أثير- عبدالرزّاق الربيعي

هل كان الشاعر نزار قباني يعلم عندما كتب قصيدته “يا تلاميذ غزّة علّمونا” في عام 1988م أن تلاميذ غزة سيكبرون ويصنعون ملاحم بطولية بعد خمس وعشرين سنة، ويعطون العالم درسا في الرجولة؟
دار هذا السؤال في رأسي وأنا أعيد قراءة قصيدة كتبها قبّاني متأثّرا بـ (انتفاضة الحجارة) التي اندلعت في 8 ديسمبر 1987م، واستمرت لست سنوات، وبما أنّ لكل نار مشتعلة شرارة، فقد كانت شرارة الانتفاضة انطلقت عندما دعس جنديٌّ إسرائيليٌّ مجموعة من العمال الفلسطينيين، في أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية، بالقرب من مخيم (جباليا) فانطلقت التظاهرات معلنة احتجاجها، وامتدّت لتشمل غزة والقدس والضفة الغربية وبقية المدن الفلسطينية، ولأن المشاركين في هذه التظاهرات لا يملكون السلاح، لذا استخدموا الحجارة، كما وصف قباني في ثلاثية “أطفال الحجارة”:
“بهروا الدنيا
وما في يدهم إلّا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة”
وهل يوجد أكبر براعة في رمي الحجارة غير الأطفال؟ لذا تصدّروا تلك التظاهرات، وبرزت الحجارة سلاحا ووسيلة للمقاومة والهجوم على الجيش الإسرائيلي، في ملحمة أذهلت العالم، قبل أن يستخدم المتظاهرون زجاجات معبأة بالمحروقات، يقومون بإلقائها على الدوريات العسكرية، قوبلت باستخدام الجنود الإسرائيليين للرصاص الحي والقنابل الغازية والصوتية، بل لجأ الاحتلال للطائرات المروحية.


وكان لابد أن تداعب وجدان الشعراء، ومن أبرزهم الشاعر نزار قباني فكتب هذه القصيدة التي يخاطب بها هؤلاء الأطفال، وقد بدأها بمقطع يصدم به القارئ بمفارقة أن يتحوّل التلاميذ إلى معلّمين يعطون دروسا في البطولة، والرجولة، واصفا بقسوة كيف تحوّلت الرجولة التي تتميّز بالصلابة والقوّة إلى عجين رخو، فهو يقول:
يا تلاميذَ غزَّةٍ…
علّمونا..
بعضَ ما عندكمْ
فنحنُ نسينَا…
علّمونا..
بأن نكونَ رجالاً
فلدينا الرجالُ..
صاروا عجينا..
ثم ينتقل في المقطع الثاني محرّضا هؤلاء الصغار، إلى المضيّ قُدُما في انتفاضتهم، داعيا إلى ضرب العدوّ بكل قوّة وبأس، مستخدما آليّة التكرار اللفظي، للتأكيد على ذلك، وتقوية المعنى:
اضربوا..
اضربوا..
بكلِّ قواكمْ
واحزموا أمركمْ
ولا تسألونا..
ويرفع الشاعر قباني المولود في دمشق21 مارس 1923م والمتوفى بلندن في 30 ابريل 1998م، من حدّة هجومه، منتقلا إلى جلد الذات العربيّة، واصفا الرجال الذين تحوّلوا إلى أشكال رخوة، بل موتى، ويتامى ، قائلا:
نحنُ موتى…
لا يملكونَ ضريحا
ويتامى..
لا يملكونَ عيونا
قد لزمنا جحورنا…
وطلبنا منكمُ
أن تقاتلوا التنّينا
ويواصل جلده للذات، بقوله منتقلا من الكلام عن الرجال بلسان الراوي إلى الحديث بلسان المتكلم، زيادة في الوضوح والصراحة، طالبا من هؤلاء الصغار تحريرنا من عقدة الخوف والجبن، وفي هذا التعبير سخرية، فالمعتاد أن يلجأ الصغار إلى الكبار لحمايتهم، والقضاء على الخوف، لكن الشاعر هنا يقلب المعادلة، ويجعلها معكوسة حين يلجأ الكبار للصغار لتحريرهم من” عقدة الخوف” :
قد صغرنا أمامكمْ
ألفَ قرنٍ..
وكبرتُمْ
-خلالَ شهرٍ- قرونا
حرِّرونا
من عُقدةِ الخوفِ فينا..
واطردوا
من رؤوسنا الأفْيونا..
أمطِرونا..
بطولةً ، وشموخاً
واغسلونا من قُبحنا
اغسلونا..
ثم يختم نصّه بكلّ ثقة، فالأطفال بحجارتهم قضوا على البعبع الوهمي الذي يستدعى لتفزيعهم وإخافتهم، ويؤكّد الشاعر أنه سينهار بمجرد امتلاكنا اليقين بأننا أصحاب الحق، والأرض:
إن هذا العصرَ اليهوديَّ
وَهـْمٌ..
سوف ينهارُ..
لو ملكنا اليقينا..
إن عصرَ العقلِ السياسيِّ
ولَّى من زمانٍ
فعلّمونا الجنونا..
إن نص الشاعر نزار قبّاني الذي وجّهه (إلى أطفال غزّة) هو خطاب لكلّ الأطفال العرب الذين أعطوا مثالا في البطولة والشموخ، والتحرير من عقدة الخوف، وما نشهده اليوم دليل على ذلك.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!


 

نعم مصر فى تطوير دائم لقدراتها كدولة معاصرة منذ أن عادت إلى هويتها فى 2013، وكان الهدف الرئيسى للقيادة السياسية أن يكون تنامى الدولة، نحو إعادة البنية الأساسية للوطن من مرافق، وطرق وإنهاء للعشوائيات وفى نفس الوقت نظرة إلى ما يحيط بنا فى الإقليم من مستجدات والعمل على درء الخطر القادم سواء كان ذلك توارثًا عبر حقبات زمنية سابقة أو نتيجة تحركنا للأمام.

وأهم ما راعته القيادة السياسية فى رؤيتها لتنامى الدولة المصرية هو (درع الأمة وسيفها) فالدرع نظرًا للمستجدات الدولية،والسيف أمام من وجد الفرصة سانحة للقفز على ثوابت تاريخية فى حقوق شعب مصر سواء فى (نيلها ) أو فى شريان الحياة للمصريين، والطمع والتصور بأن من هذا "الشريان" يمكن إخضاع الإرادة السياسية المصرية لمتطلبات إخوانية، وسرطانية، وتوسعية أيضًا من دولة كانت عقيدتنا وما زالت هى العدو الأول لنا وللعرب جميعًا فى المنطقة منذ إنشائها عام 1948" إسرائيل".
ورغم أن تغييب دور مصر عربيًا وهو المقصود من " القوى العالمية" والتى تعلم جيدًا بقرائتها للتاريخ السياسى فى المنطقة أن "مصر" هى المفتاح، ومصر هى "القادرة"، وحينما "تقدر" تستطيع أن تجمع شمل الجميع فكان الحل " تفتيت القوى العربية بفعل فاعل" كما حدث فى "قطر" على سبيل المثال، وإقليميًا كما حدث "بفعل فاعل" فى "تركيا"، وهذه الأنظمة هى التى يحاول الإستعمار الجديد أن ينشطها فى مواجهة قدرة مصر على أن تكون "قادرة".
بل وصل الأمر أن يكون لنا مواجهة من الشرق بعناصر الإرهاب التى تتزود يوميًا بمؤن ورجال "وسياسات مخابراتية"، حتى يصبح النزيف من داخل الوطن !!
ومواجهة فى الغرب بأن يكون على حدودنا العربية عدو مستمد قوته من "تحالف شيطانى" لا يمل أبدًا فى أن يحاول إستمرار تلك الجبهة مفتوحة لتنزف القوى المصرية، وإيهامنا بـأن العدو يأتى من شمال المتوسط ولكن أصابع الشيطان تمتد إلى كل الجهات ففى الجنوب ومن منابع النيل كانت "اليقظة للشيطان" الذى لم يستطع على طول التاريخ منذ العثمانيون والقوى الإستعمارية القديمة تحاول أن تخضع "مصر" عن طريق ( نزف الدماء والمياه) فى الجنوب.
ولعل إخضاع الجنوب والحفاظ على منابع النيل منذ عهد " محمد على" وسيطرة " إبراهيم باشا" على رأس القوات المسلحة المصرية على كل مناطق منابع النيل فى " الكونغو وبحيرة فيكتوريا وإثيوبيا وفى جبالها الممطرة".
ما زال حتى اليوم مرورًا بعصر "جمال عبد الناصر" وعلاقته بالإمبراطور "هيلاسلاسى "والكنيسة المصرية المتمركزة فى ضمير الإثيوبيين.
مرورًا بالرئيس الراحل السادات وضربه لمشروع السد والتى أنكرت" أثيوبيا" تشييده عالميًا، وقام الرئيس  " السادات" بضربه وحينما إشتكى الإثيوبيين رد الرئيس " السادات" الرد الشهير " كيف نضرب شيئًا أنكرتموه عالميًا !!
مرورًا بالرئيس الراحل " مبارك" الذى أولى هذا الملف للمخابرات المصرية فى عصر المرحوم " عمر سليمان" والذى صرح بأن لا حل أمام مصر إلا ضرب "فكرة إنشاء سد" يمنع المياه والحياة عن المصريين فهى قضية " حياة أو موت".
وفى ظل تنامى الدولة المصرية جاء دور القيادة السياسية فى عهد الرئيس " السيسى" لكى نبدأ عهدًا جديدًا فى العلاقات الدولية الإقليمية مبنية على حسن الجوار، والمصالح المشتركة، وتبادل المنافع ومع كل تلك النوايا الطيبة  "تعد مصر سيفها" لكى تدرأ خطر على الأمة إذا وقع !!ولكن برؤية سياسية وطنية أيضًا متنامية وواعية، وهو ما كتبت عنه فى مقال سابق تحت عنوان" إتقوا شر الحليم إذا غضب"!!
ولعل هذا العنوان لمقالى الذى نشر  من قبل مازال حتى هذه اللحظة نداءًا إلى من "تسوَّلْ له نفسه أن يعتدى على حياة المصريين،فالحُلْم له حدود، والحُلمْ له رد فعل قاسى إذا لم يحترمه الأخرون.
وإن غدا لناظره قريب !!             ولعل الغد الذي انتظره وينتظره المصريين، ان نري صاحب القرار السياسي في بلدنا ان الحلم انتهي، ويجب ان يتخذ الحليم موقفا حاسما مثل ماتعلمنا في التاريخ ان العبث بمقدرات هذا الوطن، يقابله رجال ونساء وأطفال مصر ???????? بالقوه الغاشمه، والأمل في القياده مازال قائما.
أ.د/ حماد عبد الله حماد

مقالات مشابهة

  • نتنياهو أراد التخلص من عقدة 7 أكتوبر بلبنان ففاجأته إيران
  • د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!
  • رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن تداعيات اغتيال نصرالله
  • حزما بلدة الحجارة والأودية على جوار القدس تحولت إلى زنزانة!
  • ممثل لبناني شهير يُشارك في مراسم تشييع أحد قادة الحزب (صورة)
  • كيف يقود الخوف من العقاب الإلهي إلى تبني أفكار إلحادية؟.. «حكم ضميرك»
  • د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!
  • «الأيكوفوبيا: مفهوم الرفض تجاه الوطن والثقافة المحلية»
  • منطقة الأمان الخادع
  • مات من شدة الخوف ولم يُصب جسده بأي خدش.. كشف مفاجأة عن سبب وفاة حسن نصر الله بعد معاينة جثته