قتل وتعذيب وحشي.. شهادة تكشف لـعربي21 ظروف احتجاز عُمال غزة المطلق سراحهم
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
قال عامل فلسطيني جرى إطلاق سراحه بصحبة عدة آلاف آخرين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقب اعتقالهم لأكثر من 25 يوما،بأنهم تعرضوا لتحقيق وتعذيب وحشي تسبب في مقتل بعض المعتقلين فضلاً عن آخرين تعرضوا للإعدام على يد مشغليهم
وعقب بدء كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس" عملية عسكرية أطلقت عليها "طوفان الأقصى" بمشاركة فصائل فلسطينية أخرى صباح السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ردا على اعتداءات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، قامت سلطات الاحتلال بشن حملات اعتقال واسعة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وأيضا اعتقال الآلاف من عمال القطاع الذين يعملون في الداخل المحتل عام 1948.
فرح وسط المعاناة
"عربي21" التقت بالعامل المفرج عنه "محمد" (اسم مستعار)، الذي كان في حالة تعب وإرهاق شديدين، ظهرت على وجهه الشاحب علامات التعذيب الوحشي الذي تعرض له من قبل قوات الاحتلال، تحدث بصعوبة بالغة عما حدث مع العمال الفلسطينيين من قبل جيش وعناصر مخابرات الاحتلال الإسرائيلي.
بعد ساعات من الإفراج عن العمال وتركهم بالملابس التي عليهم فقط داخل معبر "كرم أبو سالم" جنوب القطاع الخميس الماضي، وعقب وصول "محمد" لمنزله وسط القطاع، جلس يشرب الشاي بين أفراد عائلته وعلامات الدهشة بدت عليه، وهو يتنقل بين شعوره بفرحه الرجوع إلى أهله وألمه بما يجري في القطاع من "مذابح ومجازر على يد العصابات الصهيونية".
بدأ العامل المنهك بسرد ما حدث معهم وكأنها حلقات مسلسل لـ"عصابة إجرامية، قامت بخطف آلاف المواطنين للانتقام منهم بلا سبب"، وأوضح أن "شرطة الاحتلال وصلت لمكان إقامتنا في الداخل المحتل في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى"، (الأحد 8 تشرين الأول/أكتوبر) وقامت بالتدقيق في هويات العمال وتصاريح عملهم، ثم غادرت".
ويوم الثلاثاء 10 من ذات الشهر، قام مشغلهم بجلب عدة مركبات كي توصلهم إلى الضفة الغربية المحتلة، لكنه "قام بتسليمنا قبل أن نصل رام الله بمسافة قصيرة على أحد الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال، وتم اعتقالنا جميعا، وقاموا بتكبيل أيدينا إلى الخلف ومع بعضنا البعض وتغمية عيوننا، وبقينا ساعات طويلة على هذا الحال، وصادروا منا كل ما لدينا من أموال وأجهزة جوال غير ذلك".
وأضاف في سرده الخاص لـ"عربي21": "بعد ذلك بدأ جيش الاحتلال بالاعتداء علينا وضرب العمال بأعقاب البنادق وركلهم بأقدامهم بشراسة، وخلال عملية نقلنا في "الأتوبيسات" جلسنا مكبلين على أرضية الباص في الوسط؛ رأس أحدنا في ظهر الآخر، وقاموا بنقلنا إلى مكان مغلق كبير (بركس)، وبقينا مكبلين حتى فجر الأربعاء (11 الشهر)"، مضيفا: "حينما كنت في الباص جلست على الأرض مكبل اليدين ومعصوم العينين، وشعرت حينها باختناق شديد، وأبلغت الجنود بذلك وطلبت منهم الماء، لكنهم رفضوا وبدأوا يضربوننا بأقدامهم على أكتافنا".
انتقام وتعذيب وحشي
وأوضح "محمد"، أنه "تم وضعنا في "بركس" كبير متسخ جدا، لكننا بعد كل هذا التعذيب الوحشي وغير الإنساني، لم يكن أمامنا سوي النوم على تلك الأرضية العفنة، كانوا يجلبون لنا بعض الوجبات البسيطة التي تتكون و تفاحة أو خياره تقسم على أربع أشخاص أو أكثر، وأحيانا سمك تونه بكميات ضئيلة، الأوضاع كانت صعبة للغاية، نحن لا ندري في أي مكان نوجد، ولا نملك أي وسيلة تواصل مع الأهل ولا حتى مع الجهات الرسمية، كانوا ينتقمون منا بلا سبب، ويقومون بطلب العد عندما ينام الجميع".
و"الأمر الغريب" بالنسبة لـ"محمد"، هو ما لفت نظره من حالة "الجبن الكبير لدى جنود الاحتلال الذين يقومون بحراستنا، هم لديهم بنادق حديثه ونحن ليس لدينا سوى ما يستر أجسادنا، لكنهم كانوا دوما في حال فزع وخوف".
وذكر أن جيش الاحتلال قام بنقلهم لـ"بركس" آخر، وفرق العمال عن بعضهم البعض، وخلال تلك الفترة، كان كل يوم يعتقل المزيد من العمال ويضعهم معنا، لقد بقينا على هذه الحالة نحو 8 أيام، ومن ثم قاموا باستدعاء العمال للتحقيق معهم، وكثير منهم تعرض للضرب والتعذيب أثناء التحقيق من قبل عناصر المخابرات الذين يتحدثون العربية بطلاقة".
وحينما جاء الدور على "محمد" جلس أمامه ضابط المخابرات الإسرائيلي في جلسة تحقيق امتدت لنحو ساعتين، بدأ الضابط الإسرائيلي بطرح العديد من الأسئلة عليه تتعلق بأسرته وعائلته وحتى أقاربه وجيرانه، كما سأله الضباط عن المواطنين الذين ينتمون لـ"حماس" في منطقة سكنه وعن وجود قادة هناك أم لا.
وتحت التهديد والتعذيب، لفت "محمد" أنهم كانوا يطلبون من البعض تحديد منازل بعض المواطنين المدنيين الذين لا ينتمون لأي فصيل فلسطيني على الخرائط الجوية عالية الدقة التي كانت تظهر على شاشات أجهزة الحاسوب لديهم، حتى أنهم كانوا يستفسرون عن عمل بعض المواطنين من رجال ونساء.
وأفاد العامل المندهش مما حصل معه ومع غيره من العمال، أن "أعداد كبير من العمال الذي تم اعتقالهم وجلبهم إلى المكان الذي نتواجد فيه، كان من الواضح أنهم تعرضوا لتعذيب شديد؛ منهم من وصل وقدمه قد كسرت وبعضهم الدماء على وجوههم وهم في حالة إعياء وتعب كبير، لقد تعرضوا لتعذيب وحشي".
إعدامات سبقت الإفراج
وأشار إلى أن "الكثير من المعلومات التي وصلتنا، تؤكد أن بعض عمال غزة قتلوا بوحشية على يد مشغليهم من المستوطنين، وآخرين فقدوا حياتهم، ربما من شدة التعذيب الذي تعرضوا له".
وعن الأوضاع قبيل الإفراج عنهم، بين "محمد" لـ"عربي21"، أن عدد من ضباط من جيش الاحتلال، قدموا إلينا الساعة الثانية تقريبا فجر الخميس (2 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري)، وطلبوا منا تجهيز أنفسنا، دون أي حديث آخر، وتم نقلنا عبر أتوبيسات ونحن أيضا مكبلين الأيدي والأقدام وعيوننا مغطاة، حتى توقفنا، وقاموا بفك قيودنا داخل معبر "كرم أبو سالم"، وقالوا لنا أنتم في غزة، أذهبوا إلى بيوتكم".
وتابع حديثه: "انطلقنا ونحن لا نصدق، مشينا نحو 5 كيلومترات حتى وصلنا معبر رفح، وهناك نقلنا أحد المتطوعين إلى رفح ومن ثم وجدنا سيارة مع آخرين، ووصلت لبيتي وسط القطاع".
وختم "محمد" حديثه: "لقد كانت فترة صعبة جدا، انتقموا منا، حتى أنهم اعتقلوا مرضى غزة من داخل المستشفيات عندهم، حسبنا الله ونعم الوكيل".
وارتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل لقرابة 10 آلاف شهيد؛ والجرحى لأكثر من 24158 إصابة بجروح مختلفة، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصلت "عربي21"، حيث أكدت الوزارة أن جرائم الاحتلال أدت إلى إبادة عائلات فلسطينية بأكملها، وبلغ عدد المجازر 1006 مذبحة، إضافة إلى وجود 2300 بلاغ عن مفقودين خلال أيام المحرقة الصهيونية الماضية.
ويشهد القطاع الذي يمتد على مساحة 360 كلم مربع، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 6 إلى 12 كلم، ترديا صعبا في مجمل الأوضاع الحياتية؛ وخلال الأيام والليالي الماضية من العدوان، واصلت طائرات الاحتلال استهداف مختلف مناطق القطاع عبر تدمير ممنهج لمنازل المواطنين بشكل متزامن، كما تواصلت الاشتباكات على الأرض بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والآليات العسكرية المقتحمة لعدد من المناطق في شمال غرب القطاع وجنوب مدينة غزة، إضافة لاشتباكات كبيرة شرق خان يونس جنوب القطاع.
واستهدفت صواريخ الاحتلال شديدة التدمير، الأطقم الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف وأطقم ومقرات الدفاع المدني والمساجد والصحفيين والمخابر والأسواق ومخازن المياه ومولدات الكهرباء واللوحات الشمسية الخاصة بتوليد الكهرباء، وتدمير الطرق وشبكات المياه والاتصالات وانقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في القطاع بالتزامن مع غياب شبه تام للكهرباء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المعتقلين عمال غزة إعدام معتقلين عمال غزة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال من قبل
إقرأ أيضاً:
كيف ساد الاستبداد في تونس وتحول النظام في عهد سعيد إلى وحشي وفوضوي؟
تناولت مجلة "فورين أفيرز" في مقال للباحثتين سارة يركس، الزميلة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، و سابينا هينبرغ، الزميلة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الأوضاع السياسية الراهنة في تونس بعد مرور 13 عاما على الربيع العربي.
وقالت الكاتبتان، إن تونس كانت تعتبر، قبل فترة ليست طويلة، واحدة من أكبر قصص النجاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فعلى عكس الدول العربية المجاورة التي شهدت انتفاضات شعبية ضخمة في عام 2011، لم ترجع تونس على الفور إلى الاستبداد أو تنحدر إلى حرب أهلية. بدلا من ذلك، بعد فرار دكتاتورها القديم، عقدت حكومة مؤقتة انتخابات حرة ونزيهة. تبنى النظام الجديد المنتخب ديمقراطيا دستورا ليبراليا وسمح للمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة بالازدهار.
وأضاف المقال، مع ذلك، انهار هذا النجاح الآن بشكل حاسم. ففي الشهر الماضي، وللمرة الأولى منذ 14 عاما، أجرت تونس انتخابات رئاسية صورية، اتسمت بالتلاعب والقمع على نطاق واسع. أعلن الرئيس الحالي قيس سعيد أنه فاز بنسبة 90% من الأصوات. لقد حاول التونسيون الاحتجاج على استبداد سعيد، مما أثار الأمل بين المراقبين في أن البلاد قد تعود إلى مسارها الديمقراطي.
وبينت الكاتبتان، أن الحقيقة هي أن انهيار الديمقراطية التونسية الشابة كان قادما منذ فترة طويلة، وكانت المشاكل التي واجهتها نتيجة لانتصاراتها المبكرة.
بمرور الوقت، أدت السمات التي ساعدت حركة الربيع العربي في تونس على التميز وتحقيق إصلاح حقيقي - وأبرزها استعداد القادة التونسيين لتقاسم السلطة - إلى إعاقة الحكومة وأدت إلى الشلل. لم تتمكن الديمقراطية الجديدة من تحقيق إصلاحات جوهرية.
وعدم قدرة سماسرة السلطة في تونس بعد عام 2014 على إصلاح الاقتصاد على وجه الخصوص، إلى جانب الشعور المتزايد بين الناخبين بأن النخب تركز فقط على تعزيز ثرواتها، إلى تمهيد الطريق للاستيلاء الاستبدادي، وفق المقال.
انتُخب سعيد، استاذ القانون الدستوري، رئيسا ديمقراطيا في عام 2019، لكنه سرعان ما بدأ في تعزيز سلطته من خلال حل البرلمان وتعليق الدستور وسجن المعارضين.
وكان من غير الممكن انقاذ نموذج تونس للتحول الديمقراطي إلا إذا زادت الحكومات الأجنبية من دعمها للمعارضة والمجتمع المدني التونسي.. ولكن للأسف، لم تتحقق المساعدات بالكمية اللازمة. والآن فات الأوان لمثل هذا الإصلاح لإحداث فرق كبير بما فيه الكفاية.
وذكر المقال، أنه يمكن أن يُعزى قدر كبير من نجاح تونس خلال العقد الذي أعقب عام 2011 إلى مجتمع مدني نشط وقادة كانوا على استعداد للتنازل، باختصار، كان نموذج الحوار والإجماع هو الذي أخرج البلاد من الدكتاتورية. لكن دستور تونس لعام 2014، الذي صُمم لتجنب التركيز المفرط للسلطة، انتهى به الأمر إلى إعاقة عملية صنع القرار في الحكومة الديمقراطية.
ونتيجة لذلك، لم تتمكن الحكومة من تبني إصلاحات اقتصادية هيكلية كان من الممكن أن تعالج البطالة المتفشية بين الشباب، وارتفاع التضخم، والفساد المستمر الذي ابتليت به تونس لعقود من الزمان.
في البداية، برر سعيد تحركاته القمعية بأنها مؤقتة، بحجة أن البلاد كانت في خضم أزمة وأن السياسيين الآخرين غير مجهزين بشكل جيد لتلبية احتياجات التونسيين.
كان الجمهور قد أصيب بالإحباط بسبب فشل الديمقراطية في تحقيق مكاسب اقتصادية، ورأى في سعيد شخصا قادرا على كسر الجمود والتصدي للفساد داخل بقية الطبقة السياسية. لذلك دعموه في البداية، حتى مع تحايله على القانون. ولكن في عام 2022، نظم استفتاء لتدوين سياساته خارج نطاق القضاء في دستور جديد. ولم يكلف التونسيون أنفسهم عناء التصويت، وتم تمرير الاستفتاء.
حتى ذلك العام، كان الداعمون الرئيسيون لتونس - الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء - يقدمون للبلاد أكثر من 1.3 مليار دولار في شكل مساعدات اقتصادية سنويا. لكن الولايات المتحدة بدأت تشعر بالقلق من أن الاستمرار في تقديم هذه المساعدة قد يؤدي إلى دعم دكتاتور، لذلك خفضت ميزانية مساعداتها لتونس ووبخت سعيد على سلوكه الأكثر فظاعة وفق وصف المقال.
في غضون ذلك، أصبحت أوروبا أكثر استثمارا في قدرة تونس على وقف تدفق المهاجرين من دعم الديمقراطية في البلاد، كما خفضت مساعداتها للبلاد لكنها استمرت في تمويل شرطة الحدود وظلت صامتة إلى حد كبير بشأن قمع سعيد، ونتيجة لذلك، عانت الكيانات غير الحكومية التي كان من الممكن أن تستفيد من استمرار المساعدة.
وأشار المقال إلى أن تونس تبدو اليوم بشكل متزايد كما كانت في عهد زين العابدين بن علي، الدكتاتور الذي عمل التونسيون بجد للإطاحة به في عام 2011، فهناك القليل من حرية التعبير أو الصحافة، وتعمل قوات الأمن مع الإفلات من العقاب تقريبا.
وعلى الرغم من عدم مواجهة أي معارضة قابلة للتطبيق قبل انتخابه في عام 2024، أشرف سعيد في وقت سابق من هذا العام على اعتقال ما لا يقل عن اثني عشر مرشحا محتملا للرئاسة، تلقى العديد منهم أحكاما جنائية تحظر مشاركتهم في السياسة الانتخابية مدى الحياة.
وتم القبض على أحد المرشحَين اللذين وافقت الحكومة على خوضهما الانتخابات ضد سعيد، عياشي زامل، في أيلول/ سبتمبر وأدين بتهم ملفقة بتزوير التوقيعات لوضع اسمه على ورقة الاقتراع. أدار حملته من السجن، حيث من المقرر أن يبقى هناك لأكثر من 30 عاما. كما منعت لجنة الانتخابات التابعة لسعيد اثنين من أبرز الهيئات الرقابية المحلية في البلاد من مراقبة الانتخابات، متهمة إياهما بتلقي "تمويل أجنبي مشبوه" - وهو مصطلح شعبوي شائع.
لقد سجن سعيد العديد من النشطاء والمعارضين الآخرين، وعلى مدى العامين الماضيين، استخدم قانونا مثيرا للجدل صدر عام 2022 يجرّم نشر "الأخبار الكاذبة" لسجن كل من شيماء عيسى، زعيمة حركة المعارضة جبهة الإنقاذ الوطني؛ وسامي بن سلامة، العضو السابق في لجنة الانتخابات التونسية؛ والمحامية والمعلقة السياسية سونيا الدهماني.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، وفي خطوة وقحة بشكل خاص، حشدت الحكومة 51 شخصا من مختلف الطيف السياسي للمحاكمة في قضية واحدة. يواجهون بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة، اتهامات قد تشمل عقوبة الإعدام. حتى سهام بن سدرين، الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية - التي أنشئت للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال فترة ما قبل الثورة - اعتقلت في آب/ أغسطس بتهمة زائفة على الأرجح بأنها قبلت رشوة لتزوير التقرير النهائي للجنة.
وقالت الكاتبتان، إن نظام سعيد ليس وحشيا فحسب؛ ولكن في تونس، لا تزال الحكومة الحالية غارقة في الفوضى كما لا يمثل سعيد أي حزب سياسي ونادرا ما يتواصل مع مستشاريه. وقليل من المعينين في حكومته يستمرون في مناصبهم لأكثر من عام.
وفي آب/ أغسطس، أقال رئيس الوزراء، وعين خامس رئيس وزراء له في أقل من خمس سنوات، وبدأ تعديلا وزاريا أوسع نطاقا. وبعد بضعة أسابيع، استبدل جميع المحافظين الإقليميين في البلاد دون تفسير أو تحذير يذكر. وهذا التغيير المستمر في كبار المسؤولين يعني أن معظم السياسات تُصنع الآن بموجب مرسوم رئاسي مع القليل من المدخلات من أشخاص أو إدارات أخرى.
بعد إحباطهم من استيلاء سعيد على السلطة، بدأ التونسيون في الاعتراف بدوره في الأزمة الاقتصادية المتصاعدة والركود السياسي الذي يعاني منه بلدهم. يبلغ معدل البطالة الإجمالي في تونس 16 بالمئة وهو أعلى بكثير بين النساء والشباب؛ ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لعام 2024 أقل من 2 بالمئة، ومن المتوقع أن يتجاوز التضخم 7 بالمئة هذا العام.
وأشارتا إلى أن التونسيين يواجهون العديد من المشاكل نفسها التي واجهوها في عهد بن علي ــ الفساد، وعدم المساواة، ووحشية الشرطة، والبطالة ــ فكلما طال أمد بقاء سعيد في منصبه، كلما قلت قدرته على تسويق نفسه باعتباره الرئيس الذي جاء من خارج الطبقة السياسية وهو يفقد القدرة على التضحية بالسياسيين الآخرين، لأن التونسيين يعرفون أنه يسيطر على كل أدوات السلطة الحكومية.
وأضافتا، أن زعيم أهم نقابة عمالية في تونس، نور الدين طبوبي، أصبح صريحا بشكل متزايد في انتقاده لسعيد، ومع عضوية أكثر من مليون شخص - حوالي 8% من إجمالي سكان تونس - فإن نقابة طبوبي لديها القدرة على إيقاف الاقتصاد المتعثر بالفعل إذا دعت إلى إضراب. وعلى الرغم من قمع سعيد، لا تزال المظاهرات المناهضة للحكومة تندلع. في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، نزل الآلاف من التونسيين إلى الشوارع تحت مظلة الشبكة التونسية للحقوق والحريات مرددين هتافات برحيل سعيد وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
وعلى الرغم من خيبة أملهم في التجربة الديمقراطية في تونس، نشأ الشباب في البلاد في مناخ من الحرية لا يرغب الكثيرون في التخلي عنه. لكنهم فقدوا الثقة في الانتخابات. فوفقا للحكومة التونسية، أدلى 28% فقط من الناخبين بأصواتهم في تشرين الأول/ أكتوبر، مقارنة بـ 49 بالمئة في عام 2019. وظل الشباب على وجه الخصوص في بيوتهم. ولكن بدلا من ذلك، يرى العديد من الشباب التونسيين أن الهجرة إلى أماكن أخرى هي الحل الأفضل.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل في أن يتمكن التونسيون من إصلاح مشاكل بلادهم من خلال العملية السياسية، فوفقا لدستور سعيد نفسه، يقتصر منصب الرئيس على فترتين، مما يعني أنه لا يمكنه الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2029. وبالتالي، فإن التونسيين لديهم الفرصة - والالتزام - لبناء طبقة سياسية جديدة وأكثر جدارة بالثقة وفعالية على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وعلى الرغم من أن العديد من الناشطين التونسيين المؤيدين للديمقراطية يعيشون الآن في المنفى في أوروبا أو أمريكا الشمالية، إلا أنهم قادرون على خلق الأساس لأحزاب وحركات سياسية جديدة ومنتعشة تقدم منصات واضحة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ابتليت بها البلاد منذ ما قبل عام 2011.
كما ينبغي للحكومات الغربية بحسب الكاتبتين، أن تظهر للأصوات المؤيدة للديمقراطية المتبقية في البلاد أنها لا تزال تحظى بدعم خارجي من خلال إدانة القمع الشديد الذي حدد الحملة الانتخابية بقوة أكبر. كان القادة الغربيون محقين في عدم تهنئة سعيد بفوزه الصوري.
ويجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية تمويل شبكات حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها ويجب أن تستعد لاحتمال تجاوز سعيد لخطوط حمراء معينة، مثل إعدام سجين سياسي أو إصدار أوامر للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين.
ويمكن للدول الغربية، على سبيل المثال، إعداد قائمة بالأشخاص في الدائرة الداخلية لسعيد الذين هم على استعداد لمعاقبتهم إذا تجاوز خطا أحمر. لقد رفع سعيد بالفعل الرهان بشكل كبير على قمعه على مدى الأشهر القليلة الماضية، مثل اعتقال كل شخص تقريبا حاول الترشح ضده في الانتخابات الرئاسية.
وأوضح المقال، أنه ليس من السهل مواجهة حقيقة أن النموذج التونسي للانتقال الديمقراطي، الذي كان يُعتبر ذات يوم النقطة المضيئة الوحيدة في أعقاب الربيع العربي المحبطة، قد فشل. ألهمت ثورة البلاد الملايين من الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط للثورة ضد مستبدين في بلادهم.
وبين أن أولئك الذين يأملون في صحة الديمقراطية الدائمة في تونس يجب أن يواجهوا الواقع، لأنهم يجب أن يدركوا أن الجهود القادمة لمواجهة الاستبداد تحتاج إلى الذهاب إلى أبعد من ذي قبل نحو معالجة أعمق أشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي التي يواجهها التونسيون.