من رحم الأزمات تتكشف معادن الدول والشعوب، من ينحاز للحق ومن يأخذ جانب الباطل. من يدعو إلى السلام ومن يشجع على الحرب. من يشعل نيران الفتنة ومن يحاول أن يطفئها. من يعتنق التمييز والعنصرية ومن يعتنق الإنسانية وينشر التسامح ولا يفرق بين إنسان وآخر على أسس عرقية أو دينية أو طبقية.
منذ اندلاع حرب غزة عبّرت الدول العربية المعتدلة بلغة الدبلوماسية عن رفضها هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل واختطافها عدداً من المدنيين والعسكريين، داعية إسرائيل إلى تغليب لغة الحكمة في رد الفعل.
ولكن بعد أن بدأت الحرب على غزة من دون تمييز بين المدنيين والمسلحين، واعتبارها كل إنسان أو بناء أو فضاء يعد هدفاً لها، وبعد محاصرة الفلسطينيين وقطع الماء والغذاء والكهرباء والدواء عنهم، ارتفعت الأصوات العربية رافضة لسياسة العقاب الجماعي. العرب دائماً كانوا دعاة سلام، ينشدون للشعوب الأمان، خاضوا العديد من الحروب مضطرين دفاعاً عن الأوطان وحماية للسيادة، لم يعتدوا على أرض الغير على الرغم من أن التاريخ يخبرنا أن الأرض العربية كانت دائماً مطمعاً للغزاة وحلماً للمستعمرين، لذا شهدت أرضنا في التاريخ القديم والحديث الكثير من الحروب، انتصروا وانهزموا، لكنهم لم يرفعوا الراية البيضاء.
الصراع العربي الإسرائيلي بدأ منذ وعدت بريطانيا اليهود بوطن قومي في فلسطين، وخاض العرب ضد إسرائيل حروباً متعددة بدأت من 1948 ولم تنته بعد انتصارات أكتوبر 1973، ذلك أن إسرائيل رفضت كل مبادرات السلام الأممية والعربية، وبات السلام حلماً تبدده الحروب التي تندلع بين وقت وآخر سواء على جبهة غزة أو على جبهة لبنان، ويحول دون تحقيقه عدم الالتزام باتفاقيات السلام وخصوصاً اتفاق أوسلو الذي مر عليه 30 عاماً.
وعلى الرغم من ذلك واصل العرب جهودهم لنشر السلام في المنطقة، لكنه السلام الذي يستلزم قبوله من مختلف الأطراف، ومباركته من القوى الكبرى، حيث لا تزال بعضها تدعو نظرياً إلى السلام، وتحرص عملياً على تأجيج الصراع من وقت لآخر. المواقف العربية تجاه الأزمة الحالية واضحة لا لبس فيها، والمطالب العربية ثابتة وتستند إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لكن إسرائيل تتجاهل أي حل وتمضي قدماً في سياساتها التوسعية. ولو كان السلام الشامل والعادل المنشود عربياً والمنصوص عليه في الاتفاقيات والمُقَر أممياً قد تحقق، ما اندلعت الحرب التي نشهدها اليوم، والتي ليست سوى نتاج طبيعي للحصار الذي يعيشه أهل غزة منذ سنوات ونتاج لضياع حقوق الفلسطينيين.
بعد اندلاع الأزمة كانت الأصوات العربية شبه موحدة، بيانات وزارات الخارجية تتشابه في المضمون وتختلف في الصياغة، تصريحات الزعماء والدبلوماسيين تستخدم نفس المصطلحات، القاهرة استضافت مؤتمراً للسلام والإمارات دعت إلى انعقاد مجلس الأمن والأردن تقدم مشروعاً لوقف الحرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والسعودية تستعد لاستضافة قمة عربية، والعرب يطالبون يومياً بالضغط على إسرائيل لوقف المجازر التي حصدت أرواح الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.
إجماع عربي على عدم تكرار نكبة 1948 بناء على مخططات التهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر والأردن، وجهود متواصلة لفتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات للمحاصرين في قلب النار. وعلى الرغم من كل ذلك تواصل إسرائيل طريقها الذي يضع المنطقة فوق صفيح ملتهب، ويفتح الباب لتوسيع الحرب وفتح جبهات جديدة يمكن أن تشعل العالم وتحرق الجميع.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: ترامب سيقيد إسرائيل في حربها على غزة ولبنان
قال إيريك روجو، عقيد متقاعد بالجيش الأمريكي، إن دونالد ترامب سوف يمارس كل الضغوط الحقيقية والملموسة كما فعل في ولايته السابقة، مؤكدا أن هناك سياسات واقعية وإجراءات علمية سينفذها ترامب، إذ إنه لا يعطي مجرد وعود فهو مفاوض من الطراز الأول ولديه خطوات إيجابية في كثير من الأمور.
وأضاف «روجو»، خلال تصريحات مع الإعلامي كمال ماضي مقدم برنامج "ملف اليوم"، عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أن ترامب على مقربة من عقد اتفاقيات كبيرة مثلما فعل مع المملكة العربية السعودية من أجل إحلال السلام والاستقرار، موضحا أن ترامب لديه الكثير الأدوات التي تمكنه من الوصول إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، مواصلا: «ترامب يحاول الحد من تدخلات إيران وهذا أمر يدعو إلى الاستقرار».
إبراهيم عيسى عن رقصة ترامب: مشهد احتفالي لا ينتقص من قدره ومكانته إبراهيم عيسى: عودة ترامب للبيت الأبيض هوليوديه سينمائية.. رجوع المنتقموأكد أن إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط يتطلب العمل الجاد، وفي هذه الحالة سوف يقيد ترامب إسرائيل من تنفيذ هجمات إضافية أو طويلة الأمد، وسوف يتعامل بشكل مناسب للحد من التداعيات تجنبا لأي حرب إقليمية، لافتا إلى أن هذا الأمر ليس باليسير ولكن يمكن تحقيق هذا الهدف.
وتابع: «خلال الأشهر القادمة إلى أن يكون ترامب رئيسا رسميا، يُمكن أن نرى توجهات الرئيس جو بايدن خلال الفترة الانتقالية، وستكون هناك مشاورات لملف الشرق الأوسط من قبل بايدن».