على وقع الحرب الدائرة في غزة وما يتعرّض له أهلها من عمليات اغتيال جماعية تمهيدًا لمحاولة تشريدهم وتهجيرهم من أرضهم بدأت تُسمع بعض الأصوات، التي ترفض الحرب ومنطقه، حتى داخل إسرائيل، وتطالب بالعودة إلى "حلّ الدولتين"، باعتبار أن الحروب في العالم، القديم منها والحديث، لم تؤدِ إلى أي نتيجة في تغيير خارطة الشعوب، بل عمّقت الانقسامات بين منطقين يسودان العالم، وهما منطق الذي يستقوي على الضعيف، ومنطق الضعيف المغلوب على أمره، والذي يحاول بين الفينة والأخرى المطالبة بحقّه المهدور، ولكن في النهاية تكون الغلبة لمنطق الذئب المستقوي على الحمل، ليصل لافونتين إلى خلاصة واقعية، بعيدًا عن العواطف والشعارات الرنانة، وهي أن منطق القوي هي دائمًا الأفضل ( la raison du plus fort est toujours la meilleure).

 

وعلى رغم ما في قصة لافونتين من واقعية مجحفة فإن كل الحروب في العالم انتهت إلى تسويات أو اتفاقات أو بروتوكولات. وهذا ما سيحصل في غزة على رغم ما دفعته من ضريبة باهظة من دماء أطفالها ونسائها وشيوخها، وما حلّ فيها من دمار وتشريد جماعي. ففي النهاية لا بدّ من أن يصمت المدفع، وأن تحلّ مكانه لغة العقل والمنطق السليم، وليس منطق لافونتين.   

فما قاله الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطاب 3 تشرين الثاني رفع منسوب إعطاء فرصة حقيقية لأي تسوية ممكنة لوقف العدوان على غزة. وهذا ما شجّع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على استكمال جولته العربية طارحًا مبادرته الهادفة إلى وقف إطلاق النار في القطاع الغزاوي، والعمل على منع وصول شرارة الحرب إلى لبنان وتدرجها من معارك "قواعد الاشتباك" إلى حرب شاملة ومدّمرة.  

فبعد زيارته لدولة قطر ولقائه أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني التقى الرئيس ميقاتي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعدما توجه إلى مصر من الأردن، حيث التقى وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن. وهذه الحركة الديبلوماسية لرئيس حكومة لبنان أعادت إلى الدور اللبناني بعضًا من أهميته، وإلى الديبلوماسية اللبنانية الكثير مما فقدته خلال السنوات الأخيرة من قوة حضور وفاعلية، وذلك نتيجة عدم الوضوح في الرؤية وفي السياسة الخارجية اللبنانية.  

فالرئيس ميقاتي، الذي يكرّس كل وقته حاليًا، في زياراته الخارجية، وفي اتصالاته بجميع الأطراف المعنيين بالحرب الدائرة في غزة، لا يسعى سوى إلى ما يمكن أن يُستنتج من خلاصات من شأنها أن تطمئن اللبنانيين إلى أن شبح الحرب قد أصبح وراءهم، وإن كان الحذر في التعامل مع الوقائع الميدانية واجب، خصوصًا أن ما يمكن أن تؤول إليه من مفاجآت اللحظات الأخيرة يقتضي التصرّف معها على أساس التعامل مع كل حدث على حدة، وذلك في انتظار ما ستفضي إليه "الديبلوماسية الناعمة" من نتائج متوقعة، وهي ستكون في أسوأ الأحوال أفضل بمئة مرّة من انتقال الحرب الشاملة إلى كل بقعة من جغرافية لبنان. 

ولا ينسى الرئيس ميقاتي في خلال لقاءاته واتصالاته بأن يذكّر بان لبنان متروك من دون رئيس منذ سنة، وما لتغييب لدور رئيس الجمهورية من سلبيات تلاحق اللبنانيين عبر تفريغ المؤسسات وتهميش أدوارها التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية.  

فالذين يؤيدون رئيس الحكومة أو لا يؤيدونه يجمعون على السواء بأن ما يقوم به الرجل على المستويين الداخلي والخارجي هو أقصى ما يمكن أن يُعمل في هذه الظروف الحرجة، خصوصًا أن لبنان غير مدرج على سلم أولويات الاهتمامات الدولية الصديقة والشقيقة. وهذا ما يجعل من مهمة الاقناع صعبة بعض الشيء، من دون أن يعني ذلك تثبيطًا للهمم، بل يشكّل عامل دفع إضافيًا لإكمال ما تمّ إنجازه حتى الآن. 

وما يجدر ذكره أن مجمل هذه الاتصالات والمساعي واللقاءات تخلص إلى قاسم مشترك واحد بين جميع الذين يهتمون بالوضع اللبناني، وهو أن استقرار لبنان هو ضرورة وأساس للاستقرار في المنطقة. وهذا ما سمعناه يتردّد كثيرًا عندما وقّع لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.  
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: وهذا ما

إقرأ أيضاً:

قرار ترامب خربان بيوت: آلاف الأسر اللبنانية بلا رواتب والمنح الجامعية مهدّدة

تأثّر لبنان بشكل سلبي بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق كلّ المساعدات الخارجيّة، مدّة 90 يومًا "للتقييم". وشمل القرار كلّ المساعدات الأميركيّة المقدّمة لتمويل مشاريع تعليميّة وتنمويّة في عدد من دول العالم. تدير هذه المساعدات جهات أميركيّة عدّة، أبرزها الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (USAID). وعلى الفور، أبلغت الوكالة كلّ الجهات التي تتعامل معها في لبنان أنّها أوقفت التمويل إلى حين مراجعة كلّ مشروع، واتخاذ القرار النهائي بشأنه من قبل الإدارة الأميركية، بما يتماشى مع أجندة الرئيس الأميركي، الذي استثنى من قراره المفاجىء المساعدات العسكريّة لكلّ من اسرائيل ومصر. مصير المنح الجامعية أحدث القرار الرئاسي الأميركي صدمة لدى آلاف اللبنانيين العاملين في هذه البرامج، ولدى الطلاب الحاصلين على منح جامعية من قبل (USAID) وMEPI)) وغيرها من الوكالات الأميركيّة، بعدما استوفوا الشروط الصارمة للمنح لاسيما المتعلّقة بالوضع المادي لذويهم، وباشروا استكمال دراساتهم الجامعيّة على أساسها، ليتفاجأوا قبل أيام بتجميد التمويل، بما يهدّد دراستهم، فيما لو قرّرت الإدارة الأميركية بنهاية مدّة المراجعة إلغاء المنح. وقد علم "لبنان 24" أنّ عددًا من هؤلاء الطلاب، وفور سماعهم بالقرار، تركوا صفوفهم في الجامعة الأميركية في بيروت على وقع الصدمة، وغادروا إلى منازلهم،وبعد ذلك تواصلوا مع إدارة الجامعة التي أوضحت لهم أنّ التمويل مغطّى لهذا العام الدراسي، ولكن مصير المنح غير معروف بالنسبة للأعوام المقبلة. الحال نفسه لدى الموظّفين اللبنانيين العاملين في مشاريع مموّلة أميركيًا. وفق الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، ليس هناك من إحصاء دقيق لعدد هذه المشاريع وعدد العاملين فيها "ولكن هناك عشرات الجمعيات في لبنان لديها مشاريع مموّلة من الوكالة الأميركيّة للتنمية ومن جهات أميركيّة أخرى، ويبلغ متوسط العاملين فيها 3000 لبناني" وفق ما أفادنا به. الجمعيات بين صرف العاملين أو تجميد الرواتب   حاولنا التواصل مع عدد من العاملين في المشاريع المموّلة أميركيًّا، ولكنّهم رفضوا التعليق، حيث أُبلغوا من إدارات البرامج بعدم الإدلاء بأيّ معلومات حيال القرار. ووفق ما توافر من معطيات، تمّ إبلاغ كلّ العاملين في البرامج الأميركيّة بتعليق العمل، ولكن اختلف التعامل بين مشروع وآخر، بحيث يعود لكل مؤسسة يطالها القرار كيفية التصرّف مع الموظفين بحسب نظامها الداخلي وقدراتها المادية. هناك جمعيات بادرت إلى إنهاء العمل فور صدور القرار، وأبلغت العاملين بعدم قدرتها على الاستمرار، وأنهت عقودهم وأوقفت كل شيء. وهناك جمعيات أخرى أبقت على العاملين لديها، بانتظار صدور التقييم، لكن من دون صرف رواتب. تبعات خطرة: آلاف الأسر اللبنانية بلا مدخول والوظائف البديلة غير متوفرة في الشق الاجتماعي والاقتصادي، سيخلق إيقاف هذه المشاريع أزمة متعدّدة الأبعاد في لبنان، وفق الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور بلال علامة في اتصال مع "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ هناك عددًا لا يستهان به من اللبنانيين يعتمدون في معيشتهم على هذه البرامج، سواء العاملين مباشرة مع الجمعيات ويتراوح عددهم بين 2700 و3500 لبناني، وجميعهم يعملون بموجب عقد سنوي يُجدّد سنويًّا حسب الحاجة لذلك، أو لجهة المواطنين المستفيدين من هذه المشاريع التنموية، وبعضهم تشكّل مصدر رزقه الوحيد، خصوصا الآف الأسر الريفية المستفيدة من مشاريع زراعيّة وتربية النحل. المشاريع الممولة من الوكالة الأميركية في لبنان هي تربوية تنموية اجتماعية وصحية، وهناك مساعدات للجيش "وفي حال تمّ إيقاف كل هذه المشاريع بعد انتهاء فترة التقييم، سيتسبّب ذلك في فقدان آلاف اللبنانيين لوظائهم. علمًا أنّ هؤلاء يتقاضون رواتب عالية بالعملة الأجنبيّة، وكانوا قد برمجوا حياتهم وفق مداخيلهم المرتفعة، ولديهم التزامات ماليّة تجاه مدارس وجامعات أولادهم، ومن شأن فقدانهم لوظائفهم أن يعرّضهم إلى نكسة اجتماعيّة، سيكون لها تأثير على الواقع الاجتماعي في البلد بظلّ عدم إيجاد فرص عمل بديلة، مع ارتفاع معدّل البطالة إلى أرقام كبيرة ناهزت 43% العام الماضي، كما أنّ معدلات التضخّم السنوي بلغت حوالي 45% العام الماضي وفق إدارة الإحصاء المركزي. من هنا وجب معالجة الموضوع مع الإدارة الأميركيّة في الفترة الفاصلة عن نتائج التقييم، من قبل لجنة الصداقة الأميركيّة اللبنانيّة أو لجان أخرى على تواصل مع دوائر القرار، خصوصًا أنّ المبالغ التي تُدفع ضمن هذه البرامج تعتبر زهيدة جدًا بالنسبة لميزانية الولايات المتحدة" يقول علامة. الخلفيّات السياسية لقرار ترامب    إضافة إلى الشقّ الاجتماعي، يرى علامة في قرار ترامب خلفيّات سياسيّة، تندرج في إطار التغطية على وقف تمويل الأونروا، من باب اتهام عاملين لديها بالعمل لصالح حركة حماس،معتبرًا أنّ ترامب سيستأنف لاحقًا تمويل بعض المشاريع بحسب سياسته تجاه كلّ دولة من الدول المشمولة بهذه البرامج. تبعات القرار الأميركي ستطال مخيمات النزوح في لبنان التي تستفيد من دعم الوكالة "من شأن بقاء النازحين دون تمويل أن يخلق أزمة أمنيّة واجتماعيّة، لجهة رفع مستويات السرقةوالقتل، واحتمال حصول احتكاكات مع أهالي القرى المحيطة، ما يشكّل قنبلة موقوتة". "كتابي" أكبر المشاريع التربوية تخصّص الوكالة الأميركيّة حصّة كبيرة للشقّ التربوي، بحيث تموّل مشاريع تربوية بالتعاون مع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وتقدّم مساعدات تقنية وتدريب وبناء وتجهيز المدارس الرسمية، وتعمل مع المدارس الخاصة لاسيما المجانية وغير المقتدرة. أبرز هذه المشاريع مشروع "كتابي 3 QITABI" بتمويل يبلغ 97 مليون دولار، تنفّذه مؤسسة  RTI  الدوليّة وهي مؤسسة أميركية غير ربحيّة للأبحاث والتنمية الدولية. يهدف المشروع إلى تحسين تعلّم الطلاب للغات من الروضة 3 الى الصف 12 في المدارس الرسميّة عبر حقيبة "فرانتاستيك"، التي تقدّم نهجًا عمليًّا لتعلّم اللغة من خلال دمج الأنشطة الممتعة مع الدروس، وتحوّل الصف الدراسي إلى مساحة ديناميكية وتفاعلية. وقد سبق "كتابي 3" "كتابي 1" و"كتابي 2" وكلّ مشروع نُفّذ على مدى خمس سنوات، الجزء الأول منه انطلق عام 2014 وعمل على دعم مخرجات اللغة العربية من الصف الأول لغاية الصف الرابع. تطوّر المشروع في نسخته الثانية عام 2019 ليشمل تعلّم اللغتين الإنكليزية والفرنسية إلى جانب العربية ومادة رياضيات، يضاف لذلك التعلّم العاطفي الانفعالي، لبناء القدرات النفسيّة للطلاب وتخطي العقبات.ومؤخرًا انطلق مشروع "كتابي 3" الذي توسّع ليشمل الصفوف من الحضانة إلى الثانوي، وإشراك الأهل ودعم بناء قدرات مدراء المدارس والكادر التعليمي. وهناك مشاريع تربوية أخرى ومنح جامعية، ورغم أنّ الأموال مرصودة سابقًا لهذه المشاريع لا يمكن التصرّف بها بعد قرار ترامب، خصوصًا أنّ التمويل يأتي مرحليًّا. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • نشاط الرئيس عون... اجتماع رئاسي ثلاثي وسلسلة لقاءات
  • ميقاتي استقبل مساعد وزير الخارجية الكندي للشؤون البرلمانية واجتمع مع كلاس وبوشيكيان
  • هل ربحت القوات اللبنانية بتشكيل الحكومة؟
  • سفير مصر في بيروت يقدم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية اللبنانية
  • نواف سلام: أواجه حملات مجحفة ولن أسمح بتعطيل الحكومة اللبنانية
  • ميقاتي التقى مفوض الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وسفيرة النرويج
  • تركيا: التحقيق في مقتل ثلاثة أتراك بغارة إسرائيلية على الحدود اللبنانية
  • قرار ترامب خربان بيوت: آلاف الأسر اللبنانية بلا رواتب والمنح الجامعية مهدّدة
  • لتكثيف الرقابة على الأماكن المتضررة من الحرب.. بيان لـالهيئة اللبنانية للعقارات
  • ميقاتي يستقبل رئيس وزراء قطر في دارته