علي بن سالم كفيتان

تسمّرتُ صباح الثلاثاء آخر أيام أكتوبر الماضي خارج غرفة العمليات بمركز القلب في ظفار، مرَّ عليَّ الدكتور سعيد المعشني على عجلة من أمره يطوي الردهة بثبات وابتسامة، يعلوها الأمل؛ فالرجل يحمل أمانة إعادة القلوب التي أعياها الدهر لتنبض من جديد، وليستمر تدفق الدم الأحمر القاني إلى الشرايين التي انسدت من إكراهات الزمن.

يتمتع مركز القلب في ظفار- الذي يرأسه المعشني منذ إنشائه- بسمعة طيبة وفريق طبي على جاهزية عالية ومهنية من العيار الثقيل، ولم استغرب وجود تلاميذ الجرّاح المصري الشهير الدكتور مجدي يعقوب، والذي أجرى أول عملية قلب مفتوح وأشرف على زراعة أول قلب صناعي لمريض في العالم من أبنائه أبناء مصر العزيزة، وهم يقومون بالواجب على أكمل وجه في ظفار، مع فريق عمل مُميز من أبنائنا العُمانيين والأجانب الآخرين في المركز، كل ذلك هدّأ من روعي قليلًا، وجعلني اطمئن لسلامة القلب الكبير الذي كان له فضل كبير في حياتي. فبعد الدخول لردهة العمليات وانغلاق الباب، لا أزال اسمع رنين الجهاز القلبي يصدر ومضاته رغم انغلاق الباب، وبعد المسافة بيني وبين أخي وأبي الذي يرقد بالداخل.

عندما كنتُ في ذلك الممر الطويل وحيدًا، تراكضت الى ذاكرتي كل اللحظات التي سعى فيها أخي لإسعادي منذ كنت صغيرًا، فلا زلت أذكر الحصان العاجي والبيانو الصغير والتلفزيون الأبيض والأسود الذي يعمل على بطارية السيارة، وأمور كثيرة يصعب عدّها؛ ففي كل عودة له من على ثغور الوطن نشعر بفخر مجيئه في السيارة اللاندروفر العسكرية المكشوفة التي يقف في وسطها عمود الرشاش كالوتد، نتسلل إليها ونركب على الكراسي المغلفة بالطربال الرمادي. كم كنت أفتخر بين أقراني بأنَّ هذا الرجل هو أخي، بينما البقية يتمنون أن يعمل إخوانهم في الجيش، لكن هيهات أن يأتي الزمن برجل كهذا يحدثنا طويلًا عن دوريات الجبل الأخضر الشاقة؛ حيث كانت كتيبتهم هي النسخة المحدثة لقوات الفرق الوطنية؛ فالآباء تجندوا في الفرق، والأبناء تشكلت منهم كتيبة استطلاع عُمان، التي خرّجت نخبة من أعظم القادة في عُمان، حملوا على عاتقهم في تلك المرحلة التواجد في المناطق الأكثر صعوبة، فحموا الحدود وأمّنوا المنافذ وطاردوا المهربين لصيانة تراب عُمان الغالي في أصعب وأحرج المراحل من الطامعين والمخربين، ولي الفخر أن أخي الذي يخضع في هذه اللحظات لإجراء العملية كان من بين هؤلاء الأبطال.

عاش أبو أحمد جُلَّ حياته ليُسعد الناس ويرسُم الابتسامة على كل محتاج للدعم والمساعدة، ولم يتوانَ يومًا عن فعل الخير والسعي من أجله دون مِنةٍ ولا أذى؛ لهذا انهالت على هاتفي اتصالات غير مُتوقعة من كل حدبٍ وصوبٍ، شيبان من الريف من قبائل شتى، زملاء السلاح، نساء مسنات لا أكاد أسمع أصواتهن المخنوقة بعبرة البكاء والدعاء لأبي أحمد بالسلامة، وكيف انتشر رقمي في كل هذه الأرجاء في غضون ساعات وأصبحتُ كالبدالة التي تردد نفس النص "أبو أحمد بخير".

جميع الأجيال كانت حاضرةً في المشهد، حتى الشباب حديثي السن يسألون عنه؛ فمجلس أبي أحمد لا يُغلَق بابه، ويُعد محطة يقصدها من عزم جبل طيطام؛ حيث الأريحية وعدم التكلف والكرم في أبهى صوره. لن تمل من حديث الرجل، ولن تجد نفسك غريبًا حتى لو أتيت للمرة الأولى، ستُمتعك الإطلالة الرائعة من شرفة المنزل على سهل ظفار الممتد، وسهوب القطن الفسيحة؛ فهذا المشهد الخالد يُغذّي الروح العظيمة التي تسكن أخي.

في تمام الرابعة عصرًا سمعتُ الأصوات بدأت تقترب من باب غرفة العمليات، فعلمت أن العملية انتهت، وفي غضون دقائق أطلق باب غرفة العمليات صفارته وفتح على مصراعيه ليخرج الدكتور علاء متوشحًا باللون الأخضر واضعًا كمامته على وجهه. اندفعت إليه فوقف وأزال الكمامة وارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة قائلًا "العملية نجحت يا بني.. وأخوك رح يكون بخير.. كل شيء تم على خير ما يرام". غادر فريقه وبقي إلى جانبي يشرح لي بكل تفصيل حيثيات العملية، وكيف كانت مُيسّرة ولم تعترضها أي أمور غير متوقعة، وبأن القلب الكبير عاد لينبض من جديد بكل شرايينه الأربعة التي كانت تعاني من قبل. تعلمت من ذلك الطبيب وفريق مركز القلب بظفار الكثير؛ حيث وجدتهم يحلقون بعيدًا عمّا يجري في مستشفى السلطان قابوس بصلالة المجاور؛ فالمهنية والانضباط والنظافة وتحمُّل المسؤولية بدت لي هنا في أجمل صورها، وشعرت لوهلة أنني في أحد أجنحة المستشفى السلطاني الشهير في مسقط، لكن شوامخ النارجيل التي تتمايل بغنج من النافذة، أعلمتني أننا في قلب حاضرة الجنوب ومسقط رأس السلطان الباني قابوس بن سعيد- عليه رحمة الله-.

شكرًا من القلب للدكتور سعيد المعشني وفريقه العظيم من أطباء وممرضين وفنيين بمركز القلب في ظفار، لقد كنتم ولا زلتم من مفاخر هذه الأرض، والشكر موصول لمعالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة، على رعايته وعنايته وحرصه على تميُّز هذا الصرح الطبي الشامخ في ظفار.

وحفظ الله بلادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور أحمد عمر هاشم : مصر أصبحت بلد مئات الآلاف من المآذن.. وهذا الصحابي سنّ قانون "من أين لك هذا؟

خطبة الجمعة
الدكتور أحمد عمر هاشم يؤكد:
مصر أصبحت بلد مئات الآلاف من المآذن
حكم تقديم الهدية للرجل المسئول عن جمع الصدقات
تعرف على الصحابي الذي سنّ قانون "من أين لك هذا؟

 


نشرت الفضائية المصرية، بث مباشر لنقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد التقوى بأبو رواش بمحافظة الجيزة.

ويلقي الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، خطبة الجمعة اليوم من مسجد التقوى بقرية أبو رواش بمركز كرداسة بمحافظة الجيزة.

وحددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة اليوم لتكون تحت عنوان: «المالُ العَامُّ وَحُرْمةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ».

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن مصر طالما كان يقال عنها بلد الألف مئذنة لكنها اليوم أصبحت مئات الآلاف من المآذن.

وأضاف أحمد عمر هاشم، في خطبة الجمعة من مسجد التقوى بأبو رواش بمحافظة الجيزة، متحدثا عن موضوع «المالُ العَامُّ وَحُرْمةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ» أن أهل الخير يتسابقون في بناء بيوت الله، فلبيت الله مكانته لأنه مهبط الملائكة ومنزل الرحمات.

وتابع: ولطالما كان رسول الله يمر على أصحابه وهم جالسون في المسجد يذكرون الله فيقول لهم "ما أجلسكم؟ فيقولون لذكر الله ولشكره على نعمة الإسلام وبعثتك يا رسول الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا هذا، قالوا: ما أجلسنا إلا هذا يا رسول الله، قال لهم: إن جبريل أخبرني بأن الله يباهي بكم ملائكته.

وأشار إلى أن أول عمل قام به النبي بعد الهجرة هو بناء المسجد بيده الشريف، فبارك الله وجزى خيرا القائمين على إنشاء المساجد والمعمرين لها.

واستشهد بحديث النبي (من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة) فالصلاة هي الطريق إلى الله والوصول إلى رضائه والحصول على نعمته.

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه ينبغي علينا الاستجابة لأمر الله تعالى والمحافظة على المال العام.

وأضاف أحمد عمر هاشم، في خطبة الجمعة من مسجد التقوى بأبو رواش بمحافظة الجيزة، متحدثا عن موضوع «المالُ العَامُّ وَحُرْمةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ» أن النبي الكريم يقول (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النهر يوم القيامة).

وتابع: وحينما بعث من يجمع أموال الصدقة كما ورد في الحديث (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ؟‍‍‍‍. ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا‍‍‍‍‍‍!! والذي نفس محمد بيده، لا نبعث أحداً منكم فيأخذ شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، فرفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً".

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الصحابة والخلفاء الراشدين طبقوا هدي النبي في المحافظة على المال العام.

وأضاف عمر هاشم، في خطبة الجمعة من مسجد التقوى بأبو رواش بمحافظة الجيزة، متحدثا عن موضوع «المالُ العَامُّ وَحُرْمةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ» أن أحدهم قام واعترض على سيدنا عمر بن الخطاب وانتقده بأنه وزع الأثواب وأعطى كل واحد ثوبا واحدا، واستأثر سيدنا عمر لنفسه باثنين، فدافع عبدالله بن عمر عن أبيه في هذا الموقف.

وتابع: قال عبد الله بن عمر للرجل (إن أبي طويل القامة لا يكفيه ثواب واحد، فأعطيته ثوبي فوصله بثوبه، فقال الرجل: الآن نسمع ونطيع يا أمير المؤمنين.

وتروي كتب السيرة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعطي زوجته مصروفها اليومي من بيت مال المسلمين، بحكم أنها زوجة أمير المؤمنين.

وذات يوم اشتهت زوجة عمر الحلوى، ولكنها لم تكن تملك المال لتشتريها، لأن مصروفها لا يزيد على ما يؤمن وجبتها اليومية، فقالت في نفسها: أطلب من عمر وهو أمير المؤمنين أن يشتريها لي وأنا زوجته أستحق ذلك . فطلبت من عمر ثمن الحلوى، فقال عمر: لا أملك مالاً حتى أشتري لك، إلا ما أعطيك يومياً مصروف يومك . فسكتت زوجة عمر، لكنها قالت في نفسها: سوف أوفر شيئاً من مصروفي اليومي وأشتري به الحلوى، ففعلت ذلك فعلاً واشترت الحلوى.

وتابع: سألها سيدنا عمر: من أين لك هذا؟ فقالت وفرت شيئاً من مصروفي اليومي، واشتريت به الحلوى التي اشتهيتها، فقال عمر رضي الله عنه: رديها إلى بيت المال قبل أن تتذوقي منها، لأنك اشتريتها بمال المسلمين لا بمال عمر، فإن المسلمين أولى بهذه الزيادة.

وأكد أحمد عمر هاشم، أن سيدنا عمر بن الخطاب بذلك هو أول من سن قانون "من أين لك هذا؟.

مقالات مشابهة

  • برز في «فيرمونت وسفاح التجمع».. ماهو عقار GHP الذي كانت تتعاطاه الإعلامية الشهيرة؟
  • تناول البيض يومياً.. سر مفاجئ لحماية قلبك وعقلك
  • خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور أحمد عمر هاشم : مصر أصبحت بلد مئات الآلاف من المآذن.. وهذا الصحابي سنّ قانون "من أين لك هذا؟
  • نصائح الدكتور علي جمعة لتحسين القلوب وتوطيد العلاقة مع الله
  • القومي لحقوق الإنسان ينعى شقيقة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب
  • نقيب الإعلاميين ينعى شقيقة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
  • رئيس الإمارات ونائباه يعزون شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في وفاة شقيقته
  • نقيب الإعلاميين ينعي شقيقة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
  • موعد ومكان عزاء شقيقة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
  • وفاة الشقيقة الكبرى لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بالأقصر