القصة الرائعة لهنري شوغر.. لوحة جديدة في مسيرة إبداع المخرج أندرسون
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
يُعرض فيلم "القصة الرائعة لهنري شوغر" (The Wonderful Story of Henry Sugar) حاليا على منصة "نتفليكس"، وهو العمل الأول في رباعية من الأفلام القصيرة المقتبسة من أدب الكاتب والسيناريست البريطاني روالد دال.
عمل المخرج الأميركي ويس أندرسون مع روالد دال مرة واحدة من قبل في فيلم الرسوم المتحركة "مستر فوكس الرائع" (Fantastic Mr.
في النهاية اختار أندرسون صيغة الفيلم القصير لـ "القصة الرائعة لهنري شوغر"، وقدمها مع قصص أخرى كتبها دال في أوقات مختلفة هم "البجعة" (The Swan)، و"صائد الفئران" (The Ratcatcher)، و"السم" (Poison)، جمع بينهم أسلوب أندرسون السينمائي، والنجوم الذين شاركوا فيهم جميعا وتبادلوا الأدوار، وهم رالف فينس وبينديكت كمبرباتش وديف باتيل وبن كينغسلي وريتشارد أيواد.
وتعود حيرة أندرسون هذه السنوات الطويلة إلى محاولته إبراز أسلوب دال في الفيلم بشكل واضح، فقرر في النهاية وضع دال بالفعل داخل الأفلام، إذ ظهر في بداية كل فيلم -وقد أدى دوره الممثل البريطاني رالف فينس- جالسا في غرفة يروي الحكاية للمشاهد، بالإضافة إلى راوٍ من داخل العالم الفيلمي يتحدث مباشرة مع الكاميرا.
تدور الأفلام الأربعة القصيرة حول فكرة الكشف عن الذات وحقيقتها، ففي الفيلم الأول يكتشف البطل هنري مصادفة طريقة للتأمل تجعل صاحبها يرى كل ما هو خفي، فيكرس سنوات من حياته لتعلم هذه الطريقة حتى يستخدمها للغش في ألعاب الورق. لكن بعد هذه الرحلة الطويلة من الدراسة -التي اضطر من أجلها لهجر العالم- يجد أن هدفه تغير، فلم يعد الشخص الانتهازي ذاته، بل اكتسب أخلاق سامية وتحول هدفه إلى مساعدة الآخرين بموهبته الجديدة.
أما في فيلم "السم"، فتبدأ القصة بالبطل نائما على سريره في إحدى المستعمرات البريطانية، ويشعر بثعبان يتحرك على جسمه، يتجمد، ويطلب المساعدة من أحد مجنديه، ثم من طبيب المعسكر، وكلاهما من أصول هندية.
بالفعل يبذل الرجلان محاولات مضنية لإنقاذه من اللدغة المنتظرة رغم أنهما لم يريا الثعبان حتى، متحملين صلف ووقاحة المريض، وفي النهاية عندما يكتشفون أن ذلك الثعبان ليس سوى وهم في خياله، يكون رد فعله الإهانات العنصرية، فيكشف عن طبيعته المؤذية ربما أكثر من الثعبان المتخيل.
أما في فيلم "البجعة"، فيعيش الطفل بيتر واتسون يوما صعبا بسبب زملائه المتنمرين، إذ يقيدونه في السكة الحديدية، ويضطر للانكماش حتى لا يقتله القطار المار، ثم يقتلون بجعة ويقطعون جناحيها، ويجبرونه على القفز من أعلى شجرة الصفصاف مرتديا الجناحين. يخضع بطلنا في البداية لتنمر المراهقين حاملي البندقية، لكن في النهاية يكتشف قوته الحقيقية وأنه قادر على مواجهة الظلم والتنمر.
وأخيرا في "صائد الفئران"، يحاول البطل صائد القوارض إبهار مخدوميه، فيقوم بالحيلة تلو الأخرى لكن لا يحصل على ردود الفعل المتوقعة، حتى يقوم بأكثر الأشياء تقززا، ليصل في النهاية إلى أنه تحول لفأر مثل تلك التي يحاول اصطيادها.
قصص أربع تبدو بسيطة لدرجة تصلح للأطفال، حولها أندرسون إلى أفلام مناسبة لكل الفئات العمرية، لتصبح مدخلا للصغار والكبار يدلفون من خلاله إلى عالم روالد دال المبهر في تفاصيله، وبطريقته المميزة في مزج الموعظة الأخلاقية بالإثارة والتسلية.
أسلوب ويس أندرسون السينمائيولفهم تطور أسلوب ويس أندرسون السينمائي، لا بد من مشاهدة أفلامه بالترتيب، وملاحظة كيف تحرر من القواعد السينمائية ووضع قواعده الخاصة. في أفلامه الأولى مثل "روكيت بوتيل" ( Bottle Rocket)، و"راشمور" (Rushmore)، تناول قصصا مشابهة لما قدمه لاحقا، أفلام عن شباب ورجال يصارعون مخاوفهم من صورهم الذهنية عن أنفسهم والصور الذهنية للآخرين عنهم، ويعانون من علاقات أسرية مفككة. في هذه الأفلام ينتصر المخرج للعائلة والمحبة، حتى لو بصورة سوداوية، وذلك باستخدام صورة سينمائية مميزة، تجمع بين تناسق الألوان وجرأتها.
وفي مرحلة لاحقة من أعماله، اشتد اهتمام أندرسون بالجانب البصري الذي نجد فيه التوازن بين الصورة والقصص، وذلك في الأفلام ما بين "ذا رويال تينيباوم" (The Royal Tenenbaums) عام 2001، و"مملكة بزوغ القمر" (Moonrise Kingdom) عام 2012، وفيها نرى الملامح البصرية نفسها التي تتكثف أكثر في الأفلام التالية، مثل تكوين الكادرات بطريقة تعكس التوازن الدقيق في المسافات، وحركة الكاميرا بشكل مسطح كما لو أن هذه الكوادر صور فوتوغرافية لا تحمل عمقا في المنظر، واستخدام ألوان محدودة عُرف بها بين محبيه.
لكن منذ 2014 وفيلمه شديد الشهرة والنجاح "فندق بودابست الكبير" (The Grand Budapest Hotel) وحتى أحدث أفلامه محل حديثنا اليوم "القصة الرائعة لهنري شوغر"، تحلل المخرج الأميركي من الأعراف التقليدية للحكي، وبدأ في التلاعب بالسرد، ففي فيلم "مدينة الكويكب" (Asteroid City)، استخدم أسلوب القصة داخل القصة، فقدم مسرحية تلفزيونية، وقصة تصويرها، وقصة كتابتها، وطرح فكرة مهمة حول أزمة المبدع وعلاقته المضطربة مع العمل الفني.
على الجانب الآخر في رباعية "القصة الرائعة لهنري"، يأخذنا إلى قلب عالم قصص اليافعين لكن هذه المرة مرسومة وملونة بصورة مبهرة على الشاشة.
يحمل أسلوب ويس أندرسون السينمائي في "القصة الرائعة لهنري شوغر" وأفلامه السابقة "مسرحة" متعمدة – أي ما يشبه فن المسرح – بعالمه ثنائي الأبعاد، والديكور الذي يتغير أمام أعين المشاهدين، ويبدو أن هذا الأسلوب لا يستمر فقط منذ عام 2014 وحتى الآن، لكنها يزداد تكثيفا ووضوحا مع كل عمل.
يصف المخرج الفرنسي روبرت بيرسون الممثلين بأنهم مجموعة من الأدوات التي يقوم المخرج باستخدامها، وهي الفكرة التي يمكن تطبيقها على أفلام أندرسون وتعامله مع ممثليه الذين يظهرون بشكل مختلف في أفلامه، فيجبرهم على عدم استخدام تعبيرات وجوههم -وهي من أهم وسائل تعبير الممثل- ليكونوا أبواقا تردد صوته الخاص، يتحركون بسلاسة حركة الكاميرا نفسها، أو الديكور الذي يتحرك من حولهم.
هذه الأسلوبية -على تميزها- يعتبرها البعض مثيرة للسخط، فهو في كل فيلم يبتعد أكثر عن السينما الدارجة والمألوفة، ويتخذ طريقة شديدة الفنية والتميز، الأمر الذي قد لا يرضي الجميع، ولكن بالتأكيد يجعل أندرسون مخرجا مبدعا يقل وجود أمثاله.
فيلم "القصة الرائعة لهنري شوغر" المعروض على "نتفليكس" الآن عمل يزيد الاستمتاع به وفهمه عند وضعه في سياق مشروع أندرسون السينمائي الخاص، كجزء من مسيرة "رائعة" مثل قصة "هنري" على حد سواء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ویس أندرسون فی النهایة فی فیلم
إقرأ أيضاً:
تحفة بريق عمان تسعى لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية
انهت الفنانة الإيرانية مهنوش عباسقلي من رسم تحفتها الفنية "بريق عمان" بعرض يقارب 41 متر وبطول متر و20 سم في غضون سبعة أيام، رسمت فيها ملامح الجمال التي تحتضنها سلطنة عمان، عاكفة على تحقيق إنجاز عالمي بدخولها الى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، احيث اشتغلت عباسقلي بواقع 15 ساعة من العمل يوميًا تبدأ من الساعة الخامسة فجراً قبيل شروق شمس مسقط وتنتهي في الساعة 8 مساءً بعد غياب الشفق الاحمر، وذلك خلال الفترة من 15 إلى 21 يناير في حديقة البندر بمنتجع شانغريلا بر الجصة، فبعد اكتمال هذا الجمال، تم عرض هذه التحفة للبيع في مزاد علني لصالح جمعية "الأطفال أولاً" وهي جمعية غير حكومية تُعنى برعاية الأطفال، حيث بدأ المزاد بعرض اللوحة كاملةً للبيع بــ 30000 ريال عماني على ان يشتريها مالك واحد، ولتعذر ذلك فقد تم بيع اللوحات منفصلة ليكون سعر اللوحة الواحدة 2000 ريال عماني وتم بيع 9 لوحات فنية في اليوم الاول بما يعادل 18000 ريال عماني تذهب لجمعية الاطفال، وستتوفر اللوحات 14 لثلاثة ايام اخرى بمنتجع شانجريلا، وفي حال عدم شرائها ستعود اللوحات لصاحبتها الفنانة مهنوش عباسقلي.
أعادت "بريق عمان" بألوانها الحياة لمجموعة من صور الذكريات، وعكست في أخرى الطبيعية الخلابة لسلطنة عمان في لوحة واحدة ويمكن فصلها إلى 23 لوحة، حيث حملت اللوحة الأولى مشهداً لبلدة قديمة قبل تطورعُمان، لتأتي تباعاً مشاهد للجبل الأخضر، وبلدة قديمة في أحد الوديان، وبعدها لوحة لجمال صلالة، ومشهد لعبري وبهلاء، وسوق الفخار في نزوى، وجزيرة التلغراف في مسندم، ومشهد لمدينة صور بمحافظة جنوب الشرقية، وشلالات صلالة، وشاطئ السلاحف برأس الجنز، وطيور الفلامنجو بقريات، ومنظر جوي لمنتجع شانغريلا، وقصر العلم، وحديقة الريام، وكورنيش مطرح، توسطتهم السفن التقليدية في ميناء خصب، لتعود من جديد الى مسقط والى السفينة السلطانية آل سعيد على كورنيش مطرح، ومشاهد لبوابة مسقط، ومتحف بيت الزبير، ودار الأوبرا السلطانية، وجامع السلطان قابوس الأكبر لتختتم اناملها المتعبة برسم جسر خور البطح بصور.
أوضح حسين عبدالفتاح اللواتي، المدير التنفيذي لمجموعة البلوشي للاستثمار أن فكرة المشروع جاءت من حلم الفنانة بتحقيق العالمية من خلال عمل فني مميز، بعد أن قررت البقاء في سلطنة عمان عام 2019، واتجهت لتحقيق هذا الحلم عبر رسم أطول لوحة فنية للدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، مشيراً إلى أن الفريق قام بدراسة متطلبات الموسوعة ووجد أن الفنانة يمكنها تنفيذ ماراثون للرسم لإنتاج لوحة يبلغ طولها 41 مترًا، وفقًا للشروط التي تتطلب إتمام العمل خلال سبعة أيام متواصلة بمعدل 15 ساعة يوميًا، وأضاف أن الرسامة فضلت أخذ فترات استراحة تبلغ 20 دقيقة بعد كل أربع ساعات عمل، عوضًا عن الخمس دقائق المخصصة لكل ساعة.
وأكد اللواتي أن حكامًا من موسوعة غينيس حضروا لتوثيق الحدث وإعداد تقرير متكامل للاعتماد النهائي، موضحاً أن كافة عوائد المشروع ستُخصص لدعم جمعية "الأطفال أولاً"، وذلك بالتنسيق مع الرسامة لتحقيق هذا الهدف.
و أعرب محمد الصقر، من دولة الكويت وأول مشتري للوحات المعروضة عن سعادته بشراء أول ثلاث لوحات فنية في المزاد الخيري، موضحاً أن الهدف الأساسي من اقتنائها كان دعماً للعمل الخيري، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن اللوحات فعلاً كانت جميلة ومميزة ، وعن اختياره للوحات الثلاث تحديدًا، أشار الصقر إلى أن اللوحة رقم 18 جسدت السفينة السلطانية "آل سعيد"، التي كان يملكها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، فيما عكست اللوحة رقم 6 طابع البلد، أما اللوحة رقم 16 فقدمت مشهدًا لمطرح بدا له وكأنه انعكاس لمدينة إسطنبول التركية.
وأشاد إبراهيم بن عبد الله البوسعيدي، عضو مجلس إدارة "جمعية الأطفال أولاً"، بالمبادرة الفريدة من نوعها والتي تمثلت في مشروع لسم أطول لوحة، مثنيًا على جهود الفنانة مهنوش والشركة التي طرحت الفكرة، مؤكداً أن هذه المبادرة خصصت عائداتها لدعم الأطفال، مما أسهم في زيادة تفاعل الحضور بمجرد علمهم بأن ريع المشروع سيخصص للأعمال الخيرية لصالح الأطفال.
وأضاف البوسعيدي أن الجمعية تنفذ برامج سنوية موجهة للأطفال في سلطنة عمان، سواء كانوا عمانيين أو مقيمين، تشمل هذه البرامج مبادرات توعوية، ودورات تدريبية، وفعاليات مثل برنامج "التاجر الصغير"، الذي يهدف إلى تنمية مواهب الأطفال، مشيرً إلى أن الجمعية سبق أن نظمت مؤتمرًا للطفل في عام 2023، وتعمل حاليًا على التحضير لنسخته القادمة في عام 2025.
وأوضح أن جميع الدورات والفعاليات التي تقدمها الجمعية مجانية للأطفال، ويمكنهم التعرف عليها من خلال الموقع الإلكتروني للجمعية أو من عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي.