عملية طوفان الأقصى.. هل يقترب الكيان الصهيوني من نهايته؟ «٢»
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
برغم ما نشاهده من مجازر وحشيَّة تُرتكب على مرأى ومسمع العالَم ودعم غير مسبوق من قِبل الغرب للمعتدي المتوحِّش وتبرير أفعاله البربريَّة، وسكون الأموات الَّذي يغشى أغلب الحكومات والأنظمة العربيَّة وكأنَّ الأمْرَ لا يعنيهم من بعيد ولا من قريب، وبرغم هذا الاندفاع الأهوج نَحْوَ التطبيع مع الكيان الدموي الغادر، وهذا الاستسلام والخنوع والهوان الَّذي ارتضاه العرب لأنفُسهم لِيصبحوا ألعوبة في يَدِ أعدائهم، إلَّا أنَّ هذا الثور الهائج الَّذي يسمُّونه «إسرائيل» ينحدر نَحْوَ نهايته بسرعة لَمْ نتوقعها، والمؤشِّرات والدلائل على ذلك كثيرة وواضحة وضوح الشمس، وبالقدر الَّذي تتمادى هذه العصابة في إجرامها ودمويَّتها وعنفها؛ فهي تهوي بسرعة الصاروخ نَحْوَ مزبلة التاريخ، ونهاية حتميَّة لهذا الورم السرطاني الخبيث.
فهذا الكيان الغاصب لَمْ يمرَّ بانقسام داخلي يهدِّد أركانه منذ تأسيسه مِثلما نشاهده الآن بسبب التعديلات القضائيَّة الَّتي أصرَّ عَلَيْها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي المتطرِّف في حكومته إيتمار بن جفير، وتمَّ إقرارها لاحقًا من قِبَل الكنيست والَّتي من شأنها الحدُّ من سُلطات المحكمة العُليا، وعَدَّتها المعارضة تراجعًا كبيرًا للديمقراطيَّة وضربة موجعة للعدالة المزعومة في كيانهم. وقَدِ استمرَّ المعارضون في مظاهراتهم دُونَ كلَلٍ لعدَّة أشْهُر، وتطوَّر الأمْرُ لاحقًا بتهديد أطلقه المئات من الضبَّاط وجنود الاحتياط بتعليق خدمتهم في الجيش، الأمْرُ الَّذي وصفه رئيس الموساد الأسبق تامير باردو بالأمر الخطير وأنَّ ما أسماها بـ»إسرائيل» أصبحت أُمَّة ممزَّقة.
هذه التعديلات المثيرة للجدل عزَّزت من هواجس سابقة تردَّدت على ألسنة كثير من السِّياسيِّين السابقين والنخب والمؤرِّخين الصهاينة عن قرب نهاية كيانهم لأسباب كثيرة مِنْها ديموغرافيَّة بسبب الفارق الهائل بَيْنَ سكَّان الكيان والعرب المحيطين به، إضافة إلى تزايد أعداد الفلسطينيِّين في الضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة بوتيرة سريعة على عكس الصهاينة.
نشرت جريدة (هآرتس) الإسرائيليَّة عام ٢٠١٩م حوارًا مع المؤرِّخ اليهودي الشهير بيني موريس رسَمَ خلاله صورة قاتمة لنهاية كيانهم من وجهة نظره، وافترض أفقًا زمنيًّا لنهايتها المحتومة لا يتعدَّى (٥٠) سنة.
ومن جهته يتَّفق السِّياسي الإسرائيلي المخضرم أفراهام فورج أنَّ كيانهم يتَّجه إلى نهايته بسبب نبذه للديمقراطيَّة وإهداره للقِيَم الإنسانيَّة.
وبعيدًا عن الشعور الَّذي ينتاب الصهاينة أنفُسهم بقرب نهاية كيانهم، والَّذي دفع بعضهم للعودة إلى مواطنهم الأصليَّة الَّتي قَدِموا مِنْها؛ نجد كثيرًا من الأسباب الواقعيَّة الَّتي ترجِّح حتميَّة زوال الكيان الصهيوني، فهو في الأصل لا يملك أسباب ديمومته؛ كونه قام على أرض مغتصبة وفي ظلِّ نظام دولي ظالِم تسيطر عَلَيْه قوى دوليَّة لها تاريخ سيء في الاحتلال واغتصاب مقدَّرات الشعوب، كما ضاعف تطرُّف قياداته المتعاقبة وعنصريَّتهم المقيتة من الشعور المترسِّخ أصلًا لدى كافَّة الشعوب العربيَّة بحتميَّة زوال كيان الصهاينة عاجلًا أم آجلًا وفقْدِ اليهود الأمل في التعايش والاندماج مع الشعوب العربيَّة برغم التطبيع مع العديد من الحكومات العربيَّة المتخاذلة، إضافةً إلى وجود شرخ كبير في البنية الاجتماعيَّة الداخليَّة، والعنصريَّة المتنامية تجاه اليهود من أصول شرقيَّة .
وفي الجانب العسكري فهناك حقيقة لا تغيب عن رجالات الدَّولة في الكيان الغاصب وهي عجز جيشهم عن كسب أيِّ حرب منذ عام ١٩٦٧م (عام النكسة)، وقَدْ سقطت إلى الأبد عبارة (الجيش الَّذي لا يُقهَر) منذ حرب عام ١٩٧٣م.
كما تكرَّرت إخفافات جيشهم لاحقًا في لبنان عام ٢٠٠٦م ثمَّ في غزَّة عام ٢٠٠٩م، إضافةً إلى عجز الكيان عن ردع التهديد الإيراني المتزايد على وجوده، برغم تعاقب الحكومات وترؤُّسها من قِبَل متطرِّفين كرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وتهديداتهم المستمرَّة بتدمير المشروع النووي الإيراني، إلَّا أنَّهم عجزوا عن خوض أيِّ مغامرة ضدَّ دَولة تمتلك الردع الكافي ضدَّ أعدائها متمثلًا في سلاحها الصاروخي المُدمِّر وأذرعها الإقليميَّة المُتعدِّدة والمُسلَّحة.
إضافةً لكُلِّ ما سبَقَ يبقى التهديد الأزلي والأخطر للكيان الصهيوني هو استمرار المقاومة الفلسطينيَّة رغم مرور أكثر من (٧٥) سنة على قيامها، بل إنَّ المقاومة اشتدَّ عودها وتنوَّعت خبراتها واستفادت من إخفاقاتها السَّابقة، وأصبحت تُجيد المناورة وسياسة الكر والفر في مواجهة عدوِّها، وبفعل القدرة الصاروخيَّة الَّتي أصبحت تمتلكها تصاعد تهديدها للعُمق الصهيوني الَّذي لا تزيد مساحة الأرض الَّتي يستولي عَلَيْها عن (٢٢) ألف متر مربَّع، وتقع كُلُّها في مرمى صواريخ حماس وحزب الله ومجموعات المقاومة الأخرى، وبهذا الاستمرار والصمود الَّذي تتَّسم به المقاومة فهي تستنزف قوَّة عدوِّها، وولدت قناعة متزايدة لدى الصهاينة أنَّه لا يوجد مكان آمن في كيانهم بعد تمكُّن المقاومة من فرض معادلتها الأمنيَّة على العدوِّ في أكثر من مناسبة، وما فرار قطعانهم نَحْوَ مطار بن جوريون خلال المواجهات الحاليَّة مع حماس إلَّا بداية رحلة العودة إلى مستنقعاتهم النتنة الَّتي قَدِموا مِنْها.
في كُلِّ الأحوال، وسواء تمكَّن العدوُّ الصهيوني من اجتياح قِطاع غزَّة أو لَمْ يتمكَّن، فهو لَنْ يستطيعَ القضاء على روح المقاومة لدى الشَّباب الفلسطيني الَّذي لَمْ يَعُدْ يراهن على محيطه العربي المتخاذل، ولا المنظَّمات الدوليَّة المنحازة تمامًا مع الصهاينة، ويعلَمْ كُلَّ العِلْم أنَّ الخلاص من الاستعمار لا بُدَّ أن تكُونَ له تضحيات جسيمة لا تقلُّ عن تضحيات الشَّعب الجزائري الشامخ الَّذي فقَدَ ملايين الشهداء في سبيل تحريره، ولا أقلَّ من تضحيات الروس الَّذين فقدوا أكثر من ٢٠ مليون روح في مواجهة الغزو الألماني، ولا الفيتناميِّين والبوسنيِّين وغيرهم من الشعوب الحُرَّة المناضلة الَّتي لا ترضى الخنوع والذُّل.
سعيد بن محمد الرواحي
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني يُصدر أوامر بالإخلاء من عدة مناطق في الشجاعية
أمر جيش الكيان الصهيوني الإسرائيلي، اليوم الإثنين، بالإخلاء للمواطنين من عدة مناطق في الشجاعية شرق محافظة غزة.
وأفادت مصادر فلسطينية، بأن الاحتلال أصدر الأوامر بالإخلاء في منطقة الشجاعية وعدد من المناطق المحيطة بها شرق غزة.
أوامر الإخلاء القسريوكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قد قالت في تقرير لها، إن أوامر الإخلاء القسري، التي يُصدرها جيش الاحتلال أصبحت حدثا يوميا لمواطني قطاع غزة، الذين يضطرون إلى المغادرة من أجل النجاة بأرواحهم.
وأشارت "الأونروا" إلى أن 83% من قطاع غزة تم وضعه تحت أوامر الإخلاء أو صنفه جيش الاحتلال "مناطق محظورة".
ووفق آخر الإحصائيات، فإن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليونين، بينهم 1.7 مليون يعيشون في منطقة المواصي غرب جنوب القطاع بظروف معيشية مروعة، وفق بيان سابق لمنظمة المساعدة الإنسانية الدولية "أوكسفام".