في انحياز ألمانيا إلى إسرائيل في حربها على غزة
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
لا تفتأ الحكومةُ الألمانيّة تَذكُر "حقَّ إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس المكفول لها في القانون الدوليّ" ردًا على هجوم حماس فجر السابع من شهر أكتوبر الجاري، الذي أسفرَ عن مصرع نحو 1400 إسرائيليّ، وأسْر أكثرَ من مائتَي إسرائيليّ. فألمانيا- كجلّ الدول الغربيّة- اختارت منذ الوهلة الأولى الاصطفافَ غير المشروط إلى جنب إسرائيل، ودعمها المطلق "في حربها على الإرهاب"، مهما كانت الفاتورة الإنسانيَّة الباهظة التي سيدفعها المدنيّون الذين يتجرّعون الأمرَّين في غزَّة؛ جرَّاء حصار شديد منقطع النّظير منذ عَقد ويزيد.
فحتّى وإن كانت ألمانيا – التي بات مستشاروها يؤكّدون في كل وقت وحين على أنَّ "أمن إسرائيل مصلحة عُليا للدولة"- قد خفَّفت قليلًا في الأيّام الأخيرة من حدّة لهجة تصريحاتها بخصوص دعمها المطلق، وغير المشروط إسرائيلَ، كما جاءَ في كلمة وزيرة خارجيّتها، أنالينا بيربوك، في مجلس الأمن، حيث أشارت أخيرًا إلى أنَّ دفاع إسرائيل عن النفس لابدّ أن يتم "وَفق القانون الإنساني، ومع توخّي أكبر قدر ممكن من الاعتبار للسكّان المدنيين"، إلا أنّ هذه النبرة الطفيفة المتغيّرة في موقف ألمانيا تظلُّ مجردَ كلام لا يُجاوز تَراقيها، مادامت لا تعبأ لمعاناة الفلسطينيّين، ولا تستنكر استباحة إسرائيلَ محظورات القوانين الدوليّة على نحو صريحٍ لا يقبل التأويلَ، وما دامت لا تطبِّق المعايير نفسَها على الجميع، كما كان دأبها دومًا في صراعات أخرى، حينما كانت تنحاز إلى القيم الإنسانية.
بلغت ذِروة الدعوات الرامية إلى شيطنة الاصطفاف إلى الجانب الفلسطيني، في محاولة نائبة رئيس حزب الاتحاد الديمقراطيّ المسيحيّ، كارين بْرِين، تجريمَ هتاف "فلسطين حرّة" الذي كثيرًا ما تصدح به حناجر مؤيدي فلسطين في المظاهرات، إذ صرّحت في لقاء تلفزيوني بأنّ هتاف "فلسطين حرة ليس هتافًا بريئًا، وإنما صيحة حرب لعصابة إرهابيّة"
كما أنَّ دعوة بيربوك إلى احترام القانون الإنسانيّ، تفقد مصداقيّتها تمامًا إذا أخذنا بعين الاعتبار كلمة المستشار الألمانيّ، أولاف شولتز، في تصريحٍ للصحافة، إذ أكّد أنّه لا يساوره شكّ ألبتّة في أنَّ الجيش الإسرائيليّ سيلتزم حتمًا بمبادئ القانون الدوليّ بحُجّة أن "إسرائيل دولة ديمقراطيّة ذات مبادئ إنسانية تديرها". فإلى أي أساس يستند هذا اليقين المطلق للمُستشار الألمانيّ، وهذا وزير الدفاع الإسرائيليّ، يوآف غالانت، نفسه يفنّد هذا الزعمَ حين يضرب بمبادئ القانون الدوليّ عُرض الحائط، ويأمر على مرأى ومسمع من العالم بقطع الماء، والطعام، والوقود، والكهرباء عن غزّة، والتعامل مع سكّانها باعتبارهم "حيوانات بشرية"؟!
فالبند الثامن من النظام الأساسيّ للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر "تعمّد تجويع المدنيين- كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من الموادّ التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمُّد عرقلة الإمدادات الغوثيّة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيّات جنيف "- جريمة حرب. فضلًا عن أنّ تجريد صفة الإنسانيّة من الفلسطينيّين- أو غيرهم من البشر مهما كانت جريرتهم- عنصريةٌ مقيتةٌ، وخرقٌ صارخٌ لحقوق الإنسان، لا يختلفُ حول ذلك اثنانِ.
إنَّ محاولة ألمانيا تزكية الجيش الإسرائيليّ- عبر ادّعاء اكتراثه لأي من المبادئ أو المواثيق الدوليّة في حرب لا تبقي ولا تذر، أودت حتى الساعة بأكثر من تسعة آلاف شهيد، منهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل، ودمّرت %50 من الوحدات السكنيّة جراء قصف غير مسبوق لا يفرق بين هدف عسكري ومدني- ما هو إلا تضليل وتمويه للأحداث؛ لأنّ سفك دماء ألوف من الأبرياء لا يمكن أن يكون دفاعًا عن النّفس، وإنما مجزرة مهولة لا يجوز الصمت عنها.
فجلّ المنظمات الدولية – بما فيها الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العفو الدولية، و"هيومن رايتس ووتش"- وغيرها تُفنّد السردية الألمانية، وتدين إسرائيل بشدّة. وترى بعض هذه المنظمات في إمعان الجيش الإسرائيليّ في القصف العشوائي الأحياءَ السكنيةَ، واستهداف المستشفيات، والمدارس، ودور العبادة، وتدمير البنية التحتية، والتهجير القسري، والحصار المطبق، أدلةً دامغةً على ارتكاب إسرائيل جرائمَ حرب لا لبسَ فيها. هذا ناهيك بالاحتلال الذي هو علّة العلل في كل ما يحدث من كوارث إنسانيّة للفلسطينيين منذ بضعٍ وسبعين سنة.
من اللافت للنظر أن يصاحب انحياز الحكومة الألمانيّة شبه إجماع سياسيّ داخليّ منقطع النّظير، تبنَّت فيه جلّ الأحزاب الموقف الرسمي بحذافيره، ما عدا حزب اليسار الذي شكّل في هذا الصدد ذاك الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة. وتجلّى هذا التوافق السياسي في إخماد كل الأصوات الداعمة لفلسطين، تارة عبر محاولة حظر المظاهرات المندّدة بالحرب جملة وتفصيلًا، ومصادرة منظميها حقّهم الدستوري في التجمّع السلمي، والتعبير عن الرأي. وتارة أخرى عبر وضع كل ناقد لسياسة إسرائيل تحت طائلة معاداة السامية دون فرق أو تمييز.
قد بلغت ذِروة الدعوات الرامية إلى شيطنة الاصطفاف إلى الجانب الفلسطيني، في محاولة نائبة رئيس حزب الاتحاد الديمقراطيّ المسيحيّ، كارين بْرِين، تجريمَ هتاف "فلسطين حرّة" الذي كثيرًا ما تصدح به حناجر مؤيدي فلسطين في المظاهرات، إذ صرّحت في لقاء تلفزيوني بأنّ هتاف "فلسطين حرة ليس هتافًا بريئًا، وإنما صيحة حرب لعصابة إرهابيّة".
وفي جملة التصريحات، والدعوات التي تنضح آنية كثير منها بالعنصريّة، والشعبوية نجد تصريحات فريدة برع أصحابها في ممارسة سياسة خلط الحابل بالنابل، على نحو سُريالي مثير للغثيان، كتصريح رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ (البرلمان الألماني)، ماري-أغنيس ستراك-زيمرمان، من الحزب الديمقراطي الحر، التي رأت أن "ثمة علاقة وطيدة بين هجوم روسيا على أوكرانيا، والهجوم الإرهابي لحماس على إسرائيل"، لافتة الأنظار إلى أنّ هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر، موافقٌ لعيد ميلاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو أمر يستحيل – حسَب زعمها – أن يكون محضَ صدفة.
أدَّى هوس إخماد أصوات كلّ من يحاول أن يغرّد خارج سرب الموقف الرسمي، إلى المبالغة في كيل تهم معاداة السامية، والتوجس خيفة من كل ما من شأنه أن يوشي بانتقاد مباشر أو غير مباشر لحرب إسرائيل على غزّة. وقد كان من ضحايا هذا التوجّس الهستيري الكاتبة عدنية شبلي التي تمّ تأجيل تكريمها بجائزة "ليبيراتوربرايز" (LiBeraturpreis) لأجلٍ غير مسمّى لمجرد أنّها ذات أصول فلسطينية.
كما أنّ محاولة تناول أحداث حرب غزّة، في سياقها التاريخي، باتت اليوم أمرًا مرفوضًا. ولم تسلم من النقد في هذا الصدد شخصيات مرموقة كالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حين صرّح بأن "هجمات حماس لم تحدث من فراغ"، ولا الفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجيك.
فعلى الرغم من إدانة جيجيك الصريحة "هجوم حماس على الإسرائيليين دون قيد أو شرط" في كلمة افتتاحية معرِض فرانكفورت للكتاب، قامت عليه الدنيا ولم تقعد لاستغرابه من محاولة فرض "الحظر على التّحليل"، إذ لاحظ أن مجرد إبداء الرغبة في تحليل الخلفية المعقدة للصراع، يعرض المرء لتهمة "دعم إرهاب حماس". وهذا ما أكّده أيضًا أودو شتاينباخ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حين أثار الانتباه إلى عدم وجود ثقافة الاختلاف حينما يتعلّق الأمر بفلسطين، وحذّر من "أنّ تهمة معاداة السامية باتت حجّة قاتلة لوأد أي نقاش في مهده".
إنَّ اصطفاف ألمانيا غير المشروط إلى جنب إسرائيل- دون مراعاة حقوق الفلسطينيين، وتجاهل خروقاتها التي لا تخطئها العين- لن يؤدي إلى تحقيق المبتغى المنشود. فحتى لو تمكّنت إسرائيل من اجتثاث حماس من فوق الأرض إلى الأبد، كما قال وزير خارجيتها، فإنّ هذا لن يضعَ حدًا للصراع العربيّ- الإسرائيليّ، ما دامت إسرائيل ماضيةً في انتهاكِ حرمة المسجد الأقصى، وحصار غزّة، وبناء المستوطنات، ونسف كلّ أمل في بناء دولة فلسطينيّة مستقلّة. فالتجاربُ الماضيةُ أظهرت أنّ الحَيف العظيم الذي استساغه الغرب بحجّة محاربة الإرهاب للقضاء على تنظيم القاعدة لم يسفر في آخر المطاف سوى عن ظهور جماعات جديدة أكثر غلوًّا، وتطرفًا، وإرهابًا كالدولة الإسلامية (داعش). علاوةً على أنَّ ما يحدث الآن سيقوّض مشاريع التقارب مع الدول العربيّة، وسيزيد الهوّة بين إسرائيل وجيرانها عمقًا واتساعًا، ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الهشّ في منطقة باتت على برميل بارود يوشك أن ينفجر.
لقد كان حريًا بألمانيا- خاصة لمسؤوليتها التاريخية تجاه اليهود- أن تسعَى جاهدةً إلى العمل على إحلال سلام عادل، وشامل يضمن العيش الكريم لكلا الشعبَين: الفلسطيني، والإسرائيلي على حدّ سواء في ظلّ دولتَين مستقلتَين ذواتَي سيادة كاملة. وهذا لن يتأتّى بانحياز أعمى دون قيد أو شرط إلى طرف على حساب طرف آخر، وإنّما عبر العمل الجادّ على إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، والإفراج عن الأسرى، وعبر الانحياز المطلق إلى القوانين الدوليّة، ومبادئ حقوق الإنسان.
فليس ثَمة من سبيل أمام الحكومة الألمانية- إن كانت جادّة في وقف رحى الحرب- إلا تسمية المسميات بأسمائها، والوقوف على مسافة واحدة من كلّ الأطراف، وتطبيق المعايير نفسها على الجميع، كما طالب بذلك عام 2012 الأديب الألمانيّ الكبير غونتر غراس، الحاصل على جائزة نوبل للآداب، حين ذمَّ في قصيدته المشهورة "قول ما لا بدَّ أن يقال" هذا "النفاق الغربيّ الذي ضاق به ذرعًا"، وسياسة الكيل بمكيالَين في التعامل مع إيران، وإسرائيل بخصوص امتلاك الأسلحة النوويّة:
فهكذا فقط سيتم مساعدة الجميع: الإسرائيليين والفلسطينيين، وأكثر من ذلك، مساعدة كل أولئك الذين يعيشون في هذه البقعة التي يسيطر عليها الهوس جنبًا إلى جنب أعداء، وفي النهاية مساعدتنا نحن أيضًا.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كيف تعزّز واشنطن من دعمها الشامل لأوكرانيا في حربها ضد روسيا؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تحقيقا مطولا، أعدّه آدم إنتوس عن أسرار الشراكة الأمريكية- الأوكرانية التي أدّت لمقتل حوالي 700,000 جنديا روسيا، وذلك بحسب الأرقام التقديرية للبنتاغون.
وبحسب التحقيق، الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الأرقام المقدّمة للمساعدات العسكرية التي قدمتها البنتاغون تزيد عن 66 مليار دولارا، إلاّ أن الأمر لم يقتصر على المال، بل أيضا على التعاون الأمني والبشري والتخطيط للهجوم الأوكراني المضاد بعد شهرين من دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية".
وأضاف: "بدأت العملية التي التقطت سيارتين غير معلمتين في زاوية شارع بالعاصمة الاوكرانية، كييف، رجلين في متوسط العمر وبالزي المدني. وخرجت القافلة من كييف بحراسة وحدة كوماندو بريطانية، حيث كانت وجهتها الحدود البولندية".
"كان اجتياز الحدود سهلا، حيث تم تزويد الرجلين بجوازات سفر دبلوماسية ومنها إلى مطار ريزسو جاسينكو حيث كانت تتنتظرهم طائرة تجارية من نوع سي-130" استرسل التحقيق نفسه.
وأبرز: "كان الرجلان قائدين عسكريين بارزين، وفي مهمة لعقد شراكة سرية ظلت بعيدة عن الأعين حتى كشفت عنها الصحيفة. أحد الرجلين كان ميخايلو زابرودسكي وفي الطريق للقاعدة العسكرية الأمريكية في كلي كيسرين، بألمانيا، حيث لقيهما الجنرال كريستوفر تي دوناهو قائد الفرقة 18 المحمولة جوا وقدّم مقترح الشراكة".
ومضى بالقول: "على مدار أكثر من عام من العمل الصحافي، أجرى إنتوس أكثر من 300 مقابلة مع صناع سياسات حاليين وسابقين، ومسؤولين في البنتاغون ومسؤولين استخباراتيين وضباطا عسكريين في أوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى".
وأكّد: "كشفت المقابلات أن هذه الشراكة كانت بعيدة وأعمق وشملت الاستخبارات والتخطيط الاستراتيجي والدعم التكنولوجي، والتي لم تكن ظاهرة إلا لدائرة صغيرة من المسؤولين الأميركيين وحلفائهم. وكانت السلاح السري في ما وصفته إدارة بايدن بجهودها لإنقاذ أوكرانيا وحماية النظام العالمي الذي شاركت أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ويواجه التهديد".
واسترسل: "هي الشراكة التي تنهار اليوم في عهد دونالد ترامب، الذي لام الأوكرانيين بدون أدلة وحملهم مسؤولية الحرب. وبدأت إدارة ترامب بتخفيف عناصر الشراكة التي تم التوافق عليها في مقر القيادة الأمريكية بفيسبادن، شرقي ألمانيا في ربيع عام 2022".
وأكّد: "قدّمت البنتاغون جردة بالأسلحة التي قدمت لأوكرانيا، وتبلغ قيمتها 66.5 مليار دولار، بما في ذلك، في آخر إحصاء، أكثر من نصف مليار طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة والقنابل اليدوية، و10 آلاف صاروخ جافلين المضاد للدروع، و3 آلاف نظام ستينغر المضاد للطائرات، و272 مدفع هاوتزر، و76 دبابة و40 نظام صواريخ مدفعية عالية الحركة و20 طائرة هليكوبتر من طراز مي-17، وثلاث بطاريات دفاع جوي باتريوت".
ويكشف التحقيق، أنّ: "أمريكا كانت منخرطة في الحرب بشكل أعمق وأوسع نطاقا. ففي اللحظات الحاسمة، شكلت الشراكة العمود الفقري للعمليات العسكرية الأوكرانية التي، وفقا للإحصاءات الأمريكية، قتلت أو جرحت أكثر من 700 ألف جندي روسي. (أما أوكرانيا، فقدرت خسائرها بـ 435,000)".
وأردف: "جنبا إلى جنب، في مركز قيادة العمليات في فيسبادن، خطّط ضباط أمريكيون وأوكرانيون هجمات كييف المضادة. وساهم جهد استخباراتي أمريكي واسع في توجيه استراتيجية المعركة الشاملة ونقل معلومات الاستهداف الدقيقة إلى الجنود الأوكرانيين في الميدان"، مبرزا أنّ رئيس استخبارات أوروبي، تذكّر كيف صدم من تورط حليف في الناتو في العمليات الأوكرانية.
واسترسل: "كانت الفكرة التي قامت عليها للشراكة هي أن هذا التعاون الوثيق قد يدعم الأوكرانيين في تحقيق إنجاز مستحيل: هزيمة ساحقة للروس. وبدا هذا في متناول اليد بسبب إخفاقات الجيش الروسي المتكررة وشجاعة الأوكرانيين".
وأضاف: "من الأمثلة الأولى على نجاح هذه الاستراتيجية شنّ حملة ضد إحدى أخطر المجموعات القتالية الروسية، جيش الأسلحة المشتركة 58. في منتصف عام 2022، وباستخدام معلومات استخباراتية ومعلومات استهداف أمريكية، أطلق الأوكرانيون وابلا من الصواريخ على مقر الجيش الثامن والخمسين في منطقة خيرسون، مما أسفر عن مقتل جنرالات وضباط أركان بداخله".
"في كل محاولة كانت المجموعة تعيد تمركزها في موقع مختلف، كان الأمريكيون يجدونها، ليدمره الأوكرانيون. وحدث نفس الأمر في ميناء سيفاستبول، شبه جزيرة القرم حيث يتركز الأسطول الروسي في البحر الأسود. لكن في النهاية، توترت الشراكة -تغيّر مسار الحرب- وسط تنافسات واستياء وتضارب في الأولويات والأجندات. فقد اعتبر الأوكرانيون الأمريكيين أحيانا متسلطين ويحبون الهيمنة، اي لم يحبوا النموذج الأمريكي المتعالي" وفقا للتحقيق نفسه.
وأبرز: "لم يفهم الأمريكيون أحيانا لماذا لم يتقبل الأوكرانيون النصيحة الصادقة. ففي الوقت الذي ركّز فيه الأمريكيون على أهداف مدروسة وقابلة للتحقيق، اعتقدوا أن الأوكرانيين يريدون انتصارات باهرة".
وتابع: "من جانبهم اعتبر الأوكرانيون الأمريكيين عائقا أمام تقدمهم. فقد كان هدف الأوكرانيين حسم الحرب. وحتى مع مشاركتهم هذا الأمل، أراد الأمريكيون ضمان عدم خسارتهم".
إلى ذلك، تكشف الصحيفة أنّ: "حصول الأوكرانيين على مزيد من الإستقلالية جعلهم يتكتمون أكثر، وأصبحوا يشعرون بغضب دائم لعدم قدرة الأمريكيين أو عدم رغبتهم في تزويدهم بجميع الأسلحة والمعدات الأخرى التي يحتاجونها". فيما تابع: "غضب الأمريكيون ممّا اعتبروه مطالب أوكرانية غير معقولة ومن ترددهم في اتخاذ خطوات سياسية محفوفة بالمخاطر لتعزيز قواتهم التي تفوقهم عددا بكثير".
واسترسل: "مع ذلك أثمرت الإستراتيجية انتصارا بعد الآخر، حتى جاءت اللحظة المحورية للحرب، في منتصف عام 2023، عندما شن الأوكرانيون هجوما مضادا لبناء زخم النصر بعد نجاحات العام الأول، وعندها سقطت الاستراتيجية التي وضعت في فيسبادن، ضحية للصراعات السياسية الداخلية في أوكرانيا: الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، في مواجهة قائده العسكري (ومنافسه الانتخابي المحتمل)، والقائد العسكري في مواجهة قائده الصغير العنيد".
وتابع: "عندما انحاز زيلينسكي إلى القائد الصغير الذي أرسل أعدادا هائلة من الرجال والموارد في حملة عقيمة في النهاية لاستعادة مدينة باخموت المدمرة انتهى الهجوم بعد أشهر بفشل ذريع".
وختم بالقول: "لكن إدارة بايدن ظلت تواصل، المرة بعد الأخرى الموافقة على عمليات سرية منعتها في السابق، وأُرسل بايدن مستشارين عسكريين أمريكيين إلى كييف، وسمح لهم لاحقا بالسفر إلى مناطق أقرب في مواقع القتال. وساعد ضباط الجيش و سي آي إيه في فيسبادن بالتخطيط ودعم حملة ضربات أوكرانية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا. وأخيرا، حصل الجيش، ثم سي آي إيه، على الضوء الأخضر لشن ضربات دقيقة في عمق روسيا نفسها".
أيضا، تقول الصحيفة إنّ: "أوكرانيا، كانت في بعض النواحي، بمثابة "مباراة إعادة" لتاريخ طويل من الحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، فيتنام في الستينيات، وأفغانستان في الثمانينيات، وسوريا بعد ثلاثة عقود. وكانت أيضا تجربة مهمة في خوض الحروب، تجربة لن تساعد الأوكرانيين فحسب بل ستكافئ الأمريكيين أيضا بدروس مستفادة لأي حرب مستقبلية".
وأردفت: "لكن التعاون العسكري والأمني والتخطيطي لم يكن بدون ملامح من عدم الثقة المتزايدة، وبخاصة عندما دمر الاوكرانيون بارجة حربية روسية هي رمز التفوق لروسيا بدون إعلام الأمريكيين وباستخدام أسلحة أمريكية".
أيضا، كشف التقرير أنّ: "التعاون الأمني والعسكري رغم توسعه إلا أن البيت الأبيض حظر في تبادل المعلومات الاستخباراتية حول مواقع القادة الروس "الاستراتيجيين"، مثل رئيس القوات المسلحة، الجنرال فاليري غيراسيموف. وقال مسؤول أمريكي كبير آخر: "تخيلوا كيف سيكون الحال لو علمنا أن الروس ساعدوا دولة أخرى في اغتيال رئيسنا. كأننا سنخوض حربا".
إلى ذلك، كشف التقرير أيضا عن دهشة الأمريكيين من التوغل الأوكراني في داخل روسيا. وكان التوغل بالنسبة للأمريكيين خرقا كبيرا للثقة. فلم يقتصر الأمر على إخفاء الأوكرانيين عنهم الأمر فحسب، بل تجاوزوا سرّا خطا متفقا عليه، بنقل معدات مقدمة من التحالف إلى الأراضي الروسية.
وأكد: "إلا أن الأمريكيين خلصوا إلى أن أن كورسك كانت الانتصار الذي كان زيلينسكي يلمح إليه طوال الوقت. وكان ذلك أيضا دليلا على حساباته: فقد ظل يتحدث عن النصر التام. لكن أحد أهداف العملية، كما أوضح للأمريكيين، كان الضغط، الاستيلاء على أراض روسية والاحتفاظ بها، والتي يمكن مقايضتها بأراض أوكرانية في مفاوضات مستقبلية".