أوضاع شعب في كنف الحرب
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
خالد فضل
تاريخنا هو تاريخ للحروب الوطنية المستمرة , من جملة سنوات الإستقلال التي تدنو من السبعين لم تهدأ أبواق الحروب وطبولها ورصاصها وأوجاعها ومآسيها وانعكاساتها إلا لهدنة قصيرة مدتها عشر سنوات فقط , خلال ما عرف بإتفاقية أديس أبابا 1972_1983م والتي أنهت حربا وطنية مسرحها المديريات الجنوبية سابقا , تلك الحرب كانت قد انلعت شرارتها الأولى قبيل إعلان إستقلال البلاد ؛ يناير1956م بنحو 4أشهر .
يمكن ببساطة توصيف أوضاع السودانيين منذ العام 1956م وحتى تاريخ اليوم الذي نقرأ فيه هذه الكلمة بأنها أوضاع شعب عاش ماضيه ويعيش حاضره في أتون حروبات داخلية مستمرة , تتعدد تواريخ الإندلاع , وتتأخر مواقيت الإطفاء , تتوزع الجغرافيا وتتمدد الرقعة الأرضية التي يشغلها الصراع والنزاع المسلح والحرب , الأسباب تبدو متشابهة حد التطابق , الدفوعات التي تقدمها التنظيمات السياسية المسلحة التي تنخرط في الحروب , كأنها نسخة (فوتو كوبي) هذه من تلك , الطرف الدائم الحضور في مواجهة هذه التحركات المسلحة من جانب مجموعات وجهات سودانية عديدة هو الجيش السوداني , الذي تمرّن سنوات الإستقلال كلها على حروبات الداخل السوداني , ترقى ضباط ونالوا أرفع النياشين لبسالتهم في هذه الحروبات , قضى من قضى بمئات الآلاف عددا ممن امتهنوا الجندية , مقتولين بأيدي سودانية مثل من قتلوا من أسف . لقد ظلت الدولة الوطنية من يوم الإستقلال توجه عنفها وقمعها وميزانياتها وحشودها وإعلامها وخطابها الدعائي وبرامجها السياسية تجاه القضية الدائرية ( الحروب الداخلية) , لمرّة واحدة توجهت البنادق لجماعات مسلحة خارجية (إثيوبية) ؛ حدث ذلك إبان الفترة الإنتقالية القصيرة التي رأس فيها د. عبدالله حمدوك مجلس الوزراء 2019_2021م , وحدث تهديد وتجريك للجيش دون الخوض في مواجهة إبان فترة رئاسة محمدأحمد المحجوب لمجلس الوزراء منتخبا في ستينات القرن المنصرم لفترة قصيرة جدا , وكانت الوجهة المنذرة هي الجيش المصري ,غير ذلك وعلى طول مكوث الجيش في السلطة والحكم , كانت حروبه كلها ضد (المتمردين) السودانيين المستدامين , حتى أنّ صفة متمرد لم تعد تحمل أي دلالات ,لقد بهتت من كثرة ما تمّ لوكها ومضمضمة الشفاه بها !!
في كل فترة نردد عبارة باتت هي الأخرى باهتة , (تمر بلادنا بمرحلة حرجة ) ومترادفاتها , مفترق طرق , تهديد وجودي , حافة الهاوية , مرحلة خطيرة , غير مسبوقة … إلخ , وفي كل مرّة (تنترم) الجُرّة , أصبحت (مشرتمة) من تعدد الترمات , ودولتنا لم نصل بعد إلى توصيفها , أ هي دولة البعض أم الجميع ؟ أ هي دولة البراء وإقامة الدين وقيادة الناس إلى الجنّة أم نعيم (ورا القبر) , أ هي دولة حميدتي الديمقراطية ؟ نحتاج صراحة إلى إعمال العقل الجاف جفافا لا يدع للعاطفة مجال ¸لأن العواطف هي التي ساقتنا كل هذه العقود , نقع في هاوية يقال إنّ الإسلام هو المخرج , نغوص في الوحل أكثر فيقال بل الإشتراكية والتأميم هي المصل الشافي , بل الليبرالية , بل وبل وبل , والتفاوض خير من (البل) !
شعب في كل مرّة يتقلب بين أحضان الجنرالات , هذا كويس خالص وذاك في روحو تمام لكن بطانته , والآخر مولانا عدييل وحوارييه صحابة لكن لكن لكن , والأخير زاهد ويحقق حلم أبوهو , وبتاع الخلا دا شن نفرو شغال ذكاء اصطناعي , تكبر مدن وتتكرش العاصمة من أفواج النازحين والفارين من الحرب في الأقاليم , تكبر جبرونا وغصبونا وردمونا وجهجهونا , ويشكو وسط المدينة من الزحام وأطرافها من انعدام الأمان , والشعب يزداد انسحاقا , تتورم حسابات بنكية من الريع العام ومن العمولات والمضاربات والدولار وتنطح العمارات السحاب فيما الدم يسيل ركب في بعض أنحاء السودان الكبير !! هولاء شعب وأولئك برضهم شعب (السودان) لكن الإحساس مختلف .
الحرب الراهنة بين جنرالي الإنقلاب , نتيجة حتمية لطبيعة الدولة الغشمة , في تقديري عبور هذه الدولة لبناء دولة جديدة هو ما يحقق السلام والإستقرار والتنمية والرخاء ..إلخ , دعونا نعبر الحرب إلى ما بعدها , فهي نتيجة وليست سببا , كل الجروح بتروح إلا التي في الروح , وغدا إن شاء الله سيولد سودان السلام الحقيقي والمستدام , هذه هي خلاصة تاج الحروبات الكثيرة , لفقد ضربت المركز نفسه , لم تعد هناك الآن خرطوم !!
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل
إقرأ أيضاً:
قرقاش: ادعاءات الجيش السوداني ضد الإمارات تشويش ممنهج
سكاي نيوز عربية – أبوظبي/ أكد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش أن الحملات المضلّلة والكاذبة والممنهجة للجيش السوداني ضد الإمارات، تهدف إلى صرف الأنظار عن إخفاقاته الداخلية والتهرب من مسؤولياته تجاه الأحداث التي قادت إلى هذه الحرب العبثية، التي جاءت بقرار من هذا الجيش والمليشيات الإخوانية المساندة له.
وأشار قرقاش، في مقال له، إلى أن الإمارات، كانت ومنذ بداية الأزمة تبذل جهوداً مخلصة للبحث عن حل سياسي كفيل بتجنيب السودان الشقيق المآسي والمعاناة الإنسانية، انطلاقاً من علاقاتها التاريخية مع السودان الشقيق.
وقال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، إن الشكوى التي قدمها ممثل السودان لمحكمة العدل الدولية ضد الإمارات تفتقد للمنطق، وهي خطوة دعائية لا تعفي سلطة القوات المسلحة السودانية من مسؤوليتها عن الأزمة الكارثية، ومن المسؤوليات القانونية والأخلاقية الناجمة عن ممارساتها الإجرامية، التي وثّقتها تقارير متعددة صادرة عن الأمم المتحدة وهيئاتها، فضلاً عن تقارير الإدارة الأميركية.
وذكر قرقاش: "هنا أود أن أوضح أنني ما كنت لأعبّر عن هذا الرأي بهذه الصراحة والوضوح، ولا أن أتناول الشأن السوداني الداخلي، لولا الحملات المضللة والكاذبة التي تقودها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها من الإخوان ضد دولة الإمارات".
وأضاف: "العلاقة التي تربط الإمارات مع السودان تميزت عبر السنوات بالوئام والتعاون وبروابط تاريخية عميقة. وهنا، لا يسعني إلا أن أُشيد بدور الجالية السودانية المقيمة في دولة الإمارات، فقد احتضنت بلادي الأشقاء بكل محبة وتقدير وترحيب، فالعلاقات الشعبية كانت الأساس المتين الذي جمع البلدين، ولن تفرّقه الدعايات المغرضة".
وتابع: "ما يُؤسف له أن هذه الحرب، وقبلها الانقلاب على السلطة المدنية، جاءت في أعقاب فترة من التفاؤل والأمل - بعد الإطاحة بنظام البشير في ثورة شعبية - بمسعى لإيجاد مسار سياسي وتنموي بعد عقود من ارتباط النظام في الخرطوم بمجموعة من الأزمات الداخلية الحادة والعزلة الدولية التي تسبب بها النظام السابق وممارساته".
وأردف قرقاش: "بعد أن أصبحت الحرب حقيقة ماثلة، كان موقف دولة الإمارات الإصرار على وقف فوري لإطلاق النار والبدء في مسار سياسي للعودة إلى الانتقال المدني، وضمن هذه المساعي كانت الدولة جزءاً حاضراً في كافة الجهود الخيّرة من جدة إلى المنامة إلى جنيف".
ولفت المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات إلى أن دعوى القوات المسلحة السودانية إلى محكمة العدل لا يعفيها من مسؤوليتها عن الأزمة الكارثية ومن المسؤوليات القانونية والأخلاقية الناجمة عن ممارساتها الإجرامية، حيث قامت سلطات دولية موثوقة، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وأيضاً الوكالات الإخبارية المعروفة، بتوثيق جرائم الحرب المرتبطة بالقوات المسلحة السودانية والتي شملت القتل الجماعي للمدنيين والهجمات العشوائية على المناطق المكتظة والعنف الجنسي وغيرها.
وأوضح: "تتضح المحاولة الواهية لاستغلال المحكمة والتهرب من الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق السلام، فالادعاءات التي قدمها ممثل السودان للمحكمة تفتقر إلى أي أساس، وليست سوى محاولة - ضمن مخطّط بات مكشوفاً - لتشتيت الانتباه عن نتائج الحرب التي تدمي القلوب".
وذكر: "رغم أن دولة الإمارات على يقين بأن هذه الادعاءات بلا أي سند فإنها واحتراماً للمحكمة، باعتبارها الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، تعاملت مع هذه الدعوى وفق الأصول المهنية القانونية، ولكن ما نراه من تكرار ممجوج للادعاءات ونقلها بين فترة وأخرى - من نيويورك إلى جنيف إلى لاهاي - يؤكد على أن التشويش ممنهج، فمن خلال هذا، تحاول سلطة القوات المسلحة السودانية صرف الانتباه عن دورها في ارتكاب الفظائع واسعة النطاق التي لا تزال تدمر السودان وشعبه عبر استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وفق ما نقله تقرير لشبكة (VOA) في 16 يناير الماضي عن تصريحات أدلى بها مسؤولون أميركيون لوسائل إعلام محلية ووفقاً لمقال للصحفيين ديكلان وولش وجوليان إي. بارنز في التاريخ نفسه".
وقال قرقاش إن "دولة الإمارات وفي سياق دعمها القانون الدولي تتمسك بضرورة المساءلة عن الفظائع التي ارتكبها الطرفان المتحاربان، وهي أيضاً في إطار التزامها الراسخ تؤازر الشعب السوداني الشقيق في الظروف الصعبة - وهو ما يشهد عليه التاريخ والسودانيون سواء على أرض السودان أو في دول الجوار".
واستطرد: "من هذا المنطلق الإنساني، فإن دولة الإمارات لن تنشغل بهذه الهجمات المضللة، وسيبقى تركيزها على هدفها الرئيس والمتمثل في التخفيف من الكارثة الإنسانية عن كاهل أشقائنا، رغم التجاهل الصارخ الذي تمارسه القوات المسلحة السودانية لمعاناة الشعب والإمعان في تخريب البلاد، التي باتت بسبب الفراغ الأمني الحاصل بيئة خصبة لخطر انتشار الإرهاب مع تغلغل فكر جماعة الإخوان المتطرف والإرهابي".
وشدد قرقاش على أن "دولة الإمارات ستواصل القيام بدور بنّاء للمساعدة في إنهاء هذه الحرب العبثية عبر دعم جهود السلام، والحث على حوار دبلوماسي وعملية سياسية سلمية تعكس إرادة الشعب السوداني وتحقق تطلعاته باستقرار يدعم جهود التنمية".
وختم: "ننصح قادة السودان بالتركيز على كيفية وقف الحرب وحماية المدنيين، بدلاً من تضييع الفرص والاستعراضات المصطنعة. فالشعب السوداني يستحق مستقبلاً يقوم على السلم والكرامة، ويستحق قيادة تضع مصالحه - لا مصالحها - وأولوياته في المقام الأول والأخير".