجال لتكرار الأخطاء التى ارتكبتها فى الأزمة الأوكرانية.

فى المحصلة النهائية لم يتمكن ما يعرف بالغرب الجماعى (واشنطن وحلفاؤها) من تحقيق أهدافه التى من أجلها عمل على دعم أوكرانيا بمليارات الدولارات؛ وفى القلب منها هزيمة روسيا الاتحادية هزيمة استراتيجية تمكّن حلف الناتو من مد قواعده العسكرية فى شرق أوروبا لمحاصرة الدب الروسى.

بعض التقارير الصحفية تتحدث عن توجه غربى لإجبار الرئيس الأوكراني زيلينسكى على وقف الحرب والبدء فى عملية تفاوض مع بوتين الذى يراقب ما يجرى فى الشرق الأوسط وحشود أساطيل الناتو فى مياه المتوسط عبر قواعده العسكرية فى سوريا؛ ومن خلال رؤيته لمصالح بلاده الاستراتيجية فى المنطقة ضمن الصراع الأشمل من أجل إنهاء الهيمنة الغربية والتأسيس لعالم جديد متعدد الأقطاب.

حتى الأن ورغم الموقف الأمريكى المعلن بشأن العمل على تحقيق هدنة إنسانية مؤقتة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ورفض مخطط التهجير، وضرورة حل الصراع باتفاق سلام على أساس دولتين؛ إلا أن الأجندة الأمريكية تعمل وبشكل دؤوب ضد مصالح دول المنطقة كافة وتحاول جاهدة مساعدة الكيان الصهيونى لتمكينه من مواصلة جرائمه الإرهابية التى تضع الفلسطينين أمام خيارين الإبادة أو التهجير.

المؤتمر الصحفى الذى جمع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن ونظرائه فى الأردن ومصر وبعض الدول العربية لم يكشف فقط تباينًا فى المواقف على حد تعبير وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى؛ وإنما عكس بوضوح تناقض المصالح الأمريكية الصهيونية وتعارضها مع مصالح دول المنطقة قاطبة وأمنها القومى.

تصريحات وردود كل من وزيرى الخارجية المصرى سامح شكرى والأردنى أيمن الصفدى جاءت منتقدة وبحدة للموقف الأمريكى الرافض لوقف حرب الإبادة التى يشنها العدو الصهيونى ضد الفلسطنيين.

حديث بلينكن حول الهدنة الإنسانية والمساعدات وحث حكومة الكيان الصهيونى على تقليل عدد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، يمكن اعتباره مراوغة لمد حبال الدبلوماسية من ناحية، وكسب مزيد من الوقت من ناحية أخرى.

لكن الوزير الأمريكى أعطى الكيان الصهيونى فى ذات الوقت الحق المطلق فى ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية بقوله أن فصائل المقاومة تستخدم المستشفيات والمدارس والمساجد ومنازل المدنيين كقواعد عسكرية؛ وهذا ما يعنى أن الإدارة الأمريكية شريكة للكيان الصهيونى فى مخطط التهجير بهدف التوطين لأن الوزير الأمريكى وببساطة اعتبر المشآت المدنية بما فى ذلك التابعة لوكالة الأونوروا للإغاثة أهدافًا عسكرية.

بلينكن ذهب إلى المصادرة على حق الفلسطينيين المستقبلى فى صناعة حياتهم السياسية بتأكيده على ضرورة مناقشة مستقبل غزة بدون حماس.

هذا الموقف أيضًا رفضه وزراء الخارجية العرب على الأقل المصرى والأردنى بتصريحاتهم الدبلوماسية التى أكد فيها أن الوقت غير مناسب لهذا النوع من النقاشات وأن الملح الآن هو وقف هذه الحرب.

واشنطن تدرك تمامًا كما يدرك الصهاينة أن القضاء على فصائل المقاومة فى غزة من المستحيلات؛ لكنها تريد بهذا الموقف إفساد أى محاولة للتوافق الفلسطينى الفلسطينى سواء فى الوقت الحاضر أو بعد انتهاء هذه الحرب؛ ذلك أنه سيتم تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها منظمة إرهابية إذا تم التوصل إلى مصالحة شاملة بين الفصيلين الأبرز حركة فتح وحماس وهذا أضعف الأهداف التى يمكن تحقيقها حال فشل مخطط إفراغ غزة من أبنائها إما بالإبادة أو التهجير.

ومع ذلك تجد الولايات المتحدة نفسها أمام مأزق كبير، فهى فعليًا لا تريد توسعة نطاق هذه الحرب لأن ذلك سيفتح ممرات تنفذ من خلالها تدخلات روسية صينية ما يعزز قدرات أغلب التنظيمات والفصائل التى تستهدف المصالح والقواعد العسكرية الأمريكية سواء فى سوريا أو العراق.

لذلك تخشى واشنطن من تصعيد هجمات جيش الاحتلال الصهيونى وإن منحته رخصة لاستهداف المنشآت المدنية؛ فالمزيد من التصعيد سيقابله تصعيد مماثل فى الجبهة الشمالية من قِبل منظمة حزب الله الذى نجحت عناصره فى تهديد أمن الحدود الشمالية للكيان الصهيونى ما دفعه إلى إخلاء 43 مستوطنة.

واشنطن أمام مأزق حقيقى لا يمكن لبوارجها الحربية الرابضة أمام الشواطئ الفلسطينية حله وهو ما يتعين على دول المنطقة استثماره وتفعيل ما بين أيديها من أوراق ناعمة وخشنة ولا تكتفى بمناشدات وقف الحرب والمواقف الرافضة لمخططات التهجير.

الهدف الاستراتيجى الذى وضعه الكيان الصهيونى لهذه الحرب ويدعمه الأمريكيون وهو القضاء على حماس وتحرير الأسرى فى آن واحد يعكس عمق هذا المأزق، فببساطة طالما علمت حماس أن إعدامها هو المصير المحتوم بعد الإفراج عن الأسرى فليس من عاقل يتصور أنها تفرط فى هذه الورقة بتلك السهولة؛ غير أن أنفاق حماس تبقى المعضلة الأكبر واللغز الذى لن يحل أو ينتهى سره دون التوصل لحل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967 والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين الحرة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الکیان الصهیونى هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

تاريخهم فى الملاعب لا يُذكر.. أنصاف لاعبين يتنمرون على الكرة النسائية!!

فى مشهد يعكس غياب الوعى الرياضى، يتجرأ بعض اللاعبين محدودى التاريخ فى الملاعب على مهاجمة كرة القدم النسائية فى مصر، فى محاولة للنيل من هذه الرياضة التى تشهد تطورًا كبيرًا فى الآونة الأخيرة، هذه التصرفات تقلل من قيمة اللعبة وتؤثر سلبيًا على عزيمة اللاعبات، بل تسيء إلى روح المنافسة واحترام التطور الرياضيين، فكرة القدم النسائية ليست مجرد لعبة، بل رمز للإصرار والطموح الذى يستحق الدعم، وليس التنمر ممن لم يتركوا بصمة تُذكر فى عالم الكرة.

وبالرغم من التطور الذى شهدته كرة القدم النسائية فى الآونة الأخيرة، بمشاركة الأهلى والزمالك لأول مرة فى تاريخ اللعبة التى انطلقت عام ١٩٩٩، الأمر الذى ساهم فى زيادة عدد المتابعين نظرًا للشعبية الجارفة التى يمتلكها القطبين، إلا أن هناك بعض الأشخاص الذين مازالوا يرفضون فكرة ممارسة النساء لهذه الرياضية، مبررين ذلك بأنها ترتبط بالعنف والالتحامات والخشونة، وهى أمور تتناقض، حسب رأيهم، مع الصفات التقليدية المرتبطة بالنساء مثل الأنوثة والرقة، على الرغم من النجاح الذى تحقق خلال المواسم الماضية، مثل تنظيم دورى متكامل، وتفوق بعض الأندية، ووجود لاعبات ومدربين يستحقون التكريم، إلا أنه مع كل خطأ يحدث فى المباريات، يظهر البعض لرفع لافتات التهكم مثل المرأة مكانها المطبخ.

وتسببت تصريحات أحمد بلال، لاعب الأهلى الأسبق، التى أثارت استياء وغضبًا واسعًا بين العديد من اللاعبات والمشجعين للكرة النسائية، إذ كتب «بلال» عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «كرة نسائية إيه اللى بيلعبوها فى مصر.. دا الستات مبيعرفوش يطبخوا.. هيعرفوا يلعبوا؟»، وبعد هجوم واسع من متابعى الكرة النسائية، اضطر لحذف المنشور بعد دقائق من نشره، تصريحات أحمد بلال دفعت النجوم والمسئولين للرد عليه، وقال شادى محمد مدير جهاز كرة القدم النسائية: «للأسف وسائل التواصل الاجتماعى تستخدم النجوم بشكل خاطئ، وتقلل منهم ولا بد أن ينتبه النجم أو المسئول لكل كلمة يكتبها أو يقولها، وما يتردد من مقولة إن الست مكانها المطبخ وغيرها من الأقاويل هى دعابة غير لائقة ومصر فيها ستات وبنات كتير بـ ١٠٠ راجل، وتحملن مسئوليات كبيرة فى تنشئة وتربية أبطال ومهندسين وأطباء وعلماء، هناك لاعبة فى الأهلى عمرها ١٥ سنة وتتولى رعاية أسرتها البسيطة، كم امرأة تحملت مسئولية أولادها بعد وفاة زوجها ووصلت بهم لأعلى مكانة ممكنة؟».

واستشهدت دينا الرفاعى عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة والمشرفة على كرة القدم النسائية، بالإنجازا التاريخى الذى يحققه فريق مسار «توت عنخ أمون» سابقًا، الذى فرض نفسه على الساحة الإفريقية بقوة، بعدما تأهل للدور نصف النهائى لبطولة دورى أبطال إفريقيا، ليصبح أول فريق مصرى يصل إلى هذا الدور، ومازال لديه الأمل والطموح فى بلوغ النهائى والمنافسة على اللقب، ليسطر تاريخًا جديدًا لكرة القدم النسائية.

مقالات مشابهة

  • تاريخهم فى الملاعب لا يُذكر.. أنصاف لاعبين يتنمرون على الكرة النسائية!!
  • أفلام وفعاليات مهرجان القاهرة السينمائى 45 «كامل العدد»
  • حقيقة الحالة الصحية لـ محمد منير
  • تواضروس الثانى.. البابا الذى أحبه المصريون
  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل.. لا شىء اسمه فلسطين
  • رفعت عينى للسما
  • واشنطن "ترفض" توقيف نتانياهو وغالانت على خلفية  اتهامهما بارتكاب جرائم الإبادة في غزة
  • الرشق: قرار المحكمة الجنائية يعيد الاعتبار لقيم العدالة وحماية الإنسانية
  • «جمال الغيطانى»
  • «الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى