شراع : نار غزة تُذهب خَبَث معدن القضية
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
طَوال أكثر من خمسةٍ وسبعينَ عامًا، وتحديدًا منذ توقيع اتفاقيَّات أوسلو، لَمْ يُقدِّم العدوُّ الصهيونيُّ وحليفاه الأميركيُّ والأوروبيُّ أيَّ مُنجزٍ على الأرض يعكس صِدْق توجُّههم نَحْوَ السَّلام، والالتزام باستحقاقاته، أو إبداء أيِّ استعداد لتنفيذ قرارات الشرعيَّة الدوليَّة ذات العلاقة، والاعتراف بحقوق الشَّعب الفلسطينيِّ، بل إنَّ كُلَّ السِّياسات الصهيوـ أميركيَّة ـ أوروبيَّة ـ غربيَّة ظلَّت ـ ولا تزال ـ تلعبُ على عامل الوقت، وتقديم ملهاةٍ مع كُلِّ مرحلة أو تطوُّر للجانب الفلسطينيِّ والعربيِّ وذلك بهدف توفير الوقت والجهد للعدوِّ الصهيوني لتغيير الوقائع على الأرض، بِالْتهام ما تبقَّى من أراضي فلسطين المحتلَّة، في الضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة، ومحاربة التفوُّق الديمغرافي الفلسطينيِّ بجرائم الحرب والمجازر والإرهاب والاعتقال والتهجير.
لقَدْ أثبَتَتِ الولايات المُتَّحدة مع كُلِّ جريمة وتطوُّر خطير، سواء في فلسطين المحتلَّة أو الإقليم، أنَّها مخلب القطِّ فيها، وأنَّها أساسُ كُلِّ الكوارث والشُّرور الَّتي تحلُّ بشعوب هذا الإقليم ودوَلِه، وليسَتْ أساسًا للحلِّ أو جزءًا مِنْه. ومدار السِّياسات الأميركيَّة هذه هو خدمة القاعدة العسكريَّة للغرب الاستعماريِّ بقيادة واشنطن والمُسمَّاة «إسرائيل» وتمكينها لِتكُونَ الشُّرطيَّ واليَدَ الطولَى ضدَّ دوَل الإقليم وشعوبه، وحكوماته. فبعد أنْ قادت الولايات المُتَّحدة حرب تدمير العراق، ثمَّ قيادتها لِمَا يُسمَّى «الربيع العربي» لِتَفتيتِ مفهوم القُطْرِ العربيِّ، وتدمير الدوَل العربيَّة المناوئة لكيان الاحتلال الصهيونيِّ، والدَّاعمة للقضيَّة الفلسطينيَّة والمقاومة الفلسطينيَّة كما هو حال سوريا وليبيا واليمن على النَّحْوِ الَّذي يراه اليوم كُلُّ عربيٍّ شريف كيف أصبحَ وضْعُ القضيَّة الفلسطينيَّة مع محارق الإبادة الجارية الآن، مع تكشُّف مُخطَّطات التصفية المُعدَّة سلفًا، والمُتمثِّلة في تهجير سكَّان الضفَّة الغربيَّة باتِّجاه الأردن، وسكَّان قِطاع غزَّة باتِّجاه سيناء المصريَّة، فها هي الولايات المُتَّحدة تَقُودُ حرب الإبادة على قِطاع غزَّة، بإعطاء كيان الاحتلال الصهيونيِّ صكًّا مفتوحًا وتفويضًا صريحًا مع جسرٍ جوِّيٍّ من الأسلحة الفتَّاكة والعتاد، والمستشارين والفِرق الخاصَّة، لإبادة الشَّعب الفلسطينيِّ.
اللافت أنَّ الولايات المُتَّحدة وحليفها كيان الاحتلال الصهيونيِّ ومعهما الأتباع والعملاء والخَوَنَة وقَعَ في يقينها أنَّها نجحت في تخدير الشَّعب الفلسطينيِّ والعربيِّ وإماتة القضيَّة، ومسْحِها من الذَّاكرة الجمعيَّة، عَبْرَ ما طرَحتْهُ من مَلاهٍ ومسرحيَّات على شاكلة «خطَّة خريطة الطريق» و»حلِّ الدولتَيْنِ» ومؤتمرات السَّلام، كمؤتمر «أنابوليس» وغيرها الكثير، وأنَّ الشَّعب الفلسطينيَّ قَدْ بَقِيَ معزولًا ويُمكِن الاستفرادُ به وتصفية قضيَّته بعد النَّجاح في تمرير مُخطَّط التآمر «الربيع العربي» بتدمير الدوَل العربيَّة المركزيَّة الدَّاعمة (سوريا، ليبيا، اليمن، العراق)، فإذا بها اليوم تتفاجأ أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة لا تزال حيَّةً في ضمير ووجدان كُلِّ فلسطينيٍّ شريف، وقَد تبدَّى ذلك عَبْرَ الإبداع في وسائل المقاومة وتطوير أدواتها لِتُلْحِقَ بالهزيمة النَّكراء بكيان الاحتلال الصهيونيِّ في السَّابع من أكتوبر 2023م، والقضاء على أكذوبة «الجيش الَّذي لا يُقْهَر»، الأمْرُ الَّذي مثَّلَ صدمةً كُبرى، وأدَّى ـ في الوقت ذاته ـ إلى سقوط الأقنعة وافتضاح خلفيَّات ما يجري من تآمر على الإقليم وشعوبه.
اليوم الحقيقة الَّتي لا مراءَ فيها، هي أنَّ النَّار الصهيو ـ أميركيَّة ـ غربيَّة الَّتي تحرق الأطفال والنِّساء والمُسنِّين في قِطاع غزَّة، كالنَّار الَّتي تُذْهِبُ خَبَثَ الحديد والذَّهَبِ والفضَّة، حيث أخذت حُمَم النيران المصبوبة على غزَّة تُذْهِبُ خَبَثَ مَعْدَنِ القضيَّة الفلسطينيَّة العادلة، وذلك بنفضها خَبَثَ التآمر صهيونيًّا وأميركيًّا وغربيًّا وإقليميًّا وعربيًّا، وسلَّطت الضوء ـ عَبْرَ ما تكشَّفَ من مُخطَّطات وسياسات وتوجُّهات وأدوار وتواطؤ ـ الضَّوء على حجْمِ التآمر والخيانة وفي أبشَعِ صُوَره، ومدَى ازدواجيَّة المعايير والنِّفاق في أقبَحِ أشكاله. ومن خلال ذلك لا أتصوَر أنَّ ثمَّة عربيًّا شريفًا غير قادر اليوم على مشاهدة الفرز غير المسبوق على رقعة شطرنج الإقليم، بَيْنَ مَنْ هو مع القضيَّة الفلسطينيَّة وعدالتها، وانتصار المقاومة، وبَيْنَ مَنْ هو ضدَّ القضيَّة ومع تصفيتها وتصفية المقاومة والقضاء عَلَيْها قضاءً مُبرَمًا، وقَدْ تجلَّى ذلك من خلال الضوء الأخضر للعدوِّ الصهيونيِّ بإبادة الشَّعب الفلسطينيِّ ومقاومته، والحصار الجائر ومنْع دخول أيِّ قطرة ماء أو حبَّة دواء أو كسرة خبز، واستهداف المستشفيات وطواقم الإسعاف عمْدًا، وجلب السُّفن الحربيَّة بزعم أنَّها مستشفيات ميدانيَّة من أجْلِ مساعدة المُصابِين الفلسطينيِّين، ولكنْ لِتُمارسَ أدوارها الخبيثة في عمليَّة التهجير والتجسُّس والاستهداف، بجوار بقيَّة البوارج الحربيَّة وحاملات الطائرات.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الاحتلال الصهیونی الولایات الم ت ة الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
نائب:حكومة الإقليم تحاول تغيير ديمغرافية كركوك لإعادة السيطرة عليها
آخر تحديث: 21 نونبر 2024 - 2:37 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد عضو اللجنة القانونية النيابية عارف الحمامي، اليوم الخميس، ان حكومة اقليم كردستان تحاول تغيير ديمغرافية كركوك لاعادة السيطرة عليها.وقال الحمامي، في حديث صحفي، ان “الاجهزة الامنية والإدارية تتحمل مسؤولية النزوح الحاصل من اقليم كردستان الى كركوك”.واضاف ان “النزوح الحاصل مخالف للقانون ويعتبر تغيير ديمغرافي لواقع المحافظة من قبل حكومة الإقليم”.وبين ان “حكومة الاقليم ارسلت عدد كبير من العوائل الى كركوك لزيادة نسبة الأكراد في المحافظة بهدف إعادة السيطرة عليها”.وأشار إلى أن “التعداد السكاني سيكشف عن نتائج وجرد حقيقي للمواطنين ومن الممكن ان يكشف عن عدد من الوفيات غير المعلن عنها في الإقليم”.