رأي الوطن : جرائم حرب تخطت كل الحدود
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
على وقع الرفض الأميركيِّ لوقف العدوان الصهيونيِّ على قِطاع غزَّة، والَّذي جاء على لسان أنتوني بلينكن وزير الخارجيَّة الأميركيِّ، يتصاعد هذا العدوان على القِطاع وباقي الأراضي الفلسطينيَّة، وباتَتْ مصطلحات الإبادة الجماعيَّة وارتكاب جرائم حرب وحْدَها غير كافية للتعبير عمَّا يشهده القِطاع المنكوب من جرائم لَمْ يشهدها التَّاريخ البَشَريُّ الحديث.
إنَّ تلك الجرائم الَّتي تُرتكب بشكلٍ لحظيٍّ في قِطاع غزَّة وباقي الأراضي الفلسطينيَّة تحتاج ـ كما قالت سلطنة عُمان ـ إلى صحوة حقيقيَّة للمُجتمع الدوليِّ انطلاقًا من مسؤوليَّاته الأخلاقيَّة والقانونيَّة والإنسانيَّة، وذلك لوضْعِ حدٍّ لهذا الاستهتار والتعسُّف الواضح لكيان الاحتلال الصهيونيِّ وخَرْقِه للشرائع والقوانين والمواثيق الدوليَّة، والطَّلب من المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة بتشكيل محكمة لجرائم الحرب المُرتكَبة بحقِّ الشَّعب الفلسطينيِّ في غزَّة وملاحقة مُجرِمي الحرب في جميع المجازر التي ارتُكبَت؛ حتَّى يكُونَ هذا التوجُّه نَحْوَ المحاسبة رادعًا حقيقيًّا للكيان الصهيونيِّ وقادته المُجرِمين، الَّذين تخطَّت جرائمهم كافَّة الحدود الَّتي عرفها العالَم، وحتَّى لا تنجرَّ المنطقة نَحْوَ حربٍ شاملة، سيدفع ثمنَها العالَم أجمع من أمْنِه واستقراره، ومقدّراته التنمويَّة.
ولعلَّ الاستماع لنصائح الدبلوماسيَّة العُمانيَّة، والاستجابة لإعلان الوقف الفوريِّ لهذه الحرب الغاشمة أضحى ضرورةً ملحَّةً يتعيَّنُ على المُجتمع الدوليِّ عدم التهاون فيها، وذلك بموقف حازمٍ تجاه الانتهاكات الصهيونيَّة المستمرَّة ضدَّ المَدنيِّين الأبرياء العُزَّل، وتمكين إيصال المساعدات الإنسانيَّة العاجلة والضروريَّة لَهُمْ، حتَّى يستطيعَ العقلاء التوجُّه نَحْوَ مفاوضات تسعى إلى الحلِّ الجذريِّ القائم على قرارات الشرعيَّة الدوليَّة.
إنَّ عدم اكتراث الحكومة الصهيونيَّة بكُلِّ تلك النداءات، والاستمرار في العدوان الهمجيِّ غير المسبوق، واستمرار المعارك والهجمات الصهيونيَّة من قصفٍ جوِّيٍّ وحصار، يُفاقم من الوضع الإنسانيِّ في غزَّة على نَحْوٍ مُروِّع، ويُمكِن وصْفُه فعليًّا بحرب إبادة وتطهير عِرقي لمئاتِ الآلاف من الفلسطينيِّين، ما يُعدُّ تصعيدًا خطيرًا في مسار المواجهات، ويُنذر بعواقب وَخِيمَة على أمْنِ واستقرار المنطقة؛ نتيجة ما نشاهده من تواطؤ متعمَّد من قِبَل المُجتمع الدوليِّ، تارةً بالصَّمْت وتارةً أخرى بالانتقائيَّة إزاء جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانيَّة الَّتي يرتكبها الاحتلال بحقِّ الشَّعب الفلسطينيِّ، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان ويوسِّع دائرة العنف، ويَقُودُ إلى مزيدٍ من التصعيد وعدم الاستقرار.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الجحيم – أو: حين تخون الحرب الوطن
الجحيم – أو: حين تخون الحرب الوطن
وجدي كامل
ذاق السودانيون الجحيم، لا على نحو عابر، ولكن كما يكون الجحيم جحيما . لم ينجُ إلا أولئك الذين أشعلوه، فظلّوا ينفخون في أوار الحرب، مزهوّين بوهم الرسالة، مدّعين أنها حرب كرامة تُخاض نيابةً عن الشعب.
أي كرامة تلك التي تنبت من رماد الخراب؟ وأي شعب ذاك الذي تُنصب له المذابح، ثم يُقال له: هاك خذ لقد انتصرنا لك؟ في غمرة جنون الثأر من الثورة والثوار والثائرات ومنظماتهم المدنية من تحالفات ، تناسى هؤلاء أن الحرب، مهما تجمّلت شعاراتها، لا تبقي وطناً. نسوا، أو تجاهلوا، أن ما يسعون إليه هو الانتقام من الثورة، لا استرداد الكرامة، وأنهم لا يحاربون لأجل السودان، بل ضده. فكانت النتيجة أن صار الوطن نفسه هو الضحية الكبرى، والرهينة، والحطام. ها هي الحرب تدخل عامها الثالث. والسودان، من شرايينه حتى أصابعه، يحترق.
من بقي فيه يعاني، ومن نزح عنه لا يقل وجعاً، ومن استراح في المنافي لا يملك غير الانتظار المرهَق والنقص المريع في الكرامة. ومع ذلك، لا تزال أصوات الخراب ترى في الحرب “مهمة وطنية”، و”خياراً أخلاقياً”، وتمضي بها إلى نهايات لا يتخيلها عقل.
الدعم السريع، الذي غادر الخرطوم بعدما أجهز على ما فيها من حياة، عاد لينسج حصاره، ويحكم قبضته على الفاشر، المدينة ذات التاريخ والمكانة والرمز. غير ان سقوط الفاشر لا يفضي فقط إلى واقع التقسيم الذي ظهرت مقدماته بقرب اعلان الحكومة الموازية، بل إلى انكسار المعنى نفسه: معنى الوطن الواحد، والخرائط المتماسكة، والناس الذين ظنوا أن الخراب له حدود. لكن القادم – كما تُنذر الوقائع – سيكون أكثر فداحة.
فما يُمَهَّد له الآن هو وجه جديد للحرب، أكثر شراسة، وأكثر احتقاراً للمدنيين. تتجه الحرب إلى استهداف المناطق الشمالية والشرقية بضرب مصادر الامداد الكهربائي كمقدمة للتطويق والزحف، لتجرّم الناس بانتمائهم، وتُنزل العقاب بالأهالي لأنهم ينتمون، لا لأنهم يقاتلون. فشلت محاولات التفاوض، واستُنزفت مؤتمرات الخارج والذي كان مؤتمر “لندن” اخرها بسبب ان المصالح الدولية لا يعلى عليها.
واليوم، لا يمكن لأحد أن يتنبأ إلى أي درك ستنحدر البلاد اكثر. لكن المؤكد أن الأسوأ لم يأتِ بعد. فالحريق ما يزال يتلمس أطراف الوطن، وما يزال يجد في الخراب ما يغذّيه. كلا الطرفين، بما اقترفا من آثام، قدّما للتاريخ مائدة دموية، زاخرة بكل ما يجعل الحاضر لعنة، والمستقبل سؤالاً مفتوحاً على الفجيعة. سيكتب التاريخ، لا محالة، كيف أن صعود قِلّة من الطغاة إلى الحكم كان كافياً لتهديد وجود أمة بأكملها، وسرقة الحياة من الأغلبية التي لم تطلب غير السلام والعدل والحرية. الدروس كثيرة، بقدر الجراح. لكن أعظمها أن على السودانيين، حيثما كانوا، أن يتعلموا كيف يُحصّنون حياتهم: لا فقط ضد رصاص وقاذفات الجيوش والمليشيات، بل ضد إنتاج الطغاة من جديد، ضد استسهال العنف باسم الدين، وضد كل من يُمهّد للطغيان بجهله أو صمته أو خوفه. إن مشكلة المقاومة المدنية السلمية لا تكمن في قياداتها، التي تبلي بلاءً حسنًا على الصعيد الإعلامي المتاح، بل في الأغلبية الصامتة أو المتفرجة، التي بدا وكأنها وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا للتعليق والسخرية أو التصفح السلبي، من دون أن نعمل على تحويل هذه الطاقة الثورية الهائلة إلى تظاهرة مجلجلة ضد قهر الحرب وتجلياتها المرعبة.
فكلما أحسنّا توظيف وسائل التواصل في فضح جرائم الحرب، وكشف أكاذيب جنرالاتها وخطوطهم الإعلامية الزائفة، كسبنا أرضًا جديدة في المعركة، واقتربنا خطوة نحو خلق وحدة مدنية، تكون بمثابة كلمة السر الغائبة لاستشعار قوتنا وإسماع صوتنا للعالم، كضحايا لهذه الكارثة الوطنية غير المسبوقة.
الوسومالحرب الدعم السريع الوطن الواحد جريمة وجدي كامل