الشارقة -  الوكالات

 

حظي جمهور معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023 بأمسيّة ثقافيّة وفنيّة مميّزة، استضافت قيصر الأغنية العربية الفنان كاظم الساهر؛ الذي شارك الحضور شيئاً من مسيرته في عالم الشعر والأدب والألحان، ووجّه لهم العديد من الرسائل القيّمة التي ناهزت في ثرائها أغانيه وألحانه وشكّلت إضافة استثنائيّة لهذا الحدث الثقافي العالمي.

وفي مستهلّ حديثه خلال الأمسيّة؛ توجّه الساهر بالشكر لإمارة الشارقة على استضافته في المعرض مشيراً إلى أنّه طالما تعدّ الشارقة عاصمة للثقافة، فإنّ القراءة والكتاب سيبقى حاضراً في يد القرّاء، معبّراً عن فخره بأن يكون اليوم جزءاً من معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أتاح له فرصة مخاطبة جمهوره.

 

الأمن والسلامة لأطفال غزّة

ووجه القيصر كلمات مؤثرة تمنى فيها الأمن والسلامة لأطفال وأهل غزة، وأن تتوقف الحرب التي يدفع ثمنها الأبرياء، وقال: "الفنان يمتلك موقفاً انسانياً وضميراً حياً بالتأكيد، لا نستطيع أن نقف متفرجين، وحتى لو شعرت أن لمسة ما سيكون لها أثر فسأقوم بها". مشيراً في هذا الإطار إلى أنّه تم بالتعاون مع جمعية الامم المتحدة للموسيقى الكلاسيكية بإدارة بريندا فونجوفا،  لتسجيل أغنية من تدعو لوقف الحرب وعنوانها - أوقفوا الحرب -، مضيفاً: "وبعد هذه الجلسة سأتوجه إلى نيويورك لتسجيل هذه الأغنية وسنطلقها قريباً ونأمل أن توصل رسالتنا وأن نساهم في وقف الحرب التي تلحق بالمدنيين الأبرياء والموت الكارثي للأطفال".

وتطرّق الساهر في حديثه إلى تأثير الكتاب على حياته، قائلاً: "بدأ هذا التأثير منذ الطفولة، وأذكر موقفاً في سنّ المراهقة ذهبت مع أحد أصدقائي في زيارة لشقيقه، حيث كان أصدقاءه يتناقشون إحدى الموضوعات الفكرية، ولم أكن أعي شيئاً من كلامهم، فدفعني ذلك للبحث والاطلاع لأسجلّ حضوري في هكذا جلسات، وكنت محظوظاً أنّ شقيقي الدكتور حسين من القراء الجيدين، أخذت أحد الكتب حول هذا الموضوع وباتت الصورة واضحة وازداد وعيي، وعندما بدأت بخوض النقاش معهم شعرت بالارتياح وآمنت أن الحياة بدون اطلاع وبدون قراءة فإنّ الإنسان سيبقى في دائرة محدودة، فحتى موهبتي الموسيقية لو لم أدعمها بالقراءة ودراسة الموسيقى ستبقى محدودة، ومن ضمن علمي أيضاً اختيار المفردات والأفكار التي تؤثر في الناس، لو لم أقرأ فلن أستطيع إيصال رسالتي وألامس مشاعر المستمعين أو أؤثر في المفكرين والمثقفين".

 

القراءة والعائلة

وحول أثر القراءة في العائلة، أكّد الساهر أنّ تأثيرها يطال الجميع، مشيراً إلى أنّ الأطفال عندما يقرأون يذهبون إلى عوالم وأفكار وثقافات مختلفة، فيزداد وعيه واحترامه للرأي الآخر، وستُفتح له آفاقٌ جديدة في الحياة ومستقبل من فرص العمل. وأضاف: "أيضاً لكسر الروتين في المنزل فإنّ القراءة واكتساب الأفكار ومن ثم الجلوس في حوار مع العائلة ستساهم في صنع متعة وقصة جميلة تأخذنا إلى عالم آخر. كما أنّ القراءة للإنسان الذي يعاني من مشكلة عاطفية، تشكّل داعماً وصديقاً له، فعندما يمرّ الإنسان بمشكلة ولا يجد شخصاً يعطيه التوجيهات الصحيحة، فإنّ الكتاب يمنحه الراحة والطمأنينة بالإضافة إلى أفكار ووسائل جديدة لحل أي أزمة".

 

وانتقل كاظم الساهر للحديث عن الشعر بالقول: "الجمهور العربي خطير، ولدي جمهور يتذوق الشعر ويحاسبني إذا كان لفظي للكلمة خطأ، فيجب أن أنتبه لكل كلمة وحرف، الشباب متذوقون للشعر وأنا ضد فكرة من يقول أن الناس بدأوا يهجرونه نحو أشكال أخرى، لا أتفق مع ذلك من خلال تجاربي على مدار 35 سنة من تقديم أعمال وقصائد. وأيضاً لا يمكن أن نظلم الفنون الأخرى بالتأكيد فهناك ألوان غنائية جميلة وتسعد الجمهور، لكن أنا أجد في القصيدة أكثر عمقاً وخيالاً". وتحدّث حول قصيدة "الحياة" مشيراً إلى أنه كتبها كرسالة، وألقى جزءاً منها على مسامع الحضور.

 

الشعر موهبة، والقراءة تُنميها

وأضاف: "الشعر موهبة، لحنت أول قصيدة في سنّ 12 عاماً وكتبت أول خاطرة في عمر 13 – 14، وبدأت أقرأ الشعر في المجلات ودواوين نزار قباني، فقد كنت متأثراً به جداً. وبالتأكيد بدون قراءة فإنّ الموهبة لا تكفي، لا أستطيع أن أكتب قصيدة أو أن اضع لحناً إن لم أقرأ". وعند ذكر نزار قباني فإنّ كاظم الساهر لم يُغفل الحديث عن تأثيره عليه، ليقول: "نزار قباني كان مصدر دعم وتحفيز لي، فعندما كنت أطلب منه في بعض القصائد أن أقوم بتعديل سطر أو ما شباه، كان يعود لي خلال فترة قصيرة ويخبرني ويقول سجّل هذا البيت الجميل، لم يقل سجل هذا السطر، بل البيت الجميل، لقد كان متعاوناً وعظيماً جداً، وهكذا العظماء يكونون دائماً بسطاء".

 

وأشاد كاظم بصديقه الراحل الشاعر كريم العراقي بالقول: "مهما كُرم في حياته فهذا قليل بحقه، كان سعيداً جداً عندما تم عمل طابع باسمه. كريم العراقي شاعر عظيم، كان نزار يعتب علي إذا تأخرت في قصيدة ما، لكن إذا كان العمل مع كريم فكان يقول لي تمسّك بكريم، ويقول لكريم تمسك بكاظم، نزار كان معجباً بكريم بشكل رهيب وكان يحترمه جداً، وكريم هو من فرض هذا الاحترام، كان يقرأ بشكل واسع". وأشار الساهر إلى أنّ العراق ولّادة للشعراء الرائعين الذين يكتبون أشعاراً في غاية الجمال. وعبّر عن أمنيته واستعداده كذلك للمساهمة في أي نهضة فنيّة قد تشهدها العراق في أي وقت.

 

وأشار الساهر إلى أثر عائلته وبلده في تكوين شخصيته، بالقول: "شخصيتي بُنيت في البيت بشكل أساسي وساهمت أمي رحمها الله كثيراً في بناء هذه الشخصيّة وتأثرت بها بشكل كبير، وكنت أعجب دائماً كيف تحملت هي ووالدي مسؤولية 10 أبناء في الوقت الذي كان بيتنا يفتقد لكثير من الأساسيات كالمراوح وغيرها، لذلك لهم فضل كبير عليّ. أيضاً لبلدي وجمهوري الفضل، وللجيران الذين كانوا يساهمون في التربية كالأهل تماماً"

وفي الختام تحدّث القيصر حول أثر القراءة في إحياء الأمل لديه عندما مرّ يوماً بحالة صعبة، وقال: "في هذه الحياة نمر بتجارب ومشاهدات، ففي صغرنا نقرأ قصص الخيال ونرى عوالم أخرى، فيكبر إبداعنا، ولكنّ الحياة تفرض عليك أموراً صعبة وتأخذ منك أشياءً جميلة. خلال السنوات الماضية خسرت أعز الناس لدي، وكنت أمر من أزمة إلى أخرى، وأفقد عزيزاً ما، ووصلت إلى طريق مسدود بحيث جلست مع نفسي وحيداً لفترة، فأخرجني منها الكتاب والقراءة وكذلك الأصدقاء الطيبين. ضعفت لدرجة كبيرة ووصلت لمرحلة تمنيت خلالها أن أخرج على المسرح لأصرخ صرخة واحدة وأنتهي، لم تكن هناك متعة وسعادة. جلست مع نفسي وبفضل الإيمان بالله أولاً ثمّ القراءة وكذلك الأصدقاء الطيبين عاد لي الأمل مجدّداً، هذه هي الحياة لا بدّ أن نقبلها كما هي".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القراءة في زمن التشتت

رغم كل المحاولات التي بذلتها فـي السنوات الماضية للانغماس فـي القراءة الإلكترونية، والاشتراك فـي عدد من منصات الكتب الإلكترونية التي تزخر بآلاف الكتب بمختلف العناوين والإصدارات الحديثة والقديمة، إلا أن الحنين بدأ يراودني إلى زمن الكتاب الورقي بعدما وصلت إلى قناعة تامة من أنني لن أستطيع إنهاء كتاب واحد مكون من مائتي صفحة ولأسباب سأتطرق إلى ذكرها لاحقا.

تجربتي الشخصية فـي القراءة الإلكترونية تبدأ بحماسة مفطرة، أقوم بتحميل الكتاب وأبدأ فـي تصفح أول عشرين أو ثلاثين صفحة، أجد نفسي بعدها، وقد تسرب الملل إلى عقلي، ثم ما يلبث أن يتسلل إغراء آخر أكثر حلاوة من إغراء القراءة كالانتقال إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي أو الانشغال بتحميل كتب أخرى حتى ينكسر شغف القراءة بسبب المشتتات الإلكترونية.

لا أدري إن كانت الشاشة هي ما يصنع هذا التشتت، أم أن وفرة المحتوى أصبحت نقمة على التركيز فبدلا من أن تسهم التقنية فـي زيادة القراءة إلا أنها استطاعت الإجهاز عليها، فالقراءة العميقة والطويلة المتمثلة فـي قراءة الكتب والملخصات العلمية المتعمقة حتى قراءة المقالات والأعمدة باتت صعبة بعض الشيء أن كان عدد كلماتها يربو على الخمسة آلاف صفحة أي بتقدير عشر إلى خمس عشرة صفحة وهذا ما جعل معظم القراءات الإلكترونية سطحية بعض الشيء.

فـي كتابه السطحيون: ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا، يقدّم نيكولاس كار تشخيصًا دقيقًا للتحولات الذهنية والسلوكية التي طرأت على الإنسان المعاصر بفعل الاعتماد المتزايد على شبكة الإنترنت. وينطلق الكتاب من فرضية أن التقنية وعلى رأسها الإنترنت لا تكتفـي بتغيير طريقة وصولنا إلى المعرفة بل تعيد تشكيل بنية التفكير والإدراك والذاكرة لدينا.

يرى المؤلف أن القراءة لم تعد كما كانت، فبدلًا من الانغماس فـي النصوص بتأنٍ وتركيز، أصبحنا نميل إلى القراءة السريعة، والمسح البصري، والقفز من فقرة إلى أخرى، ومن نص إلى رابط، مما يفقدنا القدرة على الفهم العميق والاستيعاب المتأني. وهذا النمط من القراءة لا يؤثر فقط على طريقة استهلاكنا للمعلومة، بل يعيد برمجة أدمغتنا بحيث يصبح أكثر تشتتًا وأقل قدرة على التركيز الممتد.

وكأن هذا الكتاب وكاتبه يتحدثان عن الكثير منا ممن فقدوا متعة التركيز فـي القراءة، والتأمل فـي ما بين السطور، والإحساس بشعور الملامسة والارتباط الحسي مع الكتاب. تلك اللحظات التي كان فـيها القارئ يغوص فـي النص بلا انقطاع، يستشعر دفء الورق بين يديه، ويصغي إلى صوت الصفحات وهي تتقلب كأنها نبضات من حوار داخلي عميق. القراءة، كما يصورها كار، لم تكن يومًا مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل طقسًا من طقوس التأمل الذهني والوجداني، تجربة تنمو ببطء وتؤتي ثمارها مع الزمن. واليوم، فـي ظل هيمنة العالم الرقمي، يبدو أن هذه التجربة قد بدأت تتلاشى، لتحل محلها حالة من الاستهلاك السريع والسطحي للمعلومة، تفقدنا عمق الفهم، وتبعدنا عن جوهر القراءة الحقيقي.

بعد كل تلك التجارب مع القراءة الإلكترونية ومحاولة إرغام النفس على التحول اللوحي فـي القراءة، أدركت أنني افتقدت الإحساس الذي تمنحه القراءة الورقية؛ ذلك الهدوء الذي يرافق تقليب الصفحات، ورائحة الحبر التي تُشعرني بأنني فـي حضرة شيء حقيقي لا يذوب فـي زحمة الإشعارات والتنبيهات فقررت أن أعود إلى الكتاب الورقي، لا هربًا من التقنية ، بل بحثًا عن عمق افتقدته.

زرت مكتبة عامة بعد انقطاع طويل، وبين الرفوف، شعرت وكأنني أتنفس من جديد. اخترت كتابًا يميل إلى الفلسفة، يضم مجموعة مقالات متصلة منفصلة. لم أكن أبحث عن تسلسل روائي أو حبكة مشوّقة، بل عن مدخل بسيط لإعادة تدريب نفسي على القراءة المركّزة، وإن كانت متقطعة.

الكتاب كان خيارًا موفقًا فمع كل صفحة من صفحاته كنت أستعيد شيئًا من علاقتي القديمة بالقراءة، وأتذوق مجددًا لذة التأمل فـي المعاني، بعيدًا عن سرعة التمرير والإلهاء البصري. أعتقد أنني بدأت بالفعل أجد طريقي نحو الورق، حيث لا يعلو صوت على صوت الكاتب، ولا يُزاحم الفكرة إلا صمت القارئ.

ومع كل هذا الحنين إلى القراءة الورقية، يأتي توقيت الدورة التاسعة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب كأنما ليعزز هذا الشعور، ويعيد إلينا شيئًا من دفء العلاقة بالكتب. ينطلق المعرض يوم غد الخميس فـي مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، لا كمناسبة ثقافـية عابرة، بل كطقس سنوي ينتظره عشاق القراءة بشغف، ففـي أروقته تتناثر الكتب ككنوز صامتة وفـي زواياه يتقاطع السرد مع الفكر وتنسج حوارات بين القارئ والنص بعيدًا عن التشتت والصخب الإلكتروني.

مقالات مشابهة

  • المراكز الصيفية بالحديدة.. أنشطة متنوعة وترسيخ للثقافة القرآنية
  • وزير الأوقاف مُهنئًا الرئيس السيسي: «تحرير سيناء» سيبقى محطة مضيئة في الذاكرة الوطنية
  • ريم البارودي تفجّر التصريحات مع نزار الفارس: مقالب رامز جلال متفق عليها بالكامل
  • ريم البارودي عن مقالب رامز جلال: متفق عليها ولا تصدقوا غير ذلك
  • تعليق ريم البارودي على إطلالة محمد رمضان: النصيحة على الملأ فضيحة
  • نزار بركة ينشر لوائح المستفيدين من رخص المقالع
  • البكيري: الهلال سيبقى بالريادة بكل المعايير .. فيديو
  • القراءة في زمن التشتت
  • وزير التجهيز والماء يكشف عن الأثر الإيجابي للأمطار الأخيرة على الفرشة المائية
  • كاظم الساهر: هذا هو صديق وحدتي!