جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@20:36:01 GMT

بيضاء القُبَّار فُريحة غزة

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

بيضاء القُبَّار فُريحة غزة

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

لا تعلم فُريحة ما الذي ينتظرها في المستقبل هي وأبناءها وأحفادها ممن لا يزالون في علم الغيب؛ حيث لا يُمكن للطفل في عمر الخمسة أو الستة أعوام أن يرسم ذهنهِ صورة مستقبلية بعيدة المدى، إلا مجرد حلمٍ تخيلي مؤقت يتماشى مع المشاهدات اللحظية؛ وهكذا تخيلت فريحة ضئيلة الحجم خفيفة الوزن ذات صباحٍ مُشرقٍ نفسها فراشةً بيضاء تحركها الرياح بين ظلال النباتات الندية، وتمرجحها عاليًا على منابر أشجار اللوز الغزية، وذلك هو أعلى ارتفاع يمكنها تخيله لتشاهد الصيادين، وهم يكسرون أعمدة نور الشمس بشباكهم ومنطلقين يشقون الموجات بجوارهم.

تهُب نسمة أخرى على جنيحات فريحة، فتطلق لهما العنان، وتنساب معها حتى تتعلق بثمرة الأترج الضخمة في مزارع يافا الجميلة لتلمح بالقرب من أسوار البلدة القديمة وقلاعها عبر إحدى بواباتها الثمانية احتفال البَربارة يقيمه بعض النصارى المتجاورين مع أهل الحي؛ لا وقت للراحة فوق أطلال بوابة رمسيس وثمار البرتقال تجذبني كما تحدث فريحة البيضاء نفسها فالوقت ربيع والنسمات عليلة والقرى الوادعة ممتدةً في الأفق، وليمون وجميز الرملةِ يناديان فريحة وإخوانها وأخواتها عبر الأجواء المشبعة بشجو عبقهما فوق قبر صالح والفضل بن العباس، وحول مِئذنة الجامع الأبيض يحلق المشاغبون الصغار بصمتٍ مستغلين تيارات الهواء إلى طولكرم مدينة السياسة والسيادة ومتسللين بين حي الرشيد والعزب وأرتاح.

توقيت الفراشات لا يعترف بقانوننا الصارم، وربما دقيقتها تعادل ساعة مما نعد؛ ولذلك هناك متسع كبير من الوقت للمضي مع هبات الربيع العليلة إلى جنين ومعاكسة مزارعي البطيخ على مساحات مرج بن عامر الشاسعة، ثم ينقسم سرب الفراش إلى فريقين أحدهما توجه إلى الناصرة مسقط رأس البتول مريم بنت عمران عليها السلام، ومنها إلى نخل بيسان وغلالها ومصانع نسيجها وغزلها حتى إذا هفهفت نسمات الأصيل من لسان الأرض وعين الفلوس على الأجنحة البيضاء الحالمة وجدت نفسها محمولة إلى موز طبريا المثلى من بحيرتها العذبة والجوامع التاريخية المطلة على تخوم بقايا الرومان، وصولًا إلى الأسوار التي تشكلها أشجار قصب السكر المكافئ لسور عكا الحاوي لخان العمدان والشواردة، وقد تناهت إليها ذرات من نسيم بحرها ومينائها الشاهد على غزوات الفرنجة لتطال صفد المجاورة، ويجد السرب مرتعًا خصبًا في بساتينها الغناء، كما أن اللوز هنا يذكرها بلوز حيف في بداية رحلتها، إلا أن نهر صبايا والدان في صفد لا يشبههما شيء.

تجد فريحة نفسها متعبة قليلًا عند وقت الظهيرة فتهبط على صحن الكنافة في نابلس العابقة بروائح الصابون التي تصل إلى شكيم الكنعانية، وعلى شرفات الكنيسة فوق بئر يعقوب؛ حيث مر بها سيدنا عيسى -عليه السلام- تقرر أخذ قسطٍ من الراحة.

من هنا بدأت تتهادى نفحات من رام الله بعد وقت الزوال حاملةً معها قدسية التين والزيتون والنخيل الباسقات في القدس العظيمة وصوت المآذن الأربعة للمسجد الأقصى المبارك حوله وأجراس الكنائس من البلدات العتيقة وذكرى الرسل والأنبياء وتاريخ حافل بالملاحم والصراعات وأرواح القتلى من الملوك والجنود تتقمص الزوايا، وتحيط بكل حجر، لكن الأحياء من المسلمين والنصارى واليهود يقيمون شعائرهم كلٍ بمعتقده دون مساس أحدهم بالآخر باستثناء طائفة محدودة العدد توجست منهم خيفة لقلة احتكاكهم مع بقية أفراد المجتمع.

بعد رشفة ماء صغيرة من سبيل الشيخ البديري ترفرف فريحتنا، ومن تبقى معها من إخوتها إلى الخليل لتذوق العنب من كرومها والتنوع من عطر برقوقها ومراقبة الأهالي، وهم يتخللون الأزقة والطرقات لصلاة العصر في جامع بيت جبرين، وقبل القفول لابد من حومة مع الغروب حول أرجاء بئر السبع عاصمة النقب ليتفرق سرب الفراشات فوق سوق البدو إثر ضجيج محطة القطار العثمانية، وتعود فريحة بمفرها إلى غزة حيث الوطن شقيق الروح وهي منهكة من رحلتها الطويلة لتغفو مثقلة الجفنين.

ومع غفوة فريحة الطفلة مر ثمانون ربيعًا، وهي تحلم بفرد أجنحتها، وتكرار رحلة حريتها، لكن دون أن يتحقق ذلك الحلم، ولن تُفتح عيناها هذه المرة، وسيطول حلمها في نومتها الأخيرة مكفنةً نفسها بجناحيها تحت أنقاض بيتها المقصوف ممن توسمت في صباها مكرهم؛ وفي صعودٍ ملائكي لآلاف الفريحات الصغار من الذين عاشوا بضع سنين أو أسابيع، وترقد أجسادهم الطاهرة بسلام تحت أنقاض البيوت المجاورة تروي لهم الجدة بيضاء القُبَّار كيف عاشت فلسطين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في أول يوم من ولايته الثانية.. ترامب يشن هجومًا حادًا على المكسيك

«ولاية ساخنة تبدو هي السنوات الأربع القادمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سارع بمهاجمة دول وُصفت لعقود بأنها جوار آمن للأمريكيين»، هكذا وصفت قناة «القاهرة الإخبارية» المشهد بعد تنصيب ترامب رئيسا لأمريكا.

وصف ترامب المكسيكيين بأنهم يجلبون المخدرات والجريمة

وأشار تقرير تلفزيوني للقناة بعنوان «في أول يوم من ولايته الثانية.. ترامب يشن هجومًا حادًا على المكسيك»، إلى أنّه في أول أيام ولايته وصف ترامب المهاجرين المكسيكيين بأنهم يجلبون المخدرات والجريمة، كما أعلن عن خطته لبناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، مؤكدا أن المكسيك هي من ستتحمل تكاليفه.

سخط وغضب المكسيكيين على المستوى الرسمي والشعبي

وأوضح التقرير أنّ تصريحات ترامب التي بلغت حد إعلانه حالة الطوارئ الوطنية في الولايات الجنوبية، أثارت سخط وغضب المكسيكيين على المستوى الرسمي والشعبي، كما أن المخاوف من ترحيل ملايين المكسيكيين غير الحاصلين على إقامة قانونية في الولايات المتحدة ليست مجرد مسألة سياسية، بل تهدد معيشة الأسر المكسيكية بشكل مباشر.

سياسات ترامب تتعدى على سيادة المكسيك

ولفت التقرير، إلى أنّ المكسيكيين يرون أن سياسات ترامب تخطت التعدي على حقوقهم، بل بلغت التعدي على سيادة دولتهم نفسها، إذ أن تصريحاتها تكشف عن إحباط عميق وشعور بأن القرارات الأمريكية لم تأخذ في الاعتبار حياة البشر على الجانب الآخر من الحدود، وبين التوترات السياسية والقرارات الأمريكية الجديدة، تجد المكسيك نفسها في مواجهة تحديات غير مسبوقة مع جارها الشمالي، بينما يحاول الشعب المكسيكي التكيف مع هذه الظروف الصعبة.  

مقالات مشابهة

  • المكتب الإعلامي في حمص: ندين ما شهدته قرية مريمين ونؤكد أن أي تجاوزات سيتم التعامل معها بحزم
  • فوق السلطة .. القسام لم ترفع راية بيضاء وصدمة في إسرائيل / فيديو
  • القسام لم ترفع راية بيضاء وتصدم الإسرائيليين
  • بحيرة العوشزية ترسم لوحة بيضاء رائعة بعد تحولها إلى ملح صلب .. فيديو
  • 4 أبراج فلكية متقلبة المزاج.. تعامل معها بحذر شديد
  • بعد إخلاء سبيلها وإنتهاء التحقيق معها.. ليال الإختيار تزور رئيس الجمهورية
  • ألمانيا وفرنسا تعتبران إنفاق 2% على الناتو غير كاف
  • الشرطة الأمريكية توقف شباب سعوديين بعد بلاغ باختطاف طفلة بيضاء.. فيديو
  • في أول يوم من ولايته الثانية.. ترامب يشن هجومًا حادًا على المكسيك
  • “رئيس الكيان”: السعودية هي قاعدة الاسلام ويجب ان نتقدم في التطبيع معها