بعد ضربها بقنبلة من المسافة صفر.. ماذا تعرف عن دبابة ميركافا الإسرائيلية
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
السومرية نيوز - دوليات
"الدبابة التي لا تقهر وأشد دبابة في العالم تحصيناً ومناعة"، هكذا توصف الدبابة ميركافا الإسرائيلية التي يروّج لها كقلعة متحركة، وأنها قادرة على توفير حماية لا تضاهي لطاقمها، ولكن هل فعلاً هي، الأفضل عالمياً وكيف كان أداؤها في المعارك الأشد وطيساً مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية وتحديداً في طوفان الأقصى؟ ولماذا لم يشترِ أي جيش في العالم دبابة واحدة من الميركافا بأجيالها الأربعة؟ في الأربعين سنة الماضية، لم يثبت سوى عدد قليل من الدول قدرتها على بناء دباباتها القتالية الرئيسية بشكل فعال، واحدة من الدول هي إسرائيل التي بنت سلسلة دبابات ميركافا، التي توصف بأنها واحدة من أفضل الدبابات تصميماً التي أُنتجت على الإطلاق، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest.
ورغم ذلك، فإنه من اللافت أنه ليس هناك أي جيش في العالم، قد اقتنى أياً من الأجيال الأربعة الدبابة ميركافا الإسرائيلية، مما يثير شكوكاً حول مناعتها المتناهية التي يتحدث عنها الإسرائيليون ورعاتهم الغربيون، خاصة في ظل التحدي الذي واجهته الميركافا في حرب إسرائيل مع حزب الله اللبناني عام 2006، كما تفيد تقارير بأن الميركافا واجهت محنة ممثلة في عملية طوفان الأقصى، إضافة إلى قيام المقاومة خلال الأيام الأولى للتوغل البري الإسرائيلي بتدمير المركبة نامر المبنية على هيكل الميركافا، إضافة إلى الفيديو الشهير الذي بثته "القسام" وظهر فيه مقاتل فلسطيني يفجر قنبلة في دبابة ميركافا عبر التسلل ودسها على سطح الدبابة قبل أن يبتعد لتنفجر القنبلة.
فما هي الحقيقة حول قدرات الدبابة ميركافا الإسرائيلية؟ وهل هي دبابة لا تضاهى ومنيعة كما تقول إسرائيل ورعاتها الغربيون أم لديها عيوب يمكن أن تستغلها المقاومة الفلسطينية؟
قام الجيش الإسرائيلي في البداية، منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، بتجميع قوة دبابات متواضعة ومتداعية لصد الهجمات من الدول العربية المجاورة. وبحلول حرب عام 1956، تحسن وضع أسطول الدبابات الإسرائيلي إلى حد كبير، وبحلول عام 1967، انتصر سلاح المدرعات الإسرائيلي في حرب الأيام الستة بهجوم خاطف عبر شبه جزيرة سيناء إلى مرتفعات الجولان. سحقت دبابات إم-48 الأمريكية وسنتوريون البريطانية الدول العربية التي لم تكن مستعدة للحرب ووضعت نهايةً سريعة للحرب.
لم يلقَ الهجوم العدواني الذي شنَّته إسرائيل على جيرانها عام 1967 (والتي وصفته المجلة الأمريكية بالوقائي)؛ استحساناً من بعض حلفائها الأوروبيين. ألغت المملكة المتحدة مشروعاً مشتركاً لتطوير الدبابات مع إسرائيل. وحظرت فرنسا تسليم المزيد من طائرات ميراج المقاتلة. كان الدرس الذي تعلمته إسرائيل هو تقليل اعتمادها على القوى الأجنبية للحصول على أسلحتها، وفي عام 1970 بدأ الجيش الإسرائيلي بتطوير دبابته الخاصة.
وقعت مهمة تطوير دبابة إسرائيلية خالصة على عاتق اللواء إسرائيل تال، القائد السابق لسلاح المدرعات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي قاد الفرقة المدرعة الرابعة والثمانين في سيناء. كان مشروع تال تحدياً كبيراً، حيث كان المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي في مراحله الأولى ولم تقم الدولة ببناء مركبة مدرعة كبيرة من قبل. وتمكن تال، الذي بدأ عمله من الصفر، من بناء دبابة كاملة باستخدام تجارب حرب الدبابات الإسرائيلية.
في حرب 1973 تعرضت الدبابات التابعة للجيش الإسرائيلي لخسائر كبيرة خاصة على يد المشاة العرب الذين يحملون صواريخ روسية الصنع مضادة للدبابات، والتي كانت من أكبر مفاجآت الحرب من جانب العرب.
إسرائيل تال، استفاد من الدروس القاسية التي تلقتها إسرائيل من حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
بحلول عام 1974، تم الانتهاء من التصاميم الأولية وبناء النماذج الأولية، واعتمد الجيش الإسرائيلي الدبابة رسمياً في ديسمبر/كانون الأول 1979.
ثلاث سمات تحدد الدبابة الحديثة: القوة النارية (المدفع الرئيسي)، والتنقل (السرعة والعملية عبر البلاد) والحماية (الدرع). تؤكد بعض الدول التي تبني الدبابات على سمة أو اثنتين من السمات الأخرى. وفي حالة إسرائيل، منح تال الأولوية للحماية على أي شيء آخر. إن صغر حجم وسكان إسرائيل يعني أنها تشعر بتأثير الخسائر البشرية حتى الوفيات المتواضعة في زمن الحرب، والتركيز على الحماية من شأنه أن يخفض الخسائر البشرية.
تعني الحماية أيضاً أن أطقم الدبابات يمكنها البقاء على قيد الحياة للقتال مرة أخرى، ما يسمح بمواصلة الاستفادة من تدريبهم والتصرف بناءً على خبرتهم. بعد ذلك، منحت الدبابة الإسرائيلية الأولوية للقوة النارية، لأنه، بغض النظر عن البقاء، فإن الطريقة الوحيدة للانتصار في الحرب هي القدرة على تدمير دبابات العدو. أما التنقل (الذي يشمل المدى والسرعة)، فجاء كأولوية أخيرة، ففي دولةٍ صغيرةٍ مثل إسرائيل، من غير المرجح خوض حملاتٍ طويلة على مسافات بعيدة.
تجلى تركيز الدبابة الإسرائيلية على الحماية بعدة طرق. تتميز الدبابة بدرع سميك متباعد بتصميم محلي، وقد صُمِّمَ الهيكل والبرج بزوايا حادة تهدف إلى زيادة سمك الدرع. أعطى هذا للدبابة مظهراً أنيقاً أيضاً. خلافاً لتقاليد تصنيع الدبابة، وُضِعَ المحرِّك وناقل الحركة في المقدمة، مما يمنح الطاقم حماية إضافية إذا اخترقت قذيفة مضادة للدبابات الدرع الأمامي. استُبدِل نظام التحكم في البرج الهيدروليكي، الذي استخدم سائلاً قابلاً للاشتعال أدى إلى حرق العديد من الناقلات الإسرائيلية في حرب عام 1973، بنظام تحكم كهربائي، وأصبحت الذخيرة تُخزَّن في عبوات مقاومة للحريق لحين استخدامها لتقليل احتمالية انفجار الذخيرة.
تم تصميم الدبابة ميركافا في السبعينيات في الأصل لقتال الدبابات السوفييتية في الصحاري العربية بإسرائيل، وتم تصميمها بطريقة غير تقليدية إلى حد ما مقارنة بالدبابات الغربية والسوفييتية المعاصرة، وتتميز بتصميم أقرب إلى بعض مركبات المشاة القتالية. فبدلاً من وضع المحرك في الخلف، تم نقل المحرك أمام مقصورة الطاقم، مع وضع البرج في الخلف على الهيكل.
وكانت النتيجة أن الدرع الأمامي يمكن أن يكون منحدراً بشكل تدريجي، ويمكن للطاقم الدخول والخروج من الدبابة بسرعة من الخلف، حسبما ورد في تقرير سابق لمجلة The National Interest الأمريكية.
ومع ذلك، يأتي هذا مع عيب إمكانية تعطيل المحرك بسهولة أكبر، حيث إن أي ضربة أمامية مخترقة ستؤدي إلى تعطيله. تعطي العقيدة الإسرائيلية الأولوية لقدرة الطاقم على البقاء على قيد الحياة في الاشتباك، لذلك في حالة حدوث إصابة معيقة، سوف يخرج الطاقم بسرعة من خلال الفتحة الخلفية إذا سمح الوضع بذلك. من ناحية أخرى، فإن الضربة الأمامية المخترقة للدبابة الغربية من المرجح أن تترك الدبابة ثابتة في الحركة.
في حين أن مسألة ما إذا كان طاقم الدبابة سيبقى في الدبابة أم لا بعد إصابة مخترقة هو أمر يثير الكثير من الجدل، إلا أن هناك حالات حيث تزيد القدرة على الحركة من قدرة الطاقم على النجاة، قد يكون هذا مشكلة لطاقم أي دبابة في المقام الأول في فض الاشتباك القتالي؛ حيث قد تكون الدبابة محاطة بالأعداء.
ولكن في الاشتباك الذي ينجح فيه الهجوم (وهو أمر يحدث كثيراً مع جيش الاحتلال الذي يخوض معاركه ضد المدنيين أو حركات مقاومة ليست نظامية خاصة بعد نهاية آخر الحروب العربية الكبرى عام 1973).
ولذا قد يكون تصميم ميركافا منطقياً لجيش احتلال مثل الجيش الإسرائيلي، ولكن بالنسبة للجيوش الأوروبية التي ينتظر منها الصمود أمام عدد أكبر مثل الاتحاد السوفييتي أو روسيا، فإن هذا التصميم الذي يقلل من حركية الدبابة ويزيد فرص تعطلها قد لا يكون مناسباً.
كان المدفع الرئيسي للنسخة الأولى من الدبابة ميركافا هو المدفع الرئيسي إم-68 عيار 105 ملم، وهو نفس المدفع الذي ظهر في دبابات سنتوريون وباتون وإم-60. حملت الدبابة 62 قذيفة للمدفع الرئيسي، وهو أعلى بقليل من المتوسط للدبابات في ذلك الوقت، لضمان قدرة الدبابة على القتال خلال نقص إمدادات الذخيرة.
كانت الدبابة تحتوي على ثلاثة مدافع رشاشة، بما في ذلك مدفع رشاش متحد المحور عيار 7.62 ملم مقترن بالمدفع الرئيسي ورشاشات إضافية عيار 12.7 و7.62 ملم في الأعلى للقائد والمُحمِّل. كانت هذه مفيدة للاشتباك مع مشاة العدو، والمركبات الخفيفة وفرق الصواريخ المضادة للدبابات، مثل تلك التي تسببت في خسائر فادحة للدبابات الإسرائيلية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وفي تقريرٍ قديم عن الدبابة نشرته مجلة National Interest الأمريكية، قالت المجلة إن لدى الدبابة ميركافا أسلحة مضادة للدروع ومضادة للدبابات قادرة على ضرب مركبات العدو المدرعة على مسافات طويلة حتى قبل أن تراها. وتوفر الدبابة ميركافا إمكانيةً فريدة من نوعها مضادة للأفراد لزيادة القدرة على القتل في الهجمات ضد "مجموعات" صغيرة سريعة الحركة.
والدبابة مسلحة بقذائف هاون خفيفة عيار 60 ملم يمكن إطلاقها من داخل البرج. وهذا يسمح لها بإسقاط قذائف مضادة للأفراد على أهداف بعيدة عن الأنظار خلف جدار أو على الجانب الآخر من تل أو هضبة. وتوفر الدبابة لطاقمها طرقاً إضافية للاشتباك مع العدو دون اللجوء إلى الانفجارات الساحقة لمدفعها الرئيسي، وهو اعتبار مهم في مكافحة عمليات المقاومة التي تنفذها الحركات الفلسطينية واللبنانية.
كان التنقل والقدرة على الحركة السريعة هي الأدنى من بين الأولويات الثلاث للدبابة الإسرائيلية، واستخدمت الدبابة محرك ديزل بقوة 900 حصان فقط لتشغيل هيكل يزن 63 طناً. ونتيجة لذلك، كانت سرعة ميركافا بطيئة نسبياً حيث بلغت 28 ميلاً في الساعة فقط. (كان هذا على النقيض من دبابة إم-1 أبرامز الأمريكية، التي كانت سرعتها القصوى محددة بـ45 ميلاً في الساعة). على نطاق أوسع، من الصعب الجدال حول جعل التنقل هو الأولوية الأدنى.
كشفت إسرائيل عن الدبابة ميركافا، في مايو/أيار 1979. وكانت الدبابة لا تشبه أي دبابة استخدمتها الجيوش الأخرى، وخاصةً الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك. قاتلت هذه النسخة من ميركافا لأول مرة في عام 1982، عندما قاتلت دبابات سورية سوفييتية الصنع من طراز تي-72 في وادي البقاع. دمرت دبابات ميركافا الكثير من دبابات تي-72 على مدى يصل إلى أربعة آلاف متر، دون أي خسارة.
أدت حروب إسرائيل المتكررة إلى تزايد خبرتها القتالية، ما أدى إلى ظهور دبابات ميركافا الجديدة والمحسنة تدريجياً.
تعرف على النسخة الأحدث ميركافا 4
أدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي النسخة الأحدث ميركافا 4 رسمياً إلى الخدمة في عام 2004. وادعى المصممون الإسرائيليون أن الدرع تم تصنيعه باستخدام معادن غريبة وأساليب تصميم متطورة.
تحتفظ أحدث النسخ ميركافا 4 بأولويات تصميم ميركافا 1، وتتضمن برجاً جديداً مُعاداً تصميمه ودرعاً تفاعلياً متفجراً ودرعاً سلبياً معيارياً لإصلاح أضرار المعركة بشكل أسرع. وهي مزودة بمدفع رئيسي أكبر عيار 120 ملم مع 58 قذيفة، بما في ذلك صاروخ لاهات الموجه المضاد للدبابات. لديها محرك أكبر بقوة 1500 حصان، مما يرفع نسبة القوة الحصانية إلى الوزن إلى 23.8 إلى 1، وبالتالي باتت الدبابة أسرع.
يقال إن لديها أفضل نظام حماية نشط بين كل دبابات العالم
تم تزويد ميركافا 4 إم. بجهاز Trophy Active Protection، للحماية النشطة التي تعتمد على تدمير الصاروخ الموجه للدبابة، والذي يعتبر على نطاق واسع الجهاز الأكثر فاعلية من نوعه.
نظام Trophy، يستخدم مجموعةً من أجهزة الاستشعار المثبتة على البرج والمقذوفات المتفجرة لإسقاط قذائف دبابات العدو والصواريخ والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
وأكد المطورون أن نظام Trophy يشتمل على أجهزة استشعار قادرة على التعرف على الصواريخ المضادة للدبابات ومقذوفات القنابل المحمولة المضادة للدبابات. ومن خلال تحليل مسار القذيفة القادمة، تتم برمجة نظام الكمبيوتر لبدء إجراء مضاد يهدف إلى تدميرها أثناء طيرانها.
وقد أثبت هذا النظام فعاليته القتالية، حيث أنقذ العديد من دبابات ميركافا 4 (وأطقمها) من الأسلحة المضادة للدبابات التي استخدمتها حماس في عملية الجرف الصامد عام 2014 في قطاع غزة. ومن المقرر أيضاً أن تقوم الدبابات الإسرائيلية هذا العام بتجربة نظام الرؤية الحديدية، وهو نظام مُعزَّز ومُصمَّم للسماح للطواقم "بالرؤية" خارج دبابتهم باستخدام مجموعة من نظارات الواقع الافتراضي ونظام الفتحة الموزعة.
يحاول تقرير مجلة The National Interest الأخير الذي نُشر بعد اندلاع حرب غزة، تجميل حقيقة غرابة ومشكلات تصميم الميركافا التي أقر بها تقرير صادق للمجلة، ولذا يصف الدبابة الإسرائيلية بأنها تُعتبر دبابة متمردة في عالم الدروع الثقيلة، وهي أيضاً فائزة في القتال.
ويقول إنه رغم أنها ليست الدبابة المناسبة لكل جيش، فهي دبابة القتال الرئيسية المثلى للجيش الإسرائيلي. ونظراً لأهمية الدبابات بالنسبة للعقيدة العدوانية للجيش الإسرائيلي، فقد بدأت البلاد بالفعل في تطوير خليفة ميركافا 4 قبل وقتٍ طويل من وصولها إلى مرحلة التقادم.
عيوب الدبابة ميركافا التي لا تتحدث عنها إسرائيل ولا رعاتها
ويُطلق على الدبابة ميركافا أحياناً اسم الدبابة الأكثر قدرة على البقاء في العالم. تشمل الأسباب وراء هذه التسمية نظام الحماية النشط، وتصميم المحرك الأمامي، والتعديلات الخاصة بحرب المدن، والدروع السميكة. لكن هل تصمد هذه الادعاءات أمام التدقيق؟
إحدى المسائل الشائكة في الدبابة ميركافا هي طريقة تخزين الذخيرة في حجرة الطاقم في حاويات بلاستيكية مقاومة للهب. في حين أن هذه الحاويات يمكن أن تؤخر عملية انفجار الذخيرة إذا تعرضت للضرب، فقد عانت العديد من الدبابات ميركافا من أعطال كارثية عندما أصيبت حمولة الذخيرة الخاصة بها.
تعمل النسخة الأحدث Merkava Mk 4 على تخفيف ذلك عن طريق تخزين بعض الذخيرة في البرج بألواح قابلة للنفخ، لكن هذا التخزين لا يمكنه استيعاب سوى عشر قذائف، وهذا يجعلها أقل قابلية للبقاء في حالة إصابة ذخيرة مقارنة بتصميمات التخزين الأفضل مثل الدبابات M1 Abrams الأمريكية أو K2 Black Panther الكورية الجنوبية أو Leclerc الفرنسية.
ومع ذلك، فإن موقع الذخيرة في الجزء الخلفي من الهيكل يجعل من الصعب ضربها في الاشتباك الأمامي، ومن غير المرجح أن تضرب المنطقة الخلفية من الدبابة إلا إذا كانت مشتبكة في قتال من الجانب الجانبي، وهو وضع مميت لأي دبابة تقريباً.
ما حدث في حرب لبنان 2006 كاد يتحول لكارثة لسلاح المدرعات الإسرائيلي
خلال حرب لبنان عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل تعرضت الدبابة ميركافا لمحنة حقيقية، حيث دمرت وأصيبت العديد منها على يد مقاتلي حزب الله المزودين بصواريخ كورنيت الروسية التي اكتسبت شهرة كبيرة منذ هذه الحرب.
وكانت هذه أكبر خسائر تأثيراً في إسرائيل على الأرجح، وكانت بمثابة مشكلة أكبر حتى من القصف الذي تعرضت له المدن الإسرائيلية آنذاك.
وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في لقاء تليفزيوني بعد الحرب، إن بعض القيادات العسكرية بحزب الله كانوا معترضين على وقف إطلاق النار، لأنهم كانوا يرون أنه إذا استمرت خسائر إسرائيل من المدرعات بنفس الوتيرة لفترة أطول يمكن تدمير سلاح المدرعات الإسرائيلي أو إلحاق خسارة كبيرة به، يعلق نصر الله "بأنه لا يقول إن كلامهم سليم بالضرورة، ولكن هذا كان رأيهم".
ومن المفارقات أن مقاتلي حزب الله اللبناني قاموا خلال هذه الحرب بتدمير دبابات ميركافا 4 بقذائف آر بي جي السوفييتية القديمة إضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات ذات عبوات ترادفية (مزدوجة).
ويقول موقع Frontier India الهندي إنه خلال هذه الحرب واجهت Merkava انتكاسات في محاولتها العمل كدبابة قتالية في القتال، حيث فقدت ما يقرب من 50 مركبة، نصفها شارك في العملية في جنوب لبنان، منها عشر تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها. واضطرت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى نقل الميركافا إلى المستوى الثاني من الوحدات الهجومية، حسب التقرير الذي كتبه جيريش لينجانا محلل شؤون الدفاع والفضاء في الفرع الهندي ADD الألمانية للصناعات الهندسية.
لكن لم تتسبب أي من الضربات التي تعرضت لها دبابات ميركافا 4 في إطلاق أي ذخيرة أو إحداث أي ضرر آخر كان من شأنه أن يدمر المركبة.
ولا يمكن تدمير ميركافا إلا من الداخل. لكن التكنولوجيا الإسرائيلية لم تكن كافية لإنقاذ حياة الطاقم. من المحتمل جداً أن يكون نظام Trophy للحماية النشطة مبالغاً فيه، مما أدى إلى شعور خاطئ بالأمان لدى أفراد الدبابات الإسرائيلية.
يؤدي التركيز على مفهوم حماية الطاقم إلى أن المركبات المدرعة الإسرائيلية غير مستعدة لمواجهة تحديات الحرب المعاصرة، حسب تقرير الموقع الهندي.
ويعتقد أن إسرائيل حاولت علاج هذه العيوب في الدبابة ميركافا بعد هذه الحرب، وخاصة التعامل مع الأجيال الأحدث من الصواريخ مثل كورنيت، ويظهر ذلك أنه في الحروب التالية مع الفصائل الفلسطينية كانت خسائر الميركافا جراء صواريخ كورنيت التي وصلت للمقاومة الفلسطينية أقل.
ولكن في عملية طوفان الأقصى ظهرت بعض العيوب أيضاً في الميركافا، حسب تقرير لموقع Frontier India الهندي.
ماذا حدث للميركافا في طوفان الأقصى؟
يقول التقرير: "لقد قُتل ما لا يقل عن تسعين من جنود الاحتياط والقوات الخاصة وأطقم الدبابات في الساعات الأولى من عملية طوفان الأقصى الذي قادته حركة حماس، واعترفت قيادة قوات الدفاع الإسرائيلية بالأضرار التي لحقت بالأفراد العسكريين والخسائر الفادحة في المعدات".
وتشير التقارير الأولية إلى أن المقاومين الفلسطينيين استولوا، ولو لفترة وجيزة، على العشرات من ناقلات الجنود المدرعة الثقيلة، بما في ذلك أشزاريت ونمر وإم 113 ونكبادون، بالإضافة إلى العشرات من دبابات ميركافا، حسب الموقع الهندي.
وتم الاستيلاء مؤقتاً على عدة قواعد عسكرية إسرائيلية تحت سيطرة حماس خلال عملية "عاصفة الأقصى". وبحسب المصادر عبر الإنترنت، فشلت العديد من المركبات المدرعة التي كانت متمركزة في هذه القواعد في الوصول إلى الخطوط الأمامية.
وبينما شاركت بعض المركبات المدرعة في القتال، تمكن المسلحون الفلسطينيون من تدميرها. واستولت حماس على دبابة ميركافا 4 واحدة على الأقل أصيبت بذخيرة أطلقتها طائرة مسيرة فلسطينية، وعرضت حماس رفات أفراد الطاقم الذين لقوا حتفهم. ودمر صاروخ مضاد للدبابات دبابة واحدة على الأقل، وألحقت قاذفة قنابل يدوية أضراراً بأخرى.
يُعتقد أن نظام الحماية النشط قد تعطل
يقول الموقع الهندي لقد حدثت حالات تعطل فيها نظام Trophy للحماية النشطة مما أدى إلى إصابة دبابات ميركافا بصواريخ مضادة للدبابات أو قاذفات قنابل يدوية، لا يعلم بعد أسباب هذا التعطل لأن إسرائيل لم تعلن منها، لكن الميركافا لم تعد تعتبر أعظم دبابة في العالم، كما كانت عندما اقترنت بدبابة أبرامز الأمريكية M1A2، حسب الموقع الهندي.
ويشكل مستوى تدريب مشغلي الدبابات الإسرائيليين، غير المستعدين للمعركة، مصدر جدل إضافي. تشير مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس إلى أن أفراد ناقلات الجنود المدرعة كانوا يفتقرون إلى التدريب على تكتيكات الاشتباك مع المشاة.
ويجب على أفراد الدبابات المناورة بقوة لتجنب أن يكونوا هدفاً ثابتاً للعدو، والتهرب من إطلاق الصواريخ عندما يكون الخصم مسلحاً بكميات هائلة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع. من غير الواضح لماذا اختار بعض مشغلي الدبابات الإسرائيلية عدم المناورة وبدلاً من ذلك قاتلوا العدو وجهاً لوجه بدلاً من استخدام غطاء النيران.
ومن الواضح أنهم وضعوا ثقة مفرطة في نظام الحماية النشط "Trophy" والذي لم ينجح أحياناً. وهذا خطأ فادح، ونتيجة لذلك، سيتعين على مصممي النظام الإجابة على الأسئلة الصعبة في المستقبل.
هل نقلت حماس دبابات ميركافا إلى غزة، ولماذا يمثل هذا مشكلة كبيرة لإسرائيل؟
والسؤال الأساسي الذي يحتاج إلى إجابة هو ما إذا كانت حماس نجحت في تهريب بعض المعدات التي استولت عليها خلال عملية طوفان الاقصى إلى قطاع غزة أم لا.
وطواقم الفصائل الفلسطينية غير مدربة تدريبا كافيا على تشغيل المركبات المدرعة الثقيلة والدبابات. قد تكون المركبات المدرعة مجهزة بنظام مضاد للسرقة يمكن جيش الاحتلال من تتبع مواقعها. وفي غياب وسائل نقل المركبات المدرعة إلى غزة، لجأ المسلحون إلى التفجيرات الداخلية لتدمير بعض المعدات. ومع ذلك، لا يزال هناك احتمال بأن بعض المركبات المدرعة قد تم نقلها في نهاية المطاف إلى غزة وإخفائها داخل معاقل حماس.
وقد تثير المركبات المدرعة التي تم الاستيلاء عليها اهتمام المراقبين الأجانب خاصة أن الدبابات الإسرائيلية مجهزة بأحدث أنظمة الاتصالات والسيطرة على النيران والأنظمة الإلكترونية.
وتكبد الجيش الإسرائيلي أكبر خسارة له عندما تم الاستيلاء على أحدث تعديل لدبابة ميركافا باراك، كما تم تصويره في أحد تسجيلات المسلحين.
تم إدخال هذه النسخة من الدبابة ميركافا التي توصف بأنها من الجيل الخامس إلى الخدمة هذا العام أي 2023. وهي مجهزة بأحدث التقنيات، مثل كاميرا 360 درجة لجميع الأحوال الجوية للمراقبة المستمرة. وتحتوي على جهاز كمبيوتر كامل، وأنظمة حديثة لمعالجة البيانات، ونظام حماية نشط معدل. وخوارزميات الذكاء الاصطناعي وأجهزة استشعار للكشف عن الأهداف تغطي نطاقًا 360 درجة.
قد تواجه إسرائيل الكثير من المتاعب في المستقبل إذا نقلت هذه الدبابات لإيران.
سبق أن استولى الخبراء في إيران على طائرة بدون طيار إسرائيلية تم الاستيلاء عليها واستخدموا أجزاءها لصنع مجموعة كاملة من المركبات الجوية بدون طيار (UAV).
وبالتالي إذا تم تسليم أي معدات إسرائيلية تم الاستيلاء عليها إلى طهران، فمن الممكن استخدامها لصنع مركبات مدرعة جديدة.
كما أنه من خلال دراسة كيفية عمل الدبابات الإسرائيلية من الداخل، من الممكن صنع أسلحة جديدة مضادة للدبابات، الأمر الذي قد يجعل الأمور أكثر صعوبة على أطقم الدبابات الإسرائيلية في المستقبل.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: دبابة میرکافا الإسرائیلیة الدبابات الإسرائیلیة الدبابات الإسرائیلی المضادة للدبابات المرکبات المدرعة الجیش الإسرائیلی الدبابة میرکافا دبابات میرکافا مضادة للدبابات جیش الاحتلال طوفان الأقصى عملیة طوفان من الدبابة هذه الحرب العدید من فی العالم میرکافا 4 حزب الله أدى إلى فی ذلک فی حرب
إقرأ أيضاً:
حلم أساطيل داوود.. ماذا تفعل إسرائيل في شرق أفريقيا؟
كان ديفيد بن غوريون يحلم بـ"أساطيل داوود تمخر البحر الأحمر"، عندما تولى شؤون الدفاع في الوكالة اليهودية، وبعد أن أصبح أول رئيس وزراء لإسرائيل وضع ما سمّاه "إستراتيجية النقب والتوجه نحو الجنوب"، من أجل تحقيق حلمه الرامي للوصول إلى البحر الأحمر والتغلغل في دول القرن الأفريقي.
وشكلت إستراتيجية بن غوريون حجر الأساس في نظرية الأمن الإسرائيلي، نظرا إلى أن منطقة شرق أفريقيا تتمتع بموقع مهم أمنيا وسياسيا واقتصاديا، أكسبها أهمية جيوستراتيجية، أثرت على تنامي موقعها ومكانتها في السياسة العالمية، وتأثيرها بحكم ميّزاتها وخصائصها، حيث تحتل مكانة دولية مهمة لدى العديد من القوى الدولية والإقليمية، ليس فقط لاعتبارات موقعها الإستراتيجي، بل لما تملكه من ثروات طبيعية، أهمها النفط والغاز الطبيعي، إلى جانب الممرات البحرية الأساسية التي تصل بين الشرق والغرب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف حولت القسام نقاط قوة إسرائيل إلى عوامل هزيمتها؟list 2 of 2يوم أدار حنظلة ظهره لماجد فرجend of listوأولت إسرائيل اهتماما كبيرا بأفريقيا، ليس من أجل حصولها على مكاسب اقتصادية على أهميتها، بل أيضا لأن القارة الأفريقية تقع في جوارها الجغرافي، وأرادت إسرائيل من تغلغلها تهديد الأمن القومي المصري، خاصة في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل وعلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر، حيث تنهض الإستراتيجية الإسرائيلية في هذه المنطقة على تشكيل قاعدة فيها، وجعلها منطلقا لتنفيذ سياستها العدائية حيال مصر.
إعلانوفي هذا السياق، يلقي الباحثان صالح محروس محمد وأحمد بن زايد، في كتابهما المشترك "إستراتيجيات السياسة الإسرائيلية في شرق أفريقيا بالقرن العشرين" (دمشق، دار صفحات، 2024)، الضوء على السياسة الإسرائيلية تجاه منطقة شرق أفريقيا، محاولين البحث في حيثيات التغلغل الإسرائيلي فيها، والكشف عن أهداف وتوجهات السياسة الإسرائيلية والعلاقات التي نسجتها إسرائيل مع كل من تنجانيقا (الجزء القاري الذي اتحد مع جزيرة زنجبار عام 1964 ليشكلا معا جمهورية تنزانيا الاتحادية) وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان.
يرتكز الجهد البحثي في الكتاب إلى تبيان إستراتيجية التغلغل الإسرائيلي في منطقة شرق أفريقيا، التي تعدّ إحدى أكثر المناطق التي تشهد صراعات في العالم بأجمعه، فقد تأثرت جميع دول المنطقة بأزمات داخلية، وخاضت صراعات حدودية وإثنية، وتتمتع بموقع إستراتيجي تطل فيه على بوابة البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى كونها منبع نهر النيل، وتقع على جانب أحد الممرات البحرية التجارية الرئيسية والطرق البرية في العالم، ما يكسبها أهمية حيوية، تزداد بسبب قربها من شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط.
راهنت إسرائيل على تغلغلها في المنطقة كإستراتيجية لحماية أمنها القومي، حيث يرجع الباحثان بداية توجه إسرائيل إلى هذه المنطقة مع بداية عام 1957، حيث أصبحت من الدول المانحة للمساعدات للدول الأفريقية، وأقامت مشاريع استثمارية وتنموية فيها، فأسست مع حكومة تنجانيقا مشاريع زراعية عام 1962.
وكان هدف إسرائيل من التغلغل في تنجانيقا محاصرة الوجود العماني في زنجبار، ثم ازداد التغلغل الإسرائيلي في شرق أفريقيا بعد أن بادرت إلى الاعتراف بالدول الأفريقية التي كانت تستقل حديثا وبحاجة للتنمية، وكانت غايتها كسب الرأي في تلك الدول، بغية الحصول على تأييدها وكسر الحصار والعزلة المفروضة عليها عربيا وإقليميا، لذلك استثمرت في مشاريع تنموية في دول المنطقة.
تقوم السياسة الإستراتيجية الإسرائيلية على اعتبار جنوب إسرائيل، بدءا من منطقة النقب مرورا بميناء إيلات وخليج العقبة، وحدة متكاملة، حيث بنت إسرائيل نظرية أمنها على فكرة الردع العسكري الذي يعتبر الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر أمرا إستراتيجيا، ليس فقط بالمعنى الاقتصادي، بل بالمعنيين السياسي والعسكري، واعتبار إيلات والبحر الأحمر ضرورة حيوية للأمن الإسرائيلي.
إعلانواكتسبت شرق أفريقيا أهميتها الجيوستراتيجية من كون دولها تطل على المحيط الهادي من جهة أولى، وتتحكم في مدخل البحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من جهة ثانية. وقد شكل البحر الأحمر والقرن الأفريقي وحوض النيل مواقع لها أهمية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل، بالنظر إلى أن بناء التحالفات وتوازن القوى في هذه المناطق مرتبط بالأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن المصري بشكل خاص، لذلك عملت إسرائيل على ربطه بمنظومتها الأمنية.
لكن أهمية شرق أفريقيا لا تُختصر بأهمية الموقع، بل تتعداها إلى الموارد الطبيعية كالبترول والماس والذهب واليورانيوم والموارد الأخرى. وقد وضع بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، نظرية "حلف الدائرة" أو "حلف المحيط"، القائمة على تطويق الشرق الأوسط والبلدان العربية عبر إقامة تحالفات من الدول الملاصقة له، كي تكون إسرائيل خارج العزلة، لذلك اهتمت إسرائيل ببناء علاقات حيوية مع دول منطقة البحيرات التي تضم جنوب السودان وإثيوبيا ورواندا وبروندي وكينيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالاوي وزامبيا والموزمبيق، بغية الالتفاف على مصر، واستعمال ورقة المياه للضغط عليها.
أما على المستوى السياسي، فقد أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية، من أجل إضعاف تأييدها للقضايا العربية، وكسب تأييد الرأي العام الأفريقي، ونشطت الدبلوماسية الإسرائيلية في توسيع قاعدة المؤيدين لها في أوساط النخب السياسية الأفريقية.
ويأتي المستوى الاقتصادي ليشكل الاستيلاء على الأسواق الأفريقية هدفا إسرائيليا رئيسيا، حيث فتحت إسرائيل مكاتب تجارية بهدف تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري مع دول شرق أفريقيا، وبات أكثر من 20% من تجارة إسرائيل يمرّ بالقرن الأفريقي، وتنتقل عبر مضيق باب المندب، الذي تعتمد عليه إسرائيل في تبادلاتها التجارية مع أفريقيا وآسيا وأستراليا.
كما استغلت إسرائيل الإمكانات والموارد غير المستغلة في المنطقة، من خلال احتكار الشركات الإسرائيلية للعديد من النشاطات الاقتصادية، وفتح مجالات عمل للآلاف من الإسرائيليين، من خلال عمل الشركات الإسرائيلية في قطاع البناء، وإنشاء الموانئ الجوية والبحرية، وبناء الوحدات السكنية والأبنية الحكومية.
يغيب عن الكتاب الاهتمام بالمستوى العسكري، حيث عرفت دول شرق أفريقيا، وخاصة في القرن الأفريقي، حروبا أهلية وصراعات عابرة للحدود، إضافة إلى صراعات اجتماعية وعرقية. وانتهزت إسرائيل هذه الأوضاع من أجل إنشاء سوق لبيع أسلحتها. كما قدمت إسرائيل مساعدات عسكرية إلى عدد من الدول في شرق أفريقيا، وخاصة أوغندا وكينيا وإثيوبيا وجنوب السودان. ويعمل عدد كبير من المستشارين والخبراء الإسرائيليين في صفوف جيوش هذه الدول، من أجل تدريب عناصرها على الأسلحة، وخاصة الطائرات الحربية.
إعلانوتجسد ذلك بشكل جلي في أسلحة القوات الكينية والأوغندية التي تصنع في إسرائيل، وخاصة الطائرات والزوارق الحربية والأجهزة الإلكترونية والمدافع وأجهزة الاتصالات. يضاف إلى ذلك التعاون العسكري مع إريتريا، والذي توج بإنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية لمراقبة الملاحة في باب المندب، وتأمين الحماية للمصالح الإسرائيلية.
يلاحظ أيضا غياب الانقطاعات والتأرجحات في علاقات إسرائيل مع دول شرق أفريقيا، التي شهدت انقطاعا بعد حرب أكتوبر/تشرين أول عام 1973، عندما تغيرت صورة إسرائيل لدى الأفارقة، وتحولت من كونها دولة صغيرة مسالمة ومستضعفة إلى دولة عدوانية وتوسعية. وقد قررت منظمة الوحدة الأفريقية في نوفمبر/تشرين الثاني 1973 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وطالبتها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ولم تستغل الدول العربية هذا الوضع. فضلا عن أن العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول شرق أفريقيا لم تتأثر، وأفضى ذلك إلى عودة العلاقات بين عامي 1980 و1981، حيث حققت الدبلوماسية الإسرائيلية نجاحا كبيرا في اختراق الحصار الدبلوماسي المفروض عليها، على خلفية استغلالها مجموعة من العوامل، يأتي في مقدمتها توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 (اتفاقية كامب ديفيد)، واتفاقيات السلام التي تلتها مع كل من الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك يأتي تراجع العلاقات العربية الأفريقية بفعل الخلافات بين الأنظمة العربية، وامتداد صراعاتها إلى الساحة الأفريقية ما بين مؤيدي ومناهضي السلام والتطبيع مع إسرائيل، وعدم ترجمة التعاون الأفريقي العربي في المشاريع التنموية في وقت كانت فيه دول أفريقيا في أمس الحاجة للدعم، في ظل أوضاعها الاقتصادية السيئة التي كانت تمر بها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، نتيجة موجات التصحر والجفاف في بعض الأقاليم.
إعلانبالمقابل، قامت إسرائيل بتطوير آليات التغلغل والتدخل، حيث نجحت في تحقيق اختراق واسع لأفريقيا، تمثل في تبادل زيارات بين رؤساء الدول والوزراء من الجانبين.
كما قامت إسرائيل بنشاطات كثيرة شملت تمتين الروابط الاقتصادية والتجارية والثقافية والأكاديمية، من خلال جملة من المشروعات الزراعية المشتركة، والمساعدات الطبية، وبرامج التكوين المهني، والمساعدات الإنسانية، والتي كانت تصب جميعها في تعزيز قدرة إسرائيل على السيطرة، والتحكم في قارة ممتدة الأطراف.
إضافة إلى أن إسرائيل استفادت من الدور الكبير الذي لعبته كل من بريطانيا وفرنسا في تمهيد الطريق للتغلغل الإسرائيلي في المستعمرات الأفريقية التي كانت تحت سيطرة كل منهما، فضلا عن استفادتها لاحقا من رغبة بعض قادة أنظمة الحكم الأفريقية في أن تكون إعادة العلاقات مع إسرائيل جسرا من أجل كسب ودّ الولايات المتحدة الأميركية ودعمها، ومن ثم تمكنت إسرائيل من استعادة علاقاتها مع العديد من دول القارة، من بينها إثيوبيا وأفريقيا الوسطى وغينيا وكينيا.
وعاد النشاط الإسرائيلي العلني إلى الساحة الأفريقية من جديد، والذي تكلل باكتساب إسرائيل صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي عام 2021، إلا أن هذه العضوية جرى تعليقها بشكل نهائي في 20 فبراير/شباط 2023، بسبب حرب الإبادة الجماعية التي شنتها على الفلسطينيين في قطاع غزة.
الأهداف الإسرائيليةيشير الكتاب إلى أن السياسة الإسرائيلية انطلقت من رؤية واضحة استمدتها من نشأتها المصطنعة في المنطقة، وسعيها إلى تقويض أسس ودعائم الأمن القومي العربي. وبناء عليها، حاولت تحقيق مجموعة من الأهداف في بناء علاقاتها مع دول أفريقيا، تمثلت في كسر العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومناصرو القضية الفلسطينية، وكسب المزيد من التأييد والمساندة من أجل إضفاء نوع من الشرعية السياسية على كيانها على المستوى الدولي، لذلك اعتبرت أن بناء علاقات مع الدول الأفريقية تعني تحييدها عن تأييد القضية الفلسطينية.
وقد نظرت إسرائيل إلى أفريقيا بوصفها ساحة صراع بينها وبين الدول العربية. كما أن كسب إسرائيل تأييد الدول الأفريقية يفيدها من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، بالنظر إلى أنها اعتبرت الدول الأفريقية بعيدة عن أي انحياز مسبق لصالح أي من الطرفين، ولا يغيب عن السياسة الإسرائيلية العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية، من خلال تقديم إسرائيل بوصفها دولة تمثل شعب الله المختار، وأنها تسعى لتقديم مساعدات تنموية للدول الأفريقية حتى في حال عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية معها، وتريد بالمقابل تحقيق متطلبات أمنها وضمان هجرة اليهود الأفارقة، خصوصا يهود الفلاشا، إلى إسرائيل.
يمكن القول إن إسرائيل اتبعت مختلف الوسائل والأساليب بغية نجاح التغلغل في منطقة شرق أفريقيا، سواء عن طريق تقديم المساعدات والإعانات الإنسانية أم عن طريق استغلالها بعض حركات التمرد الانفصالية التي انتشرت في بعض دول شرق أفريقيا، مثل السودان. كما اتخذت من روابط تاريخية مزعومة، واستخدمتها ذريعة لتحقيق أهدافها في المنطقة، كما هو الحال في تغلغلها في إثيوبيا، التي تتمتع بمكانة خاصة في الإستراتيجية الإسرائيلية، بالنظر إلى أنها الدولة الوحيدة غير الإسلامية التي تطل على البحر الأحمر، واعتبرتها إسرائيل بمثابة الضامن الذي يمنع تحول البحر إلى بحيرة عربية، يمكنها أن تشكل تهديدا لإسرائيل، وتحدّ من حرية حركتها الملاحية فيه.
إعلانوتمتد الأهداف الإسرائيلية إلى بناء قاعدة إستراتيجية في شرق أفريقيا لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل، والوصول إلى منابع نهر على النيل للتحكم بمياهه. ولم ينقطع الإصرار الإسرائيلي على اختراق أفريقيا، بالنظر إلى إدراكها لأهميتها الكبيرة، وبوصفها حديقة خلفية لها تضم عشرات الدول المتعطشة للدعم الاقتصادي والفني، وأرضية خصبة لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، ولحفظ الأمن الإسرائيلي.
يسلط الكتاب على قضية القضاء على الحكم العماني في زنجبار، وهي جزيرة تقع وسط مياه المحيط الهندي، وتبلغ مساحتها 2500 كيلومتر مربع، وتتبع تنزانيا. وجاء اسمها من كلمتي "زانغي بار" في اللغة الفارسية، وتعنيان "ساحل الزنوج". وتستمد أهميتها من كونها محطة مهمة في طريق التجارة بين دول الشرق والغرب، ومستودعا للمواد الخام القادمة من أفريقيا.
وزادت أهميتها بعد إنشاء قناة السويس عام 1869، حيث أضحت هناك حاجة لمحطات تخدم الملاحة، وخاصة السفن في طريقها إلى الهند والصين. كما أنها تتمتع بتربة خصبة، حيث تنتج 80% من الإنتاج العالمي من القرنفل. ويعود الحكم العربي لزنجبار إلى السلطان السيد سعيد بن السلطان، الذي اتخذها مقرا لحكمه لعُمان وزنجبار معا. ويبحث الكتاب في الدور الذي لعبته كل من بريطانيا وإسرائيل في المذبحة التي وقعت في زنجبار أثناء انقلاب 12 الثاني عشر من يناير/كانون الثاني 1964، ويعود إلى التذكير بدور بريطانيا في تفتيت أوصال هذه الإمبراطورية في شرق أفريقيا.
التغلغل في حوض النيليتوقف الكتاب عند التغلغل الإسرائيلي في دول حوض النيل، الذي تقف وراءه دوافع سياسية واقتصادية وإستراتيجية وجيوستراتيجية، حيث اعتبرت إسرائيل إثيوبيا مفتاح التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية، من أجل النيل من الأمن القومي العربي، ولا سيما الأمن القومي المصري، وعملت ما بوسعها من أجل نسج علاقات مع إثيوبيا، نظرا إلى أنها تحتل مكانة مهمة في السياسة الخارجية الإسرائيلية، حيث تعتبر أول قاعدة رئيسية تراقب فيها إسرائيل ما يجري في المنطقة الأفريقية، لأنها تشكل مصدرا رئيسيا لمياه نهر النيل، حيث إن 85% من مياهه تصل إلى مصر من الأمطار التي تسقط على الهضبة الإثيوبية.
إعلانوقد دعمت بالفعل إسرائيل إثيوبيا في بناء سد النهضة، وحاولت تأجيج قضيته بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة 2011-2021. كما عملت على الاستثمار في مشاريع اقتصادية وتنموية في دول حوض النيل، وشملت إلى جانب إثيوبيا كلّا من تنجانيقا وكينيا وجنوب السودان تنزانيا، حيث أقامت مشروع موانزا المائي في تنزانيا لتهديد أمن مصر المائي، وضرب الاقتصاد المصري، وخاصة زراعة القطن، الذي يعد المحصول الرئيسي والحيوي في مصر، وذلك بالتزامن مع زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في منابع مياه نهر النيل، والتركيز على إقامة مشروعات تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا، مستغلة حاجة الدول الأفريقية للمشروعات.
وتنبع أهمية الكتاب على المستوى النظري في تناوله موضوع الإستراتيجية الإسرائيلية للتغلغل في شرق أفريقيا، والذي شكّل عامل تأزم للعلاقات بين دول حوض النيل، خاصة فيما يخص سد النهضة الإثيوبي، إلى جانب توضيح أهم المتغيرات والتطورات التي شهدتها دول شرق أفريقيا في القرن العشرين المنصرم، وتأثيرها على السياسة الخارجية الإسرائيلية حيال الدول العربية، وبما يسهم في فهم طبيعة السياسة الخارجية الإسرائيلية، ومعرفة أهدافها وتوجهاتها.
كما أن ما شهدته أفريقيا من تدخلات ومشاريع لا يخص دولة أفريقية دون سواها، بل يهدف إلى تبيان أسس المشروع الإسرائيلي وتأثيره على دول المنطقة وإشكاليات العلاقات بينها. وليس بعيدا عن هذا الهدف أهمية فكفكة الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية الإسرائيلية بشكل عام، والتعرف إلى أدوات ومحددات صنع الإستراتيجية الإسرائيلية.
غير أن أفريقيا تعتبر من أكثر القارات تأزما وتفتتا من الناحية السياسية والاجتماعية، فضلا عن أن معظم دولها تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، وتضم أكثر من 50 كيانا سياسيا، وهي أكثر القارات التي ابتليت بالاستعمار، وشهدت مآسي تجارة الرقيق والعبودية، وكانت على الدوام ساحة صراع بين الشرق والغرب، وتنافست عليها قوى إقليمية ودولية عديدة. ولم يشمل الاهتمام الإسرائيلي فقط على ما جاء ذكره في الكتاب، بل في إنشاء إسرائيل العديد من مراكز البحوث والمعاهد المتخصصة بالدراسات الأفريقية.
إعلان في النهايةيمكن استخلاص العديد من الدروس المستفادة من القضايا التي يطرحها الكتاب، وتتجسد في النظر إلى العوامل التي حكمت التوجه الإسرائيلي نحو شرق أفريقيا، حيث أسهم التغلغل الإسرائيلي في أطر جغرافية جديدة قريبة منها تعوضها عن الإطار الجغرافي العربي، وفي تحقيق مكاسب اقتصادية تتمثل في وجود أسواق ومستهلكين ومواد خام، إضافة إلى مكاسب سياسية وأمنية وعسكرية. كما أن إسرائيل استخدمت سياستها الخارجية ووظفتها لتكسب الدعم والتأييد الأفريقي في المحافل الدولية.
والأهم من ذلك هو سعي إسرائيل، من خلال تدخلها في الشؤون الأفريقية، إلى تحقيق مكاسب في مناطق ذات حساسية للأمن القومي العربي، وتشمل القرن الأفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر، الأمر الذي يفسر توطيد علاقاتها مع إثيوبيا وإريتريا وكينيا وأوغندا والكونغو وأريتريا. وهنا تطرح على الدول العربية تحديات من أجل الاستثمار في مشاريع التنمية الاقتصادية في بلدان شرق أفريقيا، وضخ استثمارات حقيقية يمكن أن تفضي إلى نتائج ملموسة تؤثر إيجابا على الأوضاع الاجتماعية للشعوب الأفريقية.
ومن الأهمية أيضا أن تعمل الحكومة المصرية على استعادة دور مصر الإقليمي والاهتمام بالمحيط الأفريقي، وحلّ الخلافات مع السودان في القضايا الثنائية والإقليمية، من أجل تركيز الاهتمام في قضية مياه النيل، التي تعدّ قضية مصيرية لشعوب الدولتين وتهدد أمنهما القومي، وتحتاج إلى بلورة رؤية مصرية-سودانية تخدم مصلحتيهما مع الأخذ في الاعتبار مصالح دول الحوض الأخرى.
فضلا عن ضرورة التعامل مع التغلغل الإسرائيلي في دول شرق أفريقيا، وخاصة إثيوبيا، واتباع سياسة النفس الطويل، وربط مصالحها بمصالح دول حوض النيل الشرقي بغية التخفيف من الوجود الإسرائيلي.