فيلم لا مكان العزلة الكاملة بوصفها تحديا وجوديا
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
غريزة البقاء تدفع الأم لإنقاذ رضيعها
ارتبطت السينما بالمكان منذ بواكيرها الأولى وعُدّ الفن السابع فنّا مكانيا علاوة على كونه فنا زمانيا وخلال ذلك كان المكان مرآة حقيقية للشخصيات على الشاشة وانعكاسا موضوعيا لها وبما في ذلك تعميق وجودها وارتباطها بذلك المكان.
وخلال رحلة طويلة ومنجز سينمائي غزير تنوعت أساليب المخرجين وقبلهم كتّاب السيناريو في رسم البعد المكاني وتجسيده ووجدنا انه كلما تم التعمق بالمكان كلما زادت الشخصيات تجذيرا وإقناعا وبمعنى آخر يتم انتشال الشخصية من التسطيح إلى منحها بعدا آخر يظهر عمقها وامتداد جذورها عبر المكان.
ويكتب الفيلسوف والناقد والتر بنجامين عن الصور السينمائية التي تجسد العزلة المكانية المفضية إلى الاغتراب المكاني "بلغ الاغتراب الذاتي للبشرية درجة أنه يمكن أن يُختبر كعملية تدمير ذاتي لكنه يكتسب متعة جمالية من الدرجة الأولى على الشاشات".
في المقابل هنالك قائمة من الأفلام قد تطول وخلاصة تركيزها على الكائن البشري وهو يخضع لتلك السطوة والسيطرة التي تمثلها الأماكن المعزولة وهي كثيرة جدا ومتنوعة وتدخل تلك العلاقة الإشكالية ما بين الإنسان والمكان بقوة، وكما في أفلام “مباشرة أمام دارك” 2006 و”غرفة الهلع” 2022 و”التماسك” 2013 و”اكس ماشينا” 2014 و”كابينة الخشب”2011 و”ألعاب مرحة” 1997 و”جماعة القتل” 1998 و”الغرفة الخضراء” 2016 و”اخرج” 2017 و”الشروق” 1980 و”الشيء” 1982 وغيرها.
وها نحن مع هذا الفيلم للمخرج الإسباني البيرت بنتو الذي سوف ينطلق بنا في البداية من سلسلة مشاهد ديستوبية مغزاها محاولة الهروب من المدينة والبلاد بسبب القحط والظروف المناخية وتفشي المشاكل والصراعات المترتبة على الفقر مما يوصل القائمين على أمر المدينة إلى التخلص من الأطفال ومن النساء الحوامل لأنهم بقدومهم إلى الحياة سوف يفاقمون معناة السكان.
هذه المقدمة القائمة على فكرة التطهير ليست بجديدة على السينما بل إنها درجت على ذلك ومزجت عملية التطهير بالعالم الديستوبي، أما هنا فبعد تدافع الزوجين لغرض الفرار والخلاص، إلا انهما سوف يفقدان ابنتهما الوحيدة ثم ما تلبث الأحداث أن تتصاعد مع محاولة الزوجين الفرار إلا انهما ما يلبثان أن يقعا تحت سيطرة من يفرقهما، فيتم دفع الزوجة الحامل إلى جوف حاوية للبضائع وسط حشد من الناس، فيما يتم شحن الزوج في حاوية أخرى.
لعل هذا التحول في الدراما الفيلمية هو الذي سوف يقودنا إلى ما هو آت وهو العزلة المكانية التامة عندما تجد ميلا - تقوم بالدور أنا كاستيلو نفسها وهي في كابوس هو بمثابة عزلة مكانية كاملة مع أنها تتمكن بين حين وآخر من الاتصال بزوجها والاطمئنان على انه لا يزال حيّا، كل ذلك يقع من دون أن تعلم ميلا أين هي وإلى أين تمضي بها تلك الرحلة.
ولكي يزيد فريق السيناريو والمخرج من جرعة التأثير وتصعيد الأحداث، فإن الانتقال الأكثر عاطفية سوف يتمثل في دخول ميلا مرحلة المخاض ومن ثم انجاب طفلة وهي في وسط حاوية بضائع شبه ممتلئة بالماء وبذلك تم شحن الفيلم بكم كبير من التأثير العاطفي والشد وجلب اهتمام المشاهد وقوة تفاعله مع الأحداث الجارية.
على أن السؤال الذي يطرح ونحن في منتصف المساحة الفيلمية عما يمكن للشخصية أن تفعله وهي في وسط تلك المتاهة وما هي الخيارات المتاحة لها عدا أنها تحاول باستماتة التواصل مع زوجها ولو للتخفيف نفسيا عن مشاعر العزلة والهلع المتفشية، لكن كل ذلك لن يكون له تأثير كبير بسبب وطأة الأزمة التي تعيشها الشخصية.
من هذه الخلاصات سوف يكون من المهم البحث في تلك الثنائية السائدة المتعلقة بالفرد والعزلة المكانية بكل ما سوف تحمله من تداعيات نفسية وتصعيد درامي وهو ما يستوجب أيضا وفي ذات الوقت إيجاد عوامل موضوعية ترسخ تلك العزلة.
على أننا لا يمكن أن نغفل إشكالية أخرى تتمثل في مسألة تمدد الزمن بالشخصية بينما هي أسيرة العزلة، أو الحيز المكاني الضيق بما ينتج عن ذلك من وقوع الشخصية في حالة من التكرار وترهل البناء الدرامي لسبب بسيط وهو أن الشخصية تكون قد استنفدت ما في يديها من خيارات من أجل الخلاص وبذلك تقع أسيرة التكرار والنمطية وهو ما حاول فريق كتاب السيناريو والمخرج التخلص منه من خلال إظهار محاولات الشخصية إيجاد منفذ تخرج منه، فيما هي تكابد مع رضيعة مولودة توّا.
على الجانب الآخر يكسر المخرج الجمود في مشهد العزلة من خلال الاسترجاع أو الفلاش باك سواء لجهة استذكار الفتاة الصغيرة التي تم اختطافها أو تخيل حضور الزوج وكل ذلك بسبب حالة الوهن التي سوف تصيب الشخصية بسبب قلة الطعام والماء.
هذه الإشكالية المركبة هي التي أوجدت ذلك النوع من التفاعل من طرف الجمهور الذي هو في الواقع نوع من التعاطف الوجداني المجرد بسبب واقع الأم والطفلة الرضيعة، بينما أغفل المخرج ما يتعلق بالزوج -أدى الدور الممثل تامار نوفاس، بحيث غابت تماما تفاصيل حياته التي كان يعيشها بعد تعرضه إلى الفصل القسري عن زوجته وهل انه هو الآخر يعيش نفس تلك العزلة في حاوية بضائع أخرى وهو ما صرنا نجهله مع تتابع أحداث الفيلم مع التركيز على أوضاع الزوجة.
حظي الفيلم باهتمام من طرف العديد من النقاد من بينهم الناقد بريان تاليريكو في موقع روجر ايبرت إذ قال " يلفت النظر في هذا الفيلم اختلاف أداء الشخصيات الرئيسية وأبرزها ميلا التي تبدو في البداية متحفظة في حوارها بعض الشيء، بل إن الحوار في الحقيقة لم يكن بتلك الجودة وخاصة في المشاهد الافتتاحية، لكنه سوف يستقر بشكل جيد بعد أن تلد الأم وتصبح قوة غريزة البقاء هي أهم الدوافع المحركة لها".
فيما يذهب الباحث والناقد نيكولاس لاسكن في دراسته لهذا النوع من الأفلام وهو ما ينطبق على هذا الفيلم إلى أن تقليد العزلة المكانية في السينما، سواء كان نفسيًا أو جسديًا أو كليهما، ثري وأيضا ظاهرة حديثة إلى حد ما إذ لا نشاهد الكثير من مثل هذا النوع من الأفلام في الثلاثينات والأربعينات عن أشخاص يفكرون في وجودهم الحسي والنفسي، وكأن أحدهم في حفرة وفي شكل دوامة خطيرة، لكن العزلة في عصر الأوبئة والأزمات قد اتخذت أبعادا أخرى جديدة وربما خلقت نوعا جديدا من تلقي الصدمة والتأثر بها لدى الجمهور العريض وبما في ذلك التفاعل السلبي أو النفور من هذا النوع في مقابل ولع جمهور عريض به.
خمسة كتاب للسيناريو اجتمعوا لكتابة سيناريو هذا الفيلم من بينهم كاتبا السيناريو ارنيست ريرا وانديانا ليستا ( وهي نفسها كاتبة القصة ) ومغويل روز الذي هو نفسه منتج الفيلم وهم الذين كرسوا لنا فكرة العزلة المكانية التي هي ليست بجديدة على صعيد الإنتاج السينمائي لكن الاختلاف يكمن في إيجاد مقاربات مختلفة بعض الشيء تخرج الفيلم من النمطية السائدة إلى قدر من الاختلاف والتميز.
.......
إخراج/ البيرت بنتو
تمثيل/ انا كاستيلو، تامار نوفاس
إنتاج سنة 2023
التقييمات/ تقييم روتين توماتو 62%، تقييم موقع ايل سبانيول 3.5 من خمس نقاط، تقييم آي ام دي بي.6.4 من 10 نقاط.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفیلم وهو ما
إقرأ أيضاً:
ايفا غادرت مكان إقامتها ولم تعُد لغاية تاريخه.. هل من يعرف عنها شيئًا؟
صــدر عــــن المديريّـة العـامّـة لقــوى الأمــن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقـات العـامّـة البــــــلاغ التّالــــــي: تُعمّم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بناءً على إشارة القضاء المختص صورة المفقودة:
- ايفا عباس غندور (مواليد عام 2006، لبنانيّة)
التي غادرت مكان إقامتها الكائن في الجديدة- محلّة الرويسات حوالي الساعة 23،30 من تاريخ 20/11/2024، إلى جهة مجهولة، ولم تعُد لغاية تاريخه.
لذلك، يرجى من الذين شاهدوها ولديهم أي معلومات عنها أو عن مكانها، الاتصال بفصيلة الجديدة في وحدة الدرك الإقليمي على الرقم 884326-01، للإدلاء بما لديهم من معلومات.