5 ملامح نفسية تحدد لك شخصية بنيامين نتنياهو
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
قبل عدة أيام، نشر رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) حمَّل فيها قادة أجهزة الاستخبارات مسؤولية الفشل الذي حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد عملية "طوفان الأقصى". أدت التغريدة إلى هجوم حاد على نتنياهو من داخل حكومته وخارجها، حيث بدا الأمر فقط وكأنه يحاول أن يتملص من أي مسؤولية عن الأمر في وقت حرج، لكن نتنياهو اضطر في النهاية إلى حذف التغريدة والاعتذار.
عدم الاتزان هذا الذي لاحظناه في مختلف تصريحات نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى يحيلنا بدوره إلى سؤال مهم يكشف جانبا من شخصيته: ما الذي نعرفه عن شخصية بنيامين نتنياهو؟ في دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب شاؤول قمخي تحاول أن تتقصى السمات الشخصية لبنيامين نتنياهو. تعتمد هذه الدراسة على تحليل السلوك الذي أُبلغ عنه علنا؛ مثل الكتب المكتوبة من قِبَل بنيامين نتنياهو نفسه، والأخبار والتصريحات التي تتعلق به التي نُشرت في الصحف الإسرائيلية، بما في ذلك المقابلات التي أجراها مع الصحف والتلفزيون. تستخدم هذه الطريقة مقاييس الأفكار والمشاعر والأفعال التي لديها الاستمرارية مع مرور الوقت، وقد خرجت الدراسة ببعض الملامح عن شخصية نتنياهو نعرضها تباعا.
الالتفاف حول الذات
بحسب الورقة البحثية، فإن نتنياهو قد أحرز درجة مرتفعة في نقطة الالتفاف حول الذات، حيث يُعَدُّ النجاح الشخصي أكثر أهمية بالنسبة إليه من الأيديولوجيا التي يقول إنه يسعى إلى تحقيقها، بل ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك زملاؤه، من أجل تحقيق النجاح الشخصي، وفي هذا السياق فإنه يعتبر نفسه أكثر فهما للأمور من الآخرين، وبالتالي فإنه يرى مَن لا يتفقون معه على أنهم لا يفهمون السياقات التاريخية أو السياسية فهما صحيحا، وتنقل الدراسة تدليلا على ذلك عدة مشاهد، منها شهادة صحفي أجرى مقابلة معه، ادعى نتنياهو خلالها إنه يميز العمليات التاريخية التي لا يميزها الآخرون.
وفي هذا السياق، فإن موقفه تجاه الأشخاص الذين يعملون معه عن كثب يُظهر بوضوح تمركزه حول ذاته، بل إن بعض السلوكيات تكشف عن انشغال بالذات لدرجة أن الآخرين لا يتلقون أي اعتبار، وتتجلى هذه السمة في تعامل نتنياهو مع زملائه من السياسيين، حيث يواجه الرجل مشكلة في فهم وتقدير أي وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره. ودليلا على ذلك، تلاحظ الدراسة أن نتنياهو لم يقدم في كتبه أي أمثلة على محاولات لفهم أو تقديم وجهات نظر أخرى غير تلك التي تعبّر عن وجهة نظره، ويظهر ذلك أيضا بوضوح في خطبه.
في هذا النوع من الشخصيات، التي تكون مُنكبَّة على عالمها الخاص، يكون من الصعب التمييز بين الأبعاد الشخصية أو السياسية في حياته، لأن كل شيء يدور حولها في نهاية المطاف، وتعرض الدراسة مثالا أنه في اجتماع مع أعضاء كبار في حزب الليكود بعد قضية بار-أون (وهي فضيحة إدارية داخلية في إسرائيل) علق بجُمل تعبر فقط عن ذاته مثل "أنا أتلقى الكثير من الدعم من جميع أنحاء الوطن"، و"يقولون لي كون قويا وثابتا" و"نحن معك"، و"لأن هذا ما يعتمد عليه نجاح الشعب اليهودي".
الرغبة في السيطرة
تشير الدراسة إلى أن نتنياهو يحقق درجات عالية في مقياس الطموح والإصرار، وتقول إنهما أبرز سمتين في شخصيته، وهذه المقاييس لا تشير إلى أخلاقية الفعل كما سنرى فيما يلي من سطور. فكما تشير الدراسة، فإن هذا يعني سعيه المستمر للوصول إلى القمة مهما كان الثمن والتنازلات والتجاوزات التي يمكن أن يقدمها للوصول إلى هدفه وإزاحة المنافسين له، وهو ما قد يفسر استمراره لأطول فترة في رئاسة وزراء دولة الاحتلال، كما أننا يمكن ملاحظة ذلك في تحالفه مع اليمين المتطرف الذي كان حتى الأمس القريب من أشد أعداء إسرائيل بعد قتلهم لرئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، لكن نتنياهو اتجه نحو هذا التحالف في مسعاه للبقاء في السلطة حتى لو أضر ذلك بالمسار "الديمقراطي" كما يصف كاتب إسرائيلي معارض لنتنياهو. وفي هذا السياق فإنه لا يفتأ أن يحدد أهدافا كبيرة قد لا تكون واقعية ولا يرضى بالنجاحات الجزئية خاصةً إذا ما كانت تهدد منصبه، ولا يتخلى أبدا عن أهدافه.
وترى الدراسة أن نتنياهو يتصف عادة بـ "البرود العصبي" في التعامل مع المشكلات مهما كانت كبيرة، فمن غير المرجح أن يقوم بالتفكير العرضي، كما أنه يضع خيارات بديلة لكل خططه، لكنه يواجه مشكلة في التوتر غير المتوقع، فهو في هذه الحالة لا يشعر بالسيطرة على ذاته ومحيطه. أما في حال التوتر المفاجئ، تسيطر على هذا النوع من الشخصيات مشاعر خفيّة من عدم الأمان والعار والإهانة والخوف من أن ينكشف أمره بوصفه شخصا فاشلا حتى لو لم يكن كذلك، وبالتالي يتفاعل بطريقة مرعوبة ومرتبكة، وفي مثل هذه الحالات فهو على استعداد للوعد بأي شيء وتوقيع أي وثيقة خاصة عندما يتعرض للابتزاز. على سبيل المثال، أفاد تقرير المحلل العسكري أمير أورن بأن نتنياهو كان مذعورا للغاية من اعتقال جاسوسين من الموساد في عمان، وقدَّم مقابلهما ثمنا باهظا كان يمكن أن يكون أقل لولا ارتباكه.
ولعل هذا يفسر قدر التخبط الذي نراه حاليًا في الإدارة الإسرائيلية للأزمة الحالية، خاصة بعد صدور تقارير صحفية تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تضع في الإعتبار أن أيام نتنياهو باتت معدودة، وكذلك كانت هناك بعض الخلافات بين الإدارتين (الإسرائيلية والأميركية) حول إدارة الحرب الحالية، في هذا المستوى من التوتر المفاجئ يمكن أن يخرج أي شيء من جعبة نتنياهو لتبرير موقفه، ونقصد هنا القسوة الشديدة في العملية العسكرية على غزة في محاولة للفت الانتباه بعيدًا عن الفشل الكبير الذي حصل في 7 أكتوبر (طوفان الأقصى)، ولعل ذلك أيضًا يفسر عدم اكتراثه بالدماء أو حتى بالأسرى الاسرائيليين في غزة الذين قُتل بعضهم بالقصف، وهو ما دفع أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة للتظاهر مرارا أمام منزله احتجاجا على طريقة إدارته للمعركة.
التلاعب أسلوب حياة
وعلى الجانب الآخر، فإن نتنياهو يبدو شخصا متلاعبا، وهو بحسب الدراسة لا يرى في هذا التلاعب أي سمة غير أخلاقية، بل يرى لعبة السياسة محكومة بـ"قوانين الغابة"، حيث يبقى الأقوياء ويسقط الضعفاء، وبالتالي فإن تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة وبأي تكلفة، وتستدل الدراسة بأنه عندما كان يُشكِّل حكومته أشار أعضاء في حزب الليكود إلى أنه كان يسحق الأشخاص الذين يُشكِّلون تهديدا له، بل وكان يهجم بشكل مسبق على أي شخص يُدرك أنه منافس محتمل، ويقوم بتقليص وتصغير الحلفاء الذين قد يُمثِّلون تهديدا له، ويقوم بتشكيل وكسر التحالفات بناء على ذلك، لأن حليف اليوم هو منافس الغد.
ولذلك تميل علاقات نتنياهو إلى أن تكون ذات طابع عملي، فهو شخص ليس جيدا في التعامل الاجتماعي، ولديه قدر محدود من القدرة على التعاطف، وبالتالي فمعظم الأشخاص الذين يرتبط بهم اجتماعيا هم أولئك الذين يحتاج إليهم أو الذين يساعدونه، وعندما يصبح هؤلاء الأشخاص غير مفيدين له فإنه يُنهي العلاقة معهم.
غياب المصداقية
وتُصوِّر شهادة الآخرين عن نتنياهو أنه شخص يقدم وعودا لا يفي بها، وبالتالي فإنه يُعَدُّ غير جدير بالثقة، وتستدل الدراسة على ذلك بمواقف عدة، مثل أن بيل كلينتون ومستشاريه كانوا غاضبين بسبب عدم تنفيذ نتنياهو للوعود التي ادعوا أنه قد قدمها خلال زياراته إلى واشنطن.
يتفق ذلك مع ما سبق في نقطة قوانين الغابة، فالرجل يمتلك موقفا يعتبر الغدر معيارا متفقا عليه ومقبولا في السياسة، بل ترى بعض الآراء أن نتنياهو كان مدخلا لجعل "المكايدة" شكلا مقبولا للخداع بين بعض السياسيين بحسب الدراسة، ينبع ذلك من اقتناعه بأنه في السياسة يمكن قبول أي وسيلة طالما تحقق الهدف، وبالتالي فعندما يقول أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، وعندما يكذب بملء فيه، فإنه لا يواجه أي صعوبة نفسية أو الشعور بالذنب.
ويجري هذا الموقف على تعامله مع الإعلام، فالرجل لديه قدرة كبيرة على الخطابة والعبث بالكلمات لصالح الرواية التي يريد تقديمها، ظهر ذلك جليا خلال شرحه لموقف دولة الاحتلال أمام جمهور أميركي باللغة الإنجليزية المتقنة، وخدمه ذلك جيدا خلال سباق رئاسة حزب الليكود وبعد ذلك لمنصب رئيس الوزراء. لذلك فإن شخصيته تناسب وسائل الإعلام، وخاصة لأنه يحاول دائما يتصنع الظهور بمظهر لافت، وهو يعرف كيف يستفيد إلى أقصى حدٍّ من الموضوعات التي تخيف الغرب مثل الإرهاب، وكيف يتلاعب بالصحافة لصالحه، وهو يفهم جيدا أن التلاعب بالصحافة هو تلاعب بالحقائق التي لا تعد حقائق إلا في سياق هدفه الشخصي أو السياسي، وهو بحسب الدراسة يهتم بالإعلام جدا، فهو على سبيل المثال يدخل قاعة المؤتمرات في الوقت الذي تبدأ فيه نشرات الأخبار الرئيسية، وهو في هذا السياق يعامل استوديو التلفزيون بوصفه ساحة معركة.
الارتياب
مما سبق يمكن أن نستنتج أن إحدى سمات نتنياهو المميزة الأخرى هي الارتياب (الشك)، بل ويصل الأمر بحسب الدراسة إلى ظن يراوده بأن "العالم بأسره ضده"، ويبدو أنه عندما يتعرض للهجوم يشعر براحة أكبر، لأن مشاعر الاستضعاف تعزز عواطفه الداخلية، مما يُمكِّنه من القتال و السعي الدائم لتحقيق الانتصار، وتزيد هذه السمات الارتيابية عندما يشعر بتهديد موقعه، فيشتبه تلقائيا في الأفراد الذين ينتمون إلى فريق آخر غير فريقه، وهنا يكون التهديد من وجهة نظره شخصيا تماما.
وإذا كنت تؤمن أن العالم كله ضدك، فلا بد أن نتوقع أن تعتقد أن هناك مؤامرة عليك، وفي هذا السياق توضح الدراسة أن نتنياهو يروج للمؤامرة في كل مكان من منطلق أن مَن يختلف معه ليس مجرد شخص "يختلف معه"، بل شخص "مخطئ" أو شخص له مصلحة في سقوطه، لكن ذلك بدوره يولد بعض سمات الشخصية الاستبدادية، فهو يميل إلى إنكار نقاط ضعفه وتوجيه اللوم إلى الآخرين عندما يفشل، نتنياهو في هذا السياق لا يخطئ أبدا، فالخطأ دائما في الآخرين، لأنهم على الأقل لم ينفذوا توجيهاته بالشكل الصحيح.
وانطلاقا من سمة الارتياب فإن نتنياهو يُعَدُّ مسؤولا تنظيميا يميل إلى العمل بمفرده، بل لا يستشير المستشارين الرئيسيين ذوي الخبرة، ولا يظن أنه سيحتاج إليهم يوما ما، وإذا كلف مساعديه بالمهام فإنه يطالبهم بتقديم تقارير متكررة حول أنشطتهم، وفي ذلك السياق يجب أن يكون الموظفون مخلصين منضبطين. جدير بالذكر أن الدراسة تشير إلى أن أسلوب إدارته عدواني، وغير ديمقراطي، وهذا ما اعترف به بعض وزرائه من قبل وأعضاء حكومته، بل وقد اتُّهِم من قبل باللجوء إلى التلاعب للميل إلى تحقيق التوازن في حزب الليكود.
ومما سبق، تخلص الدراسة في المجمل إلى أن بنيامين نتنياهو يمتلك العديد من سمات الشخصية النرجسية، بما في ذلك الميل نحو تعظيم الذات، مع طموح قوي وانتهازية وتفانٍ كامل في تحقيق هدفه، وفشل في الاعتراف بالضعف، ورفض اللوم، والعلاقات التلاعبية، واستخدام الأشخاص الآخرين لتحقيق أهدافه، وغياب النزاهة في السياسة، ونقص في الأخلاقيات الشخصية والسياسية، وحساسية كبيرة للانتقاد، ووعي حاد بمظهره.
——————————————————–
مصادر Feldman, O., & Valenty, L. O. (Eds.). (2001). Profiling political leaders: Cross-cultural studies of personality and behavior- (pp.149-165) Chapter: The psychological profile of Benjamin Netanyahu using behavior analysis by Shaul Kimhi Tel Aviv University. Praeger Publishers/Greenwood Publishing Group.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بنیامین نتنیاهو الأشخاص الذین ی حزب اللیکود أن نتنیاهو وجهة نظره نتنیاهو ی مشکلة فی یمکن أن على ذلک فإنه ی إلى أن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
لماذا تثير ملامح اتفاق عسكري بين تركيا وسوريا المخاوف؟
في وقت تسابق فيه الإدارة السورية الجديدة الزمن لاستكمال عملية دمج الفصائل المسلحة لتنضوي جميعها تحت وزارة الدفاع، يتصاعد الحديث عن قرب التوصل لاتفاق لتأطير التعاون العسكري السوري التركي، الذي قد يشمل تدريب الجيش السوري الجديد وتزويده بالأسلحة وتأسيس قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية.
وفي مطلع مارس/آذار الجاري، أعلنت السفارة التركية في دمشق مباشرةَ الملحق العسكري المقدم حسين غوز مهامه، مؤكدة على "التعاون العسكري الوثيق مع الشقيقة سوريا".
في هذا التقرير، نستعرض مواطن التعاون العسكري التركي السوري المرتقب، وتداعياته على تقاطع أو تضارب المصالح مع أطراف إقليمية ودولية في هذا الصدد.
مواقع عسكرية مشتركةوفقا لمعلومات حصل عليها موقع الجزيرة نت من مصادر تابعة لوزارة الدفاع السورية، فمن المتوقع تأسيس مواقع عسكرية مشتركة بين الجيشين التركي والسوري في مناطق مختلفة.
ومن المرجح أن تشمل هذه المواقع قواعد جوية شمالي البلاد وشرقيها ووسطها، أبرزها مطارات منغ ودير الزور وتيفور وتدمر، وستكون مخصصة لعمليات التدريب والتطوير للقوات السورية، بموجب اتفاقية منتظرة بين الجانبين، مما يعني أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة ربما تعبر عن قلق وتحذير استباقي من مثل هذه الخطوات.
إعلانوفي 20 مارس/آذار الجاري، أرسل الجيش التركي بالفعل قافلة عسكرية إلى مطار منغ شمال مدينة حلب، ومن المنتظر أن يكون هذا المطار أول قاعدة مشتركة بين أنقرة ودمشق.
وكشفت صحيفة حرييت التركية عن إمكانية تزويد أنقرة الجيش السوري بمنتجات صناعتها الدفاعية المتطورة في إطار التعاون العسكري مع سوريا، بالإضافة إلى إيفاد مستشارين عسكريين أتراك إلى سوريا من أجل المساهمة في إعادة هيكلة الجيش السوري.
الاتفاقية المشتركة المحتملة بين أنقرة ودمشق ستلبي مصالح الطرفين، حيث تعكف الإدارة السورية على إعادة إنشاء جيش البلاد بعد انهيار الجيش السابق الذي كان يدين بالولاء لبشار الأسد.
بالمقابل، فإن لأنقرة مصلحة في تعزيز حضورها في الساحة السورية للتعامل مع توجساتها الأمنية، وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي حقان فيدان منتصف فبراير/شباط الماضي عقب توقيع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية، إذ أشار إلى أن بلاده ستراقب عن كثب تنفيذ الاتفاقية خشية وجود "بعض الألغام المزروعة" التي ستظهر في المستقبل.
ولم تستبعد المصادر العسكرية في دمشق أن تشمل المواقع العسكرية المشتركة مع الجانب التركي نشر طائرات مسيرة، مثلما فعله الجيش التركي في القواعد التي أسسها في مناطق سيطرة الحكومة الليبية غربي البلاد.
وتسعى أنقرة منذ مطلع العام الحالي لإدماج الجيش السوري الجديد ضمن تحالف إقليمي رباعي يشمل إلى جانبها كلا من سوريا والأردن والعراق، ومن المفترض أن يركز هذا التحالف على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، بالتوازي مع تواتر تقرير عن رغبة الإدارة الأميركية في الانسحاب من سوريا.
ومنذ الأسبوع التالي لسقوط بشار الأسد، أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر استعداد بلاده لتوفير التدريب العسكري للإدارة السورية الجديدة إذا رغبت في ذلك.
إعلان تعاون متصاعد منذ 2016لا يُعد هذا التعاون العسكري حديث العهد، فقد برز في وقت سابق من خلال دعم الجيش التركي فصائل المعارضة المسلحة السورية، خاصة خلال العمليات التي استهدفت تنظيم الدولة و"قسد".
وكان شهر أغسطس/آب 2016 شهد أول توغل عسكري تركي بري داخل الأراضي السورية لتقديم المساندة لفصائل من المعارضة ضد تنظيم الدولة ضمن عملية حملت اسم "درع الفرات".
وقد تمكنت حينها فصائل المعارضة بإسناد تركي من السيطرة على مواقع مهمة في ريف حلب الشمالي، بعد أن تقلصت مساحات سيطرة المعارضة أمام تنظيم الدولة وقوات قسد التي توغلت شمال حلب تحت غطاء الطيران الروسي.
وفي 2018، دعم الجيش التركي إطلاق فصائل المعارضة السورية عملية عسكرية ضد "قسد" تحت مسمى "غصن الزيتون"، أفضت إلى السيطرة على منطقة عفرين.
وتبعها بعد أكثر من عام عملية "نبع السلام" التي استحوذت من خلالها فصائل المعارضة على مواقع مؤثرة في الرقة، ونتج عن العمليتين المذكورتين في المحصلة النهائية تقطيع أوصال الممر الذي كان تحت سيطرة "قسد" على امتداد الحدود التركية.
ومع مرور الوقت، أسست الفصائل التي شاركت في العمليات المدعومة من الجيش التركي ما عرف بـ"الجيش الوطني السوري"، الذي ضم أكثر من 20 فصيلاً متوزعين على 3 فيالق.
كما دعم الجانب التركي تأسيس 8 ألوية في محافظة إدلب من فصائل المعارضة السورية أطلق عليها تسمية "الألوية الرديفة"، حيث نشر الجيش التركي عشرات النقاط العسكرية شمالي غربي سوريا بالتنسيق والتعاون معها.
وصف الممثل الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الاتصال الهاتفي الذي جمع دونالد ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف الشهر الحالي بأنه كان "رائعا" و"هناك أشياء إيجابية قادمة".
إعلانوفي هذا السياق، علم موقع الجزيرة نت من مصادر دبلوماسية في واشنطن أن النقاشات التركية مع الإدارة الأميركية تسعى لتفادي سيناريو إطلاق إدارة ترامب يد روسيا في الملف السوري مجددا، مقابل عقد تفاهمات بين موسكو وتل أبيب تضمن مصالح الأخيرة، لأن الجانب التركي لا يرحب بعودة النفوذ العسكري الروسي إلى سوريا بعد أن تم تقليصه عقب سقوط الأسد.
بالمقابل، تسعى تركيا لتنسيق نشاطها العسكري في سوريا مع إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة، وتولي الإشراف على السجون التي يحتجز فيها الآلاف من المتهمين بالانتساب للتنظيم.
وبالفعل، لا تخفي روسيا رغبتها بالعودة إلى المشهد السوري، وهو ما يتجلى في الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره السوري أحمد الشرع عبّر فيها عن دعمه الجهود الهادفة إلى استقرار الوضع في البلاد، مؤكدا استعداد موسكو للمشاركة الفاعلة في تعاون عملي مع دمشق، وتعزيز العلاقات الروسية السورية التي لطالما اتسمت بالود والتفاهم المتبادل، على حد قوله.
وبحسب المصادر، فإن إسرائيل هي الأخرى تبذل جهودها لدى الجناح السياسي في الإدارة الأميركية للتصعيد ضد إدارة دمشق لمنعها من تكريس سلطها، وتضييق مساحة التعاون بين دمشق وأنقرة.
وكان ترامب قبيل توليه الرئاسة رسميا، أشار -في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024- إلى أن تركيا ستمتلك قدرة التحكم في مجريات الأحداث في سوريا من خلال علاقتها مع الفصائل المسلحة التي سيطرت على سوريا عن طريق "عملية غير ودية".
إسرائيل المتضرر الأبرزنقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية في الـ23 من الشهر الجاري تزايد الخشية في تل أبيب من مواجهة مباشرة مع تركيا في سوريا، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت مشاورات لبحث التطورات في سوريا.
وبحسب المصدر، فإن الجيش السوري يسعى لترميم قواعد عسكرية وقدرات صاروخية، بالإضافة إلى وجود اتصالات سورية تركية لنقل مناطق قرب تدمر إلى الجيش التركي مقابل دعم لدمشق.
إعلانوأشارت المصادر إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يطلب من مستشاريه التأكيد عبر وسائل الإعلام أن المواجهة مع تركيا في سوريا قادمة.
ومن الواضح ارتفاع الهواجس الإسرائيلية من التعاون التركي السوري، حيث شن الطيران الإسرائيلي موجة جديدة من الهجمات الجوية على مواقع سورية يوم 22 مارس/آذار الجاري، شملت قواعد جوية وسط سوريا أبرزها مطارا تدمر وتيفور في منطقة تدمر بريف حمص.
وإذا أقامت تركيا قاعدة في ريف حمص، فإن المسح الراداري لهذه القواعد قد يصل إلى هضبة الجولان المحتلة.
وتزايدت في الآونة الأخيرة تحذيرات المحللين الأمنيين الإسرائيليين من اندلاع حرب بالوكالة بين أنقرة وتل أبيب على الأراضي السورية.
ومنذ سقوط الأسد، أوضحت إسرائيل رغبتها في الاعتماد على الأقليات في سوريا وخاصة الأكراد والدروز، فيما يبدو أنه خيار إستراتيجي للحفاظ على التوازن في مواجهة تحالف تركيا وقطر مع الإدارة السورية الجديدة.