غابة اليمين الهندوسي.. أغصان التضليل تمتد لطوفان الأقصى
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
اعتبر تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل سنوات الهند أرضا خصبة لانتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، فالهواتف الذكية الرخيصة وطغيان القومية الهندوسية سهّل انتشار المعلومات المغلوطة، وتسبب بتدني المستوى الاقتصادي والعلمي لدى غالبية مستخدمي وسائل التواصل بهذا البلد، لعدم قدرتهم على تمييز الحقائق من الأكاذيب المنتشرة على هذه الشبكات، والتي استغلتها بعض المجموعات الهندوسية المتطرفة لنشر المعلومات والأخبار المضللة التي تخدم مصالحها بحسب العديد من التقارير.
ورغم بعد المسافة بين الأراضي الفلسطينية والهند، فإنها لم تسلم من صنعة التضليل التي يتقنها على ما يبدو بعض الناس هناك.
طوفان الأقصى.. أكاذيب اليمين الهندوسيفقد ذكر موقع "ذي أتلانتك" أن محمد زبير -وهو صحفي مختص في تدقيق الحقائق يقيم في بنغلور- عثر على مقطع فيديو على موقع "إكس" منتصف ليلة الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعد أقل من يوم على عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لكن التعليقات على المنشور تزعم أن حماس أسقطت 4 مروحيات إسرائيلية في غزة.
وكان الزبير قد شاهد لقطات مماثلة عشرات المرات من قبل من لعبة الفيديو الشهيرة "أرما3" (Arma3) ونُشرت سابقا على أنها صور من حرب أوكرانيا أيضا.
وبحسب طبيعة عمل الزبير فإن جل تركيزه يكون أوقات الليل، وأصبح ذلك روتينا يوميا له، فيقوم بالبحث عن الأخبار الكاذبة والدعائية لنحو ساعة بعد منتصف الليل.
لكن ذلك اليوم كان مختلفاً، فقد أصابه بالذهول فيض المعلومات المضللة التي رصدها على وسائل التواصل الهندية. يقول الزبير: كان حجم المعلومات المضللة هذه المرة مروعاً ولا يمكن تصوره.
فقد أظهر مقطع فيديو مشاهدَ قطع رأس افترض أنه في إسرائيل على يد فلسطينيين، وبعد البحث تبين أن الحدث يعود لإحدى عصابات المخدرات بالمكسيك.
المزاعم التي اخترعها القوميون الهندوس تبنتها جهات مهتمة بالصراع في فلسطين وبلدان أخرى (رويترز)خلال الليالي القليلة التالية، وجد زبير نفسه يسهر حتى ما بعد شروق الشمس لتفنيد سيل المعلومات المضللة من خلال حسابه على "إكس" الذي يضم قرابة مليون متابع. وقد تبين أن ثلثي المعلومات المضللة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قادمة من اليمين الهندوسي، وهو واحد من أكثر ناشري الدعاية فتكاً في العالم.
وظلت آلة نشر الأخبار الكاذبة التابعة لليمين الهندوسي تعمل كمصدر لتعزيز أجندته المعادية للإسلام، ويساهم النظام الإعلامي الهندوسي بمقاطع فيديو ذات عناوين مضللة وقصص مزيفة في صراع حاد ومشتعل، مما زاد من التشويش وعدم التفريق بين الحقيقة والأكاذيب.
وليس مستغربا -في ظل هذه الظروف- أن تتبنى جهات فاعلة، مهتمة بالصراع في فلسطين وبلدان أخرى، تلك المزاعم التي يختلقها القوميون الهندوس.
ومن جانبه فإن الزبير -الذي يتجادل عبر الإنترنت مع عناصر من اليمين الهندوسي طوال الوقت- وجد نفسه في مواجهة أصحاب النفوذ اليميني المتطرف بإسرائيل والولايات المتحدة الذين يروّجون لتلك المعلومات الكاذبة التي كان مصدرها الهند، بحسب تقرير ذي أتلانتك.
وبعد 5 أيام من "طوفان الأقصى" كتب الزبير على منصة إكس: لقد جعل اليمين الهندوسي من الهند عاصمة التضليل في العالم.
تحقيق يكشف أصل الشجرة الخبيثةوفي استطلاع أجرته مايكروسوفت عام 2019، حذرت الشركة من أن الأخبار المزيفة لا تزال تشكل تهديدا متزايدا بالهند التي شهدت أكبر عدد من حوادث الأخبار المزيفة مقارنة بأي مكان آخر. فقد قال أكثر من 60% من الهنود المستطلعين إنهم شاهدوا أخبارا مزيفة عبر الإنترنت مقابل المتوسط العالمي البالغ 57%.
وأواخر 2018، توصل قسم التحقيقات في "بي بي سي" إلى أن العامل القومي كان القوة الدافعة الرئيسية وراء انتشار الأخبار المزيفة بالهند. وخلص التحقيق إلى أن حوادث الأخبار المزيفة كانت نتيجة للجهود المبذولة لتعزيز الهوية الوطنية للهند، وأن الحقائق تأتي في مرتبة متأخرة باهتمامات الهنود عندما يتعلق الأمر بالميول القومية للمواطنين العاديين.
تحقيق يكشف وجود ترابط بين حسابات الأخبار المزيفة على "إكس" وشبكات دعم رئيس الوزراء مودي (غيتي)وأرجع التحقيق سهولة نشر الأخبار الكاذبة -في أوساط المستخدمين الهنود- إلى عدم الثقة المتأصل في وسائل الإعلام الرئيسية. لذلك، عندما تَذكر قصة مزيفة الهندَ بشكل إيجابي يُنظر إليها على أنها "النسخة الصحيحة" من القصة حتى لو كانت تتناقض مع الحقيقة، فيتبناها مستخدمو مواقع التواصل عبر تطبيقات المراسلة مثل واتساب وماسنجر وفيسبوك دون التحقق فعليا منها ومن مصدرها.
وكان الكشف الأكثر إثارة للقلق في التحقيق -بحسب موقع "بيزنس إنسايدر"- هو حقيقة وجود ترابط بين الحسابات التي تنشر أخبارا مزيفة على تويتر وشبكات الدعم لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وأظهرت خريطة تحليل قام بها فريق الدراسة أن وسوم منصة إكس التي كانت تنشر الأخبار المزيفة كانت ضمن مجموعات "مؤيدة لحزب بهارتيا جاناتا" الهندي الحاكم.
حزب مودي في طليعة الأحزاب السياسية التي تستخدم وسائل التواصل لتحقيق أهداف سياسية (رويترز)ويبدو أن ظهور الأخبار المزيفة في الهند لا يتعلق فقط بتضليل الناس، وإنما بكيفية استخدام هذه المعلومات بعد ذلك لنشر أعمال العنف.
وقد تعامل تحقيق "بي بي سي" مع 16 ألف حساب على تويتر و3 آلاف صفحة على فيسبوك من أجل تحديد كيفية انتشار الأخبار المزيفة بالهند. ووفقاً لأبحاثهم، كان هناك ترويج "قوي وبشكل متماسك" للرسائل اليمينية.
ويعتبر "بهاراتيا جاناتا" بقيادة مودي، والجماعات القومية الهندوسية التابعة له، في طليعة الأحزاب السياسية العالمية التي تستخدم وسائل التواصل لتحقيق أهداف سياسية سواء لتعزيز أيديولوجيتهم أو تعزيز قبضتهم على ما يقال إنها أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم بحسب تحقيق "بي بي سي".
ويرى التحقيق أنهم أتقنوا نشر المواد التحريضية -الكاذبة والمتعصبة في أكثر الأحيان- وعلى نطاق كبير، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا خارج حدود الهند إزاء كيفية توظيف وسائل التواصل في أجندة حزب يحكم دولة يحسبون أنها ديمقراطية.
وتجلى هذا التوظيف مؤخرا باستخدام القوميين الهندوس "طوفان الأقصى" بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول لتعزيز أهدافهم الأيديولوجية المحلية حيث يحاولون من خلال بث هذه المعلومات المضللة عن المقاومة بفلسطين للتأكيد على خطر الحركات الإسلامية، وهو موضوع يعتقدون أنه سينجح لصالحهم بالانتخابات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المعلومات المضللة وسائل التواصل طوفان الأقصى بی بی سی
إقرأ أيضاً:
أستراليا تقدم مشروع قانون يحظر الأطفال من وسائل التواصل الاجتماعي
قدم حزب الأغلبية في أستراليا مشروع قانون في البرلمان من شأنه حظر الأطفال دون سن 16 عامًا من وسائل التواصل الاجتماعي.
يمكن أن يفرض التشريع، الذي من شأنه أن يضع العبء على المنصات الاجتماعية بدلاً من الأطفال أو الآباء، غرامة على الشركات المخالفة تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (32.2 مليون دولار).
ينطبق مشروع قانون حزب العمال على (من بين أمور أخرى) Snapchat و TikTok و Instagram و X. سيتطلب من المنصات تطويق وتدمير أي بيانات مستخدمين قاصرين تم جمعها. ومع ذلك، فإن التشريع سيتضمن استثناءات للخدمات الصحية والتعليمية، مثل Headspace و Google Classroom و YouTube.
قالت وزيرة الاتصالات الأسترالية ميشيل رولاند للبرلمان يوم الخميس: "بالنسبة للعديد من الشباب الأستراليين، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي ضارة. لقد شاهد ما يقرب من ثلثي الأستراليين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 17 عامًا محتوى ضارًا للغاية عبر الإنترنت، بما في ذلك تعاطي المخدرات أو الانتحار أو إيذاء النفس، بالإضافة إلى المواد العنيفة". "تعرض ربعهم لمحتوى يروج لعادات الأكل غير الآمنة".
وتشير رويترز إلى أن القانون سيكون أحد أكثر القوانين عدوانية على مستوى العالم في معالجة المشاكل المتعلقة باستخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي. ولن يشمل القانون استثناءات لموافقة الوالدين أو الحسابات الموجودة مسبقًا. وبشكل أساسي، سيتعين على المنصات الاجتماعية مراقبة منصاتها لضمان عدم تمكن أي طفل دون سن 16 عامًا من استخدام خدماتها.
يحظى مشروع القانون بدعم الأغلبية (يسار الوسط) من حزب العمال وحزب الليبراليين المعارض (يمين). وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز: "هذا إصلاح تاريخي". "نعلم أن بعض الأطفال سيجدون حلولاً بديلة، لكننا نرسل رسالة إلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيف تصرفاتها".
انتقد حزب الخضر الأسترالي (يسار) التشريع، قائلين إنه يتجاهل الأدلة الخبيرة في "دفع" القانون عبر البرلمان دون تدقيق مناسب. قالت السناتور سارة هانسون يونج في بيان: "لقد سمعت لجنة التحقيق البرلمانية الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي مرارًا وتكرارًا أن الحظر العمري لن يجعل وسائل التواصل الاجتماعي أكثر أمانًا لأي شخص". "[مشروع القانون] معقد التنفيذ وسيكون له عواقب غير مقصودة على الشباب".
في العام الماضي، دق الجراح العام الأمريكي فيفيك مورثي ناقوس الخطر بشأن مخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل القصر. وجاء في الاستشارة لعام 2023 من مكتب الجراح العام: "يواجه الأطفال والمراهقون الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي خطرًا مضاعفًا للإصابة بمشاكل الصحة العقلية بما في ذلك الإصابة بأعراض الاكتئاب والقلق".
تتطلب الولايات المتحدة من شركات التكنولوجيا الحصول على موافقة الوالدين للوصول إلى بيانات الأطفال دون سن 13 عامًا، لكنها لا تفرض أي قيود على العمر. وتشير رويترز إلى أن فرنسا فرضت حظرًا على وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 15 عامًا العام الماضي، لكنها تسمح للأطفال بالوصول إلى الخدمات بموافقة الوالدين.