تواصل إسرائيل مجازرها الآثمة، وآخرها مجزرة "جباليا"، ومع المجازر التى ترتكبها تستمر فى تعنتها، ورفضها الالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، واحترام قرارات المجتمع الدولي. مضت إسرائيل فى غيها، وأقدمت على الاجتياح البري لقطاع غزة غير آبهة بما يترتب عليه من الدمار، والخراب للقطاع من حيث المرافق الخدمية، والحياتية التى دمرت غالبيتها بنسبة تزيد على سبعين فى المائة جراء القصف المدفعى، والجوى الذى يقوم به جيش الاحتلال المجرم الذي يعكف على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب البشعة، والمكتملة الأركان والمجازر الدموية التى راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى.
إنها الإبادة الجماعية الممنهجة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى على يد هذا الجزار المجرم. هذا فضلاً عن الأضرار البالغة التي سيتمخض عنها هذا الاجتياح بالنسبة لكوادر المنظمات الدولية والصحفية والطبية التي لم تسلم أفرادها من القتل والعنف.
لقد بدا واضحًا أن إسرائيل تهدف من وراء هذا الاجتياح إقامة منطقة عازلة بطول الحدود الشرقية والشمالية بعمق ألف متر أو أكثر، وجميعها أراضٍ زراعية خصبة. فهى تريد أن تحرم قطاع غزة من الاستفادة منها، ومن ثم تحويل هذه المنطقة العازلة إلى أرض محروقة خالية من أى وجود فلسطينى، مع منع إقامة أو تشييد أى مبانٍ فيها، ومنع وصول المواطنين الفلسطينيين إلى السياج الحدودى. ووضع أبراج عسكرية واعتبارها منطقة خطرة يحظر على الفلسطينيين التواجد بها.
تستدعى إسرائيل اليوم من جديد مخططًا صهيونيًّا قديمًا، وهو المخطط الذى طرح بعد نكبة عام 1948، وتردد طرحه مرة أخرى فى سبعينيات القرن الماضى. والأمر هنا لا يقتصر على سكان غزة، ولكنه يشمل أيضًا أبناء القدس والفلسطينيين فى المنطقة (ج) من الضفة الغربية. ويهدف هذا المخطط إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين فيها. ولقد رفض هذا المخطط فلسطينيًّا ومصريًّا حيث صرح الرئيس "عبد الفتاح السيسي": (بأن مصر ترفض هذا المخطط، ولن تسمح بتمريره، لأنه يعنى تصفية القضية الفلسطينية).
ما تؤكده التطورات الحادثة على الأرض اليوم أنه فى الوقت الذى يكون فى مقدور إسرائيل أن تجبر العالم على ما تريد، فإنها لا يمكن أن يتم إجبارها على ما يريد المجتمع الدولى حتى لو كان هذا تطبيقًا للشرعية والقوانين والأعراف الدولية، فإسرائيل هى الاستثناء، وهي المتفردة بفرض ما تريد على الجميع. ويجرى ذلك بتشجيع من الولايات المتحدة التى تبدو أمام إسرائيل كالأسد الجريح الذى ينساق تلقائيًا وراءها داعمًا لها، وملبيًا لكل شروطها بهدف تحقيق أهدافها.
واليوم نتساءل: ماذا عن مواقف، وسياسات الرئيس "جو بايدن" فيما يخص الحرب التي تجري اليوم على الأرض الفلسطينية؟ لقد ظهر امتعاض الكثير من الأمريكيين حيال السياسة التى يعتنقها هذا الرئيس التعس، وأصبحت هناك قناعة بأن أكثر من نصف الأمريكيين اليوم لا يوافقون على سياساته فى هذا الشأن ويصفونها بـ"المتخبطة"، فغالبية الأمريكيين ترتفع أصواتهم منددين بهذه المحرقة التى تنفذها إسرائيل فى قطاع غزة، منددين بما قام به بايدن من دعم مبالغ فيه للكيان الصهيوني. لاسيما عندما تعهد بزيادة الدعم العسكري لإسرائيل منذ بدء هذه الحرب، وسارع، وأعلن عن مساعدات مالية لها بقيمة 14 مليار دولار، ونشر حاملتى طائرات فى شرق البحر المتوسط، وتعهد بمجموعة حاملات أخرى. وجاء هذا الدعم، ليؤكد بايدن من خلاله عمق التحالف الإستراتيجى بين أمريكا، وهذا الشيطان الذى لا يمكن المس به تحت أى ظرف كان.. !!
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
في العيد الـ12 لتجليسه.. طفولة ونشأة البابا تواضروس الثاني
مع حلول الخريف تتساقط أوراق الشجر لتنمو أخرى أكثر نضارة، ومع خريف 1952، وُلد وجيه صبحى باقى سليمان فى المنصورة، فى لحظة كانت فيها أوراق الشجر تتساقط لتفرش الأرض بألوانها الذهبية، وكأن الطبيعة تُعد الأرض لشجرة ستنمو جذورها لتظلل الكنيسة كلها لاحقاً.
نشأ «وجيه» فى كنف عائلة مصرية تقليدية تهتم بالقيم الروحية والدينية، وترعى أبناءها بحب وحرص، فوالده المهندس صبحى، مهندس المساحة، ابن القاهرة، ووالدته سامية، بنت دير القديسة دميانة ببرارى بلقاس فى الدقهلية، لم يتركا فرصة إلا واستثمراها لغرس القيم الدينية والروحية فى «وجيه» وإخوته، وكأنهما كانا يدركان أنه سيحمل فى المستقبل لقب «البابا الثامن عشر بعد المائة» فى تسلسل بابوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد كانت والدته السيدة سامية تهتم بغرس محبة الله وتعزيز الإيمان فى نفوس أطفالها، وحينما انتقلت الأسرة بين عدة مدن مثل سوهاج ودمنهور، كان رباطهم بالكنيسة يتوطد.
كبر «وجيه»، الصغير الشقى المحبوب، المفعم بروح العمل الجماعى والمسئولية، وهو يحمل طموحاً مبكراً وحباً للمساعدة، ولكنه قد نال نصيبه من الفقد، الذى جاء مبكراً بوفاة والده صباح أول امتحانات الشهادة الإعدادية وكأنما سقطت ورقة من تلك الشجرة التى زُرعت قبل 15 سنة، تحدى الألم ليتفوق فى دراسته، مُكملاً طريقه نحو كلية الصيدلة فى جامعة الإسكندرية.
هناك، فى قاعات الكلية وبين كتب الصيدلة، أبحر «وجيه» فى عالم العلم، محاولاً فهم ما وراء الطب والعلاج، ساعياً أن يكون «ذلك الذى يريح الناس» من أوجاعهم، ولم تكن هذه المرحلة الأخيرة، بل تابع دراسته حتى نال زمالة الصحة العالمية فى إنجلترا عام 1985، ليتعلم مراقبة جودة تصنيع الدواء.
ومع مرور الزمن، وجد نفسه فى خدمة الكنيسة، التى احتضنته صغيراً ليكبر معها ويحمل أثقالها، حتى بات البابا تواضروس الثانى، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.