برغم ما نشاهده من مجازر وحشيَّة تُرتكب على مرأى ومسمع العالَم ودعم غير مسبوق من قِبل الغرب للمعتدي المتوحِّش وتبرير أفعاله البربريَّة، وسكون الأموات الَّذي يغشى أغلب الحكومات والأنظمة العربيَّة وكأنَّ الأمْرَ لا يعنيهم من بعيد ولا من قريب، وبرغم هذا الاندفاع الأهوج نَحْوَ التطبيع مع الكيان الدموي الغادر، وهذا الاستسلام والخنوع والهوان الَّذي ارتضاه العرب لأنفُسهم لِيصبحوا ألعوبة في يَدِ أعدائهم، إلَّا أنَّ هذا الثور الهائج الَّذي يسمُّونه «إسرائيل» ينحدر نَحْوَ نهايته بسرعة لَمْ نتوقعها، والمؤشِّرات والدلائل على ذلك كثيرة وواضحة وضوح الشمس، وبالقدر الَّذي تتمادى هذه العصابة في إجرامها ودمويَّتها وعنفها؛ فهي تهوي بسرعة الصاروخ نَحْوَ مزبلة التاريخ، ونهاية حتميَّة لهذا الورم السرطاني الخبيث.

وصَدِّقوني لَمْ تكن صدفة عِندما أسقط الغراب علَمَ الصهاينة من ساريته وهو الَّذي علّم ابن آدم من قَبْل كيف يُواري سوءة أخيه!
فهذا الكيان الغاصب لَمْ يمرَّ بانقسام داخلي يهدِّد أركانه منذ تأسيسه مِثلما نشاهده الآن بسبب التعديلات القضائيَّة الَّتي أصرَّ عَلَيْها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي المتطرِّف في حكومته إيتمار بن جفير، وتمَّ إقرارها لاحقًا من قِبَل الكنيست والَّتي من شأنها الحدُّ من سُلطات المحكمة العُليا، وعَدَّتها المعارضة تراجعًا كبيرًا للديمقراطيَّة وضربة موجعة للعدالة المزعومة في كيانهم. وقَدِ استمرَّ المعارضون في مظاهراتهم دُونَ كلَلٍ لعدَّة أشْهُر، وتطوَّر الأمْرُ لاحقًا بتهديد أطلقه المئات من الضبَّاط وجنود الاحتياط بتعليق خدمتهم في الجيش، الأمْرُ الَّذي وصفه رئيس الموساد الأسبق تامير باردو بالأمر الخطير وأنَّ ما أسماها بـ»إسرائيل» أصبحت أُمَّة ممزَّقة.
هذه التعديلات المثيرة للجدل عزَّزت من هواجس سابقة تردَّدت على ألسنة كثير من السِّياسيِّين السابقين والنخب والمؤرِّخين الصهاينة عن قرب نهاية كيانهم لأسباب كثيرة مِنْها ديموغرافيَّة بسبب الفارق الهائل بَيْنَ سكَّان الكيان والعرب المحيطين به، إضافة إلى تزايد أعداد الفلسطينيِّين في الضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة بوتيرة سريعة على عكس الصهاينة.
نشرت جريدة (هآرتس) الإسرائيليَّة عام ٢٠١٩م حوارًا مع المؤرِّخ اليهودي الشهير بيني موريس رسَمَ خلاله صورة قاتمة لنهاية كيانهم من وجهة نظره، وافترض أفقًا زمنيًّا لنهايتها المحتومة لا يتعدَّى (٥٠) سنة.
ومن جهته يتَّفق السِّياسي الإسرائيلي المخضرم أفراهام فورج أنَّ كيانهم يتَّجه إلى نهايته بسبب نبذه للديمقراطيَّة وإهداره للقِيَم الإنسانيَّة.
وبعيدًا عن الشعور الَّذي ينتاب الصهاينة أنفُسهم بقرب نهاية كيانهم، والَّذي دفع بعضهم للعودة إلى مواطنهم الأصليَّة الَّتي قَدِموا مِنْها؛ نجد كثيرًا من الأسباب الواقعيَّة الَّتي ترجِّح حتميَّة زوال الكيان الصهيوني، فهو في الأصل لا يملك أسباب ديمومته؛ كونه قام على أرض مغتصبة وفي ظلِّ نظام دولي ظالِم تسيطر عَلَيْه قوى دوليَّة لها تاريخ سيء في الاحتلال واغتصاب مقدَّرات الشعوب، كما ضاعف تطرُّف قياداته المتعاقبة وعنصريَّتهم المقيتة من الشعور المترسِّخ أصلًا لدى كافَّة الشعوب العربيَّة بحتميَّة زوال كيان الصهاينة عاجلًا أم آجلًا وفقْدِ اليهود الأمل في التعايش والاندماج مع الشعوب العربيَّة برغم التطبيع مع العديد من الحكومات العربيَّة المتخاذلة، إضافةً إلى وجود شرخ كبير في البنية الاجتماعيَّة الداخليَّة، والعنصريَّة المتنامية تجاه اليهود من أصول شرقيَّة .
وفي الجانب العسكري فهناك حقيقة لا تغيب عن رجالات الدَّولة في الكيان الغاصب وهي عجز جيشهم عن كسب أيِّ حرب منذ عام ١٩٦٧م (عام النكسة)، وقَدْ سقطت إلى الأبد عبارة (الجيش الَّذي لا يُقهَر) منذ حرب عام ١٩٧٣م.
كما تكرَّرت إخفافات جيشهم لاحقًا في لبنان عام ٢٠٠٦م ثمَّ في غزَّة عام ٢٠٠٩م، إضافةً إلى عجز الكيان عن ردع التهديد الإيراني المتزايد على وجوده، برغم تعاقب الحكومات وترؤُّسها من قِبَل متطرِّفين كرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وتهديداتهم المستمرَّة بتدمير المشروع النووي الإيراني، إلَّا أنَّهم عجزوا عن خوض أيِّ مغامرة ضدَّ دَولة تمتلك الردع الكافي ضدَّ أعدائها متمثلًا في سلاحها الصاروخي المُدمِّر وأذرعها الإقليميَّة المُتعدِّدة والمُسلَّحة.
إضافةً لكُلِّ ما سبَقَ يبقى التهديد الأزلي والأخطر للكيان الصهيوني هو استمرار المقاومة الفلسطينيَّة رغم مرور أكثر من (٧٥) سنة على قيامها، بل إنَّ المقاومة اشتدَّ عودها وتنوَّعت خبراتها واستفادت من إخفاقاتها السَّابقة، وأصبحت تُجيد المناورة وسياسة الكر والفر في مواجهة عدوِّها، وبفعل القدرة الصاروخيَّة الَّتي أصبحت تمتلكها تصاعد تهديدها للعُمق الصهيوني الَّذي لا تزيد مساحة الأرض الَّتي يستولي عَلَيْها عن (٢٢) ألف متر مربَّع، وتقع كُلُّها في مرمى صواريخ حماس وحزب الله ومجموعات المقاومة الأخرى، وبهذا الاستمرار والصمود الَّذي تتَّسم به المقاومة فهي تستنزف قوَّة عدوِّها، وولدت قناعة متزايدة لدى الصهاينة أنَّه لا يوجد مكان آمن في كيانهم بعد تمكُّن المقاومة من فرض معادلتها الأمنيَّة على العدوِّ في أكثر من مناسبة، وما فرار قطعانهم نَحْوَ مطار بن جوريون خلال المواجهات الحاليَّة مع حماس إلَّا بداية رحلة العودة إلى مستنقعاتهم النتنة الَّتي قَدِموا مِنْها.
في كُلِّ الأحوال، وسواء تمكَّن العدوُّ الصهيوني من اجتياح قِطاع غزَّة أو لَمْ يتمكَّن، فهو لَنْ يستطيعَ القضاء على روح المقاومة لدى الشَّباب الفلسطيني الَّذي لَمْ يَعُدْ يراهن على محيطه العربي المتخاذل، ولا المنظَّمات الدوليَّة المنحازة تمامًا مع الصهاينة، ويعلَمْ كُلَّ العِلْم أنَّ الخلاص من الاستعمار لا بُدَّ أن تكُونَ له تضحيات جسيمة لا تقلُّ عن تضحيات الشَّعب الجزائري الشامخ الَّذي فقَدَ ملايين الشهداء في سبيل تحريره، ولا أقلَّ من تضحيات الروس الَّذين فقدوا أكثر من ٢٠ مليون روح في مواجهة الغزو الألماني، ولا الفيتناميِّين والبوسنيِّين وغيرهم من الشعوب الحُرَّة المناضلة الَّتي لا ترضى الخنوع والذُّل.

سعيد بن محمد الرواحي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

الكيان الصهيوني واغتيالاته الجبانة: بداية مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي

يمانيون – متابعات
اختار مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة سياسة الاغتيالات المتأصلة في جذور الكيان الصهيوني هروباً من هزيمته الإستراتيجية المُنكرة في قطاع غزة، ليبدأ بإغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية وقائد حركة حماس إسماعيل هنية في طهران خلال أقل من 24 ساعة، وتدرج نتنياهو وعصابته في اغتيالاته من الصف الأول إلى الثاني إلى الثالث الى إغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ويتبع الكيان الغاصب على مر فترات حكوماته المتعاقبة سياسة الاغتيالات فقد اغتال العدو الصهيوني شخصيات كبرى في حركة حماس كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عيّاش، وأحمد الجعبري، وآخرين.

لكن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، والمسؤول العسكري في حزب الله الشهيد فؤاد شُكر في طهران وبيروت، كان له وقعُ خاص وأهداف مهمة في سياق المعركة المستمرة منذ السابع من أكتوبر.

ويبدو للمراقب أن غاية نتنياهو من عمليات الاغتيالات هي شطب القضية الفلسطينية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية القادمة بأساطيلها الحربية، كما يبدو أن لدى نتنياهو رؤية إستراتيجية ليست جديدة تتمثل في تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع الكيانات العربية الرخوة واندماج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية بالإضافة الى منع إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية من امتلاك السلاح النووي، لتكون المهيمنة في المنطقة ومحتكرة للردع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.

وباغتيال السيد نصرالله أمين حزب الله، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، مما قد يترك تداعيات عميقة على السياسات الداخلية للدول وتحالفاتها، وسينذر هذا الحدث المفصلي بتحولات جذرية في المشهد السياسي والعسكري والأمني للمنطقة، وقد تعُيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات الإقليمية.

ومع هذا الحدث الجلل اغتيال سيد الشهداء نصر الله، فإن المنطقة دخلت منعطفًا جديدًا وخطيراً يُنذر باحتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة، فمحور المقاومة لن يقف مكتوف الأيدي واحتمالات الرد القوي والقاسي متوقع بشكل كبير ولن تسمح إيران بتصفية حزب الله أو إخراجه من توازن القوى في المنطقة.

وعملية اغتيال السيد نصرالله لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، والتي جاءت هي الأخرى في وقت كان السعي الدبلوماسي الأمريكي يهدف لوقف إطلاق النار.

ويفسر الهدف المزدوج الذي أراد تحقيقه نتنياهو عبر اغتيال هنية في طهران، واستهداف حركة حماس وقياداتها، هو دفع إيران لتكون طرفًا مباشرًا في حربه ضد الفلسطينيين، تمهيدًا لحرب موسّعة تُجبر فيها الولايات المتحدة على التدخل للدفاع عن الكيان الصهيوني في مواجهة إيران، ومحور المقاومة.

ويحاول نتنياهو جاهدا لإطالة أمد الحرب لحماية مستقبله السياسي، وحكومته من السقوط، وذلك عبر البحث عن صورة انتصار تكتيكي، مثل اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مادام حسم المعركة مُستبعداً، وهو الأمر الذي يحقق له إطالة المعركة حتى الانتخابات الأمريكية، أملاً في أن تشكل له عنواناً جديداً لإدارة مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيّما إذا كان المرشح دونالد ترامب الذي تماهى في فترته السابقة مع أهداف نتنياهو في نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، وقام بإعداد صفقة القرن، هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض.

وسبق أن حاول نتنياهو منع الرئيس باراك أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفشل، لكنه نجح في دفع الرئيس السابق دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد، لدفع واشنطن للصدام مع طهران.

في المقابل، نجحت إيران في تدوير الزوايا الحادة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكن اغتيال هنية في طهران، بعد أشهر من قصف الكيان الصهيوني للقنصلية الإيرانية في أبريل الماضي، وضع طهران في زاوية ضيقة لا خيارات فيها سوى الرد بقوة، مع الحرص على عدم الذهاب إلى حرب إقليمية، إلا إذا فرضها الكيان الغاصب.

ونشأ خلال السنوات الماضية “ميزان الرعب” بين محور المقاومة والكيان الصهيوني وهو نتاج تطور “قواعد الاشتباك” لكن مع فرط الكيان الغاصب عقد قواعد الاشتباك باتباعه سياسة الاغتيالات الجبانة يبدو أن محور المقاومة بصدد اتباع شكل جديد من المواجهة مع هذا الكيان وعصاباته الصهيونية، وسيعيش الكيان وعصاباته الصهيونية حالة رعب حقيقية من قبل المحور، وهو واقع لا محالة، مع عجز الكيان عن حجمه وتوقيته ومداه.

ويبدو أن محور المقاومة بعد اغتيال قيادات من الصف الأول كـ”إسماعيل هنية والسيد حسن نصرالله” عازم بإصرار على إجبار العدو دفع أثمان كبيرة وغالية ردا على اعتداءاته الغادرة.
———————————————————-
السياسية – عبدالعزيز الحزي

مقالات مشابهة

  • وقفة بجامعة البيضاء تنديداً بجرائم الكيان الصهيوني
  • تحالف الأحزاب المناهضة للعدوان يثمن العمليات العسكرية الإيرانية ضد الكيان الصهيوني
  • الكيان الصهيوني واغتيالاته الجبانة: بداية مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي
  • السيد خامنئي: ضربات جبهة المقاومة لجسد الكيان الصهيوني ستكون أشد وأكثر إيلاماً
  • لجان المقاومة في فلسطين: نبارك الرد الإيراني الصاعق الذي استهدف عمق الكيان الصهيوني
  • إخوان الأردن يدعون للنفير الجمعة دعما لـطوفان الأقصى في ذكراها الأولى
  • وقفات احتجاجية في حجة دعما للمقاومة ضد جرائم الكيان الصهيوني
  • الهيئة النسائية بحجة تنظم وقفات تنديداً بجرائم الكيان الصهيوني
  • كنعاني: أفعال الكيان الصهيوني لن تمر دون رد
  • رباطة علماء اليمن: ما يقوم به العدو الصهيوني هي محاولات بائسة لاسترداد قوة الردع التي فقدها في معركة طوفان الأقصى